كلُّ أمّ عندها أطفال ، لا بد أنها عانت من الغيرة بينهم ، وأحيانا تظن نفسها أنها تعاملهم بمساواة وعدل وتتفاجئ فيما بعد بأنها كانت مخطئة ، والغيرة بينهم قد وصلت موصلها ....
وكلّنا نعرف قصّة أبناء أبينا آدم ، قابيل وهابيل ، وكيف سوّغ الشيطان لقابيل قتل أخيه هابيل غيرة وحسدا..
وقصّة نبينا يوسف وكيف أن أخوته خطّطوا لقتله ثم أوحى الله لهم رميه في البئر بدلا من قتله ، وكلّ هذا بسبب غيرتهم من أخيهم يوسف ولظنّهم أنّ أبيهم يحبّه ويميّزه عنهم ...
لذلك يبدو أنّ الغيرة بين الأخوة هي شيء تاريخيّ وطبيعي ، وأنّ هذه الغيرة قد تتحوّل إلى غيرة قاتلة أو مدمّرة ، فهي شعور ممزوج بين حبّ التملّك والغضب ، ذلك الغضب الذّي قد يؤدي حتّى إلى الأذية والقتل ..
وهنا يأتي دورك كأمّ أو كأبّ لتلافي أن تصل الغيرة لهذا الحد ، أو حتى لتحويلها إلى شعور الحب وتمني الخير للأخ ومساندته ...
طبعا سيكون ذلك وأولا بالعدل والمساواة بين الأبناء ، بحيث تعاملينهم بدون تفرقة وبعدل ، لو قلت كلمة حلوة لواحد منهم فعليك قولها للجميع ولو أعطيت قبلة لأحدهم فعليك إعطاءها للجميع ، والتشجيع والمكافآت للجميع عندما يحسنون التصرف والعمل ..
مع مراعاة فارق العمر والحالات الخاصة ...
كما عليك أن لا تغدقي على مريضهم بالحب والاهتمام وتهملين الأ صحاء منهم ، أو على صغيرهم وتنسين أكبرهم وتقولين هو كبير ولا يحتاج للحب والقبلة والحضن ...
أو تصبّين كلّ اهتمامك على المولود الجديد، وتنسين أخاه الكبير وأنت تعتقدين أنّه لا يحتاج لك ....
الغيرة قد تصل لحد القتل أو الأذية فتوخي الحذر ...
أحيانا تكون التفرقة أو سبب الغيرة من المحيطين بالطّفل ، وليس من الأبّ والأمّ ، مثلا تمر علينا أحيانا كثيرة أن يكون لديك الولد أجمل من البنت ، وكلما رآهم أحد يصرّح بشكل علني أمام الطفلين أنّ الولد أجمل ، فتنزعج البنت وتكبر وهي قليلة الثقة بنفسها وتحقد على أخيها ، وقد مرّت أمامي حالات كثيرة مثل هذه الحالة ، فعليك أولا، تنبيه المحيطين بك من أسرتك وأقاربك ألا يتحدّثوا أمام الأطفال بهذا الشكل ، فكله خلقة رب العا لمين ، وأن تعززي ثقة ابنتك بنفسها وتعلمينها أنّ الجمال جمال الروح والتصرفات والنفس لا جمال الشكل ، وهنا دورنا نحن المثقفين أن نوعي المجتمع لهذا الأمر ...
من الأشياء الضرورية لتلافي الغيرة هي تهيئة الطفل للمولود الجديد ، وإخباره أن أخا أو أختا سيولد ، وأنه كان في بطنك من قبل ، وتريه صوره وهو صغير ووقت ولادته ، وأن هذا المولود سيكون ضعيفا وعليه مساعدتك في تربيته ، وتُشركي طفلك في اختيار ملابس المولود والشنطة والسرير وماإلى ذلك ....
وعندما يولد المولود لاتحمليه وتصبّي كلّ اهتمامك عليه ، أصلا هو لا يحتاج إلّا للنوم والغيار والإرضاع ...واستمري بحب طفلك الأكبر والاهتمام به ....
أنا شخصيا منذ عرفت بحملي الأخير ، حاولتُ بالتدريج أن أوهيء ابنتي ذات الثلاث سنوات لذلك ، من أن تأكل بنفسها وتنام لوحدها في السرير دون أن تعذبني بالنوم بجانبها حتى تنام ، وأشياء أخرى حتى تعتمد على نفسها ، وعند ولادتي ، ذهب والدها لإحضاري من المشفى ، ونحن عائدين اشترينا لها دراجة كانت تريدها وقلنا لها أنها من أخوها من المشفى ...
ولم تتغير معاملتي لها وكان تسألني :
أريد أن أرى أخي لماذا هو نائم دائما ؟؟؟
سأذكر لكن موقف حصل معي، مع ابني الأول، عندما ولدتُ أخاه الأصغر، وكان بعمر ثلاث سنوات ، في البداية لم يكن يغار منه وكان يحبّه ولم يشعر بشيء من التغيّر ، وكان يسألني لماذا يرضع وكنت أريه فمه وأقول له انظر لا أسنان له ، ولا يستطيع المشي أو الوقوف إنه ضعيف وصغير ...وكان يضحك منه ...لكن عندما كبرالمولود قليلا وصار عمره حوالي ثمان أشهر وبدأ يسنن ويعذبني ، صار يأخذ من وقتي أكثر، فأصبح يغار منه ويقول لي لستُ كبيرا، أنا صغير أيضا ، حتى أني استيقظت مرة لأجده وقد بلّلَ سريره ، وتفاجأتُ عندما أحسّست أنه متقصّد ، لأني سألته:
- لماذا ياماما؟؟
قال:
- أنا صغير ولست كبيررا ..
وفي اليوم التالي نفس الشيء ، فقلتُ له :
-أنتَ صغير ولكنك قوي وشجاع ولو استيقظتَ غدا ولست مبللا سريرك وثيابك ، ستجدُّ مكافأة تحت وسادتك ...
عندما نام في الليل ذهب والده واشترى له لعبة وحلوى ، وأنا وضعتها تحت مخدته ، وأيقظته في الليل على الحمام ، ولما استيقظ صباحا ولم يبلل سريره بحث تحت وسادته، ولما رأى الهدايا كان سعيدا بها جدا ، وفي اليوم التالي لم أوقظه في الليل ونام للصباح ، ووجد الهدايا مرة ثانية ...
ومن ذلك اليوم لم يعد يغار من أخيه ولم يعد يبلل سريره أبدا ...
هناك موقف روته أمي لي :
عندي أخين الفرق بينهما بالعمر أقل من سنتين ، وطبعا كالعادة الدلال للأصغر دائما ( للأسف )
وكانا كبيرين عندما تشاجرا مرة ، فضرب الأكبر الأصغر بعنف شديد وأمي فرَّقتْ بينهما وسألتْ أخي الكبير :
لماذا أليس هو أخاك ، أهكذا علمتك ، أن تضرب أخاك !!!!!
فأجابها :
يكفي أنه أخذك مني يا أمي ...
( وأجهشت بالبكاء ..)
عزيزتي الأم :
اعرفي دائما سبب الغيرة وحاولي تلافيه أو حله ، فهو أساس المشكلة ....
الغيرة الطبيعية التي تساعد على التنافس والتسابق جيدة، لكن أن تتحوّل إلى غيرة قاتلة فهذا هو المُصاب ، قد يتحوّل صاحبها إلى شخص عدائي ، أو قليل الثقة بنفسه وانطوائي ..
فكوني دوما حذرة ولا تنسي تحصينَ أطفالك دائما حتى يكونوا برعاية الله وحفظه ...