الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتمَّ علينا النعمة، وجعل أمَّتنا -أمَّة الإسلام- خيرَ أمَّة، وبعث فينا رسولًا منَّا يتلو علينا آياته ويزكينا، ويعلِّمنا الكتاب والحكمة، والصلاة والسلام على مَن أرسله الله للعالمين رحمة، نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه.
أهمية الإيمان
لا يخفى على كل مسلم أهمية الإيمان، وعظم شأنه، وكثرة عوائده وفوائده على المؤمن في الدنيا والآخرة، بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على تحقق الإيمان الصحيح، فهو أجل المطالب، وأهم المقاصد، وأنبل الأهداف، وبه يحيا العبد حياة طيبة سعيدة، وينجو من المكاره والشرور والشدائد، وينال ثواب الآخرة ونعيمها المقيم وخيرها الدائم المستمر الذي لا يحول ولا يزول.
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97) . وقال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء: 19) .
وقال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا} (طه: 75) . وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا - خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} (الكهف: 107، 108) . والآيات في هذا المعنى في القرآن الكريم كثيرة.
أصول الإيمان
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان يقوم على الأصول الستة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وقد جاء ذكر هذه الأصول في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواطن عديدة. منها:
1 - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء: 136) .
2 - وقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} (البقرة: 177) .
3 - وقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة: 285) .
4 - وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49) .
5 - وثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب المشهور بحديث جبريل «أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني عن الإيمان، قال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (رواه مسلم) .
فهذه أصول ستة عظيمة يقوم عليها الإيمان، بل لا إيمان لأحد إلا بالإيمان بها، وهي أصول مترابطة متلازمة، لا ينفك بعضها عن بعض، فالإيمان ببعضها مستلزم للإيمان بباقيها، والكفر ببعضها كفر بباقيها.
ولذا كان متأكدا في حق كل مسلم أن تعظم عنايته واهتمامه بهذه الأصول علما وتعلما وتحقيقا.
وفيما يلي بيان ما يتعلق بالأصل الأول من هذه الأصول وهو الإيمان بالله.
الباب الأول : الإيمان بالله
إن الإيمان بالله عز وجل هو أهم أصول الإيمان، وأعظمها شأنا، وأعلاها قدرا، بل هو أصل أصول الإيمان، وأساس بنائه، وقوام أمره، وبقية الأصول متفرعة منه، راجعة إليه، مبنية عليه. والإيمان بالله عز وجل هو الإيمان بوحدانيته سبحانه في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فهذه أصول ثلاثة يقوم عليها الإيمان بالله، بل إن الدين الإسلامي الحنيف إنما سمي توحيدا لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وواحد في ذاته وأسمائه وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته لا ندَّ له.
وبهذا يعلم أن توحيد الأنبياء والمرسلين ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأنَّ الله تعالى رب كلّ شيء ومليكُه وخالقُه ورازقُه، وأَنه المحيي المميتُ النافعُ الضار، المتفرِّدُ بالإجابة عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، وإليه يُرجع الأمرُ كله، لا شريك له في ذلك.
القسم الثاني: توحيد الألوهية، وهو إفراد الله وحده بالذلِّ والخضوع والمحبَّة والخشوع والركوع والسجود والذبح والنذر، وسائر أنواع العبادة لا شريك له.
القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى. بما سمى ووصف نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النقائص والعيوب ومماثلة الخلق فيما هو من خصائصه والإقرار بأنَّ الله بكلِّ شيء عليم، وعلى كلِّ شيء قدير، وأنَّه الحيُّ القيُّوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، له المشيئة النافذة والحكمة البالغة، وأنَّه سميع بصير، رؤوف رحيم، على العرش استوى، وعلى الملك احتوى، وأنَّه المَلِك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار المتكبِّر، سبحان الله عمَّا يشركون، إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى، والصفات العلى.
ولكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة دلائلُ كثيرة من الكتاب والسنة.
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه وجزائه وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم.
وهذه الأقسام الثلاثة للتوحيد قد أخذها أهل العلم بالاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة، وهو استقراء تامٌّ لنصوص الشرع، أفاد هذه الحقيقة الشرعية، وهي أنّ التوحيد المطلوب من العباد هو الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيَّته وأسمائه وصفاته، فمَن لم يأت بهذا جميعه فليس بمؤمن .
وللحديث بقية مع الأصل الأول