لماذا يجب أن نوفر من رواتبنا!؟
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها كبشر أن غالبنا ليس لديه فكر تخطيطي للمستقبل من ناحية إدارة أمواله، أو ليس لديه قدرة على إدارة أمواله، وبحكم كوني من السعودية فإنني استطيع أن أحكم بدقة أكبر على مجتمعي منها على مجتمعات أخرى، فالغالب حسب اطلاعي أن فكرة جمع المال للمستقبل والتخطيط له، ورؤية انفسهم بعد سنوات وهم حققوا كم جيد من الأرصدة بالإضافة إلى تحسن أوضاعهم الحياتيه فأصبحوا يملكون أشياء كثيرة تكاد تكون منعدمة لديهم، الإشكالية الكبرى أن الكثيرين سواء كانوا أغنياء أم فقراء ينفقون أموالهم بشكل غير مدروس أو مقنن، فالقاعدة العشوائية التي يمشون علهيا انفق مافيه الجيب يأتيكَ مافي الغيب، بعض الناس ربما لديه رغبة جامحة في التخلص من المال من خلال شراء كل ماتقع عليه عينه، حتى أصبح ذلك أدماناً، واارتبط لديه الرضا النفسي المؤقت من خلال عملية الشراء، وهذا الرابط خطير جداً لأنه حين تنفذ أمواله يعيش بقية أيامه حتى نزول الراتب تحت وضع نفسي غير متزن لأن الرابط الذي يربطه بالسعادة هو أنفاق الأموال غير متاح، وهذه ليست إشكالية واحدة من عدة إشكاليات، بل إن مشاكل التخلص من المال واهداره في التسلية المبالغ فيها أو الكماليات الزائدة عن الحد تنم عن عدم وعي وعدم أخذ احتياطات مستقبلية.
في سن المراهقة ومرحلة الشباب، كان الكثير من أصدقائي يسافرون لخارج المملكة للتسلية والسياحة، وكانوا بحكم أنهم لايعملون أو في مرحلة الدراسة أو يعملون براتب متدني، يضطرون كثيراً إلى الأستدانة من آخرين، أو ينفقون جميع ماجمعوه من مبالغ صغيرة في تلك السفرة، وحين يعودون من السفر تصبح جيوبهم فارغة وينتظرون نهاية الشهر أو يستدينون من أقاربهم وأصدقائهم أو يلحون على أهلهم بأن يعطونهم بعض الأموال، لم أخرج خارج المملكة بحياتي في تلك الفترة إلا حين بلغ عمري 26 سنة وهي للدراسة بأمريكا، وتلك أول سفرة لي خارج حدود بلدي، كنت قبل ذلك أعمل عملاً براتب متدني، إلا أنه كانت لدي خطط بعيدة المدى استخدمت فيه تلك الأموال القليلة التي جمعتها لتحقيقها، فلو كنتُ مثل أصدقائي الذين ما أن تأتيهم رواتبهم حتى ينفقوها لما تحققت بعض أهدافي التي رسمتها، فكان اسرافي في البداية سبباً بعد الله في تحقيق أهدافي.
إن المشكلة الكبيرة التي تواجهنا هي كيفية إدارة المال بل قبل ذلك لماذا أصلاً يجب أن ندير أموالنا ونوفر منها، ومعرفة لماذا نقاوم الرغبة الملحة في شراء الكماليات الزائدة، والتي تصيرنا بنهاية المطاف دون رصيد بنكي حين نشاهده تطمئن قلوبنا أننا بخير، ونحمد ربنا على مارزقنا.
من الممكن أن نجمع بين الوفرة والراحة والجمال والمسكن الطيب والسفر والمتعة وبين إدارة المال وتوفيره من خلال الخطط المدروسة، وذلك من خلال خطوات متعددة، الحياة فيها أساسيات وتتمثل في السكن والأكل واللبس، حين نتفق على تلك الأساسيات، يجب أن نوجه أموالنا في الدرجة الأولى لتحقيقها، بعد اتفاقنا على ذلك، يجب أن نتفق مانوعية السكن والأكل واللبس التي يجب أن نحققها، هل هي تلك المساكن الفارهة والأكل الغالي جداً واللبس الذي لايقل عن أنواع الماركات؟ أم السكن المريح والأكل الجيد واللبس المناسب الذي يكفل حياة هنيئة!؟ إذا كنت من أصحاب الأموال الكبيرة المليونية فموضوعك آخر رغم أنه من الممكن الأستفادة منه لك أنت أيضاً، أما إذا كنتَ من متوسطي الناس كما هو الحال مع أكثرنا أو أقل حالاً فيمكنك متابعة قراءة الموضوع، إن التوازن في طلب المسكن والأكل واللبس هو الخطوة الأولى نحو إدارة المال، لديكَ سكن وقدرة على شراء الأكل واللبس لك ولأبنائك، هذا هدف كبير جداً تم تحقيقه، وهو مايمثل في رأيي نسبة 80% أو أكثر من تحقيق الهدف نحو استقرارنا وأمننا المعيشي، إذاً تبقى النسبة الباقية نحو الترفيه وبعض الكماليات التي قد تساهم في تحقيق بعض الملذات والهويات، بعد ذلك يجب أن تتوجه البوصلة نحو بناء مستقبلنا، نستهدف المستقبل لتحسين مستوى معيشتنا، ونحقق بعض الكماليات دون مبالغة وجنون، كما نستهدف المستقبل لأجل أبنائنا لنوفر لهم حياة جيدة تتمثل في تعليمهم وغير ذلك من متطلبات حياتيه، كما نستهدف المستقبل لنضمن لنا أمان مستقبلي لمواجهة ظروف الحياة وتقلباتها وطوارئها التي لايعلمها إلا الله كما تفعل كثير من الدول حين تضع أموالاً احتياطية تغطي فيها النقص الذي قد يحدث لموازنتها المستقبلية. إننا يجب أن نضع احتمالات ومخاطر مستقبلية مهما كانت بعيدة الوقوع، فنحن لسنا إستثناء من البشر وما أصاب غيرنا قد يصيبنا، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو على مستوى الدولة، لا أريد أن أبعد أكثر عن فكرة الموضوع الأولية والتي تلح بأن ندير أموالنا بشكل جيد، إلا أن حدثاً قريباً قد حدث ومثالاُ حياً، لقد قابلت بعض الأخوة السوريين في وطننا ممن هربوا من الحرب في بلدهم، وسألتهم حول خطوة الانتقال من بلدهم نحو بلد آخر يتطلب أموالاً كبيرة، فكيف حدث ذلك؟ فكان الجواب أنهم كانوا يجمعون أموالهم في السابق وتكونت لديهم أرصدة جيدة، وحين وقعت الأزمة وجدوا انفسهم قد جمعوا أموالاً، فسافروا إلى السعودية وهم الآن مدينن كثيراً لتلك الفترة التي جمعت فيها العائلة أموالها ولم تبذرها في أشياء كمالية، وإلا سيكونوا قد وجدوا انفسهم في مخيمات الدول المجاورة في البرد القارص لايملكون مالاً ولا طعاماً كافياً.
إنكَ حين تنظر إلى يمينك وشمالك، وتجد عوائل من أصدقائك وأقاربك وأرصدتهم عالية جداً، وترجع إلى السبب وتعود إلى سنوات طويلة ربما أربعين أو خمسون سنة ماضية، ستجد أن أبائهم أو أجدادهم كانوا يعيشون في مستوى مادي متوسط وأحياناً متدنٍ، لكنهم كانوا حينها يعيشون حياة طبيعية معقولة، ويفكرون لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم، إنهم كانوا يخططون ولا يعيشون لحظتهم، ولذلك تحققت أهدافهم وأصبحوا من أغنياء هذا البلد، إن السبب بسيط جداً، وهو يكمن في التخطيط بعيد المدى وعدم العيش في اللحظة الراهنة.
كيف أجمع أموالي، هذا هو السؤال، هناك استراتيجيات متعددة، ويمكن الاستشارة أو القراءة أو التفكير الذاتي باتباع أسلوب معين في توفير المال، كما أنني أؤكد أن توفير المال لن يحرمك المتعة والسعادة واللذة وحياة الرفاهية، إنما هي عملية في تحقيق الأهداف الأساسية ثم اتباعها في تحقيق الكماليات والتي سنحصل عليها إذا كنا واقعيين ومنهجيين في حياتنا وصرفنا وتقنينا ومفهومنا لها، حضرت لملتقى في مدينة الرياض قبل شهرين تحت عنوان ( خطط ) وكان فيه عدد من المتخصصين في مجال التخطيط المالي الشخصي يتحدثون عن تجارب وطرق واستراتيجيات، واستمعت إلى كثير من التجارب المميزة والحوارات الرائعة، يقول أحد المتحدثين أن من يوفر من راتبه شهرياً بنسبة 40% يكون قد وصل إلى مرحلة رائعة جداً من التوفير والتخطيط للمستقبل، شخصياً أرى أنه من الممكن أن ترفع النسبة إلى أعلى حسب الراتب، فعلى سبيل المثال من راتبه 5000 ريال، وفي ظل المتطلبات الحياتية وبعض زيادة الأسعار في بعض الأساسيات، من الممكن له أن يوفر 20% في حين أن من راتبه 20000 ريال من الممكن أن يوفر حتى 70% إذا استخدم طريقة التركيز على الأساسيات، ثم تحقيق بعض الكماليات، من خلال تجربتي فإني استطعت توفير مامعدله تقريباً 60% من راتبي وهذه النسبة جعلتها في الحساب الذي اجمع وأوفر فيه، أما الـ 40% المتبقية هو ما أحتاجه خلال الشهر فأجعلها في حساب آخر وببطاقة صراف أخرى، وأضع الفكرة في رأسي أن هذا هو المبلغ (40%) ما يجب أن أنفقه خلال الشهر، بالرغم من أنه أحياناً يبقى منه بعض المال خلال نهاية الشهر، وهذا المال المتبقي أجعله في نفس الرصيد، فأضيف عليه ال 40% من راتب الشهر الجديد الذي سينزل، ويكون رصيدي قد أرتفع للشهر الجديد، وهذا سيعنني وسيجعلني مطمئن بشكل أكبر في شراء احتياجات ومتطلبات أكبر لهذا الشهر، على سبيل المثال في هذا الشهر ستزيد مصاريفي كوني أحتاج أن أفصل ثياباً شتوية، وأشتري بعض الملابس الرياضية الشتوية، فالمبلغ المتبقي من الشهر الماضي سيغطي زيادة تلك المصاريف تقريباً، كما أنني أحاول أن أبقي في نهاية الشهر مبلغاً من المال، أستطيع من خلاله بعض تحقيق الأساسيات وبعض الكماليات، في مساعدة أخواني الصغار أو شراء احتياجات لهم أو تقديم هدايا لمن هم قريبين مني، كذلك من الممكن أن استخدمها مستقبلاً لقضاء عطلة أو سفر لمكان ما.
فيما يتعلق بالمرأة، وبالذات المتزوجة التي ينفق عليها زوجها ويتولى زوجها شراء احتياجات البيت، فإن فرص توفير المال والتخطيط المالي لديها كبيرة جداً، كون الأساسيات قد تم تحقيقها من قبل رب البيت تقريباً، ويمكنها أن تشتري ماتجمل بها نفسها وما ترغب باعتدال في الوقت الذي تستطيع أن تبني لها خطة مالية مستقبلية.
أخيراً، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من بات آمناً في سربة معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا) من يتأمل هذا الحديث ويقف عنده طويلاً سيخرج بالكثير من الفوائد، وسيغير كثيراً من حياته ومصاريفه.
الحديث قد يطول، ولكن يمكننا الحوار حول هذا الموضوع من خلال الردود التي أتأمل أن تساهم في إضافة قيم جيدة ومفيدة لنا في حياتنا ومستقبلنا.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..
التعديل الأخير تم بواسطة دوندرمه ; 29-11-2014 الساعة 01:20 PM