نعمة الظل - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-2017, 11:13 AM
  #1
ابن عمر محمد
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 335
ابن عمر محمد غير متصل  
نعمة الظل

نعمة الظل

الشيخ مقبل بن حمد المقبل

الحمد لله رب العالمين؛ بارئ النسمات، ومدبر الكائنات، وعالم المكنونات ..أحمده تعالى وأشكره على جليل العطايا وعظيم الهبات، وأتوب إليه وأستغفره من جميع الخطايا والزلات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شرك له قيوم الأرض والسموات، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المؤيد بالخوارق والمعجزات.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ..

أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله . اتقوا الله ربكم تظفروا بمطلوبكم وتنجو من مرهوبكم ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:200] ..

إخوة الإسلام:
ثمة آية من آيات الله تعالى العظيمة، وخلقٌ من خلقه الدال على توحيده، وقدرته، وتصريفه، تكرر ذكره في كتاب الله، يزيد الإيمان بالتفكر فيه، ويدفع ذلك الجوارحَ للعمل بمرضاة ربها، إنها آية ونعمة نستمتع بها كل يوم ولكننا نغفل عن التفكر فيها وشكرها .. نعرف قدرها وقيمتها عندما تشتد الحرارة فنلوذ بها اتقاء لذلك اللهيب فتأنس أجسادنا وتنشرح نفوسنا .. ذلكم هو الظل عباد الله ..والظل معروف ومع ذلك يعرفه أهل اللغة بأنه : ضوء شعاع الشَّمس دون الشُّعاع..

عباد الله:
لقد امتن الله على عباده بالظل : فقال تعالى ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُون ﴾ [النحل : 81] ورود كلمة ﴿ ظِلَالًا بصيغة الجمع، ينبه إلى أن الظل أنواع، لا نوع واحد فقط؛ إذ تختلف درجة الحرارة حسب العنصر الذي يقوم بإلقاء الظل؛ فليس ظل الأشجار كظل المباني والأحجار.

وقد دعا الله عباده إلى التفكر في هذه الآية في قوله: فقال ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ [الفرقان : 45] قال ابن القيم في تفسير هذه الآية: "أخبر تعالى أنَّه بسط الظِّلَّ ومدَّه، وأنَّه جعله متحرِّكًا تبعًا لحركة الشَّمس، ولو شاء لجعله ساكنًا لا يتحرَّك، إمَّا بسكون المظْهر له والدَّليل عليْه، وإمَّا بسببٍ آخَر. ثمَّ أخبر أنَّ قبضَه بعد بسْطِه قبضًا يسيرًا - وهو شيء بعد شيء - لَم يقبضه جملة، فهذا من أعظم آياتِه الدَّالَّة على عظيم قدرتِه وكمال حكمته".


عباد الله:
ومما ذكره الله تعالى عن الظل في كتابه أنه يسجد لله تعالى أول النهار وآخره، بل دعا الله عباده للتفكر في ذلك فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [النحل : 48] فكلُّ مالَه ظل يتفيأ ذاتَ اليمين وذات الشمال أي بكرة وعشيا، فانه ساجد بظله لله تعالى، قال مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء لله عز وجل. ومنه قوله جل في علاه ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩﴾ [الرعد: 15] . قال القرطبي رحمه الله "ظلال الخلق ساجدة لله تعالى بالغدو والآصال لأنها تبين في هذين الوقتين، وتميل من ناحية إلى ناحية، وذلك تصريف الله إياها على مايشاء".

عباد الله:
وأشار الله إلى الظل في كتابه مبينا التباين والتضاد بينه وبين الحر، كما يتباين المسلم والكافر، فقال سبحانه ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ﴾ [فاطر : 19-22] والمراد بالحرور الحر المؤذي .

ومما يدل على عظيم نعمة الله على عباده بالظل أن جعله نعيما يتنعمون به في الجنة قال سبحانه ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴾ [المرسلات :41] وقال ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ﴾ [النساء : 57] قال ابن كثير: "أي: ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً أنيقاً". وقيل متراكبا بعضه فوق بعض . وقال سبحانه : ﴿ وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ ﴾ [الواقعة : 27-31]. وقد ورد في الصحيحين ما يفسر الظل الممدود إذ روى سَهْلِ بْنِ سَعْدِ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا». نسأل الله الجنة ونعيمها.

عباد الله :
وإذا كان الأصل في الظل أن يكون نعمة، فقد يجعله الله عذابا ونقمة على من شاء من عباده، فقد هرب قوم شعيب من الحر الشديد إلى ظل الغمام الذي كان عليهم عذابا، قال سبحانه :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء : 189] .


وهو أيضا عذابا لأهل النار المكذبين، لأن الظل حينئذ ظلُّ دخان محرق ، قال جل وعلا: ﴿ انْطَلِقُوا إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ﴾ [المرسلات : 30-31] وقال سبحانه ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة : 41-44] قال ابن كثير : "وظل من يحموم وهو الدخان الأسود ". فليس ذلك الظلّ ببارد، كبرد ظلال سائر الأشياء، ولكنه حارّ، لأنه دخانٌ من سعير جهنم، وليس بكريم لأنه مؤلمٌ لمن استظلّ به.

نعوذ بالله من النار وعذابها، ونسأل الله الجنة ونعيمها، ونسأله جل في علاه أن يرزقنا التفكر في خلقه، والشكر الجزيل لنعمه إنه سميع مجيب ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ...

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين: .

إخوة الإسلام:
في حر الصيف اللاهب تتجلى نعمة الظل ، وتزداد النعمة جلاء عندما يُخَفف صلوُ الشمس في ذلك الظل بالمكيفات أو الرذاذ أو نحوه مما يزيد نعيمَ الظل نعيما ويستوجب شكرا لله جل في علاه.


عباد الله:
وإذا كان في الدنيا ظلٌ وفي الجنة والنار ظلٌ فإن بينهما ظلا أيضاً لا يناله إلا الموفق من عباد الله تعالى، وذلك في أهوال يوم القيامة عندما تقترب الشمس من الخلائق قدر ميل فيتصبب العرق منهم حتى يُلجمَ بعضهم إلجاماً .. فينعم بظل عرش الرحمن هناك أقوام عددهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحرص على أن تكون منهم ..

فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ :" سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ "متفق عليه. وقال قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم " من أنظر معسرا أو وضـع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " رواه مسلم . وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "مَن أعانَ مُجاهدًا في سبيلِ اللَّهِ ، أو غارمًا في عُسرتِهِ ، أو مُكاتبًا في رقبتِهِ ، أظلَّهُ اللَّهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلاَّ ظلُّهُ". حسنه ابن حجر.

عباد الله:
وإذا تأملت نعمة الظل، فتأمل في انحساره شيئا فشيئا، واعلم أن هذا هو حالُ عمرك ودنياك، فهي ظل زائل ..
نرجو البقاء بدار لا ثبات لها فهل سمعت بظلٍ غير منتقل
فأولى أن تجعلها طاعة لله، وميدانا للعمل الصالح الذي هو مهر الفوز في الدار الباقية..

عباد الله:
وختاما ثمة حكمٌ شرعي يتعلق بالظل قد يجهله بعض الناس وهو كراهة الجلوس بين الظل والشمس ، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :" الجلوس بين الظل والشمس مكروه ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقعد بين الظل والشمس رواه ابن ماجه بسند جيد ، وثبت أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه سماه : مجلس الشيطان ، رواه أحمد وابن ماجه" انتهى.

نسأل الله تعالى أن ينعم علينا بالظلال الوارفة في جنات النعيم إنه سميع مجيب .. هذا وصلوا وسلموا على نبيكم .


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:08 AM.


images