رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب العاشر: في الحضانة، وأحكامها،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الحضانة، وحكمها، ولمن تكون؟
أ- تعريف الحضانة:
لغة: تربية الصغير ورعايته، مشتقة من الحِضْن، وهو الجنب؛ لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى جنبه.
والحاضن والحاضنة: الموكلان بالصبي يحفظانه ويرعيانه.
والحضانة شرعاً: هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه بدنياً ومعنوياً، ووقايته عما يؤذيه.
ب- حكمها: وهي واجبة في حق الحاضن إذا لم يوجد غيره، أو وجد ولكن المحضون لم يقبل غيره؛ لأنه قد يهلك، أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك، والوجوب الكفائي يكون عند تعدد الحاضنين.
ج- لمن تكون؟: والحضانة تكون للنساء والرجال من المستحقين لها، إلا أن النساء يقدمن في الحضانة على الرجال؛ لأنهن أشفق وأرفق بالصغار، وإذا لم يكن لهن حق في الحضانة تصرف إلى الرجال؛ لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر.
وحضانة الطفل تكون لوالديه إذا كان النكاح قائماً بينهما، أمَّا إذا تفرقا فالحضانة للأم ما لم تنكح زوجاً أجنبياً من المحضون؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي طلقها زوجها وأراد أن ينتزع ولدها منها: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) (حسَّنه الألباني).
ومقتضى الحضانة: حفظ المحضون، وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته حتى يكبر، وعمل جميع ما هو في صالحه: مِنْ تعهد طعامه، وشرابه، وغسله، ونظافته ظاهراً وباطناً، وتعهُّد نومه، ويقظته، والقيام بجميع حاجاته، ومتطلباته.
المسألة الثانية: في شروط الحاضن، وموانع الحضانة:
1 - الإسلام: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ لأنه لا ولاية له على المسلم، وللخشية على المحضون من الفتنه في دينه وإخراجه من الإسلام إلى الكفر.
2 - البلوغ والعقل: فلا حضانة لصغير ولا مجنون ولا معتوه؛ لأنهم عاجزون عن إدارة أمورهم، وفي حاجة لمن يحضنهم.
3 - الأمانة في الدين والعفة: فلا حضانة لخائن وفاسق؛ لأنه غير مؤتمن، وفي بقاء المحضون عندهما ضرر عليه في نفسه وماله.
4 - القدرة على القيام بشؤون المحضون بدنياً ومالياً: فلا حضانة لعاجز لكبر سن، أو صاحب عاهة كخرس وصمم، ولا حضانة لفقير معدم، أو مشغول بأعمال كثيرة يترتب عليها ضياع المحضون.
5 - أن يكون الحاضن سليماً من الأمراض المعدية: كالجذام ونحوه.
6 - أن يكون رشيداً: فلا حضانة لسفيه مبذر لئلا يتلف مال المحضون.
7 - أن يكون الحاضن حراً: فلا حضانة لرقيق؛ لأن الحضانة ولاية، وليس الرقيق من أهل الولاية.
وهذه الشروط عامة في الرجال والنساء. وتزيد المرأة شرطاً آخر، وهو: أن لا تكون متزوجة من أجنبي من المحضون؛ لأنها تكون مشغولة بحق الزوج، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) (حسَّنه الألباني). وتسقط الحضانة بوجود مانع من الموانع المذكورة، أو زوال شرط من شروط استحقاقها السابقة.
المسألة الثالثة: من الأحكام المتعلقة بالحضانة:
- إذا سافر أحد أبوي المحضون سفراً طويلاً، ولم يقصد به المضارة، وكان الطريق آمناً، فالأب أحق بالحضانة، سواء أكان هو المسافر أم المقيم؛ لأنه هو الذي يقوم بتأديب الولد والمحافظة عليه، فإذا كان بعيداً ضاع الولد.
- إذا كان السفر لبلد قريب دون مسافة القصر، فالحضانة للأم، سواء أكانت هي المسافرة أم المقيمة؛ لأنها أتم شفقة ويمكن لأبيه الإشراف عليه، وتعهد حاله.
أما إذا كان السفر طويلاً ولحاجة، وكان الطريق غير آمن فالحضانة تكون للمقيم منهما.
- وتنتهي الحضانة عند سن السابعة، ويخير الذكر بعدها بين أبويه، فيكون عند من اختار منهما؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا غلام! هذا أبوك وهذه أمك؛ فخذ بيد أيهما شئت) فأخذ بيد أمه فانطلقت به (صححه الألباني)، وقضى بالتخيير أيضاً: عمر وعليّ رضي الله عنهما، ولا يخير إلا إذا بلغ عاقلاً، وكان الأبوان من أهل الحضانة.
وقيد التخيير بالسبع؛ لأنه أول سن أمر فيه الشارع بمخاطبته بالصلاة. فإن اختار الولد أباه كان عنده ليلاً ونهاراً ليؤدبه ويربيه، ولا يمنعه من زيارة أمه، وان اختار أمه صار عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً؛ ليؤدبه ويربيه، ولأن النهار وقت قضاء الحوائج، وعمل الصنائع.
والأنثى إذا بلغت سبع سنين فإنها تكون عند أبيها؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولقربها من سن التزويج، والأب وليها وإنما تخطب منه، وهو الأعلم بالكفء ممن يتقدَّمون لها، ولا تمنع الأم من زيارتها عند عدم المحظور كخوف الفساد عليها أو غير ذلك. فإن كان الأب عاجزاً عن حفظها؛ لشغله، أو لكبره، أو لمرضه، أو لقلة دينه. والأم أصلح وأقدر فإنها أحق بها.
وكذلك إذا تزوج الأب وجعلها عند زوجته، تؤذيها وتقصر في حقها، فالأم أحق بالحضانة.
- أجرة الحضانة -سواء أكان الحاضن أماً أم غيرها- مستحقة من مال المحضون إن كان له مال، أو من مال وليه ومن تلزمه نفقته، إن لم يكن له مال.