بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
لمسة حانية
أتى فتى شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «يا رسول الله إئذن لي بالزنا : فأقبل القوم عليه فزجروه . فقال صلى الله عليه وسلم : أدن، فدنا منه قريباً، فقال : أجلس، فجلس، قال صلى الله عليه وسلم : أتحبه لأمك؟ قال : لا والله، جعلني الله فداك. قال صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم : أتحبه لإبنتك؟ قال : لا والله يارسول الله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال صلى الله عليه وسلم : أتحبه لأختك؟ قال : لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال صلى الله عليه وسلم : أتحبه لعمتك؟ قال : لا والله جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال صلى الله عليه وسلم : أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال صلى الله عليه وسلم : ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على صدر الفتى وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتف إلى شيء من الزنا» (رواه أحمد).
لمسة حانية للقلب والمسح على الصدر تقضي على حب المعارضة والمحادة، بل تنسيه ما أقبل عليه، وتجعله يتعاطف ويتجاوب تجاوباً تاماً مع صاحب اليد الحنونة، إن المسح على الصدر هو وضع لليد على القلب الذي هو مستقر المودة والمحبة ومصدر الإرادة، فكأنما أصبحت إرادته تحت سيطرة يد الماسح، لذلك تأثيرها كتأثير السحر في تصفية القلب، وإزالة كل ما ساور القلب من شعور غير مرغوب فيه.
قال أبي بن كعب : «دخل رجلان المسجد، فصليا، فقرأ كل منهما القرآن بقراءة أنكرتها فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهما صلى الله عليه وسلم فقرآ فوافقهما، فسقط في نفسي من التكذيب مالم يحصل لي في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماقد غشى أبي، أهوى بيده صلى الله عليه وسلم إلى صدره، قال أبي : ففضت عرقاً، وكأنما أنظر الله عز وجل خوفاً وهيبة» (رواه مسلم).
هذه اللمسة الحانية للقلب تحشد كل العواطف تجاهك. أنظر إلى عينيه تجده غارقاً في بحر العاطفة. كثير من الناس إذا أراد تهنئة لمهمة قام بها أو إجابة لمسألة شائكة يهنئونه بالمسح على ظهره لما لها من عظيم الأثر على الآخر. وأعظم أثراً هو المسح على قلبه، ففيه تثبيت وملاطفة وتبريك وتهنئة له.
قال أبيّ بن كعب : «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبي، أي آية معك في كتاب الله تعالى أعظم؟ قلت : الله ورسوله أعلم. ثم قلت {الله لا إله الا هو الحي القيوم} فأهوى بيده صلى الله عليه وسلم إلى صدر أبيَّ، وقال ليهنئك العلم يا أبا المنذر» (رواه مسلم) -أي أهنئك على هذا العلم الدقيق. ماسحاً بيده على قلبه.
وهذا لاينقص من تأثير المسح على الظهر قال عثمان بن أبي العاصي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرني أن أكون إمام قومي. فقلت : يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئاً، فقال صلى الله عليه وسلم : أدنه فأجلسني بين يديه، ثم وضع كفيه في صدري بين ثديي، ثم وضعها على ظهري بين كتفي، ثم أمرني أن أكون إمام قومي فذهب مافي صدر عثمان(رواه مسلم). فالمسح على الظهر يزيل مافي القلب من حرج أو ضيق ويقوي عزيمته وإقدامه.
إن استخدام اليد على أي موضع من الجسد له كبير الأثر. كان بيني وبين أحد الأخوة شيء من الجفوة، وكلانا يظهر للآخر أنه لا جفوة بيننا، وفي يوم ركبت معه سيارته، وعندما وضع يده على «الجير» سارعت فوضعت يدي على يده متعمداً. فانتفض انتفاضة مازالت أذكرها وأشعر بها إلى الآن وقد مرت عدة سنوات عليها فصرح لي بأن هذه اللمسة أثرت فيه تأثيراً بالغاً قبل أن أتلفظ بأي كلمة.
روى مسلم عن عبدالله بن مسعود قال : «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد، وكفي بين كفيه، كما يعلمني السورة من القرآن» حديث لا ينسى وموقف لا يغيب عن الذهن يذكر دائماً ويجول في الخاطر لا يفارقه، فقط بوضع اليد على اليد.
- كان نبينا صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على استخدام يده الشريفة مع الآخرين بجميع أنواعها فكان يدير ذراعه على عنق الآخر، ويضع راحة يده الشريفة على كتف الآخر ليسدي إليه النصيحة يقول عبدالله بن عمر : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» فكان عبدالله كذلك، الخيل يحني لك رأسه إذا مسحت عليه وكذلك القط، وعواطفها ليست كعواطف الإنسان فما بالك بالقرين والحبيب.