بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

تلمّس الهموم


بينما كان الخليفة هارون الرشيد يتناول الطعام مع جعفر البرمكي إذ ضحك البرمكي، فسأله الرشيد عن سبب ضحكه، فأخبره بأن لقمة لحم الجزور التي أكلها الخليفة تساوي أربعمائة ألف درهم. لأن الخليفة أمر ألا يخلو طعامه من لحم الجزور منذ مدة طويلة ولم يذقه الخليفة منذ ذلك الوقت إلا هذه اللحظة، وقيمة ما انفقوه على لحم الجزور منذ ذلك الوقت إلى هذه الساعة أربعمائة ألف درهم. فبكى الرشيد وأمر برفع السماط وأنفق مالاً جزيلاً على الفقراء وأصبح مهموماً سائر يومه إلى أن دخل عليه أبو يوسف القاضي فسأله عما أهمه وأحزنه، فأخبره الخبر، فقال أبو يوسف : أبشر يا أمير المؤمنين بثواب الله فيما صرفته من المال ثمناً للحم الجزور الذي أكله الفقراء في كل الأيام الماضية، وبما يسره الله عليك من الصدقة هذا اليوم للفقراء، وبما رزقك الله من خشيته وخوفه في هذا اليوم وقد قال تعالى : {ولمن خاف مقام ربه جنتان} فأمر له بهدية جزيلة وقربة ونال حظوته.

إن تلمس هموم الزوج ومواساته يفضي إلى استئناس الزوج بمجالسة زوجته حمّالة الأسية ويفضي إلى تلمّس ما يرضيها وزيادة التقارب بينهما.

كانت الخطوة الأولى لمقتل العالم النووي المصري يحيى المشد في فرنسا على يد الموساد الإسرائيلي وتفجير المفاعل النووي العراقي هو استدراج زوجة العالم النووي العراقي (حليم) لبث همومها وأحزانها إلى جاسوسة الموساد، مما جعل الزوجة تثق بالجاسوسة بالرغم من حرصها ونباهتها، ومن ثم حصول الجاسوسة على مفتاح شقتها، ووضع جهاز التنصت وتصوير المستندات السرية، ثم التعرف على زوجها العالم النووي العراقي والذي من خلاله علم الموساد وقت وصول العالم النووي المصري يحيى المشد إلى فرنسا، وأن هناك مفاعلاً نووياً سوف يرسل إلى العراق محدداً لهم الوقت.

إن استدراج المهموم وتشجيعه لبث همومه والتنفيس عن المكنون سبب لكسب ثقته حتى ولو كان حريصاً على عدم الوثوق بالآخر. فلتحرص الزوجة على ذلك وكذلك الزوج ولتعينه بما لديها لإزالة الهم ولو بالكلام اللطيف.

بل إن استمالة الزوج لافضاء ما عنده من هموم وأحزان والتعاطف معه يشعره بالإمتنان، وأنه دين عليه يلزمه الوفاء به، ويجعل الزوجة تكسب قلبه وحبه ومودته وكذا الزوج.

لما نزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مرة رجع النبي صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة فقال : زملوني زملوني، فلما ذهب عنه الروع. حظيت خديجة بأن باح لها النبي صلى الله عليه وسلم ما روعه وأهمه وقال لها : لقد خشيت على نفسي فقالت : كلا والله لا يخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم وتقرى الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق. فهدأت من روعه وسكنته، وأخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل فآزره. فأصبحت خديجة موضع سر النبي صلى الله عليه وسلم تخفف عنه الأمور وهمومه وما يصيبه من قومه قريش، فأحبها حباً شديداً ولم يتزوج عليها، بل حظيت بأن سلم الله عليها. وكان المبلّغ لهذا السلام هو جبريل عليه السلام، ولا يزال يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها امرأة أخرى وفاءً لها إلى أن توفاها الله تعالى ومازالت موضع سره حتى وفاته صلى الله عليه وسلم متمثلة بابنتها فاطمة التي أسر اليها سراً لم يسره إلى غيرها.

من الوسائل التي تعين على استمالة أحد الزوجين لبث ما عنده هو التلطف معه. قال معاوية بن الحكم السلمي وكان حديث عهد بالإسلام : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقال له : يرحمك الله، فنظر إلي الصحابة من أطراف عيونهم، فقلت : وا ثكل أماه. ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم - يسكتونني فسكت. فلما حلى صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه. فوالله ما كهرني (ما انتهرني) ولا ضربني ولاشتمني، وإنما قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، قلت : يا رسول الله إن منا رجالاً يأتون الكهان، فقال صلى الله عليه وسلم : فلا تأتهم، قلت : ومنا رجال يتطيرون (يتشاءمون)، قال صلى الله عليه وسلم : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم، ثم سأله عن كل ما يدور في خاطره فأجابه صلى الله عليه وسلم.

إن ثلثي الهم يزول ببثه والحديث عنه والبواح به للغير، فليحرص الزوجان على استدامة علاقة الحب وتأصيل المودة بينهما.

منقول