كلما كان المرء منتمياً انتمائاً ضيقاً كلما كان ذلك أدعى للطغيان والظلم والفساد، ذلك أن الأنتماء يستدعي الولاء، وحين يكون الأنسان موالياً فإنه يخضع للانجذابات العاطفية الواضحة المرئية الصريحة أو العاطفية التي تهب نسماتها على قلب ذلك الأنسان المنتمي وقد لاتظهر فعلياً إلا أنها تلتهب في القلب وهذا ملاحظ بكثرة، وهنا تصبح المعاير في الأحكام والولاءات منصبة على تلك المجموعة التي ينتمي إليها، ومن هنا يأتي الفساد والظلم فالامتيازات والتفضيلات تكون لمن هم داخل تلك الدائرة التي ينتمي إليها وهذا واضح متجلٍ فيما يسمى بالواسطات على سبيل المثال، سواء كانت تلك الانتماءات قبيلية أو عرقية أو دينية أو مناطقية أو غيرها.
الانتماء للأنسان هو أسمى وأعدل الأنتماءات ذلك أنكَ حين تمنتمي للأنساء وتؤمن به وبآدميته التي تماثلك ولحقوقه التي لا تختلف عنك، فإنك ترتقي أو بالأصح فإنكَ تكون أنساناً طبيعياً، تكون قريباً من مرتبة العدل والأنسانية، والدين جاء ليعزز ذلك، ومعاملة الرسول عليه الصلاة والسلام تؤكد ذلك مع الناس عامة ومع غير المسلمين خاصة كما يتمثل ذلك في الكثير من القصص أو مع علاقاته مع جيرانه أو احترامه ووقوفه لجنازة رجل كافر.
ولكي يحقق المرء ذلك فإنه بحاجة إلى رقابة ذاتية محضة، وعقلية ناقدة خصوصاً حين ينشأ ويتربى تحت ثقافة تنتشر فيها المفاهيم الولائية والأنتماءات التي لا يكف أهل تلك الثقافة عن ترديدها والفخر بها بالرغم من عدم حقيقتها أو بالرغم من فضاعتها وسوئها.