الحمد لله رب السموات ورب الأرض رب العالمين، ﴿ وَلَهُ الكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾ [الجاثية:37] نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أمر بالعدل، ونهى عن الظلم، وحرمه على نفسه، وجعله محرما بين عباده، ووعد بالانتصار للمظلوم ولو بعد حين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ حرّج على أمته حق الضعيفين، المرأة واليتيم؛ وذلك لعجزهما عن الانتصار ممن ظلمهما، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستمسكوا بدينكم، والزموا شريعتكم، وأنصفوا من أنفسكم، وأقروا بالحق الذي عليكم، واخشوا ظلم غيركم، ولا سيما الضعفاء منكم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ودعوة المظلوم على ظالمه مجابة، ليس بينها وبين الله تعالى حجاب.
أيها الناس: حين خلق الله تعالى الخلق على الأرض فإنه سبحانه قسمهم إلى ذكر وأنثى ليتناسلوا ويعمروا الأرض ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[الذاريات:49] ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾ [النَّجم:45] ﴿ فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾ [القيامة:38-39].
وجعل علاقة الرجل بالمرأة علاقة تكاملية، وليست تصادمية، فالرجل قوام عليها، راع لها.. بيده عصمتها، وتجب عليه رحمتها والإحسان إليها..وبرها إن كانت أماً، وحسن عشرتها إن كانت زوجة، ورعايتها إن كانت بنتا.
وزواج المرأة حق من حقوقها لا يحل لوليها أن يمنعها منه، ولا أن يرد الخطاب الأكفاء عنها، وإلا كان عاضلا لها، وعضل المرأة ظلم نهى الله تعالى عنه في القرآن، وعضلها هو حبسها عن الزواج من كفئها لأي سبب كان، وغالبا لا يعضل الرجل موليته إلا لمصلحة خاصة به يرجوها من عضلها ولو كان في ذلك ظلم لها.
والأصل أن العضل يقع من ولي المرأة أبا كان أم أخا أم عما أم غيرهم. والأصل أن الأب أرحم بابنته من سائر قرابتها الذكور كالأخ والعم والخال، والمفترض أنه يسعى في مصلحتها؛ ولذا فإن الله تعالى لم يخاطب الآباء بالنهي عن العضل، وإنما خاطب من يكثر وقوع العضل منهم، وهم أولياء اليتيمات؛ لأن اليتيمة تكون أضعف من غيرها، ولا أب يحميها، فحذر الله تعالى الأولياء والأوصياء على اليتيمات من استغلال هذا الضعف لصالحهم، فيحبسونهن لأنفسهم أو لأولادهم إن كن جميلات أو كن ذوات أموال، ولا يعطونهن حقهن من الصداق، فقال تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء:3] قالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ((هِيَ اليَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ)) رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: " أُنْزِلَتْ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْيَتِيمَةُ وَهُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا، وَلَهَا مَالٌ وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ يُخَاصِمُ دُونَهَا، فَلَا يُنْكِحُهَا لِمَالِهَا، فَيَضُرُّ بِهَا وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا".
ولربما عضلها وهو لا يريدها ولكن يريد مالها، كما روت عَائِشَةُ رضي الله عنها فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: 127] قَالَتْ: ((أُنْزِلَتْ فِي الْيَتِيمَةِ، تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ، فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَعْضِلُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا غَيْرَهُ)) رواه الشيخان.
فبان بالآية والحديث أن المال أهم سبب لعضل الفتاة ومنعها من الزواج، ومن صوره المنتشرة في عصرنا هذا أن يعضل الأب ابنته، أو الأخ أخته، لأجل ما تكتسبه من مال إن كانت عاملة، أو لأن اسمها مسجل في الضمان الاجتماعي ويُسقط منه إن تزوجت، فلما صارت مصدر دخل للأسرة قد اعتاد عليه الولي عسر عليه أن يزوجها فيفقده. ومن الأولياء من يزوجها بشرط أن تبذل له راتب وظيفتها أو جزءًا منه على الدوام.
وعضل المرأة بسبب وظيفتها كثير في الناس، بل قد يكون في عصرنا أهم سبب للعضل، وهو من الآثار السيئة في إخراج المرأة من منزلها مع أن الأصل قرارها فيه، والرجل ملزم بالنفقة عليها، ولكن كثيرا من الناس -تأثرا بالحضارة المعاصرة- قلبوا الأمر رأسا على عقب، فجنوا من ثمار ذلك عضل النساء العاملات.
وجاء في تفسير عائشة رضي الله عنها للآية أن جمال اليتيمة سبب لطمع القائم عليها فيها لنفسه أو لولده، وهذا يفيد أن من أسباب العضل حبس القريبة على قريبها، وهو منتشر في بعض القبائل، فيحبسون بناتهم على أولاد عمومتهم أو أبناء قبيلتهم، وأحيانا لا يكون الواحد منهم مرضي الدين والخلق، أو تجبر الفتاة عليه وهي لا تريده، ويرد عنها من يخطبها من أكفاء الرجال حتى يذهب عمرها وهي على هذا الحال، ولربما اختصم أبناء عمومتها عليها لجمالها فآثر أبوها عضلها، ومنعها من جميعهم ؛ لئلا يحرج في بني عمه فتكون ابنته ضحية لذلك.
ومن الآباء من غرته نفسه أو نسبه أو مكانته، فيعضل بناته يريد الأكابر لهن، ويرد الأكفاء عنهن، حتى يذهب شبابهن بسبب كبرياء أبيهن.
ومن الأولياء من يعضل الفتيات، ولا يزوجهن إلا بالأغنياء، ولو كان الغني شيخا هرما وهي شابة صغيرة؛ وذلك لمال يبذله لوليها، أو دين له عليه يسقطه عنه بهذا الزواج، وتكتوي الفتاة بهذه الصفقة الخاسرة الظالمة، وتكره من فعل ذلك بها ولو كان أباها، ولربما دعت عليه عمرها كله؛ لأنه أضاع أمانته فيها.
ومن الآباء من يكون ذا مال وعقار، ويظن أن كل خاطب طامع، فيعضل بناته بسبب ذلك.
وأحيانا يكون الإخوة شركاء في الأموال والعقار بإرث أو تجارة، فيحبس كل واحد منهم بناته على أبناء أخيه؛ لئلا يدخل الأغراب عليهم في أملاكهم، فيتزوج الابن ابنة عمه وهو لا يريدها، وهي لا تريده، فتكون أسرة تعيسة بسبب جشع الآباء، وحياطتهم المبالغ فيها لأموالهم، وينقلب المال من مصدر سعادة إلى تعاسة، ويسخر الأولاد وحياتهم في خدمة المال بدل أن تخدمهم أموال آبائهم، ويضحى باختيارهم واستقرارهم لأجل المال، وكم من ابنة غني قد عضلها أبوها بسبب المال تمنت أن أباها كان فقيرا ولم تحبس عن الزواج أو زوجت بمن لا تريد، وماذا ينفعها مال أبيها حينئذ؟!
وقد تطلق الفتاة من زوجها لخلاف بينهما، وتنتهي عدتها ولم يراجعها، ثم بدا له أن يراجعها بعقد جديد، وهي تريده وهو يريدها، وقد يكون لهما أولاد، فيرفض ولي الفتاة ذلك بسبب أنه طلقها من قبل ولم يراجعها في عدتها، وهذا من العضل المنهي عنه، وجاء فيه قول الله تعالى ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:232].
نزلت هذه الآية في أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَخَطَبَهَا، فَأَبَى مَعْقِل، فلما نزلت الآية رضخ معقل لأمر الله تعالى، وقال: سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ، فزوجها إياه.
فوعظ الله تعالى الأولياء عن عضل البنات، وبين أن تزويجهن ممن أردن إذا كانوا مرضيي الدين والخلق أزكى لهم وأطهر، وأن الله تعالى أعلم منهم بما يصلح لهم ويصلح لبناتهم.
ومن الأولياء من يعضل الفتاة إذا ترملت أو طلقت، بحجة حبسها على أولادها، أو لئلا يقال إنها تريد الرجال، فتمنع حقها بسبب ذلك، وهي حين طلبت النكاح أعلم بحاجتها من غيرها.
وقد يموت الزوج فيعمد أهله إلى امرأته فيمنعونها من الزواج إلا بمن يريدون لأنها أرملة ابنهم، وهذا عضل كان يفعله أهل الجاهلية، ويوجد في بعض القبائل، فنهى الله تعالى عنه بقوله سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ﴾ [النساء:19] قَالَ ابن عباس رضي الله عنهما: ((كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ)).
وقد يقع العضل من الزوج، فيحبس زوجته في عصمته وهو لا يريدها، أو يكون عاجزا عن أداء حقوقها، يريد بعضلها مضارتها أو افتداء نفسها بمال تبذله له، فيؤذيها ولا يحسن عشرتها، ولا يعطيها حقوقها، حتى ترد عليه مهره أو بعضه لتتخلص من عذابه، وهذه دناءة لا يفعلها إلا أراذل الناس، فنهى الله تعالى الأزواج عن ذلك؛ تكريما للمرأة، ورعاية لحقوقها فقال سبحانه ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء:19].
فاحذروا عباد الله ظلم النساء، وعضل الفتيات؛ فإن الله تعالى قد نهى عن ذلك نهيا شديدا، وكرره في كتابه الكريم؛ لأنه سبحانه عدل لا يحب الظلم ولا الظالمين ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشُّورى:40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:281].
أيها المسلمون: كثير من الناس أعادوا أحكام الجاهلية الأولى إلى بيوتهم، وطبقوها على أسرهم وبناتهم، ومارسوا الظلم عليهن، ومنعوهن حقوقهن.
كم فتاة لا ينقصها عن الزواج شيء، ويرغب كرام الرجال في مثلها، لولا أنها ابتليت بولي يرد الخاطبين الأكفاء عنها، حتى شاب رأسها، واغتيلت سعادتها، وتلاشت أحلامها وأمانيها.
إن من الآباء من يئد ابنته وهي حية، يظن أنه أدرى بمصلحتها فيقدم دراستها وشهادتها على زواجها، لتأمين مستقبلها. ومستقبل المرأة الحقيقي في زواجها وإنجابها ذرية ترى نفعهم في كهولتها وشيخوختها.. ولو أن المرأة مُلِّكت خزائن الأرض، وأعطيت أموال قارون، وحازت أعلى الشهادات، فلا سعادة لها إلا بزوج وأولاد.
وكم من فتاة محتاجة للزواج قد حيل بينها وبينه، فأشبعت عواطفها وأحاسيسها بالحرام، وجرّت على أسرتها العيب والعار، وكان السبب في ذلك وليها حين منعها حقها، وحال بينها وبين ما أحل الله تعالى لها.
ولا تسل عن حزن المرأة وقد فاتها الزواج لكبرها بعضل وليها لها وهي ترى قريباتها وقريناتها ينعمن بأزواج وأولاد وبيوت يقمن عليها.
وكم من فتاة محرومة معضولة دعت على من ظلمها وعضلها وهو أبوها من شدة ما تعاني من حرقة في قلبها على ما فعل بها، بل بلغ الأمر ببعض الفتيات إلى التمرد على أحكام الشريعة، ورفض قوامة الرجل على المرأة بسبب ظلم بعض الرجال للنساء، واستغل الكافرون والمنافقون ذلك؛ لإطفاء أنوار الشريعة، واجتثاثها من قلوب الناس، وكان ظلم المرأة، وعضل الفتاة وسيلتهم في ذلك، وكان الظالمون للنساء، العاضلون للفتيات سببا في الصد عن دين الله تعالى، والطعن فيه.
إن عضل الفتيات جريمة في حقهن، وجريمة في حق المجتمع بأسره؛ لما يولده من انحرافات، وما يسببه من مشكلات، وقد ذكر بعض المفسرين أن الخطاب في قوله تعالى ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة:232] متجه لأفراد المجتمع كله، وأنهم مسئولون عما يقع فيه من عضل للفتيات؛ لأنه إذا وجد العضل بينهم وهم ساكتون راضون كانوا في حكم العاضلين. والواجب عليهم الإنكار على من فعل ذلك بمن تحت يده من النساء، ووعظه بالكتاب والسنة، فإن ارعوى وإلا وجب أن تنفر جماعة من الناس للمحاماة عن المعضولات، ورفع شكايتهن للقضاء، ونزع ولايتهن من العاضلين لهن.
إلا إن كانت الفتاة تريد من لا يرضى دينه وخلقه فحينئذ يباح عضلها؛ لأن زواجها منه يفسد دينها وخلقها وهما أعز ما تملكه الفتاة؛ ولذا قيد الله تعالى رضا الفتيات بالمعروف ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة:232] قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَقَوْلُهُ هُنَا: [بِالْمَعْرُوفِ] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ لَكَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَضْلُ.أهـ.
فمن كان منكر الدين والخلق فلا يدخل في النهي، بل تمنع الفتاة من الزواج به لئلا يضرها في دينها وأخلاقها.