كيف نتفهم ضغوط شريك الحياة
ناصر حسن
الضغوط.. تقلب الأحوال.. بعض القرارات العجولة غالباً ما تجعل مزاج ومشاعر المرء غير مستقرة، فيكون الخط البياني للمشاعر والعواطف في سفال.
ولا شك في ظل هذه الضغوط التي يواجهها الرجل في حياته، سواء بسبب العمل، أو الظروف المادية، أو أسباب أخرى قد تجعله أقل اهتماماً وتركيزاً على شريك حياته، فيكون أقل انبساطاً وانفتاحاً وبهجة، فذهن الشريك عادةً ما يكون مركزاً نحو حلّ المشكلة التي يعيشها، بحيث يصعب عليه أن يفكر في أي شيء آخر غير حلّ مشكلته، فكلما ازدادت الضغوط عليه كلما زاد انعزاله، والعيش في حالة من القلق والضيق، ولهذا ينعزل في البيت، أو قد يجلس ليشاهد التلفاز من دون حديث مع أحد، أو قراءة قصة أو مجلة، فتظن المرأة في هذه الحالة بأن زوجها لا يريد الاستماع إليها ولا يعير أي اهتمام لذلك، فهو في ضيق، ولا يحب أن يثقل أحد عليه بالهموم..
لكن ما ينبغي على الرجل معرفته هو عليه أن يركز في حال وجوده على ما ينبغي من أداء دوره تجاه أسرته ومتطلباتها، فهذه طبيعة الحياة أن تكون مملوءة بالهموم والمشاكل، فالأفضل أن يغلق باب المشاكل في حال وصوله إلى طاولة اجتماع الأسرة.
«جيان - والتي تبلغ من العمر 36 عاماً - تشكو دائماً من عدم اهتمام وتقدير زوجها «بول» - الذي يبلغ من العمر 43 عاماً وهو طبيب ناجح- لها ولمشاعرها، على الرغم من أن بول كان زوجاً لها إلا أنها تكتفي برعاية زوجها لمنزله، وشعر بول بالاستياء؛ لأنه يقوم بجمع المال اللازم لأسرته، وعلى الرغم من هذا، فإن زوجته غير مستعدة لتحمل مسؤولية مهامها المنزلية.
وعندما سألها عن السبب قالت جيان: «أكره أن أكون زوجة تقليدية، فكل ما يفعله عند العودة إلى المنزل هو الشكوى من عدم اهتمامي به وبالمنزل، ويقول إنه يعمل بجد لتوفير الطعام لنا ولأطفالنا، ويتوقع مني جهداً مساوياً. أنا لا أمانع في زيادة اهتمامي به وبالمنزل إلا أنه لا يقدّر هذا مني أبداً مهما كان مقدار الجهد الذي أبذله. كل ما يقوم به هو انتقادي بشكل دائم، أو الإشارة دائماً لما لا أقوم به. إنه حقاً يؤلمني بشدة عندما ينظر إليّ (دائماً) على أنني مجرد زوجة تقليدية.
وقام بول بشرح وجهة نظره، وكان كل ما يريده هو أن يجد منزله نظيفاً وطعامه معداً عند عودته إلى المنزل. قال، وفي صوته نبرة إحباط: «إن الأمر لن يكلفها سوى ساعتين فقط للقيام بكل ما أريد الحفاظ على سعادتي، فكل ما أطلبه هو منزل نظيف وغذاء لذيذ، ولها الحرية بعد ذلك في قضاء يومها كما يحلو لها، فكل ما أطلبه ساعتين فقط من العمل المنزلي».
وأجابت جيان على ملحوظة بول قائلة: «إن شعوراً بأنني مجرد زوجة تقليدية بالنسبة له يثير غضبي وسخطي بدرجة كبيرة» بول لم يكن لديه أدنى فكرة عن أنه بحديثه هذا يثير سخط زوجته، وجيان سمعته وهو يقول: إن كل ما يريده من زوجته هو القيام بالأعمال المنزلية، وعلى الجانب الآخر كان هو يعتقد أن ما يفهم من حديثه هو أنه يقدرها كثيراً، حتى إنه لا يريد منها أن تقضي أكثر من ساعتين فقط في الانتهاء من شؤون المنزل.
ثم سألت بول عن سبب اهتمامه بالاحتفاظ بالمنزل نظيفاً والطعام معداً، فأجاب - وهو متأثر عاطفياً- «إن هذا يعني بالنسبة لي تفهمها وتقديرها للجهد الذي أبذله في الخارج من أجل صالح أسرتنا إنها كثيراً ما تكرر على مسامعي أن النقود لا تعني أي شيء بالنسبة لها، وهذا الأمر يجعلني أشعر بأنني أهدر وقتي هباء دون أي فائدة. إنني أحاول الحفاظ على مستقبل أسرتنا، في حين أنها تعتقد أنني لا أهتم سوى بنفسي».
«إنني أشعر بالألم يعتصرني عندما ألاحظ عدم تقديرها، أو اكتراثها بما أقوم به، وكثيراً ما أتمنى أن أعود إلى المنزل في أحد الأيام وأجدها بانتظاري يملؤها الحب، والشوق والتقدير لما أقوم به من أجلها ومن أجل أسرتنا معاً، فهذا قد يساوي العالم كله بالنسبة لي، إلا أن ذلك لا يحدث، فيملؤني الشعور بالاستياء والامتعاض، فأنا بحاجة للشعور بتقديرها لكل ما أقوم به، وبدون ذلك أجد نفسي دون أن أشعر أنتقد كل شيء حولي».
وأثناء استماع جيان لهذا الحديث، احمرَّ وجهها خجلاً، وجرت دموعها على خديها، ولأول مرة شعرت بأهمية حبها بالنسبة لبول وما يعنيه له من مساندة ودعم، لقد وجدت أنها بإعدادها لوجباته لا تكون مجرد طاهية بالنسبة له، إلا أنها بذلك تجد وسيلة للتعبير له عن تقديرها لجهوده التي يبذلها؛ لدعم أسرته مادياً، وعندما استمعت لرغبته الملحة في الشعور بالحب والتقدير؛ شعرت جيان بأنها جزء مهم في حياة بول.
من خلال هذه المصارحة العاطفية تمكنت جيان من تدارك شعورها بالاستياء والإحباط، وأن تتمتع بدورها كربة منزل وأن تباشر كذلك اهتماماتها الأخرى. لقد أدرك بول أنه من خلال إظهاره حاجته لها عاطفياً أكثر من احتياجه لمجهودها الشخصي، يمكنها حينئذ، أن تشعر بحبه لها، وبقيمتها وأهميتها لديه.
وهذا يعد أمراً صعباً بالنسبة لمعظم الرجال؛ لأنهم عادة غير مدركين لما يحتاجون إليه حقاً في أي علاقة، ومن إشعار المرأة بحب الرجل لها وبقيمتها وأهميتها لديه، فعليه أن يشاركها شعوره بالإحباط واليأس، وأن يتحدث معها عن المشاعر التي تخالجه إذا لم يحصل على المساندة العاطفية والتقدير اللازمين. إن هذا لا يساعد المرأة- فحسب- على الشعور بأهميتها، بل لا يجعلها تدرك كيفية تقديم المساندة والعطاء بشكل فعال لشريك حياتها، ومع تعلم الرجل كيفية التعبير عن احتياجاته العاطفية، فإن هذا لا يؤدي فحسب إلى زيادة اعتداد المرأة بنفسها وإحساسها بقيمتها الذاتية، بل يوحي لها أيضاً بأن تقدم المزيد.
وكما رأينا فإن أحد الأسباب الرئيسية وراء شعور المرأة بأنها غير محبوبة من قبل الرجل، هو أن الرجل لا يدرك أهمية منح المرأة ما تحتاجه، كما أنهم ليسوا قادرين حتى على النطق بما يحتاجونه»[1] .
حقاً إن الشعور بالحاجة إلى المساندة، أو الشعور بالمحبة جدير بأن يجعل الحياة فريدة، ومن هنا فإنه ينبغي معرفة طرق الرصد الفنية لاحتياجات شريك الحياة دون الحاجة إلى البوح عنها من قبله. فأن تفهم لغة المشاعر يعني أنك أحرزت ثلاثة أرباع السعادة.
لكي تحرز طبيعة المؤشر لمشاعر شريك حياتك فأنت بحاجة إلى قلب مفتوح، وضمير متوقد، وخلق كريم تدير به كل ذلك.
[1] الرجال والنساء والعلاقات بينهما-د. جون جراى-ص341-344.