مشروبات صناعية تحتوي على مواد مسرطنة ؟
Carcinogenic compounds in soft drinks
الدكتور محيي الدين عمر لبنية - استشاري تغذية بمستشفى الملك فهد - بالمدينة المنورة
تشهد الأسواق التجارية في المملكة وسواها من دول العالم زيادة إقبال الناس على شراء المشروبات الصناعية للفواكه بأنواعها soft drink المحتوية على غاز ثاني أكسيد الفحم (المياه الغازية) والخالية منه (المشروبات غير الغازية)، وهي تحتوي على مواد كيماوية مضافة لتحسين قوامها ومكسبة للنكهة والرائحة والمذاق بأنواعها ويكون معظم مستهلكيها من الأطفال والمراهقين ولقد شغلتهم عن تناول الأغذية الصحية لأجسامهم ، وأصبحت هذه المشروبات الصناعية بما فيها المشروبات الغازية الخالية من السكر والمستخدم فيها محليات صناعية موضع اهتمام المختصين في التغذية بعد الشكوك المتزايدة حول خطرها المحتمل على صحة الإنسان ، وبدأت تعلو صيحات تحذير علماء التغذية من شربها وخاصةٍ الأطفال لصغر أجسامهم وفرط حساسيتهم للمركبات الكيماوية التي تلوث طعامهم وشرابهم بالمقارنة بالأشخاص البالغين بشكل قد يأخذ هذا التحذير المرتبة الثانية بعد التحذير الخاص عن ممارسة عادة التدخين السيئة على الصحة.
نقطة البداية
ذكرت دراسة علمية حديثة احتواء بعض المشروبات الصناعية على كميات من مركب البنزين الحلقي الذي ثبتت تأثيراته المسرطنة في حدوث مرض لوكيميا وأورام خبيثة أخرى في الدم زادت كميته أحياناً في بعضها ثماني مرات عن الحد المسموح وجوده منه في مياه الشرب بالمملكة المتحدة ، ثم أجريت اختبارات علمية على 230 مشروب متوفر في الأسواق الإنجليزية والفرنسية فاكتشف الباحثون وجود تركيز ملحوظ من مركب البنزين وصل في بعضها إلى 8 أجزاء / مليون في بعض أنواع هذه المشروبات حسب ما ذكره تقرير وكالة المقاييس الغذائية Food Standards Agency في بريطانيا ، وتسمح القوانين الصحية الإنجليزية بوجود جزء واحد / مليون فقط كحد أعلى من هذا المركب في مياه الشرب .
وقبل 15 سنة سحبت شركة تعبئة المياه المعدنية الفرنسية الشهيرة بيرية Perrier 150 ألف عبوة منها من الأسواق العالمية بعد اكتشاف وجود أثار من البنزين الحلقي فيها ، وتتعالى أصوات تحذيرات جمعيات حماية صحة المستهلك في انجلترا من استهلاك المشروبات الصناعية الملوثة بمركب البنزين وخاصةً للأطفال ، وتتساءل عن أسباب إهمال الجهات الصحية في بريطانيا اتخاذ إجراءات مثل حظر استهلاك المشروبات الصناعية الملوثة بهذه النسبة (8 أجزاء / مليون ) من مركب البنزين بالرغم من حظرها استهلاك مياه الشرب المحتوية على تركيز أقل منه فيها ، ودعت وكالة المقاييس الغذائية The Food Standards Agency البريطانية إلى إجراء المزيد من الدراسات العلمية على محتوى المشروبات الصناعية من هذا المركب الضار بالصحة .
ويعتقد علماء الغذاء بوجود تركيز مرتفع من مركب البنزين الحلقي نتيجة حدوث تفاعل بين مادة حافظة (بنزوات الصوديوم مع حمض الأسكوربيك) ، وينتشر استخدام بنزوات الصوديوم في حفظ المشروبات والمربيات وغيرها ، ويستخدم فيتامين ج لتحسين فرص بيع المنتج لاعتقاد المستهلكين بأهمية هذا الفيتامين لأجسامهم .
كما ينتشر استخدام بنزوات الصوديوم في صناعة حفظ المحاليل السكرية والمشروبات ومربيات ثمار الفواكه وسواها من الفساد بواسطة الفطريات والخمائر ، كما تستخدم في تحضير الشراب السكري المستخدم في صناعة المشروبات الصناعية بنوعيها المحتوية على غاز ثاني أوكسيد الفحم (المياه الغازية ) والخالية منه ، وينتشر وجود حمض الأسكوربيك مع بنزوات الصوديوم في تركيب العديد من المشروبات الصناعية المحتوية على غاز والخالية منه التي لها نكهة ثمار الحمضيات بنوعيها برتقال أو ليمون ومانجو ، كما يستعملها البعض في تحضير عصائر فواكه صناعية خالية من الغاز بنكهة المانجو والبرتقال (تذكر عبواتها احتوائها على عصير الفواكه الطبيعية أو لب ثمارها )خالية من الغاز ينتشر بعضها في أسواق المملكة بأسماء تجارية متنوعة.
وأعلنت حديثاً إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عن وجود مركب البنزين في بعض أنواع المشروبات الصناعية بتركيز يقل من الحدود المسموح وجوده فيها ،وهو يسبب حدوث الإصابة بالسرطان عند دخول الجسم كمية كبيرة منه.
كما ترتفع أصوات الاحتجاج على استخدام المحليات الصناعية مثل اسيسولفيلم –ك acesulfame- K السكارين saccharine وأحياناً اسبارتم aspartame في تحضير المشروبات الغازية وسواها لمرضى السكر وزائدي الوزن بعد اكتشاف تأثيراتها المسرطنة على حيوانات التجارب ، ولقد صنفها البعض ضمن مجموعة المركبات المضافة للأغذية العشرة الأكثر خطراً على صحة الإنسان .
ويطرح هنا التساؤل نفسه ماذا يحدث عند تجاهلنا التأثير المسرطن لنوع من المركبات الكيماوية يلوث المشروبات الصناعية التي نشربها مثل البنزين نتيجة وجود كميات صغيرة منه فيها مع حصولنا في الوقت نفسه على مركبات كيماوية أخرى لها تأثير مسرطن من الأغذية الأخرى وخاصة للأطفال التي تكون أجسامهم أكثر حساسية لها من الكهول .
وبلا شك يوفر العلم الحديث طرق علمية لتجنب تلوث المشروبات الصناعية بالمركبات ذات التأثير المسرطن خلال مرحلة تصنيعها يمكن استخدامها .
اقتراحات
حظرت بعض دول العالم كالمملكة بيع المشروبات الغازية في المدارس للأطفال وغفلت بعضها عن منع بيع مشروبات الفواكه الصناعية المحلاة بالسكر بأنواعها وما شابهها المستخدم فيها مواد مضافة من ألوان ونكهات صناعية ومركبات حافظة .
إمكانية استبعاد شركات إنتاج مشروبات الصناعية استخدام مركب بنزوات الصوديوم في تركيب مشروبات الفواكه الصناعية وسواها .
تجنب استعمال شركات تصنيع المياه الغازية وعصائر الفواكه المركبين بنزوات الصوديوم مع حمض الأسكوربيك في تحضير مشروبات الفواكه الصناعية والمربيات وسواها .
إجراء اختبارات كيماوية على أنواع المشروبات الصناعية ومربيات وشرابات الفواكه المحتوية على (بنزوات الصوديوم كمادة حافظة مع حمض الأسكوربيك ) التي تباع في أسواق المملكة لتحديد محتواها من مركب البنزين المسرطن .
وضع هيئة المواصفات والمقاييس في المملكة ودول الخليج الحد الأعلى المسموح وجوده من البنزين الحلقي في مياه الشرب (المواصفة القياسية لمياه الشرب المعبأة برقم 409/84 والمياه غير المعبأة رقم 701/) 1993 وكذلك في المشروبات الصناعية بأنواعها الغازية وغير الغازية .
يقترح المعارضون لبيع المشروبات الصناعية فرض ضريبة مالية على بيع هذه المشروبات مثل السجائر لتقليل معدل استهلاكها بعد أن توسع بيعها من الأسواق نتيجة رخص ثمنها وتنافس شركات تصنيعها في مجال عرض أرخص الأسعار لها لبيع أكبر كمية منها .
كما يعتقد المعارضون للمشروبات الصناعية بفائدة تحديد أماكن بيع المشروبات الصناعية دون الأطفال ووضع بطاقة تحذير على عبواتها عن أخطارها الصحية المحتملة .
نصائح للمستهلكين
ضرورة قراءة مكونات المنتج الغذائي المسجلة على ملصق العبوة بدقة لمعرفة مكوناته وتجنب شراء المشروبات الصناعية المحتوية على بنزوات الصوديوم وحمض الأسكوربيك (فيتامين ج)
أفضلية نجنب استهلاك المشروبات الصناعية بنوعيها الغازية وغير الغازية المحتوية على بنزوات الصوديوم وحمض الأسكوربيك معاً وكذلك المياه الغازية المحتوية على محليات صناعية (دايت ) .
أفضلية تناول مشروبات ثمار الفواكه وبعض الخضراوات الطبيعية في الطعام وتجنب كثرة استهلاك المشروبات الصناعية بأنواعها الغازية وغير الغازية لاحتوائها على مركبات كيماوية يكون بعضها ضاراً بصحة الإنسان وخاصة للأطفال ، وهذا قد يماثل بشكل ما تجنب كثرة استهلاكنا البطاطس المحمرة في الزيت في طعامنا بعد اكتشاف احتوائها على مركب ايكرلاميد المسرطن لحيوانات التجارب.
نشر هذا المقال في مجلة اليمامة : العدد 1932 – تاريخ 18/11/2006
منقوووووول