مشكله الخرس الزوجي وانقطاع التواصل بين الزوجين مقاله للاستاذ عمرو خالد
هل هو البيت الذي لا يُسْمَع فيه صوت، لأنَّ كلَّ طرفٍ مِنْ أَطْرافه مستقل ويعتز باستقلاليته؟
هل هو البيت الذي ليس بين أفراده خصومة يتبعها تصالح؟
وليس بين أطرافه انقباض يتبعه انبساط؟
أقول بمنتهى الصراحة والأمانة: ليس هذا هو البيت السعيد، بل ليس هذا بيتاً أصلاً،
لِمَ؟ لأن: البيت هو محل الدفء، هو محل المشاركة النفسية قبل المشاركة الجسدية،
هو محل التشاور، هو محل الاختلاف في الرأي ثم الاجتماع على الرأي،
هو محل عاطفة الأبوة الراعية، والأمومة الحانية، هو محل تصدير المشكلات من الأولاد والسعي إلى حلِّها مِنْ قِبَل الآباء،
هو مَحِلْ التحدث حيناً والاستماع أحياناً، هو مَحِل التواصل النفسي قبل أي شيء آخر..
هذا هو البيت السعيد هذه هي مواصفاته! إنَّ هذه الحيوية في العلاقة مطلوبة بين أفراد البيت كلهم بعضهم البعض، مطلوبة بين أهليهم، ومطلوبة بين الإخوة والأخوات وكذلك مطلوبة بين الرجل وزوجه.
وهذا ما سأركز عليه في مقالي بإذن الله تعالى!
إنَّ ظاهرة الخرس الزوجي التي تصيب الأزواج بعد فترة من الزمن، ظاهرة لافتة وتستحق التحليل ومحاولة الحل لأنَّها ظاهرة متفشية، كما أنَّها متعدية الأضرار إلى كل مَنْ في البيت: الرجل والمرأة والأولاد،
والغريب أنَّه ليس بالضرورة أن يكون سببها شجاراً بين الرجل وزوجه، بل قد تكون العلاقة بينهما عادية جداً، روتينية جداً، هادئة جداً، تقليدية جداً، منظمة جداً، كل مِنْهُما يعرف واجباته ويسعى إلى أدائها قبل مطالبته بحقوقه، التي لا يجد حاجة في المطالبة بها أصلاً. لأنَّ الطرف الآخر يقدّمها له طواعية وقبل حتى أن يطلبها، هذا سبب،
وقد يكون هناك سبب آخر هو الذي أود أن أفرد الكلام عنه، فقد تكون كثرة الاصطدام بين الرجل وزوجه، هي التي قادتها إلى اختيار هذا الحل (حل التباعد النفسي) على أساس أنَّه أخف الضررين، الذي يلجآن إليه هروباً من الاصطدام الذي يحدث بينهما في كل مرة يتناقشان أو يتحاوران أو يتجادلان فيها،
والمشكلة - من وجهة نظري الشخصية – لا تَكْمُن في كونهما مختلفين في طريقة التفكير، وهذا وارد ولا عيب فيه، إنَّما تكمن في إدارة اختلافهما، وفي اعتقادي فإنَّ كلاً مِنْ الرجل والمرأة مشتركان في تكريس هذا الاختلاف، حتى وإن اختلفت نسبة مسؤولية طرف عن الآخر فيه،
وأنا أُحب في هذا المقال أن ألفت الانتباه إلى عدة أمور قد تساعد على إعادة جسور التواصل بين الزوجين الحبيبين، منهما : أن يعرض كل واحد منهما ما يحب أن يجده لدى الآخر أثناء النقاش، فمثلاً قد لا يحب الرجل أن تقاطعه زوجته حتى ينهي كل ما يريد قوله، وإن المشكلة في نقاشهما الذي دائماً ما ينتهي بالتدابر هي هذه النقطة تحديدا،ً فلتحاول المرأة - إذا كانت هذه هي المشكلة – أن تصبر، وأنْ تجاهد نفسها في هذه النقطة تحديداً، فالموضوع لن يتطلب مِنْهُا إلاَّ صبراً مدته 5 أو 10 أو 15 دقيقة، وأعتقد أنَّها مدة ليست طويلة جداً حتى تتحمله فيها,
وفي المقابل قد لا تُحب المرأة حدة تعليقات الرجل أو تسفيهه آراءها مهما كانت.
وقد تكون نظرات الرجل الساخرة هي التي تستثيرها وتخرجها عن شعورها الأمر الذي يؤدي ليس إلى حل المشكلة القائمة، بل إلى إضافة مشكلة أخرى أكبر من تلك الموجودة أصلاً، إن المشكلة مشكلة الرجل ، وكذلك الحل بإذن الله عنده. إنَّه مطالبٌ بمجاهدة نفسه وتلجيم حسه التهكمي، لأنَّ التهكم نوع من أنواع السخرية، المحرّمة شرعاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظالمون).. الحجرات:11،
هذه المصارحة وما يتبعها مِنْ مجاهدة من الطرفين قادرة – بإذن الله تعالى- على تقليص التدابر بين الزوجين بنسبة كبيرة، هذا هو الأمر الأول الذي وددت لفت الانتباه إليه،
والأمر الثاني الذي أود إلقاء الضوء عليه هو هدف الحوار، إنَّ هدف الحوار يكمن في الدوائر الخاصة لكل طرف وفي الدوائر الخاصة لكل طرف وفي الموضوعات العامة التي لا تحتاج إلى قرار واحد وليس بالضرورة الوصول إلى حل يُجْمِع عليه الطرفان، وأُعْطِي على ذلك مثلاً: رجل وزوجه يتابعان الأخبار، فاستوقفهما خبر معين وراحا يعرضان وجهة نظرهما فيه، فأحدهما يقول: أرى أن سبب هذه المشكلة هو كذا، والأخر يقول: بل أعتقد أنَّ سببها هو كذا، الضرر أن يبدأ النقاش بهذا الاختلاف وينتهي أيضاً عليه في وجهات النظر..
إنَّ القضية عامة لا تؤثر في علاقتهما ببعضهما البعض مِنْ قريب أو بعيد، فلِمَ يضيق صدر أحدهما بما يقول الآخر، ولِمَ تَنْشُب بينهما أصلاً معركة؟! إن التدابر بينهما في هذه الحالة غير منطقي ولا مفهوم السبب، أما المسائل المشتركة التي تحتاج إلى قرار واحد، فالذي أراه صحيحاً فيها أن يطرح الموضوع وأن يدلي كل طرف بدلوه فيه، فإذا اتفقا في وجهتي النظر فيها ونعمت، وكفى الله المؤمنين القتال، وإِنْ اختلفا في وجهات النظر، وظلاَّ مختلفين، فعلى المرأة أنْ تُنْزل وقتها على قرار الرجل، ولا تُكْثر مِنْ الجدال معه بالشكل الذي يضيق به صدره، ويؤدي إلى المشكلات، وأرجو أنْ تُلاحظ القارئة أو القارئ أنَّنِي لَمْ أطلب مِنْ المرأة أن تُغيّر قناعتها، فلها أن تحتفظ بهذه القناعة، إنَّما طلبت مِنْها، رَأْباً للصدع، ألاَّ تُكْثر مِن الجدال الذي لن يؤدي إلى تغير وجهة النظر على قدر ما يؤدي إلى توتر الموقف، والتدابر