قبل أن توجه النصيحة، هل تعرف التخبيب؟
هل تعرف التخبيب أيها الناصح؟
جلس محمد ذو الخمسة عشر ربيعا في فصله لم يخرج إلى الفسحة ولم يسمع الجرس، ساهم الفكر، منشغلا عمن حوله، يتذكر كيف انطلقت تلك القنابل من فم والده، وهو يطلق أمه، وأمه تلملم أغراضها ودموعها تترقرق في عينيها.
ذهب إلى منزله بعد المدرسة، وتوجه نحو أمه: أماه.. ما الذي حصل؟ لماذا افترقتم؟ أريد بيتنا.. أريد أبي.. أريد أن تعود ابتسامتك الجميلة، ويذهب الحزن الذي يكسو وجهك.
جاءت أخته الصغيرة تتعثر في مشيتها، وتنطق كلمات غير مفهومة، فتذكر كيف كان أبوه يستمتع بضمها وشمها، فكرر السؤال على أمه التي قالت: حسبنا الله على من كان السبب!
-ومن هو يا أمي؟
التفتت عنه وحدثت نفسها قائلة: النت، المنتدى، فلانة! هكذا نصحتني، والله بيني وبينها!
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على سيده " رواه الإمام أحمد وابن حبان وصححه الألباني
التخبيب هو الإفساد بين الزوجين.
ولا شك أن من يقرأ كلامي يعلم أنالإفساد بين الزوجين منكر ومعصية، لكن الذي يحدث الآن عند بعضهم تلبيس المعصية لباس النصح، فتقول المرأة لصاحبتها: لو كنت مكانك لما صبرت عليه.
وتأتي زوجة تبوح بمشاكلها مع زوجها في هذا المنتدى أو غيره، فتأتيها النصائح بترك زوجها، أو حتى بتبغيضها فيه، أو تحبيب غيره في قلبها.
وهذه أفضل وظيفة يقوم بها الشيطان، وأكثر ما يفرح به إبليس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي النَّاسِ فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدَهُمْ فَيَقُولُ مَا زِلْتُ بِفُلاَنٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولَ إِبْلِيسُ لاَ وَاللَّهِ مَا صَنَعْتُ شَيْئاً. وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ أَهْلِهِ. قَالَ فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ (ويلتزمه) وَيَقُولُ نِعَمَ أَنْتَ) رواه مسلم
أخي الكريم المستشار، أختي الكريمة المستشارة، أخي يا من تنصح لأخيك أو أختك، أخي يا من تتضايق للمشاكل الزوجية، احذر أن تكون نصيحتك للزوجين أو لأحدهما بالتخبيب بينهما! أو طلب الطلاق أو نحوه، فهذا محرم شرعا.
وكثير من المستشيرات والمستشيرين في هذا المنتدى وغيره، يأتي يسكب جام غضبه على زوجه بسبب مشكلة ما، فيتذكر حينها المساوئ فقط، وينسى المحاسن، فيعددها، فيقرؤها باذل النصح، فيظن أن الشخص المقابل لا خير فيه، فيكتب نصيحته بناء على ظنه، فإن كتب لهذا الزوج أو تلك الزوجة الاستمرار في الزواج، رأى من شريكه في الحياة ما يسره، ونسي تلك المساوئ، ثم جاءك هنا ليقول: أحب شريكي، وربما قال: كنت أنا المخطئ، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يفرَكْ مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) رواه البخارى، فما منا إلا فيه إيجابيات وسلبيات، فإن رحت تعدد سلبياته سقط من عينك، وظننته لا خير فيه، وإن عددت إيجابياته حسبته ملاكا يمشي على الأرض.
يجب أن تتردد –أخي وأختي- كثيرًا، بل يجب أن تتوقف قبل أن تنصح أحد الزوجين بالفراق، لئلا تقع في المعصية، وتتسبب في تشريد أسرة، فكم من أسرة شردت، وأطفال ضاعوا أو جاعوا بسبب غضبة، وبسبب نصيحة، وبسبب نسيان الفضائل، وبسب نزوة.
الزواج –أيها المباركون- عقد مقدس، وميثاق غليظ، لا يصح حله بسهولة. وفي الصحيحين عن النبي –عليه الصلاة والسلام-: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا تسأل المرأة طلاق أختها لتـكفأ ما فى إنائها)
عجبًا لمن يجرؤ على هذه النصيحة، بل على هذا الإفساد، وهو يعلم حرمته، ألا كان أجدر به أن يذكره بفضائل زوجه؟ أو يحيله على أهل الاختصاص؟
أيها الأحبة: لا تجعلوا المنتدى موطنا لارتكاب الآثام.
يجب أن نذكر بعضنا دائما بهذا الأمر، ولو أن يكون التذكير برمز، مثل: كرت أو دائرة حمراء لفلان إذا استخدم أسلوب التخبيب.
أنتظر إثراءكم
__________________
كثير من المشاكل الأسرية والمعقدة لا تنتهي تماما، وإنما تبقى لها بقايا.
أي أنها قد يبقى منها 20% مثلا
مشاكلنا الأسرية المعقدة كثير منها لا ينتهي بصورة نهائية وإنما تبقى لها بذور يمكن أن تنمو في يوم ما، ما لم نتعاهدها بالحصاد.
مشاكلنا المعقدة لا يمكن حلها بضغطة زر، وإنما تحتاج إلى ممارسة ومجاهدة وضغط نفسي ومدة أطول مما نتوقع ليأخذ الحل مجراه.
المهم الصبر، فقد يكون بينك وبين الحل غشاء رقيق، فلا تتوقف.