الخيانة العاطفية.. كدبيب النمل
ناصر حسن
من المفارقات أن ما نخفيه أكثر أثراً مما نعلنه، وما نخافه أكثر تأثيراً علينا مما لا نخشاه ظاهرة بيع وشراء أسرار الحياة الزوجية في بورصة الموت، وأسهمها في تصاعد مستمر، تحضيراً للهبوط القاسي من وراء القمة..
فما تفعله كثير من الزوجات من إشاعة الأسرار الزوجية في مواقعهنّ المعتادة هو الخطوة الأولى على خط الانهيار، فقد يقمنّ بذلك بدافع البحث عن التأييد والدعم العاطفي الذي يفتقدنه في البيت، أو بدافع التنفيس، وقد يكون بدافع الانتقام! وليس بالضرورة من أجل فتح علاقة جديدة باسم الحب، بل للحصول على الدعم العاطفي وحسب، إنه سلوك خائن ينم عن غياب الإيمان بالله عزّ وجل، وضعف الإرادة، إنها عملية تسويق العواطف وجعلها وقفاً لمرتادي الشارع «المستباح»، ولا يخفى أن ضم الأسرار والحفاظ على الخصوصية يضمن السعادة الزوجية، ويؤسس لعلاقة سليمة أساسها الحب والتواضح.
ومما يؤسف له أن هنالك قابلية لتلقف أسرار البيوت في مجتمعنا؛ فما أن تتنهد إحداهنّ لضيق في نفسها حتى تستحثها الأخرى على البوح بما يجول في خاطرها من أسرار زوجها، ولأنه لا توجد أسرة بلا مشكلات فتستسلم هذه للبوح بأسرار الحياة الخاصة لهذه أو تلك! وما يجري لدى النساء يجري لدى الرجال!..
صدر كتاب للعالم النفسي الأمريكي «جاري نيومان» تحت عنوان «الخيانة العاطفية: كيف تتجنبها»، وهو كتاب يتحدث عن أسرار الزواج العظيم، وقد بدأ المؤلف في كتابه الحديث عن الزوجية التي تتجه إلى رجل بحثاً عن التأييد والدعم العاطفي، فيقول: إن الزوجة في هذه الحالة تحصل على ما هو أكثر من الدعم، ولكنها لا تريد الاعتراف بذلك، بل تنكره تماماً وهذا العالم يستقبل مئات السيدات في عيادته الخاصة، ويستمع إلى مشكلاتهنّ العاطفية والنفسية، ولكنه مع ذلك هو مصمم على أن الزوجة التي تروي مشكلاتها لزميل لها في العمل أو صديق إنما ترتكب خيانة عاطفية لزوجها!.
وإن هذه الخيانة ممكن أن تهدم الزواج السعيد، وبالرغم من اعتراض كثير من النساء عليه عندما طبع كتابه إلا أنه لم يعدل عن رأيه فهو يعتقد أنه لابد من عزل الزواج عن كل ما يسبب له أي ضرر أو خطر أو احتمال الخطر.- وأنا كذلك أدعم رأيه فهذا حاصل في منطقتنا في بعض دوائر العمل المختلطة، التي برزت فيها تلك الظاهرة من إباحة لأسرار الحياة الزوجية الخاصة!-.
وعلى الرجل الذي قد تأتمنه امرأة بعض أسرارها وبعضاً من أمور حياتها أن يتستر على ما هي عليه وعلى ما قالت له، وأن لا يشيع بين أصدقائه ما دار من حديث مع الطرف الآخر، وبالخصوص إذا كان ذلك من الأشخاص الذين يتفاخرون بعلاقاتهم «النسوية» وبعض الشيء من جمالهم أمام الآخرين، في الوقت الذي نرى أناساً يتحملون الأمانة بكل حذافيرها.
قال رسول الله : «على كلّ نفس من بني آدم كتب حظّ من الزّنا أدرك ذلك لا محالة فالعين زناها النّظر، والرِّجل زناها المشي، والأذن زناها الاستماع...» [1] .
وقال السيد المسيح : «أيّما امرأة استعطرت وخرجت ليوجد ريحها فهي زانية، وكلّ عين زانية»[2] .
وقال السيد المسيح : «لا تكوننّ حديد النّظر إلى ما ليس لك فإنّه لن يزني فرجك ما حفظت عينك، فإن قدرت أن لا تنظر إلى ثوب المرأة التي لا تحلّ لك فافعل»[3] .
لمن تشكو زوجتك؟.
قد لا يؤمن أحد الشريكين بقدرة شريكه على حلّ المشكلات العالقة بينهما، فلا يرى مرجعيته في ذلك لأنه طرف، ولكن عليهما أن يضعا لنفسيهما مساحة يتحركان فيها مع الحلول المقترحة، فمن الأهمية بمكان أن يستمعا لشكوى بعضهما البعض، ومن دون أنفة أو ازدراء، أو تململ، فإذا لم تترك مجالاً لشريك حياتك في أن يقول ما يضايقه منك، فأنت ترسله إلى أي شخص خارج البيت ليفضفض عنده، ولا يخفى أن المرأة لا تشكو من فراغ، بل تبحث عن المواساة في شكواها، وعن التضامن العاطفي في ضيقها، وقد لا تبحث عن حلّ لمشكلاتها، فما يجب على الزوج إلا الاستماع إليها فإمعان وتأمل فقط لترتاح، وتهدأ!.
أن يشكو شريك الحياة إلى زميله في العمل أو إلى صديقه في النادي، أو إلى الوالدين فهذا نقصان حظ لكليهما، أجريت دراسة لشركة «بيتر. د. هارت» في الغرب حول «أين تشتكي المرأة عندما تكون بحاجة لذلك؟» فجاءت الإجابة أن أول ما تتجه إليه هو إلى الزوج إن كانت متزوجة بمعدل 39%، ومن ثم إلى الصديقة بمعدل 36%، وإلى أطفالها إن كانوا كباراً بمعدل 20%، وإلى أمها 16%، و14% إلى حالات لا تشكو فيها لأحد، و9% إلى صديقة حميمة لقلبها، و6% إلى قسيس في حالة صلاتها، و3% إلى والديها، وفي الأخير الأب 1% فقط!.
وفي استفتاء أجري في فرنسا وشمل عينة من ثلاثة آلاف سيدة وفتاة، قالت نسبة ساحقة منهنّ: إن أقرب أصدقائها إليها هو أبوها، وصدرت نتائج الاستفتاء في كتيب جميل عنوانه «أبي صديقي» يتضمن شهادات مطولة وحميمة لطائفة واسعة من النساء، بينهنّ طالبات وعاملات وربات بيوت وأسماء شهيرة في دنيا الأدب والفن تتغنى كلها بتلك الصداقة القوية التي تنمو منذ الصغر بين البنت وأبيها، ثم تتوطد بحيث يصبح الأب أقرب إنسان إلى ابنته، وسندها وكاتم أسرارها، والمثل العربي يقول: «كل فتاة بأبيها معجبة» المطلوب هو الانفتاح على شريك الحياة، حتى ولو كلّف سوء ظن بالشريك على أن يكون الانفتاح مع الغريب رغم تعاطفه الصوري.
قد ترتكب الخيانة العاطفية دون أن نشعر بخطرها، فهي قد تكون كدبيب النمل الأسود على الصخرة السوداء في الليلة الظلماء، والنهاية نهاية الحياة الزوجية!.
[1] كنز العمال، خ 13026.
[2] تنبيه الخواطر، ص23.
[3] تنبيه الخواطر، ص50.