حين كنتُ طفلاً صغيراً كان أبي يذهب كل عصر أو مغرب إلى مكتبٍ عقاري لأحد أصدقائه، فيتداولون الأحاديث حول العقار ويعرجون على بعض الأخبار المحلية في مدينتنا أو بعض القضايا الأجتماعية أو السياسية بالرغم أنهم لا يكادون يعرفون من السياسة إلا أسمها، ولكن حديث الجنس كان يأخذ الحيّز الأكبر من الجلسة بالرغم من تدينهم وتشددهم فتجدهم يتداولون الحديث حول الزواج من زوجة أخرى وقد يحاولون التعليق على هذا أو ذاك بأنه يخاف من زوجته أن يتزوج عليها وهكذا، وأحياناً يصفون المرأة التي يتمنونها وغير ذلك من أحاديث جنسية، كانوا يقولون ذلكَ أمامي وكنتُ أتضاهر أو كانوا يظنون أني لا أفهم، لذلك أحاول أن اتظاهر بالأنشغال أو بالنظر إلى خارج المكتب لكني في الحقيقة كنت أسجل كل مايدور من أحاديث في ذاكرتي، حتى بدى لي وكأن الرجل لا يبحث عن سوى الجنس، ومع مرور الزمن وتقادم العمر لاحظت أنه لم يتوقف قطار الأحاديث الجنسية لدى الذكور وكأنه هو شراب وغذاء لا يمكن العيش إلا به، فمروراً بالمراهقة ثم مرحلة الشباب الأولى وطيشها ومرحلة الشباب الحالية التي أشعر أنني وصلت إلى مرحلة من الأستقرار والحكمة والتجارب والملاحظة ماتخولني على فهم أي موضوع أمضي وقتاً فيه ويحضى باهتمامي وقرآئتي، خلال تلك الرحلة العمرية وجدتُ الشاب لا يتحدث إلا عن الجنس سواء بطريق منحرف كالبحث عن الفتيات أو السفر لأجلهن وغير ذلك من مصادر ووسائل، أو من خلال الحلال والزواج والأستمتاع به، إذاً النهاية هي الجنس، ولم تقف المسألة عند مجتمعنا أو كما يعتقد بعض الناس أن الرجال العرب جنسيون، إنما الأمر ينطبق على جنس الرجال بشكل عام في مختلف الثقافات والدول، بل وحتى تاريخياً هناك جوانب ومظاهر كثيرة تمدنا بهوس الرجل وبحثه عن ذلك، ولا يكاد مجلس يجتمع فيه رجال إلا ويأتي حديث الجنس سواء كان ذلك أحاديث حرام أو أحاديث حلال كالزواج أو غيره، لذلك النتيجة من خلال تلك الملاحظات أن الجنس يكاد يكون ملازم لتفكير الرجل بل هو من أهم أولوياته، وهذا الحال يضع الزوجة في موقف لا تحسد عليه في مسيرتها الحياتية الزوجية في متابعة وملاحقة الرجل وتفكيره بل وسيره، فهي منذ أن تتزوج حتى تغادر تسأل نفسها هل زوجي يفكر هل هو سيتزوج هل هو متزوج إلخ تلك الأسئلة التي تدور في عقل المرأة بشكل يومي.
والسؤال هو لماذا لا تفكر المرأة بنفس المقدار الذي يفكر به الرجل من الناحية الجنسية، أعتقد أن الجواب يكمن في أمرين، أولاً الطبيعة التكوينية للمرأة حيث أن الجنس ليس من أولياتها ويحل محل الجنس العاطفة والحب، والتي تحتاج إلى أشباعهما أكثر، ثانياً الطبيعة الوظيفية للمرأة، فالمرأة فبحكم ميلها وفطرتها إلى الأنشغال الدائم بالتفاصيل كرعاية الأطفال والتربية ومسؤولية البيت بما فيه من طبخ وغسيل وتنظيف وترتيب وتغذية للأبناء مما يجعل يومها مليئاً بالأعمال وعقلها مشغولٌ في الجوانب اليومية الحياتية التي ذكرتها، بينما الرجل ليس لديه شغلٌ ومهام كما المرأة، بينما أقصى مالديه عمله الذي يمضي فيه على الأكثر ثمان ساعات، وبقية يومه يصبح فارغاً، ذلك الفراغ وعدم الأنشغال الذهني والعقلي بجانب الطبيعة التكوينية الجنسية للرجل يجعلانه يفكر ويتحدث ويبحث عن الجنس ويكون محور حديثه المرأة، لذلك الرجل لديه طبيعتين عكس المرأة تماما 1- الطبيعة التكوينية الجنسية 2- وجود وقت فراع يتيح له التفكير والرغبة، ولو كان الرجل مشغولاً دائماً ولم يكن عقله هادئاً فإنه لا يلجأ إلى التفكير بالمرأة، فكما يقال إذا فرغ الجزء الأعلى "العقل" نشطَ الجزء الأسفل.
وأعتقد أن النساء بفطرتهن وحدسهن يدركنَ هذا، ولذلك يلجأن لبعض الحيل أو الأساليب التي تجعل الزوج بعيداً عن التفكير الجنسي، حتى ولو فكرَ فإنه لن يستطيع أن يخطو خطوة للأمام باتجاه الجنس الفعلي لأنه محاط بأسوار أو أمامه عقبات أو يخشى من زوجته وشخصيتها وتهديداتها سواء كانت صريحة أو يفهمها من سياق حياته الزوجية، أو أن لديه بعض نقاط الضعف التي تدركها المرأة ومن خلالها تسيطر عليه وبالتالي لايستطيع الحراك.
بقي شيء واحد تعول عليه النساء وهي أن ترزق بزوجٍ وفي مخلص، حيث حبه لزوجته تجعله لايرى غيرها، وإن داهمه التفكير الجنسي نحو غيرها فإن ضميره ووفائه يجعلانه يتوقف عن ذلك ويكبت تلك الطبيعة التكوينية له، خصوصاً إذا كانت زوجته أيضاً لها فضل كبير وتبادله الحب والوفاء والأخلاص والتضحية، وكان هو صاحب ذوق ومسؤولية وأحساس، وقبل ذلك
تدين حقيقي بحيث يشعر أن مجرد الحديث عن الجنس هو شيء من الخيانة، وأسأل الله أن أكون من هذا النوع.