صوم أبنك.. فلن يموت منه
صوم أبنك.. فلن يموت منه
أمهات يضعن برامج أسرية خلال شهر رمضان
تحقيق: الدلال لا يصنع رجلا
كتبت: المحررة:أمل الذييب
أظلنا شهر رمضان، شهر الغفران والعتق من النيران، قال عليه الصلاة والسلام (( من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
إن لرمضان خصائص وفضائل ورد ذكرها في القرآن الكريم والحديث الشريف ومن هذا قوله تعالى:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ }[البقرة:185] وقال غليه الصلاة والسلام: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين )) وقال: ((كل عمل ابن آدم له ،الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )).
إن شهر رمضان بمثابة المدرسة للأجيال: فيه ومنه يتعلم المسلم جملة من الدروس النافعة: صبر وتحمل وبذل وعطاء ومجاهدة واجتهاد وجد.. وغير ذلك من الدروس، وهو مدرسة ليس للكبار فحسب، بل هو أيضاً للصغار، نعم للصغار، فمتى ما عرف الوالدان كيفية استغلاله وأدركا أهمية ذلك سعيا جاهدين لتحقيق الغاية المنشودة بإذن الله تعالى..
وفي تحقيقنا هذا نتعرف على عدد من الطرق التربوية والوسائل التعليمية التي يمكن الاستعانة بها في توجيه الأولاد في الشهر الكريم، ولأن الأم أكثر التصاقاً بالأولاد فهي تقضي معهم جل وقتها وتبذل الكثير من جهدها في تربيتهم وتعليمهم فقد جعلتها نقطة الأساس في هذا التحقيق، حيث قمت بتوجيه هذا السؤال لعدد من الأمهات:
كيف تستغلين هذه الفرصة الثمينة ((شهر رمضان)) في تعليم الأبناء أمور الدين وتشجيعهم على أداء العبادات وفعل الطاعات حتى إذا انسلخ الشهر رأيت أثره الطيب الواضح عليهم، وإليكم جملة من التجارب الناجحة طرحتها لنا عدد من الأمهات الفاضلات:
تجربة ناجحة
منيرة بنت علي الزيدان: كان أبي- حفظه الله- يشجعني ويعاملني معاملة خاصة إذا صمت شهر رمضان وأنا في سن مبكرة جداً، وكنت أشعر أن لي قيمة عظيمة في ذلك الشهر لما ألقاه من اهتمام بالغ من والدي. فأحببت أن أنقل تلك التجربة إلى أبنائي لأشعرهم بما كنت أشعر به، فأخذت أوقظهم للسحور مع حداثة سنهم- لاستشعار الروحانية في ذلك الوقت الخاص- ثم أدعوهم لأداء صلاة الفجر فيشعرون بسعادة غامرة كنت قد عشتها من قبل- ثم إني أشجعهم على إتمام الصيام بشتى الطرق من ثناء ومدح ومكافأة عند الفطر مع حثهم على الصلاة في وقتها وتشجيعهم على الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح مع الالتزام بكامل الهدوء واحترام المصلين. إن هؤلاء الناشئة بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم للقيام بالطاعات، وأن نعود أطفالنا على قراءة ما تيسر من القرآن مما حفظوه إن كانوا صغاراً أو مما درسوه في المدرسة مع ذكر فضل قراءة القرآن والأجر العظيم لقارئه. وعندما يرى الطفل والديه يكثران من الدعاء وخاصة عند الفطر فإنه سيتعود على الدعاء ورفع أكف الضراعة إلى الله في كل حين..
وهذا الطفل حينما تعطيه أمه فطوراً قد أعدته للصائمين وتطلب منه إيصاله إلى المسجد أو إعطاءه من يستحقه من المسلمين فيشعر بفضل وأهمية الصدقة وتفطير الصائمين، ولا سيما وهو يرى فرحة إخوانه من المسلمين. وبتلك الأمور كلها يتربى النشء على الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وقراءة للقرآن ودعاء وتكون ديدنهم ومنهجهم في رمضان وغيره من الشهور..
الغرس المبكر
(( أم أسامة)): إن أبنائي ولله الحمد لهم مقدرة على فهم بعض المعاني ومنها مثلاً فهم أجر الصائم لأني كنت أحاول غرسها فيهم منذ الصغر، فمرة بالترغيب والأجر ومرة عن طريق إعطاء بعض الهدايا، وكنت دائماً أناقشهم في أهمية الصيام بأنه يعود الصبر ولذلك تجد فلاناً يصوم، لذلك هو يستطيع أن يحكم نفسه ولا تحكمه، كما أني أذكي فيهم الحماس عندما يأتي أولادي من الحلقة ومعهم سؤال فقهي فأقرب لهم الكتاب الذي يوجد فيه الجواب الصحيح وأحثهم على قراءته ثم كتابته بأيديهم وهذه مهمة إذا كانت الأم تريد غرس حب العلم وتثبيته في قلوب الأبناء، كما أني أشجعهم على الصلاة في المسجد ((صلاة التراويح)) وأعتبرها نوعاً من المكافأة لهم على ما بذلوه من صيام مع حثهم على آداب المسجد، كما أني أشركهم أثناء صيامهم في تجهيز الإفطار معي حتى يحسوا بروح الجماعة ومدى قيمة ما يفعلون، وأشجعهم على الصدقة من وقت لآخر كما أنهم يفرحون إذا كلفتهم بتوزيع إفطار على الناس أو مشاركتهم لتفطير الصائمين في المساجد وكل هذا تحت ملاحظة والدهم، وأما بالنسبة للقرآن فأوضح لهم فضله وأن رمضان شهر القرآن وأذكي بينهم وبين أبناء الجيران والأقارب جذوة التسابق على قراءته وختمه قدر استطاعتهم مع الحرص على وجود قدوة لهم في ذلك، مع عدم إغفال الدعاء المستمر لهم ومناقشة بعض الأمور وتحليلها والرجوع إلى كتب قد تفيد في النقاش لتعزز معارفهم ولا نغفل أبداً أهمية الجلسات الأسرية التي يكون فيها قراءة لكتاب أو سماع لشريط أو حتى تحاور أسري هادئ مع بعض الأسئلة لمعرفة ما لدى الأطفال من ثقافة اكتسبت مثلاً في هذه الفترة وإعدادهم نفسياً من أشهر سابقة لمثل هذا الحدث العظيم، أسأل الله أن يبارك لنا في شعبان ويبلغنا رمضان وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المنكرات عوائق
((أم عبد الرحمن)) يقول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] إذاً كانت ثمرة الصيام هي التقوى وهي الغاية التي شرع لأجلها الصيام فإن الصيام نفسه هو القاعدة الأساسية التي تنطلق منها الأم لبناء تجربة ناجحة مع أبنائها في رمضان، ثم تأتي بعد ذلك باقي الأعمال تبعاً له، لذا كان لا بد من أن يصوم الطفل شهر رمضان، فإذا صام كانت له قاعدة راسخة يقوى معها على أداء الأعمال الأخرى - بإذن الله- ومع الإخلاص لله والصدق والجد والاجتهاد من قبل الوالدين والمربين وقد يبدو صعباً على كثير من الأهالي أن يصوم أولادهم الصغار ومع برد الشتاء وحر الصيف، ولكي يسهل ذلك لا بد أن تسبق الشهر خطوة ضرورية واجبة في كل وقت عامة وفي رمضان خاصة ثم تعقبها خطوات العمل بالنوافل وخطوات البذل والجود الرمضاني وهذه هي:
1- الاستغفار والتوبة والتزام الأبناء بأداء الفرائض والمحافظة على أداء الصلوات في المساجد وتطهير المنزل من المنكرات والمعاصي التي استفحلت باسم الترفيه والتسلية للأولاد، فإذا لم يكن الأمر كذلك فلن يقوى الطفل على الصيام، بل لن يجد من يعينه ويصبره لأن المعصية تعمل عملها في محق الحسنات وجلب السيئات وتنهك القلب والجسد فلا يقويان معها على حمل الطاعة، وهو أمر مشاهد في البيوت.
إن الله سبحانه وتعالى قد كتب علينا الصيام لأجل التقوى وهي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفحل أوامره واجتناب نواهيه، فالطفل هنا ليس أهلاً للصوم المؤدي إلى التقوى، حيث إنها افتقدت شرطها وهو فعل الأوامر والواجبات وترك المحرمات والمنهيات.
2- بعد الاستغفار والإقلاع والتوبة وتطهير المنزل يسهل الصيام، فيبدأ الوالدان بتعويد الأبناء عليه منذ اليوم الأول وتصبيرهم وتشجيعهم وتذكيرهم بثواب الله ويؤيده فعل السلف، تقول الربيع- إحدى الصحابيات- تقول لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء كنا نصومه ونصوم صبياننا حتى إذا بكى نعطيه اللعبة من العهن ((القطن )) حتى يكون عند الإفطار، فإذا صام الطفل رمضان أو جله فهي نعمة عظيمة تؤتي بإذن الله ثمرتها من التقوى وتؤدي إلى ثمرات أخرى هي من بركتها ونتاجها.. فتلك تليها الخطوة التالية.
3- أي أن الطفل إذا صام وكان خالياً عن الطعام والشراب يكون بذلك قد شابه أهله في الاستعداد النفسي والروحي وتهيأ لتلقي أعمال الصيام ومحاكاة الوالدين في أعماله.. كتلاوة القرآن وتناول وجبة السحور التعبدية، وكذا الإفطار والدعاء عندها وقد غشيه ما غشي الكبار من آثار الصيام كالسكينة والطمأنينة. ثم انطلاقه مع والديه لأداء صلاة العشاء والتراويح وغيرها من أمور الصيام التي لا يشعر بها الطفل أو الابن الذي لا يصوم.
4- بعد ذلك يتهيأ الطفل لمرحلة زائدة من الأعمال والمشاركات في رمضان، حيث خالج الشهر قلبه الغض ومازجه حتى أحبه فيقوم تلقائياً أو بتوجيه من الوالدين والمربين بالمشاركة في أعمال خيرية، ونوافل زائدة كتفطير صائم وتوزيع قسائمه الخاصة بالصائمين الفقراء خارج البلد.. أو المثابرة على ختم القرآن منافسة لوالديه وبذل الصدقة، بل حتى مساعدة والدته في تحضير وجبة الإفطار حيث يشعر الصائم الصغير بلذة ذلك عكس المفطر لتشوق نفسه مع الصيام إلى ذلك وهكذا عكس الأولاد المفطرين حيث تتهيأ هذه الأعمال مع الصيام بشكل أسهل على نفس الصائم من غيره ولو كان صغيراً أعذره فبادري أيتها الأم بإعانة أبنائك على الصيام ولا تكونين خائرة تشفقين عليهم منه أكثر من شفقتك عليهم من المعاصي وترك الواجبات.