الطفل والحوار!
بينما أنا أسير على الرصيف سمعت طفلاً وهو ينزل من السيارة يسأل أبوه قائلاً(لأنه فيه بيوت كثيرة!؟) فقال له أبيه (إيه..إيه)!
كثير من الأسئلة التي تردنا من أطفالنا وهي أسئلة ذكية أو بريئة، ولأنه ليس لدينا صبر وطول بال للاستماع لهم وللإجابة عليهم بما ينبغي نكتمهم بجوابٍ فاترٍ قاتل كما هو جواب الأب في السطر الأول من هذا الموضوع! ألاحظ كثيراً أن إجاباتنا إما أنها تستحقر عقل الطفل ولا تقدر تساؤله لأن مستوى الأهمية له داخلنا قليل فلذلك أقرب إجابة قصيرة وباردها نسلمها له فيصمت بائساً.
وهذا الأسلوب في الرد على الطفل هو أحد العوامل التي تجعل الطفل إما خجولاً أو غير قادر على التحدث وغير متشجع لطرح الأسئلة لأنه يدرك أن الإجابة لن تكونَ شافية ووافية، إننا نمارس نوع من القمع لأطفالنا دون أن نشعر بذلك، إن هذا التجاوب يخرج لنا طفلاً غير مستعد للنقاش وغير قادر على التساؤول مما يجعله بالأخير يشعر أنه أسألته تافهة أو لاوجه لها.
إن الإجابة على الطفل إجابة وافية كافية معززة بالاستدلال أو القياس أو التشبيه تجعل لديه الثقة بنفسه ليسأل أكثر وتجعله أيضاً يتمارس ويتمرن على القدرة على الإجابة في موضع الأسئلة المختلفة والقادمة من الأخرين سواءً كانوا أطفالاً أم كباراً.
إن بعض المجتمعات أو الدول لديها ما أسمية بانسيابية اللغة، وهي القدرة على التحدث بشكلٍ سلسل ومترابط مع الاستدلال والتشبيه أثناء الحديث دون توقف، ولكي نضرب مثالاً مع كل الاحترام للجميع ولا يعني ذلك تقليلاً أو رفعاً لأحد، حيث يُذكر أن الطفل المصري هو أذكى طفل عربي، ولديه القدرة على التحدث بكلام وكأنه كبيراً في العمر ولديه الكثير من الأدوات اللغوية أو اللهجة المحلية التي تساعده في التعبير أو السؤال أو الحوار، وهذا ربما يكون مشاهد للأغلبية، وفي اعتقادي أن السبب هو انسايبية اللغة/اللهجة لدى ذلك المجتمع وهذه الثقافة تساهم في قدرة الطفل على التحدث والتساؤل والحوار إلى جانب أن العائلة المصرية تتحاور مع طفلها بكل الأدوات التي يتحاور بها الكبار مع بعضهم ولذلك نجد أن الطفل لديه القدرة على الحوار والنقاش لأجل هذين العاملين، في حين أننا لو اتجهنا جنوباً في مصر نحو الصعيد، فإن انسايبية اللغة غير متوفرة في ذلك المجتمع، فالطفل الصعيدي لايتحدث بتلك الانسيابية وذلك التدفق كما هو الحال في الشمال المصري، والأمر كذلك لو ذهبنا إلى السودان أو الصومال أو موريتانيا أو عُمان فإن انسيابية اللغة وتدفقها متقطع وبطيئ في الحديث نتيجة عوامل ثقافية واجتماعية ليس المجال هنا لذكرها وهي بالتالي لاتساعد الطفل على التعايش اللغوي والقدرة على الحديث بطلاقة، لأن من سمات تلك المجتمعات البطئ في الحديث، عدم اتاحة الفرصة للطفل للحوار، وثقافة أن الطفل يجب أن يحترم الكبير وعليه أن يصمت في حضرته ومن المعيب طرح الأسئلة أو الحديث في ظل وجودهم، والأمر كذلك بنسب متفاوتة وباختلاف المناطق في المملكة لانجد ذلك الاسترسال اللغوي لدى ثقافتنا ومجتمعنا وينطبق عليه ماينطبق على المجتمعات الأخرى من سمات إلى حدٍ ما، وإن كنتُ أرى أن الأكثر قدرة على انسيابية اللغة بين مجتمعنا ومدننا تكون في الحجاز وبالذات في مدن مثل جدة.
اجمالاً حديثنا للطفل يجب أن يكون كما لو كان حديثنا للكبير، علينا أن نجمع كل دلائلنا العقلية وقياساتنا وتشبيهاتنا ولغتنا ونستخدمها أثناء حوارنا مع طفلنا، إن من الخطأ أن نجعل كلماتنا صغيرة ومختصرة لنظن أننا نزلنا لمستوى الطفل وأدينا واجبنا ومهمتنا! إن نقاش الطفل كما لو كان مع شخصاً كبيراً ومهماً لدينا مستخدمين نفس اللغة والحجج والاساليب التي نقدمها للكبار حتى ولو لم يفهم بعضاً منها ستجعله متمرساً للحوار ولاستخدام مفردات لغوية كبيرة وتجعله أكثر ثقة بنفسه ولديه الاستعداد الكبير لطرح الاسئلة وللجدل حول أمور وأفكار مختلفة.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..