المرأة والحقوق المهضومة -2
يحيى بن موسى الزهراني/ إمام وخطيب الجامع الكبير بتبوك
من الأولياء من يمنع بناته ومن هن تحت ولايته عن الزواج بحجج واهية ضعيفة، خادعة ماكرة، قذرة قبيحة، لأجل غرض محرم لا يمت للإسلام بصلة، ومن هذه الأعذار:
1- حجة إكمال الدراسة:
البنت إذا بلغت سناً تحتاج معه للزواج وجب على وليها أن يزوجها حفظاً لها من الضياع والتخبط في ظلمات المعاصي والذنوب، وتتلطخ بأوحال الفضيحة والعار، والسبب قهر الأولياء الرجال الذين ضيعوا الأمانة، فيتعذر الولي بهذا العذر الكاذب من أجل الحصول على راتب الموظفة، وهو ينتظر تعيينها بفارغ الصبر، فإذا عينت انقض على راتبها انقضاض السبع على فريسته، ولم يدعه في يدها طرفة عين، بل ويتخبط في مالها بغير حق وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ] ( رواه البخاري ).
2- صغر السن:
من الأولياء من تعتذر للخاطب بصغر سن ابنته، وهي موظفة ومعلوم أنها لن تتوظف على أقل الأحوال إلا وهي بنت ثماني عشرة سنة أو أكثر من ذلك بقليل، فأين صغر السن في ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم دخل بعائشة رضي الله عنها وعن أبيها وهي في التاسعة من عمرها، وما ذاك الاعتذار إلا من أجل أن يستوفي الدين الذي يعتقده، وأنه في نظره بتربيته لها وإنفاقه عليها أن ذلك دين يجب وفاؤه، وهذا غلط وخلط للحقيقة، وإنما الهدف الأساسي هو ملء البطن براتب الموظفة المسكينة، دون حساب لمشاعرها وأحاسيسها، قال صلى الله عليه وسلم: [ إنه ليأتي الرجل السمين العظيم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ] ( متفق عليه )، فما أكلت من تلك الأموال ظلماً وجوراً ستسأل عنه عاجلاً أم آجلاً، والله لك ولأمثالك الظلمة بالمرصاد.
3- المن والحياء:
وبعض الأولياء قد يستخدم أسلوباً مغايراً فهو لا يرفض الخاطب، ولكنه بحيلته ومكره ودهائه يجعل الفتاة المسكينة هي التي يؤجل الزواج من أجل غاية خسيسة، ومغزىً فاضح، فتراه يذكرها بما أنفقه عليها طول بقائها وأثناء دراستها ويمن بذلك عليها، ويلاطفها بالكلام العذب ويستعطف قلبها الطيب الرقيق، فيطلب منها أن تبقى معه إلى السنة القادمة، من أجل مساعدة أمها أو تعليم إخوانها، أو غير ذلك من الحيل الماكرة، كل ذلك من أجل الاستيلاء على راتب الموظفة التي تكد وتتعب ويأتي الظلمة ويأكلون ذلك بغير حساب لشعور من تعب من اجل الحصول عليه، وكل ذلك أيضاً حباً في الدنيا وزينتها، فكم ستعيش أيها الأب القاسي، ستين سنة أو أكثر من ذلك أو أقل، ثم أين المصير؟ إنها حفرة طولها مترين، وعرضه نصف متر، فماذا أعددت لها؟
قال صلى الله عليه وسلم: [ اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ] ( متفق عليه )، وقال عليه الصلاة والسلام: [ يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ] ( متفق عليه )، فما الفائدة التي جناها الآباء من تلك النقود التي جمعوها من جراء ظلم البنات؟ وأي عمل خرجوا به من هذه الدنيا وهم على تلك الحال المخزية من آكل لأموال البنات؟ وظلم وجور وتعد لحدود الله تعالى بعضلهم للبنات؟.
وقال صلى الله عليه وسلم: [ تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض ] ( رواه البخاري )، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يارسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس، فقال: [ ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ] ( رواه بن ماجة وغيره وقال النووي حديث حسن ).
4- عدم كفء الخاطب:
ومن الآباء من يعتذر عن تزويج ابنته بحجة أن الخاطب غير كفء، والحقيقة التي يخفيها هي أن الخاطب سيشاركه في العنز الحلوب، فكيف سيحلبها ومعه من يشاركه، إنه الجهل والظلمة والبعد عن دين الله تعالى، والقسوة التي ملأت قلوب كثير من الآباء، ومن رد الخاطب الكفء فهو مصادم لأمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن في ذلك منع لهن عن الزواج وحرمان لهن من أهم حقوقهن على آبائهن ،ودفع لهن لارتكاب الحرام والولوغ في أوحال الفاحشة والرذيلة.
** كلمات مضيئة
وهذه كلمة حق ونصيحة ناصح أمين بإذن الله تعالى أوجهها إلى كل راع ومسؤول عن البنات، أن يتقي الله تعالى فيهن ويحرص على تزويجهن متى رغبن في ذلك وأن يطلب لهن الزوج الصالح، وأن يكون قدوة صالحة يقتدي به من هو معه، ومن يأتي بعده بتسهيله للمهور، فلا يقول بنت فلان تزوجت بكذا وابنتي ليست أقل منها فمهرها كذا وكذا، ويطلب مالاطاقة للشباب به من الأموال وغيرها، فتقبع البنات حبيسات أسيرات لقسوة الآباء والأمهات، وتمسكهم لعادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان، والقدوة الحسنة هو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حيث قال: [ أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ] _ رواه أحمد والبيهقي والحاكم وغيرهم )، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [ ألا لا تغالوا في صدق النساء ـ يعني في مهورهن ـ فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل لبغلي بصدقة امرأته ـ بمهرها ـ حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول: كلفت فيك علق القربة ] ( أخرجه النسائي وأبو داود ). ومن هذا تعلم أنه في كثرة المهر تكون العداوة بين الزوجين، حينما يتذكر ضخامة المال الذي دفعه بسبب جشع الأب وطمعه، فيكيلها من الكلمات القاسية، والضربات الموجعة ما تسود به الحياة بينهما ليلاً ونهاراً، ولسان حال الفتاة يقول: سامحك الله يا أبي لقد بعتني وخسرت حياتي مقابل مال سيطول بك الحساب عليه عند من لا تخفى عليه خافية، سامحك الله يا أبي لقد تركتني وحيد حبيسة لا منقذ ولا منجد إلا الله، فحسبي الله فيك ونعم الوكيل. ووالله إن هذه الدعوة دعا بها إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار، فجاءه الفرج مِنْ مَنْ بيده مفاتيح الفرج، فأنجاه الله من النار، وبإذن الله سيأتي هذه المغلوبة على أمرها الفرج عاجلاً أم آجلاً، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
** همسة في أذن الفتاة
أيتها الفتاة الموفقة ! هذه كلمات أبوح بها لك فافتحي العقل والقلب وعيها واعقليها، فلك الحق كل الحق في اختيار من ترضينه من الأزواج بالضوابط الشرعية، فيجب عليك أن تختاري الشاب الصالح الخير، ولا أزكي على الله أحداً، فإذا رأيت من ولي أمرك الجحود والنكران، وعدم التفهم ومنع الإحسان، فعليك بأحد أمرين:
** فإما أن تصبري محتسبة في ذلك الأجر عند الله تعالى، وتحاولين مع ولي أمرك بكل الطرق الممكنة لموافقته على الزواج بطرق غير مباشرة، كأن ترسلين له من يكلمه في ذلك الأمر ممن يقبله هو ويسمع رأيه ويعمل بمشورته حتى يتم المراد إن شاء الله.
** وإما أن ترفعي أمرك إلى المحكمة وهناك بإذن الله ستجدين الحل المناسب الذي يرضيك ويخرجك من دوامة قد تودي بحياتك الشخصية والأسرية، فما عليك إلا أن تشكي بثك وحزنك إلى الله تعالى ثم من يقوم بتنفيذ أوامر الله عز وجل، وولاة الأمر في بلادنا الحبيبة رعاها الله حريصون كل الحرص على أن يعيش المواطن في أمن وأمان، وعز ورخاء، فلا تترددي في عرض قضيتك على المحكمة بعد الاستخارة والمشاورة مع الثقات من أهلك وعرض ذلك على أحد العلماء ليفتيك في مثل هذه الأمر.
** كلمة ذات صلة
هناك بعض الآباء يستبد برأيه في تزويج ابنته ممن لا ترضاه ويرجع ذلك لبعض الأسباب:
** الأول: القرابة
فالأب يصر على ابنته أن تتزوج من ابن عمها أو ابن خالها أو قريبها، والسبب أن العادات والتقاليد تأمر بذلك. فالعادات والتقاليد إذا خالفت الشرع وتصادمت معه يضرب بها عرض الحائط، ولا يعول عليها، أو أنها قد حجزت له وهم صغار أو ما أشبه ذلك من العادات والتقاليد التي يأباها الإسلام، وتأباها النفوس، والضحية البنت البريئة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تُستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ] ( رواه البخاري )، وقالت عائشة رضي الله عنه: [ يارسول الله، إن البكر تستحي، قال: رضاها صمتها ] ( رواه البخاري).
** ما يؤخذ من الحديثين
أن من الآباء من يزوج ابنته لمن لا ترغبه من أجل مطمع من مطامع الدنيا، وهذا الزواج غير صحيح شرعاً، لأن من شروط النكاح رضى الزوجين، وروي أن الخنساء ابنة حرام الأنصارية روت أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها ـ يعني أبطل ذلك الزواج ـ، لعدم رضا الزوجة بذلك.
ومعلوم لدى الناس أن أكثر الزيجات التي تكون عن عدم رضاً بين الزوجين أن مصيرها الفشل الدائم، فليتق الله الولي الذي ولاه الله تعالى هذه المسؤولية العظيمة أن يحرص كل الحرص في اختيار الزواج المناسب لبناته حتى يعشن في سعادة وهناء بعيدات عن التعاسة وضيق العيش وقلة الراحة.
فعموماً ! بالنسبة للثيب فإنه لا بد من إذنها في زواجها، والبكر يكفي سكوتها لأنها قد تستحي أن تقول: أنها موافقة على ذلك الزواج، لكن لا تجبر، فإن أجبرت حرم ذلك.
** الثاني: الإغراء
وهناك من الآباء من لا هم له إلا كم سيُدفع في ابنته، وماذا سيُقدم عند الخطبة وعند الزواج، ولا يهمه من هذا الذي سيدفع؟ أهو صالح أم طالح؟ ولا يعنيه هل ستعيش هذه البنت في سعادة أم تعاسة؟ وكم سمعنا عن زيجات باءت بالفشل، بل وقد وصل الأمر إلى تقاطع وتدابر بين الأسر، من جراء زواج ظالم من جبار متعنت من أجل حفنة من النقود.
واحرص أيها الأب على الزوج الصالح فهو الرفيق السمح، وهو الذي ستجد ابنتك عنده السعادة الحقيقة ـ بإذن الله ـ فإن أخذها ورضيها أكرمها ورفع منزلتها، وإن لم يرغبها أعادها لك معززة مكرمة، هذه هي أخلاق الصالحين، أما أخلاق الطالحين فعكس ذلك تماماً، فهي ما بين ضرب وركل، وشتم وقلة عقل، فانتبه أيها الموفق.
ولقد سئل سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله، عمن تقدم لها رجل وهو شارب للدخان وهي راضية به، وأبى أهلها أن يزوجوها، فقال: لهم ألا يزوجوها ممن يشرب الدخان لأن ذلك أمر محرم وقد يعيرون به بين الناس ـ أي أن الناس قد يقولون: زوجوا ابنتهم لرجل شارب للدخان ـ وعجباً للناس اليوم فقد تهاونوا في أمر الدخان تهاوناً عظيماً حتى أن بعضهم قد يُعده من الطيبات والعياذ بالله. ولا شك أن ذلك من الجهل المطبق، والغفلة المهلكة.
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة قيثارة الحب ; 19-06-2005 الساعة 11:15 AM