إلى العروسين قبل فوات الأوان
إلى العروسين قبل فوات الأوان
بقلم: صالح بن مقبل العصيمي
جاءني على استحياء وقال: أرجو أن تبحث لي عن عروس أتمّ معها نصف ديني، ففتشت له، واقتنع بها واقتنعت به، وتمّ الزفاف، وبعد مضيّ ثلاثة أيام جاءني والحزن يلفّه، فقال لي على استحياء: أرجو أن تعذرني فقد أتعبتك في البداية، وأنا الآن على وشك إحراجك.
فقلت له: ولِمَ؟ فقال: لقد قررت أن أطلق زوجتي، فأنا أشعر بضيق وقلق وعدم ارتياح. فنصحته بأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وألا يفكّر في مثل هذا الموضوع، فقال لي: إن الأمر قد انتهى، ولا مجال للتراجع، فرجوته بعدما رأيت إلحاحه بأن يمكث معها ـ مراعاة لخاطري؛ لأنني أنا الذي دللته عليها، وأثنيت عليه ـ شهراً، فقبل على مضض.
ومضى الشهر ثم الشهور، بل السنون، ولله الحمد، وهو يعيش معها بأفضل حال، وأنجبت منه بضع أطفال..!
وهنا يحسن أن يطرح سؤال: لماذا يستعجل الشباب بطلب الطلاق؟
ولماذا نلحظ أن نسبة كبيرة من المتزوجين يبادرون بالطلاق خلال الستة أشهر الأولى ؟
فتش عن السبب!
قلّة الوعي عند الشباب في مسألة الزواج، حيث إن النسبة الكبيرة من الشباب يقدم على الزواج لهدف واحد فقط وهو الإشباع الغريزي، وعندما يقضيه خلال الأسابيع الأولى يشعر بأنه لم يعد بحاجة إلى الزوجة ويشعر بأنها حمل ثقيل عليه، فلا يجد وسيلة أفضل لإزالة هذا الحمل غير الطلاق، وهذا الشاب لو كان واعياً لعلم أنّ الإشباع ليس هو الهدف الوحيد للزواج، كما أنه لو علم بأن الإشباع مؤقّت، ولو أنّه فارق الزوجة، ومضت أيام، لعادت إليه الرغبة أكثر من ذي قبل، لما تسرّع بقراره الجائر.
كثير من الشباب يريد أن يأخذ محاسن الزواج، ولا يريد سلبياته، فهو يريد مثلاً تلك المرأة المطيعة المنفِّذة للأوامر المنظّمة للوقت المهيّئة للطعام المشاركة في الفِراش، بدون أن تكون لهذه المرأة احتياجات ورعاية وحقوق وقوامة، فهو يريد خيرها، ويتخلّى عن مسؤوليته تجاهها، ويريد أن يجمع إلى محاسن الزواج محاسن العزوبية التي تجعله حرًّا طليقاً، يبيت كلّ يوم في مكان، ويسافر كل يوم إلى مكان، دون قيود أو أسرة يسعى لأن يقوم بتدبير شؤونها قبل سفره .
إن الزواج الناجح هو الذي يعي فيه الزوج النقلة التي يعيشها، ومن أهمّها: أن ينسى حياة العزوبية بحلوها ومرّها، وإيجابياتها وسلبياتها، وأن ينتقل إلى الزواج بحلوه ومرّه، وسلبياته وإيجابياته. أما الجمع بين مزايا العزوبية، ومزايا الزواج، ورفض مساوئ العزوبية ومساوئ الزواج، فهذه أنانية مفرطة، وتحقيقه يحمل صورة من صور الاستحالة، وهذا ينطبق أيضاً على من يتزوّج للمرّة الثانية، وغالباً ما يكون فشله أنه يريد مزايا الزواج الأوّل ومزايا الزواج الثاني، وينجو من سلبيات الزواجين .
بعض الشباب يعاني من اضطرابات وقلق قبل الزواج، وهذا يؤثر على نفسيته، وخاصة إذا كان الزوج لم يرَ زوجته، فإن التوتر عنده يزداد ليلة الزفاف ممّا يؤثر على قدرته الجنسية، فيؤدي هذا إلى فشله، فيزداد اضطرابه، ويعاود الكرّة فيجد أن الفشل أشد، وعندئذ يشعر بالخجل، ويحسّ بأن رجولته ناقصة، ويريد أن يهرب من الواقع حتى لا يوصف بالنقائص، فيتسرّع بالطلاق!
ولو علم الشاب أن هذا الأمر طبيعيّ ويحصل لعشرات الآلاف من الشباب، بل إنّ الفشل قد يقع من المتزوّجين، وهو كسلٌ مؤقت، يزول بزوال آثاره.
وهذا الجانب يتحمله أولياء الأمور والمربّون الذين عليهم أن يقوموا بتوعية الشاب وتنبيهه، إلا أن هذه من الأمور الطبيعية التي على الشاب أن يعيها جيّداً .
هناك حقائق ثابتة من وقائع التجارب، ولو أن الكثير من المدارس الطبية لا تؤمن بها، فإن التجارب حقائق يجب أن توضع في الاعتبار، وذلك أن بعض النساء تصاب بما يسمّى بالوحم عند حملها، وقد يشتد الوحم عندها فترفض الزوج وتكره رائحته والاقتراب منه، وقد يحدث الحمل عندها في الأيام الأولى من الزواج دون أن تشعر أو يشعر الزوج ثمّ تبدأ بإعلان رفضها لزوجها، وتصارحه بأنها لا تطيقه ولا تطيق رائحته، فيصدم بذلك ويبادر بتحقيق طلبها ثم يقوم بتطليقها. فلابد للشباب أن يعي هذه الأمور، وأن يثقف نفسه بها.
استعجال المودة والرحمة والمحبة ظاهرة في قضايا الزواج، حيث إن الكثير من الشباب يريد أن ينال محبة زوجته بين يوم وليلة، والمحبة قطعاً لابد أن تكون تراكميّة، والمودة لا تنال إلا بعد طول عشرة، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَل بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، فالمودة يجعلها الله بين الزوجين، وقد لا تكون إلا بعد مدّة.
التأثر بالفضائيات التي تبرز الحياة الزوجية بأنها وردية مليئة بالحب والرومانسية والاشتياق، وتبرز الزوجين بكامل زينتهما لا يتحدثان إلا بأرق الألفاظ وأجملها، وخاصة المسلسلات التي تستمر أكثر من مئتي حلقة.. كل حلقة أكثر من ساعة، فتتغلغل الأفكار والأيدلوجيات إلى أذهان وقلوب من يتابع هذه المسلسلات, فإن رأى أحد الزوجين من الآخر قصوراً ـ وهو من لوازم الزواج، وقد حصل في أشرف البيوت بيت النبي صلى الله عليه وسلم ـ كره الآخر وظن أن الأزواج كلهم سعداء إلا هما. وهذا من الوهم الذي تبثه الفضائيات.
عدم التأهيل قبل الزواج؛ فلابد أن يدرك الزوجان ما في الزواج من المسؤوليات وتغير الحال.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
اللهم انا نسألك الفردوس الاعلى من الجنه نحن واخواننا المسلمين والمسلمات
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~