أرض الأحلام فانتازي لاند
لم نرتح كثيرا في الشقة التي استأجرناها لمدة أسبوع .. كانت الشقة كما عرفتم مجرد مكان أرحب من الفندق الذي نزلنا فيه أول ما أتينا إلى بون !! ولكن بعد ذلك أحسسنا بأننا يجب أن نبحث عن شقة أفضل طالما أن الأمر سوف يطول ولا نعرف كم ستستغرق مدة العلاج الذي بالقطارة !! .. لنا ما يقارب الأسبوع ولم نزر الطبيب سوى مرتين في العيادة !! .. والوقت يداهمنا والتزاماتنا والعطلة الصيفية التي شارفت على الانتهاء إضافة إلى أن السيولة المادية عندنا ضعيفة .. صحيح أن المبلغ الذي معي يكفينا أنا والجيش العرمرم الذي معي ولم نصرف منه الكثير لكن إلى متى ؟! .. الطبيب لم يعطينا فترة محددة للعلاج والذي قد يمتد إلى أشهر إذا استمرينا على هذا المنوال !! .. جالت هذه الأفكار برأسي فنفضتها بقوة عائدا إلى أرض الواقع من جديد !! .. بدأت البحث عن شقة أخرى أفضل حالا .. وتحدثت مع صابر وأخبرته بعزمي على ترك الشقة والبحث عن أخرى ..
كانت إجازة صابر قد انتهت فعاد إلينا لمرافقتنا كمرشد سياحي إلى أن يحين موعد الطبيب وعدني صابر بالبحث عن شقة عن طريق زملائه الذين يعرفهم واتصل بأحد الإخوان المغاربة المتواجدين هناك طالبا منه البحث معنا .. كانت الوالدة قد بدأت في تناول الدواء الجديد الذي وصفه لها الدكتور ( ماير ) وتركت جميع الأدوية التي كانت تتناولها قبله .. في اليوم الأول لم تشعر بأي تغير سواء بالسلب أو الإيجاب .. بل شعرت ببعض النشاط الذي جعلني أتشجع وأكلم صابر ليقترح علينا بعض الاقتراحات عن كيفية قضاء هذا اليوم .. كنت قد استبدلت السيارة الصغيرة التي استأجرتها بسيارة ذات حجم أكبر ..
اقترح صابر علي أن نذهب ونزور مدينة الملاهي ( فانتازي لاند !!) .. ما أجمل اقتراحات هذا الرجل !! .. سألت أمي مداعبا: ما رأيك يا يمه نذهب إلى مدينة الملاهي وتركبي بعض الألعاب يمكن تتعافي من المرض بسرعة !! .. فالتفت إلي وزمت شفتيها وقالت : إنت ما تبطل ها الحركات ياولد !! .. على آخر عمري بتركبني زحاليق وملاهي ؟! .. قلت : الله يطول لنا في عمرك وش فيها لا ركبتي الملاهي وتونستي ووسعت صدرك .. ترى توك شباب يمه !! .. ضحكت وقالت : أبروح معاكم لكن اركبوا أنتم وأنا أنتظركم على أحد الكراسي !! .. قلت في نفسي : إيه هين !! .. إن شاء الله بتركبين معنا وتلعبين بعد !! ..
قلت لصابر : توكلنا على الله .. أين تقع هذه المدينة ؟! .. قال : قريبا من مدينة كولون .. قلت : على بركة الله .. وتحركت بنا السيارة نحو مدينة الملاهي فاتازي لاند .. كان هذا بتاريخ 26 /8/2000م حسب ما هو مكتوب في شريط الفيديو الذي صورت فيه أحداث مدينة الملاهي !! ..
أوقفنا سيارتنا في المواقف المخصصة وسرنا بين الأشجار إلى أن وصلنا إلى مدخل المدينة وقطعنا التذاكر ودخلنا مع الداخلين فواجهنا بناء صيني عند المدخل عبارة عن مطعم وحديقة ..
واصلنا تقدمنا بين المباني التي بنيت على الطراز الأمريكي القديم .. والمكان يعج بالزائرين وبالأصوات دخلنا إلى كوخ صغير فيه بعض الأثاث والأدوات التي كان يستخدمها الكابوي وعندما خرجنا وجدنا رجلا يلبس ملابس الهنود الحمر وعلى رأسه قبعة طويلة تصل إلى الأرض مصنوعة من الريش يرحب بالداخلين والخارجين فلما رأى ابنتي الصغيرة نورا طلب أن يحملها .. فأعطيته إياها والتقطت لها بعض الصور وهي بين يديه وقلت لعله يطلق عليها بعض الأسماء المشهورة التي يطلقها الهنود الحمر على أنفسهم .. مثل : فلقة القمر !! .. أو غزال الغابة .. أو بنت النهر وما شابه ذلك !! .. سألني عن عمرها فأخبرته بان عمرها خمسة وثلاثون يوما .. فقال إنها صغيرة جدا !! قلت نعم ولكن هذا لا يمنع أن تستمتع معنا برؤية مدينة الملاهي ( لم أكن أدري أن نورا عندما تكبر سوف تزعجني بطلباتها المتكررة لزيارة مدن الألعاب !!) .. ودعت الرجل وانطلقنا نتابع مسيرتنا في هذه المدينة !! .. شاهدت بناء كالقلعة لم أكن أعرف ما هو !!! وهذه صورته :
وعرفت فيما بعد أن هذا ما سوف نلقاه إذا نزلنا بداخلها :
مررنا بلعبة مثيرة أخرى عبارة عن عدة عربات ترتفع إلى الأعلى وتسير بشكل دائري معتمدة على عامود من الحديد ( يوجد مثلها في منتزه الملك فهد الترفيهي بالدمام !! ) .. وبعدها وصلنا إلى محطة القطار الذي يأخذك في جولة حول مدينة الملاهي .. وهو عبارة عن قطار يسير فوق قضبان ترتفع عن سطح الأرض يجعلك تشاهد المدينة من الأعلى ..
دخل القطار إلى مكان يشبه الكهف .. واستقبلنا زئير الديناصورات وهي تحرك أفواهها .. والإضاءة الخافتة تضفي على المكان نوع من الإثارة والرعب .. وأنت تشاهد الديناصورات آكلة اللحوم وهي تتصارع والنباتات الضخمة فتحس وكأنك تعيش في عصر ما قبل التاريخ !!.. خرج القطار من هذا الكهف ومررنا على لعبة الأطفال المشهورة التي لا تخلوا منها مدينة ملاهي لعبة الاحصنة الدوارة ..
كان القطار يسير وتحتنا الناس وحولنا الفنادق والنوافير والساحات والطرقات التي تمتلئ بها هذه المدينة .. أعطتنا هذه الرحلة بالقطار صورة عن معظم الأماكن التي تحتوي عليها مدينة الملاهي فانتازي لاند واستطعنا ان نكون صورة عن الأماكن التي سوف نزورها راجلين ونحن ندفع عربة نورا أمامنا بين الجموع التي تزدحم بعه طرقات هذه المدينة .. نزلنا من القطار وجلسنا بجانب نهر صغير تتهادى على ضفته القوارب المزينة بصورة الإوز والبط .. وقريبا منه عربات الأطفال المعلقة :
تركنا نورا عند أمي وأختي وذهبنا أنا وأم سلطان إلى القبة المجاورة والمسماة بجالكسي لنظفر ببعض الخصوصية ( عرسان مالنا سنتين متزوجين !!) وجدنا القبة مزدحمة والطوابير طويلة فعدنا دون أن نعرف ماذا يوجد بالداخل ..
تحرك الجيش العرمرم والدتي وأنا وزوجتي وصابر وأخي وأختي ولم يكن هناك مكان محدد نتوجه إليه وإنما سرنا مع الجموع السائرة !! .. فوصلنا إلى مسرح كبير قيل لنا أن فرقة صينية سوف تعرض فيه بعض العروض البهلوانية .. دخلنا إلى المسرح وكان التصوير ممنوعا !! ..
اتخذنا أماكننا وحذرنا الرجل الواقف عند المدخل بأن صوت الميكرفون مرتفع وهذا قد يزعج أبنتنا نورا !! .. قلت سوف نجلس وإن أحسسنا أن الجو غير مناسب خرجنا !! .. بدأ العرض وفتحت الستارة .. وظهر منظر الديكور الذي كان يوحي وكأن المكان في أحد الكهوف الجليدية ..
تحركت بمن كان معي ولفت نظري مدخل أحد المباني يصطف عنده رجال بعائلاتهم وأطفالهم .. فقلت في نفسي لعل هذا المكان يصلح أن ندخله جميعا .. ركبنا قطار كان ينتظر عند المدخل وتحرك داخلا إلى مكان يشبه الكهف جدرانه الداخلية تدور فتعطي شعور وكأن القطار يدور معها !! .. بعد ذلك دخل القطار إلى ما يشبه المدينة المكسيكية بجميع تفاصيلها بما فيها من نساء ورجال وحيوانات مصنوعة من الدمى التي تتحرك .. وشاهدنا صراع للديكة وحوله مجموعة من الدمى لرجال يشجعون ويصيحون .. وامرأة تضرب معزة تسللت إلى بيتها بمكنسة القش.. ورجل يركب ثورا ليروضه !! .. ثم مجموعة تحاول احتلال قلعة ورجل معلق بجرس الكنيسة .. وبيت يحترق وأقوام يبيعون ويشترون في السوق .. وكل شيء يتحرك وكأنك تشاهد أناس حقيقيين بجميع التفاصيل .. وكل الممثلين من الدمى المتحركة التي تشبه البشر شكلا وحجما..
بعد أن خرجنا سمعنا صوت ضجة وصراخ آت من مكان قريب .. فتوجهنا إليه فوجدنا :
التفت إلى والدتي وسألتها : تركبين ؟! .. فرمتني بنظرة وكأنها تقول : وش قاعد يقول ها الولد الخبل ؟! ..
ولما رأيت احجامها هي وأختي قلت مالها إلا أم سلطان !! .. والله ما قصرت أم سلطان ركبت معي النشمية !!
هذه الزوجة اللي تعيش مع زوجها على الحلوة والمرة .. وتركب معه الصعاب !! .. ألم تسمعوا المثل الذي يقول : وراء كل رجل عظيم امرأة !! .. أنا أشهد إن أم سلطان بنت رجال !! .. وركبنا وخذ من ذاك الصراااخ ما نزلنا إلا وحنا معدتنا بتطلع من خشمنا !! .. كانت تجربة مثيرة .. مشينا قليلا وشاهدنا هذه اللعبة :
فالتفت إلى أم سلطان !! .. والحقيقة إنها ما قصرت .. وراي وراي لو أطب من جبل !! .. كذه المرة ولا بلاش !!
المرأة التي تتبع زوجها وتربط مصيرها بمصيره !! .. صحيح إن أم سلطان جتها دوخة وغثيان بسبب هذه الألعاب لكن ما شاء الله عليها ما تخاف تركب الصعاب !! .. ولولا صبرها كان ما قبلت بي زوجا !!!!
انتهت الرحلة وخرجنا ثم توجهنا إلى مكان الالتقاء المتفق عليه مع صابر وأخي .. كانت نورا هادئة رغم كل هذه الضجة والجموع البشرية والأصوات المزعجة .. تناولنا مشروبا باردا في أحد المقاهي الموجودة في مدينة الملاهي .. أما الوالدة فلقد استمتعت معنا بدون أن تشعر .. واستطعت أن أجعلها تركب بعض الألعاب دون أن تدري وكسبت التحدي .. أم أبو سلطان تركب الملاهي !! .. كان اليوم الذي قضيتاه في تلك المدينة ممتعا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى !! .. عندما رجعنا فيما بعد فتنت على الوالدة !! وأخبرت جميع أقربائنا بأن والدتي ركبت مدينة الملاهي !!!!! ..
شعرت في تلك اللحظة بان الوالدة عادت سنين إلى الوراء وأنها بدأت في الإنعتاق من هذا الجو الكئيب الذي حبست نفسها فيه سنين طويلة .. كآبة وضيقة صدر ومرض وقلق وأمراض نفسية وتوتر وانغلاق .. ولم أكن أعلم أن هذا مجرد وضع مؤقت سرعان ما يضمحل وتعود الكآبة من جديد ولن ينفع معه عدة مدن ملاهي وليست مدينة ملاهي واحدة !! ..
عدنا إلى شقتنا في ذلك المساء مشبعين بالمرح والسرور والحبور حتى ابنتنا الصغيرة نورا نامت نوما مريحا تلك الليلة !! ..
استودعكم الله على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة من هذه الرحلة ..
وأعتذر منكم على التأخير فاصبروا معي صبركم الله .
تصبحون على خير ..