( يا سامعا لكل شكوى ! ) - الصفحة 3 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 11-10-2013, 02:51 AM
  #21
*سر الحياة*
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 13,758
*سر الحياة* غير متصل  
رد : ( يا سامعا لكل شكوى ! )

الباب الذي لايغلق /

وأذكر أن طالباً متميزاً في دراسته حصل له ظرف في ليلة امتحان إحدى المواد، ولم يستطع أن يذاكر جميع المنهج المقرر للمادة إلا بقدر الثلث، فاهتمّ واغتمّ وضاقت عليه نفسه، ولم يستطع الإفادة من باقي الوقت لاضطراب النفس وطول المنهج، فما كان منه إلا أن توضأ وصلى ركعتين، وألـحّ على الله بأسمائه وصفاته وباسمه الأعظم ، يقول الطالب: فدخلت قاعة الامتحان ووزعت أوراق الأسئلة وقبل أن أنظر فيها دعوت الله عز وجل ورددت بعض الأذكار، ثم قلبت الورقة فإذا الأسئلة أكثرها من ذلك الثلث الذي درسته، فبدأت بالإجابة، ففتح الله عليَّ فتحاً عجيباً لم أكن أتصوره ولكن ربي سميع مجيب. فإلى كل الطلاب والطالبات! أقول: لماذا غفلت عن الدعاء والشكوى إلى الله، وأنتم تشكون إلى بعضكم وتزفرون وتتوجعون؟! لماذا يعتمد الكثير منكم على نفسه وذكائه، بل ربما اعتمد البعض على الغش والاحتيال؟! إن النفس مهما بلغت من الكمال والذكاء، فإنها ضعيفة، وهي عرضة للغفلة والنسيان، نعم.
لنفعل الأسباب ولنحفظ ولنذاكر ونجتهد، ولكنها كلها لا شيء إن لم يعنك الله ويفتح عليك، فلا حول ولا قوة إلا بالله في كل شيء، فهل طلبت العون من الله؟ توكل على الله، وافعل الأسباب، وارفع يديك إلى السماء وقل: يا سامعاً لكل شكوى! وأظهر ضعفك وفقرك إلى الله، وسترى النتائج بإذن الله. وأنت أيها المدرس والمُدرسة! بل ويا كل داعية! لماذا نعتمد على أنفسنا الضعيفة في التوجيه والتعليم؟! هب أننا أعددنا الدرس جيداً، وفعلنا كل الأسباب، هل يكفي هذا؟! لعلك تسأل: ماذا بقي؟! أقول: هل سألت الله العون والتوفيق عند تحضير الدرس؟ هل سألت الله أن يفتح لك القلوب، وأن يبارك في كلماتك وأن ينفع بها؟ هل سألت الله العون والتوفيق وأنت تلقي الدرس؟! هل دعوت لطلابك أن يبارك الله لهم، وأن ينفع بهم، وأن يصلحهم وييسر عليهم؟ هذه بعض الأمثلة والمواقف، وما يُعرف ويحكى أكثر وأكثر، ولكننا نريد العمل والتطبيق.

دعاء المضطر /

وهنا تنبيه مهم: فكثير من الناس إذا وقع في شدة، عمد إلى الحرام، كمن يذهب إلى السحرة والكهان، أو يتعامل بالربا والحرام، فإذا نُصِح أو ذُكِّر قال: إنه مضطر، أو كما يقول البعض: ليس مَن رجلُه في النار كمن رجله في الماء! لعلّي أيها الحبيب! أذكّرك بآية، ربما أنك نسيتها في خضم المصيبة والشدة التي وقعت فيها، إن الله عز وجل يقول: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62] والمضطر: الذي أخرجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجأ والتضرع إلى الله، كما يقول الزمخشري .

وأنت أيها الأخ! أو أيتها الأخت! تذكر أنك مضطر، والمضطر وعده الله بالإجابة، حتى وإن كان فاسقاً، فإذا كان الله أجاب دعوة المشركين عند الاضطرار فإن إجابته للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى. جاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر، فقال له: فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. إن الله عز وجل قد ذمّ من لا يستكين له ولا يتضرع إليه عند الشدائد، وانتبه أيها الحبيب! لابد من الضراعة والاستكانة لله عند الشدة، كما أخبر الله، فقال عز من قائل: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون:76] أي: لو استكانوا لربهم وتضرعوا لكان أمرا آخر، فكيف بحال من يقع في الشرك والحرام عند البلاء والشدة فيزيد الطين بلة؟! كيف يريد الشفاء، أو انكشاف البلاء، وهو يطلبه من مخلوقين مثله ضعفاء؟! قال بعض السلف : قرأت في بعض الكتب المنزلة يقول الله عز وجل: (يؤمل غيري للشدائد، والشدائد بيدي، وأنا الحي القيوم، ويرجى غيري، ويطرق بابه بالبكرات وبيدي مفاتيح الخزائن، وبابي مفتوح لمن دعاني، من ذا الذي أملّني لنائبة فقطعت به؟ أو من ذا الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه؟ ومن ذا الذي طرق بابي فلم أفتحه له؟! أنا غاية الآمال فكيف تنقطع الآمال دوني؟! أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أليست الدنيا والآخرة والكرم والفضل كله لي؟! فما يمنع المؤملين أن يؤملوني؟! ولو جمعت أهل السماوات وأهل الأرض ثم أعطيت كل واحد منهم ما أعطيت الجميع وبلّغت كل واحد منهم أمله لم ينقص ذلك من ملكي عضو ذرة، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟! فيا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني ووثب على محارمي).

يُتبع ...
رد مع اقتباس
قديم 11-10-2013, 02:54 AM
  #22
*سر الحياة*
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 13,758
*سر الحياة* غير متصل  
رد : ( يا سامعا لكل شكوى ! )

عبودية الدعاء /

إن الله يحب أن يسأل ويغضب على من لا يسأله، فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه، ويدعوه ويفتقروا إليه، ويحب الملحين في الدعاء، بل وينادي في كل ليلة: (هل من سائل فأعطيه؟ وهل من داع فأستجيب له؟) فأين المضطرون؟ أين أصحاب الحاجات؟! أين من وقع في الشدائد والكربات؟! أيها الأخ الحبيب اقرأ وانظر في حادثة الإفك، وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار، وحديث المقترض الذي وضع المال في الخشبة وألقاها في البحر، وحديث الثلاثة الذي خلفوا، وغيرها من القصص النبوي في الصحاح والسنن . فُرِج عنهم بسؤالهم الله، وإلحاحهم بالدعاء، رفعوا أيديهم إلى الله وأعلنوا الذل والخضوع لله، وهذا الذل لا يصلح إلا لله، لحبيبه ومولاه.
ذُل الفتى في الحب مكرمة وخضوعه لحبيبه شرف
فالعبودية لله عزٌ ورفعة، ولغيره ذل ومهانة. وفي سؤال الله عبودية عظيمة؛ لأنها إظهار للافتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج.
فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا فابذله للمتكرم المفضال
كان يحيى بن معاذ يقول: يا من يغضب على من لا يسأله! لا تمنع من قد سألك. وكان بكر المزني يقول: من مثلك يا ابن آدم؟! متى شئت تطهرت ثم ناجيت ربك، ليس بينك وبينه حجاب ولا ترجمان. وسأل رجل بعض الصالحين أن يشفع له في حاجة إلى بعض المخلوقين، فقال له: أنا لا أترك باباً مفتوحاً وأذهب إلى باب مغلق. هكذا فلتكن الثقة بالله والتوكل على الله.

يُتبع ..
رد مع اقتباس
قديم 12-10-2013, 02:06 AM
  #23
*سر الحياة*
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 13,758
*سر الحياة* غير متصل  
رد : ( يا سامعا لكل شكوى ! )

توجيهات قبل الختام /
وقبل الختام وحتى نصل إلى ما نريد، من فن الشكوى وحسن النجوى، تنبه لهذه التوجيهات:

تعلّم آداب وشروط الدعاء /
الدعاء له آداب وشروط، لابد من تعلمها والحرص عليها، واسمع لهذا الكلام الجميل النفيس لـابن القيم رحمه الله حيث قال: وإذا جمع العبد مع الدعاء حضور القلب، وصادف وقتاً من أوقات الإجابة، وخشوعاً في القلب، وانكساراً بين يدي الرب، وذلاً له، وتضرعاً ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على رسول الله، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه، رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد أبداً، ولاسيما إذا صادف الأدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الإجابة، وأنها متضمنة للاسم الأعظم.
انتهى بتصرف من الجواب الكافي لـابن القيم صفحة (19).

الصدقة /
وقد أكّد عليها ابن القيم في كلامه السابق، ولها أثرٌ عجيبٌ في قبول الدعاء، وبل وفعل المعروف أياً كان: [فصنائع المعروف تقي مصارع السوء].
كما قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والله عز وجل يقول عن يونس عليه السلام: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:143-144].

عليك بالصبر، وإياك واليأس والقنوط /
وفي هذا توجيهات: أولاً: اعلم أن الدعاء عبادة، ولو لم يحصل لك من دعائك إلا الأجر على هذا الدعاء بعد إخلاصك لله عز وجل فيه لكفى. ثانياً: أن تعلم أن الله أعلم بمصلحتك منك، فيعلم سبحانه أن مصلحتك بتأجيل الإجابة أو عدمها. ثالثاً: لا تجزع من عدم الإجابة، فربما دُفِع عنك بهذا الدعاء شراً كان سينزل بك، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد وزاد فيه: (أو يدّخر له من الأجر مثلها). رابعاً: امتحان الصبر والتحمل: ربما كان عدم الإجابة أو تأخيرها امتحان لصبرك وتحملك وجلدك: هل تستمر في الدعاء وفي هذه العبادة أم تستحسر وتملّ وتترك الدعاء؟! ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي) متفق عليه .
وفي جزء من رواية لـمسلم : (قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء). خامساً: أن تلقي باللوم على نفسك: وهي من أهمها، أنت تلقي باللوم على نفسك؛ فقد يكون سبب عدم الإجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي، أو التقصير أو إخلالك بالدعاء أو تعديك فيه، فمن أعظم الأمور أن تتهم نفسك وتنسب التقصير وعدم الإجابة إلى نفسك، فهذا من أعظم الذل والافتقار إلى الله. واسمع -أيضاً- لهذا الكلام الجميل النفيس، لـابن رجب رحمه الله في نور الاقتباس يقول: إن المؤمن إذا استبطأ الفرج، ويئس منه، ولاسيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه، ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة، يقول لها: إنما أُتيت من قبلك، ولو كان فيك خيراً لأجبت.
وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنه ليس بأهل لإجابة دعائه، فلذلك يسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، وعلى قدر الكسر يكون الجبر.
انتهى كلامه رحمه الله.

تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة /
قال سلمان الفارسي : [إذا كان الرجل دعاءً في السراء، فنزلت به ضراء، فدعا الله عز وجل قالت الملائكة: صوت معروف، فشفعوا له.
وإذا كان ليس بدعاء في السراء، فنزلت به ضراء فدعا الله، قالت الملائكة: صوت ليس بمعروف فلا يشفعون له] ذكر ذلك ابن رجب. أيها الأخ! وأنا أتأمل في حديث الثلاثة أصحاب الغار، وهم يدعون ويتوسلون إلى الله بصالح أعمالهم وأخلصها لله، أقول في نفسي وأفتش فيها: أين ذلك العمل الصالح الخالص لله..
الخالي من حظوظ النفس..
الذي سألجأ إلى الله فيه عند الشدة؟! فلنرجع لأنفسنا ولنسألها مثل هذا السؤال..
لنبحث في أعمالنا، وعن الإخلاص لله فيها، ولنكن على صلة بالله في الرخاء، وصدق من قال:
إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخراً يكون كصالح الأعمال

الإيمان بالقضاء والقدر /
إن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان بالله تعالى، وفيه اطمئنان للنفس وراحة للقلب، فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وتذكر دائما أن كل شيء بقضاء وقدر، وأنه من عند الله.

الحرص على أكل الحلال /
احرص على أكل الحلال، فهو شرط من شروط إجابة الدعاء وفي الحديث: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يده إلى السماء..
يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة . فالله الله بالحلال، فإن له أثراً عجيباً في إجابة الدعاء، ربما قصرنا في وظائفنا، أي نوع من التقصير وكان ذلك التقصير سبباً في رد الدعاء وعدم إجابته، فلننتبه!

الإكثار من الاستغفار /
وأخيراً من التوجيهات حتى تكون مجاب الدعوة إن شاء الله: أكثر من الاستغفار في الليل والنهار، فلو لم يكن فيه إلا قول الحق عز وجل: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12]. فأين من يشكو الفقر والعقم والقحط عن هذه الآية؟! هذه توجيهات انتبه لها قبل أن ترفع يديك إلى السماء، لتكن إن شاء الله مجاب الدعوة.

يُتبع ..
رد مع اقتباس
قديم 12-10-2013, 02:11 AM
  #24
*سر الحياة*
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jun 2013
المشاركات: 13,758
*سر الحياة* غير متصل  
رد : ( يا سامعا لكل شكوى ! )


ولك في المصابين أسوة /

إلى كل مصاب ومنكوب، وإلى كل من وقع في شدة وضيق، أقول: اطمئنوا فقد سبقكم أناس في هذا الطريق، وما هي إلا أيام سرعان ما تنقضي وفي الكتب المصنفة، في الفرج بعد الشدة، للتنوخي ولـابن أبي الدنيا والسيوطي وغيرهم، مئات القصص ممن مرضوا، أو افتقروا، أو عذبوا، أو شردوا، أو حبسوا، أو عزلوا، فجاءهم الفرج، وساقه لهم السميع المجيب. فلك في المصابين أسوة، قال ابن القيم في زاد المعاد كلاماً جميلاً -أيضاً- فاسمعه: ومن علاجه -أي: علاج المصيبة- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة، ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة، وأنه لو فتش العالم لن يرى فيهم إلا مبتلى، إما بفوت محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً ساءت دهراً، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً، وما ملأت داراً حبرة -أي: سعادة- إلا ملأتها عبرة، ولا سرّته بيوم سرور، إلا خبأت له يوم شرور.


انتهى كلامه رحمه الله.

فيا أيها الأخ ويا أيتها الأخت! قصص القرآن والأحاديث في كتب السنة، والقصص والمواقف في كتب الفرج بعد الشدة، والأحداث والعبر في واقعنا المعاصر جميعها تخبرنا أن الشدائد مهما طالت لا تدوم على أصحابها:

إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاقت لما به الصدر الرحيب

وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضر وجها ولا أغني بحيلته الأريب

أتاك على قنوط منك غوث يجيء به القريب المستجيب

وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القريب

ولو لم يكن في المصائب والبلايا إلا أنها سبب لتكفير الذنوب، وكسر لجماح النفس وغرورها، ونيل للثواب بالصبر عليها، وتذكير بالنعمة التي غفل عن شكرها. وهي تذكر العبد بذنوبه، فربما تاب وأقلع عنها، وهي تجلب عطف الناس ووقوفهم مع المصاب. بل من أعظم ثمار المصيبة أن يتوجه العبد بقلبه إلى الله ويقف ببابه ويتضرع إليه، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء! فالبلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين، ويوجب له الإقبال على الخالق وحده، وهذا هو الإخلاص.
.

هذا هو الإخلاص والتوحيد. فإذا علم العبد أن هذه من ثمار المصيبة أنس بها وارتاح، ولم ينزعج ولم يقنط. فإلى ذوي المصائب والحاجات، والشدائد والكربات،

إن منهج القرآن يقول: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]. بل اسمعوا لهذه الآية العجيبة، ففيها عزاء وتطمين لكل المسلمين، قال تعالى: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] فلماذا التسخط والجزع، والشكوى والأنين؟ فلعل فيما حصل خيراً لك، فتفاءل وأبشر، واعتمد على الله، وارفع يديك إلى السماء وقل: يا سامعا لكل شكوى! وأحسن الظن بالله وقل:
صبراً جميلاً ما أسرع الفرجـا من صَدَقَ الله في الأمور نجا

من خشي الله لم ينله أذى ومن رجا الله كان حيث رجا
هذه كلمات؛ لتسلية المحزونين، وتفريج كرب الملذوعين، وهي عزاء للمصابين، وتطييب للمنكسرين، أسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يغفر لي ولكم أجمعين.

فيا سامعا لكل شكوى! ويا عالماً بكل نجوى! يا سابغ النعم! ويا دافع النقم! ويا فارج الغمم! ويا كاشف الظلم! ويا أعدل من حكم! ويا حسيب من ظَلَم! ويا ولي من ظُلِم! يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه ليل ويشرق عليه نهار! كم من نعمة أنعمت بها علينا قلّ لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قلّ عندها صبرنا، فيا من قلّ عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا! ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا! اقذف في قلوبنا رجاءك. اللهم! اقذف في قلوبنا رجاءك، واقطع رجاءنا عمن سواك، حتى لا نرجوا أحداً غيرك. اللهم! إنا نسألك إيماناً ثابتاً، ويقيناً صادقاً، حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجاؤنا. احرسنا بعينك التي لا تنام، وبركنك الذي لا يرام. يا سامعاً لكل شكوى! ويا عالماً بكل نجوى! يا كاشف كربتنا! ويا مستمع دعوتنا! ويا راحم عبرتنا! ويا مقيل عثرتنا! يا رب البيت العتيق! اكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق. اللهم! فرج عنا والمسلمين كل همِّ وغمِّ، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب. يا فارج الهم! يا كاشف الغم! يا منزل القطر! يا مجيب دعوة المضطر! يا سامعاً لكل شكوى! احفظ إيمان وأمن هذه البلاد، ووفق ولاة الأمر لما فيه صلاح الإسلام والعباد. يا كاشف كل ضر وبلية! ويا عالم كل سر وخفية! نسألك فرجاً قريباً للمسلمين، وصبراً جميلاً للمستضعفين. يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً! ويا ذا النعم التي لا تحصى عدداً! أسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد أبداً، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.


انتهى

المصدر /

http://audio.islamweb.net/audio/inde...audioid=113792
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:30 AM.


images