تاسعًا: إدراك طبيعة الصراع مع الشيطان :
فلا بد وأن يعي المرء أن الشيطان يريد أن يخدعه بهذه الشهوة ويفوز بمعركته، وفائدة هذا الإدراك أن يظل الإنسان متنبهًا واعيًا يقظًا كالجندي على برج المراقبة، لأن الشيطان لا يأتي للإنسان ويقول له: هيا إلى الزنا، ولكنه يفعل ذلك من خلال عملية متواصلة وصراع لا ينقطع وخطوات مرتبة ومنظمة، وبالتالي فلا تتصور أنك تستطيع أن تقهره دون ترتيبات وتحصينات.
فالأمر أمر "جهاد".. والجهاد لا يأتي بزِرٍّ تضغط عليه فينتهي الأمر لكنه عملية مستمرة من المجاهدة والتعبد والتعب والبذل..كما لا بد أن نعي طبيعة هذا الجهاد ..
فيمكن مثلا في هذه المعركة أن يتقهقر الشاب قليلاً إلى الوراء لكنه لا ييأس بل يعاود الكَرَّة ويهجم، ولا مشكلة أبدًا إن أصابته بعض الجروح من أثر التدافع والطعان، لكن الأهم ألا نستسلم ونبكي على جرحنا؛ لأن هذا هو ما يريده العدو، وأعني بهذا ألا يهول لنا الشيطان ما نقترفه من أعمال لا ترضي الله فنظن أننا قد هلكنا إلى الأبد.. فتضعف نفوسنا فيسهل على الشيطان اختراقها.
ومن مداخل الشيطان في الأمر كذلك أنه يلجأ أحيانا إلى تهوين الامر في عينيك فتتصور أنه لا معركة ولا شيء من هذا القبيل، وهو ما فطن إليه بعض السلف فنبهوا : "الغالب لهواه أشد ممن يفتح مدينة وحده"... إذن فالانتصار فيها نصر عظيم وفتح من الله.. كما أن الأمر ليس بالسهولة التي يهيئها لنا الشيطان.
عاشرًا: معرفة عِظَم الأجر الذي ينتظر المنتصرين :ويكفيك أخي الكريم أنك ستنال مرتبة من الجهاد؛ فالجهاد الذي يُعَرِّفه الرسول : "المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله"، فأيًّا ما كان تعبك وضيقك وإحساسك بأن الدنيا قد أُغلقت في وجهك، فلا تبتئس واعلم أن كل ما تعاني منه هو نفس ما يعاني منه المقاتل في الميدان من جهاده لنفسه وإلزامها بالبذل والعطاء..
بل إن مجاهدة نفسك تصل بك إلى مرتبة من أقصى درجات الجهاد.. وهذا ما أكده الحسن البصري حين سُئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك.. وليس الأمر أمر تهويل منه أو كذا ولكنها كلمة أحد المصلحين حين قال: إن ميدانكم الأول أنفسكم... فإن انتصرتم فيه كنتم على غيره أقدر... فمن جاهد هواه سهل بعد ذلك أن يجاهد عدوه...
ويكفيك أخي أن تعلم أن الله معك .. إذن النصر مضمون إن شاء الله.. وليس أدل على ذلك من أن الله في الحديث القدسي يقول للشاب التارك شهوته من أجل الله: "أنت عندي كبعض ملائكتي" .
إنها الجنة..
إنها الجنة يا أخي أغالٍ هو ثمنها وقد يسره عليك النبي ص حين قال : "من يضمن لي ما بين لحييه -أي لسانه- ، وما بين فخذيه -أي فرجه- ضمنت له الجنة" .
وعند الترمذي بسند حسن عن النبي قال: " عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد وعفيف مستعفف، وعبد أحسن عبادة الله " وكلنا يحب الشهادة ويتمناها، فإن حيل بيننا وبين تحقيقها فدعونا لا نترك الباب الثاني وهو العفة .
ما أشد فرحتك يوم الزحام والعرق، والشمس دانية من الرؤوس وأنت تأتي آمنا مستمتعا بظل الله "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وذكر منهم: "ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله" .
والبديل : ….. النار!!..
أين هذا من شاب باع دينه من أجل شهوة عابرة، ومن شاب استهزأ بربه، ومن شاب جعل الله أهون الناظرين إليه، قال وهب بن منبه: جاء في الكتب المتقدمة يقول الله تعالى: "إذا أرخى العبد ستره وبارز الله بالمعاصي ناداه الله: يا عبدي أجعلتني أهون الناظرين إليك"، كيف يحتمل هذا العتاب يوم القيامة.. الله يعاتبه في أكثر أيام العبد احتياجًا إلى الله –تعالى- !!..
كيف تحتمل أن يقبضك الله في موقف الزنا؟! والله إن هذا ليس محض افتراض لكنه حدث... فمنذ سنوات قرأنا عن شخصية شهيرة ماتت وهي على الزنا وتركه رفقاء المعصية ومادري الجيران إلا من رائحة نتنة من شقته، فدخلوا فإذا به قد تحللت أجزاء منه وهو عارٍ، وآثار سهرات الخنا في غرفته... عافانا الله وإياكم....
حادي عشر: إدراك سوء العاقبة ودنس الفعل :
فالله سبحانه ضرب مثلا مستقبحًا لمن يتبع الهوى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }[الأعراف:176] وسبحان الله ما أروع هذا التعبير القرآني المعجز في وصف أصحاب المعاصي وخاصة معصية الزنا، فصاحبها الدائم اللهاث والعياذ بالله.. فهو في لهاث دائم وراء شهوته .. ولا يشبع منها أبدًا .. بل هو دائمًا في فقر إليها وحاجة ملحة لها.. فلا شبع ولا ارتواء ولا قناعة ... إن مقارف هذه المعصية هو بمثابة العطشان الذي يشرب من الماء المالح فلا هو يرتوى أبدًا، ولا هو يستطيع أن ينتهي عنه، ثم مصيره إلى فساد المعدة وهلاك الجسد... وصدق من قال: "من قرت عينه بالله فقد قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات" فهو إن حاز نساء الدنيا وبقيت واحدة لم يظفر بها تحسر عليها وكاد يهلك.
ثاني عشر : عزيمة الأحرار.. أن يكون لديك عزيمة حرة... تأبي أن ترعي في المزابل وأن تحوم حول القذر، فالنفس النقية الطاهرة تستقذر أن تأتي من هذا الحرام شيئًا، وتحتقر هذا الموقف، فهذه هند بنت عتبة قبل إسلامها أخبروها أنها ستبايع رسول الله على عدم الزنا، فتعجبت غير مصدقة وقالت: أو تزني الحرة؟!!... فلم يخطر ببالها أبدًا أن يصدر هذا الفعل من "حرة".
وانظر إلى أحد هؤلاء الأحرار "الرجال" بحق وهو الإمام الشافعي حين قال: "لو علمت أن الماء البارد يثلم مروءتي لما شربته"!! وعجبًا للرجل الذي لو علم أن الماء البارد هو شراب أهل المعصية مثلاً مع علمه بنقائه وصفائه وطهارته فسيمتنع عنه حرصًا على مروءته... وما باله لو رأى الذي يهجمون على حدود الله وينالون مما يغضبه ما يشاءون .
وهذا معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- يعرف هذه المروءة فيقول:"المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى" . فالرجولة الحقة أن لا يستطيع أحد أن يُذِلَّك، وأسهل الطرق لإذلال إنسان أن يُعرف عنه مقارفته لذنب أو إتيانه لمعصية، فيظل بالتالي وَجِلاً خائفًا منها.. والمؤمن الحق الذي قدر على مفارقة الشهوات لا أحد يعلم عنه زلة؛ لأن الله يستره فهو حتى وإن وقع في معصية فهو لا يجاهر ولا يفضح نفسه، بل على الفور يرجع فيخشى الله ويستغفر، وها هو أحمد بن حنبل يؤكد ذلك بقوله : "الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى" . فهذه هي الرجولة والشهامة وأخلاق الأحرار.
ثالث عشر: إعمال العقل ..
انظر إلى رجل وامرأة التقيا فراودته المرأة عن نفسه فقال: إن أجلي ليس بيدي كما أن أجلك ليس بيدك فربما دنا الأجل فنلقي الله عاصيين . فتابت ورجعت إلى الله، وهذا الرجل أعمل "عقله" بعض الوقت فصلُح حاله كل الوقت ..
فالعقل السليم يدلُّك على الخير.. إنك تفقد سلاحًا عظيمًا في معركتك إن تركت عقلك... فإن الشيطان يسعد بذلك جدًّا، فالخليفة المعتصم كان دائمًا يردد: " يسود الهوى إذا ذهب الرأي" فإذا خرج العقل من المعركة تحكم الهوى ففسدت المعادلة، والعقل الراجح يعصم حتى أمام عواصف الشهوات فها هما رجل وامرأة يجتمعان وقد هما بالحرام، ولما جلس منها مجلس الزنا، أطرق قليلا ثم قام عنها فسألته: ماذا حدث؟! .. فقال: إن رجلاً باع جنة عرضها السموات والأرض بمثل هذا لقليل العقل" .
رابع عشر : خوف الوقوع في الاستهزاء بالله...فمن يعصِ الله وهو يعلم أن الله يراه فلا شك أن مقدار الله في قلبه قليل، وقد قيل لأحد المحبين: ما أنت صانع لو ظفرت بمحبوبتك ولا يراكما أحد. قال: " والله لا أجعله أهون الناظرين إليَّ" والله سبحانه يأتي بالرجل يوم القيامة ويعاتبه :"يا ابن آدم تختلي بي وتعصاني.. لِمَ جعلتني أهون الناظرين إليك؟" هل تحتمل عتاب الله لك يوم القيامة وأنت أحوج ما يمكن إلى ستره؟...
هذا ما وعيه رجل وامرأة ففازا برضوان الله وانتهيا عن معصيته، فقد اختليا فقالت له المرأة: هل أغلقت الأبواب؟ .. قال أغلقتها كلها. فقالت له: إلا بابًا لم تغلقه، هو ما بينك وبين ربك. فذهب عنها وتاب إلى الله...
خامس عشر:خوف الحرمان من محبة الله...
وهي اللذة التي لا تعدلها لذة.. ولو كنت محرومًا فلا تعرفها أو مذنبًا فحُرِمت منها فاسمع لما قاله هؤلاء المحبون: "إن حبه شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره"... أي انعدمت عندهم فرحة الظفر بحرام فأصبح حبه هو حياتهم.. ولأننا بعدنا كثيرًا عن هذه الدرجة فإننا نسوق كلام أحد المحبين، لعله يقرب إلينا المسألة، فهذا الجنيد العراقي كان في أحد المجالس، وكان هو أصغر الحاضرين سنًّا، وذكروا محبة الله وطلبوا منه الحديث، فأطرق رأسه ودمعت عيناه وقال: العبد المحب لله هو عبد ذاهب عن نفسه.. متصل بذكر ربه.. قائم بأداء حقوقه.. فإن تكلم فبالله.. وإن تحرك فلله.. وإن سكت فمع الله.. فهو بالله ولله ومع الله.. فبكي الجميع..
ومحبة الله ثمينة عند من يعرف الحقائق، ولا بد أن تتذكر حين تهم بذنب أو تفكر فيه أين سيضعك هذا الذنب، وفي أي مكانة مع ربك سيضعك، فإن الناس جميعًا يدَّعون محبة الله.. من منا لا يفعل.. من منا لا يلجأ إلى الله في مرض أو شدة .. من منا لا يشكر الله على نعمة أو حسنة... لكن كم منا يتذكر هذه المحبة عند الوقوع في الحرام، وهذه امرأة وعت ذلك، قال لها رجل: "اقتربي مني" ، يريد الزنا فقالت: "أخشى أن يكون اقترابي منك ابتعادًا عن رب العالمين.. فاللذات تنقطع ولا يبقي إلا الحق" … فهذه امرأة "واعية" تعرف الأولويات فإن دفعتها الشهوة إلى منزلق، وقف دينها حائلاً بينها وبين النار.
وانظر إلى حديث الرسول : "المرء مع من أحب" فما بالك بمن أحب الله .. ما أسعده وهو معه دائمًا!.
وهذا يحي بن معاذ الذي يقرر: "مثقال حبة من حب الله أحب إليَّ من عبادة سبعين سنة بلا حب" . فالحب هو غاية العبادة الحقة، ولكن ابن معاذ أيضًا يقف أمام الأدعياء فيقول: " ليس بصادق من ادعى محبته ثم لم يحفظ حدوده" .
[
color=CC0000]خاتمة