بسم الله الرحمن الرحيم
دعك مما فات واستعد لما هو آت
أشرف كمال
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدهِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلِلْ فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله.
كثيراً ما يحب الإنسان أن يبدأ حياه جديدة ويطوي ما حدث من مواقف وأحداث في الماضي ودائماً هذه البداية الجديدة تكون مقرونة بشيئ حدث في حياته كتحسن في الحالة المادية أو ترقية في مكان عمله وهذه الأشياء تجعل للإنسان أمل في الحياه بعدما دبّ اليأس فيها ولكن هذه الحياة الجديدة يجب أن تنبع من داخل النفس دون التعلق بسبب من أسباب الحياه لأن مع أول عثرة تحدث سوف تنقلب هذه الحياه الجديدة إلي كآبه ويأس وفقدان للأمل وربما ينقلب الإنسان علي عقبيه فيخسر الدنيا والأخره فهذه الحياه التي تنبع من داخل النفس ناتجة عن طريق تفقد الإنسان لجوانب نفسه وهذا سيؤدي بدوره إلي تنظيم الإنسان لنفسه بين الحين والأخر فعندما يضع الإنسان يده علي عيوب نفسه يستطيع أن يُعالج هذه العيوب بيسر وسهوله لأن الإنسان تعامله مع أمور الحياه من وجهين العاطفة والعقل وقلما يتماسك هذا الكيان العاطفي والعقلي أمام صنوف الشهوات وضروب المغريات فإذا ترك الإنسان نفسه للشهوات والمغريات لتنال منه فهي قاضية عليه لا محاله وعندئذ تنفرط المشاعر العاطفية والتعاملات العقلية كما تنفرط حبات العقد إذا إنقطع هذا العقد والنفس البشرية إذا إنقطعت أواصرها ولم يربطها نظام ينسق شؤونها ويركز قواها أصبحت مشاعرها وأفكارها كهذه الحبات المنفرطة السائبة لا خير فيها ولا حركة لها ومن ثَم ترى ضرورة العمل الدائم لتنظيم النفس وإحكام الرقابة عليها لأن النفس لن تتغير إلا إذا عزم الإنسان على ذلك وحاول هو من تغيير نفسه والله عز وجل يقول " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " [الرعد : 11] فلكل نفس بشرية قبل أن تتغير ويظهر فجرها الحقيقي مقدمات كذلك صباح كل يوم قُبيل بداية اليوم الجديد وإطلال الفجر هناك مقدمات وبوادر إذا إستغلها المرء إستغلال أمثل ظهر فجر اليوم بإشراقة جديدة وإطلالة للنفس لم تعهدها من قبل ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " ينزل ربنا كل ليله إلي سماء الدنيا حين يبقي الثلث الأخير من الليل فيقول : هل من يدعونني فأستجيب له ؟ هل من يسألني فأعطيه ؟ هل من يستغفرني فأغفر له ؟ "
فلو أن خطاياك ركاماً أسوداً كزبد البحر وإتجهت إلي الله قصداً وانطلقت إليه ركضاً ما بقي شيئ من هذه الخطايا وانظر إلي الحديث القدسي الذي يفتح باب الأمل والرجاء ففي صحيح الترمذي من حديث أنس بن مالك أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول " قال الله تعالي : يا ابن آدم إنك ما دعوتنتي ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة " وهذا الحديث مثل الجُرعة التي تُحي الأمل في إرادة الإنسان المخدرة لا أعلم لماذا لا تهرب العباد إلي الله شوقاً بدلاً من السوق إليه بسياط الرهبة والله تبارك وتعالي يفرح بعودة عبده المؤمن إليه كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " لله اشد فرحاً بتوبة أحدكم من أحدكم بضالّته إذا وجدها " فلكي تنعم بعيش راض لابد أن تجعل همك في اليوم ولا تفكر في الغد لأن الغد بيد الله والأمس قد ولّى أو مضى ففكر في اليوم الحالي ووفق هذه النصائح يأتي حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليؤكد ما نقول ففي صحيح الترمذي قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم " من بات آمناً في سربه معافي في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " فهل رأيت قول الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي لا ينظق عن الهوي فبإجتماع العناصر الثلاثة ألا وهي الأمن والمعافاه والشبع كأنك إمتلكت الدنيا بما فيها فإعمل جادهداً علي أن تعيش اليوم بيومه ولا تحمل هم غداً وإياك أن تحتقر هذه النعم الثلاث فما من عبد تمرد وسخط على نعم الله إلا زالت هذه النعم وأبدل الله حاله من النقيض إلي النقيض فلابد أن تعلم قدر الدنيا بالنسبة للآخره لأن الدنيا ليست دار المقام ولا دار الخلد وإنما دار عمل وكل إنسان فيها له ما سعى فلا تدع القلق والهم يحطمانك فإن رضيت بما قسم الله لك كنت أغنى الناس والرضا لا يتنافى مع الرغبة في تكميل النفس فمثلاً لو قابلتك مشكلة ما فيجب عليك أن أن تستخلص حقائق المشكلة ثم تقم بتحليلها تحليلاً منطقياً ثم تتخذ قرار حاسماً ثم تعمل بمقتضي هذا القرار الذي إتخذته ولكن كل شخص منا عندما يصطدم مع مشكلة ما يستخلص الحقائق التي عندما يبني عليها قرار تتفق مع أمانيه وتتفق مع الحلول السطحية التي يرتجلها لذلك عندما تتخذ قرار في مشكلة ما فيجب عليك الإتصاف بالموضوعيه والمحايدة حتى وإن كان القرار التي ستتخذه لا يكون متوافق مع هواك فيجب أن تفصل بين العاطفة والتفكير فمثلاً المحبه والكراهية قد يجعلان الشخص يتخذ حكم غير صائب لعدم وجود سيطرة علي تفكير المرء بسبب هذه الإنفعالات التي تؤثر عليه مثل الحب والكره وبهذا قد يضل المرء عن إصدار حكم عادل وعدم التوفيق إلى حل صحيح لمشكلات الحياه التي تلاقية وخوف الإنسان من غداً يولد من الوساوس والأوهام التى يبتلي بها فكر المرء فالكثيرمنا ينهزم من داخل نفسه قبل أن تهزمه وقائع الحياه لأن الوساوس والاوهما جعلته مهيأ لهذه الهزيمة فهناك أناس يتصفون بالفطنة ولكن لا يستفيدون منها شيئ لأنهم يفقدون الإقدام علي إتخذا قرار حاسم يحل المشكله فيبقون في مكانهم مقيدون بين مشاعر الحيره والإرتباك فمثلاً قد تجد شخص يتمتع بذهن جيد يسطتيع من خلاله تخزين معلومات تؤهله لكي يتخذ قرارات حاسمه في حل مشاكله ولكن إن لم تخرج هذه القرارت إلي أرض والواقع كان كالطعام الذي لم يحوله الهضم الكامل إلي حركه وحرارة وشعور وهذا يرجع إلي قلة المران والتجربه في التعامل مع مشكلات الحياه ولكن لو تغير حال الإنسان وأصبح يقيس الأمور بمنظور الدين لوجد كل شيئ أصبح ميسور فالإنسان كلما إقترب من الله عز وجل أصبحت الأوهام التي تراوده والوساوس التي تكاد تقتله في الخوف من المستقبل لا أصل لها ففي صحيح الترمذي وابن ماجة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " فدعك مما فات من الخوف من المستقبل وأقبل على الله واستعد للتوكل علي الله حق توكله , وكذلك تري بعض الأشخاص الذين لديهم وقت فراغ ويتمتعون بهذه النعمة التي ربما كثير من الناس غافلين عن هذه النعمة لا يحسنون التصرف في هذه النعمة وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله علية وعلى آله وسلم قال " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " فالفراغ إن لم يُستغل الإستغلال الصحيح يصبح بيئة لنمو آلاف الرذائل وقد قال الإمام الحسن البصري " إن لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل " والفراغ لا يُظهر مواهبك الحقيقه ولا يجعلك تُجيد إستغلالها فربما تقل وتضمحل فالفراغ مثل المناجم التي تضج بمعادن الذهب والفضه ولكن مجهوله ولم يتطرق إليها أحداً قط ليعرف ما بداخلها فكما أنك لم تستغل مواهبك وتركتها تندثر وتكاد أن تختفي ظهرت الذنوب والمعاصي بالمقابل فبنقصان أحد الفضائل تظهر رذيلة مكانها وإياك ومحقرات الذنوب فإنهن لا يتركن أحد إلا ويجتعمن عليه حتي يهلكنه فأشغل وقتك بذكر الله وبطلب العلم الشرعي ومعرفة أمور دينك والتفقه فيها فسيدنا محمد صلي الله عليه وعلى آله وسلم قال في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " فإعمل جاهداً أن تكون ممن أراد الله بهم خيرا فدعك مما فات من الذنوب والمعاصي والإستهانه بنظر الله إليك وإستعد لحياة جديدة مليئة بطاعة الله وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وهذه درجة الإحسان وهي من أعلي مراتب الدين وأقبل علي إشغال وقتك في التفقه في أمور دينك فالعمر قصير والعلم كثير فلا تسترسل لإرادة الشيطان حتي لا تذهب نفسك حسرات علي ما فرطت في حنب الله فالمؤمن الفطن الذكي هو الذي يستطيع إستغلال وقته فليس كل الوقت يتعلم ولكن مثلاً هناك مريض فيعوده هناك شخص يحتاج إلي مساعدته فيساعده هناك وقت ليصل الرحم فيصل رحمه هناك وقت لتعلم أمور دينه فيجب أن يكون ديدن المؤمن إشغال وقته في طاعة الله حتى المأكل والمشرب ينوي بهما التقوّي علي عبادة الله والملبس ينوي بها أن يري الناس أثار نعمة الله عليه ففي صحيح الترمذي بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته علي عبده " فكل شيئ تستطيع أن تجعله لله تعالي وتنوي بذلك التقرب إلي الله وإن شاء الله سوف تؤجر علي ذلك فيجب عليك أن تدع كل ما فاتك من تضييع الأوقات وكثرة القلق والخوف من المستقبل وإقتراف الذنوب والمعاصي وإستعد إلي التوبة النصوحة وأقبل علي الله وإستغل وقتك أقصى إستغلال ولا تدع مجال للشيطان لكي يُلقي بأفكارة العفنه في ذهنك حتي لا ينتج عن هذا إفراز عفن لا يجزئه إلا الوقوع في الذنوب والمعاصي فدائماً الإنسان المكبل بسلاسل الشهوه تراه في ذله ومهانه الشهوات تسيطر عليه وتُحركه كالدميه خافض الرأس أما المؤمن الذي يستغفر ربه بإستمرار تجده مرفوع الرأس بعيد عن ذل الشهوات والمعاصي لذلك حاول أن يكون لسانك دائماً في ذكر الله وهو خير كثير وعمل يسير ففي الترمذي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بُسر " أن رجلاً أتى النبي صلي الله عليه وسلم وقال له يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيئ أتشبث به فقال له النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم : لا يزالُ لسانُك رطباً من ذكر الله " فكن دائماً في حالة ذكر لله عز وجل فلا يتطلب منك الجهد الكثير ولكن سيدر عليك خير كثير ونصيحتي لك أن تترك ما فات وما مضى وتستعد لما هو آت , وإن كنت أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وإن كنت أصبت فمن الله وحده.