كيف تصنعين طفلا يحمل هم الاسلام
تعد تربية الأطفال وإعدادهم إيمانياً
وسلوكياً من القضايا الكبرى التي تشغل حيز
واهتمامات الأئمة المصلحين على مرّ
الدهور ومر العصور, وإن الحاجة إليها في هذا
العصر لهي أشد وأعظم مما مضى؛ نظراً
لانفتاح المجتمعات الإسلامية اليوم على
العالم الغربي حتى غدا العالم كله قرية كونية
واحدة عبر ثورة المعلومات وتقنية
الاتصالات، مما أفرز واقعاً أليماً يشكل في
الحقيقة أزمة خطيرة وتحدياً حقيقياً يواجه
الأمة.
من هنا، كان هذا التحقيق الذي نسلط فيه
الضوء على مشكلات الأطفال والعوامل التي
تؤثر بشكل سلبي على سلوكهم وأخلاقهم. ثم
أخيراً الخطوات العملية التي من شأنها أن
تسهم بشكل فعال -بإذن الله- في صناعة طفل
يحمل همّ الإسلام.
إذا أردنا أن نزرع نبتة، فإننا نقوم بغرس
بذرتها الآن.. ونظل نسقيها ونعتني بها كل
يوم، من أجل شيء واحد.. ألا وهو الحصول
على ثمرة حلوة.. تلذّ لها أعيننا وتستمتع
بها أنفسنا.
ولكن !! ماذا لو كان الهدف أسمى، والحلم
أكبر، وأبناؤنا زهور حياتنا..
أين نحن من صناعة هدف غالٍ وعزيز
لمستقبلهم ؟! أين الأم من رعاية فلذة كبدها
بقلبها الرؤوف ليلاً ونهاراً، من أجل حمل فجر
مشرق "ابن وابنة يحملان همَّ الدعوة بين
جنباتهم البريئة"، يرفعان جميعاً راية
الدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة، قال
تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن
دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً
وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
[فصلت:33].
كم من أمٍ تحمل هذا الهدف؟ إن مستقبل أمة
الإسلام أمانة تحملها كل أمٍ، كل مربٍ،
وكل مسؤول عن فلذات الأكباد. لذا قمنا
بإجراء تحقيق مع بعض الأمهات، وقد لمسنا فيه
سرعة التجاوب معنا في كل أبوابه، وكأننا
طرقنا باباً كان ولا شك عند كل أم مفتاحه.
أول سؤال وجهناه إليهن كان: هل أنت ممن
يهتمون بتربية أبنائهم تربية صالحة؟
وكم أسعدنا مستوى الوعي الذي وجدناه،
والذي تمثّل في مائة إجابة بنعم من بين مائة
استبانة تم توزيعها على الأمهات بمختلف
مستويات تعليمهن.
ولأن كل هدف عظيم لا بد فيه من عمل جاد
ودؤوب لتحقيقه، سألناهن عن خطواتهن
العملية التي اتبعنها لتحقيق هذا الأمل.
معظم الإجابات كانت متمثلة في حث
الأبناء بكل جد على القيام بأداء الصلوات الخمس
في أوقاتها، مما يعكس مستوى الوعي الذي
وصلت إليه الأمهات في الاهتمام بهذه
الشعيرة المهمة، وكان الحرص على إلحاق
الأبناء بدور التحفيظ له النصيب الأكبر في
الاختيار بعد أداء الصلاة ثم الحرص الكبير
على اختيار رفقة صالحة للأبناء ومعرفة
رفقائهم.
التنشئة المبكرة
مريم محمد (48 سنة): "منذ صغر أبنائي وأنا
أشجعهم على الانضمام إلى حلقات تحفيظ
القرآن الكريم، كما أتّبع معهم أسلوب معرفة
الله سبحانه وتعالى وغرس محبته في
أنفسهم، ودعائي لهم المستمر بالهداية. كما
أشجعهم دائماً على طلب العلم الشرعي
ليتقرّبوا من الله عز وجل بمعرفة أحكامه".
العبادة الشرعية منذ الصغر
أم صهيب (42 سنة): "أحرص على أداء الصلوات
الخمس في وقتها، وبالنسبة للأولاد يبدؤون
في تأدية الصلوات الخمس في المسجد من
المرحلة الإبتدائية، وأحرص على الرفقة
الصالحة لهم سواء داخل المدرسة أو خارجها،
وبناتي ألبسهن الحجاب والعباءة على الرأس
من سن مبكرة حتى يتعودن عليها بعد ذلك".
أم وصديقة!!
غادة (26 سنة)، تعمل إدارية: "أولاً: لا بد
أن أكون صديقة لأبنائي قبل أن أكون أمهم
كي أكسبهم ويكون لي تأثير بإذن الله عليهم.
ثانيًا: أبدأ بإصلاح نفسي؛ حتى لا يروا
مني أي خطأ يهز ثقتهم بي، وحتى يكون
لنصيحتي الصدى الأقوى عليهم، وأحببهم بأماكن
الخير، وأجعلهم يتعاونون معي لنشر الخير
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
تنافس
أم عبد العزيز (30 سنة): "أحرص على تحقيق
التنافس فيما بينهم في حفظ بعض السور
والأدعية، وأشجعهم عندما يقومون بتصرف حسن
ليستمروا عليه، واقتناء بعض الأشرطة التي
تعلمهم الآداب الإسلامية وأشتري أقراص
الكمبيوتر الهادفة، وأحكي لهم قصصاً هادفة
مفيدة".
جلسة حوار
أم عبد الله (33 سنة): "أجلس مع أبنائي
جلسات حوار بنّاء، وأتحدث معهم بكل واقعية
ومصداقية عن كل الأمور التي لا يفهمونها،
ولدينا أيضاً جلسات ممتعة على (النت) مع
مواقع هادفة تحوي كل ما يهم الأطفال من
الأسئلة والقصص".
أساعد أطفالي
أم محمد: "أزرع الوازع الديني في أطفالي،
وأوضح لهم الحلال والحرام والجنة
والنار، وأساعد أطفالي على اختيار الصديق
المناسب لهم، ودائماً أستمع إليهم، وأوجههم
بدون كلل أو ملل، وأخاطبهم بصوت هادئ
ومنخفض ولا أستخدم العقاب الشديد عند الخطأ".
قدوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم
زبيدة الصالح (38 سنة)، معلمة: "أربّي
أبنائي على أذكار الصباح والمساء وأجعلهم
يتّخذون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة لهم
في جميع تصرفاتهم، وأهذّب من سلوكهم
سواء داخل المنزل أو خارجه، وأخيراً أشتري
لهم القصص والأشرطة الدينية الهادفة".
التربية الصالحة أساس تأسيس طفل يحمل هم
الإسلام، ولكن كيف نغرس في أبنائنا حب
الدعوة إلى الله؟
أجابت عن سؤالنا الأستاذة فاطمة السابر
-رعاها الله-:
"جميل أن نغرس حب الدعوة في عروق أبنائنا
منذ الصغر، فالدعوة ثمرة من ثمار العلم،
والأجمل من ذلك أن نحلّق مع أبنائنا
ليكونوا دعاة إلى الله يدعون أنفسهم ويدعون
الآخرين. وهذه همسات بسيطة لمن تهفو نفسها
لأن ترى أبناءها دعاة صالحين:
1ـ ليكن لديك اهتمام بالتغذية الفكرية
الصائبة؛ فالدعوة بلا علم دعوة بلا رصيد،
فلا بد أن نغذي الطفل برصيد من المعلومات
بقدر ما يحتاجه لكي يثبت في كل خطوة،
فالطفلة التي تمتنع عن ارتداء الملابس
القصيرة أو البنطال، لا بد أن تعرف لماذا
تركتها، وأن تدعو زميلاتها أيضاً إلى ذلك.
2ـ قص القصص من القرآن الكريم والسنة
والسلف الصالح، وتذكيرهم بمواقف صغار
الصحابة في الدعوة إلى الله، إضاءات جميلة لها
أثرها في نفوس أبنائنا.
3ـ استثمار أوقات الزيارات في عمل برامج
مسلية يتخللها مسابقات مفيدة، مع توفير
هدايا بسيطة يقدمها ابنك للأطفال.
4ـ قد نحتاج لمرافقة أبنائنا في بعض
الأماكن كالأسواق والمستشفيات، فما أروع أن
نعوّد أبناءنا توزيع بعض الأشرطة
والكتيبات أثناء هذه الجولات.
5ـ ما أجمل أن يتحلق الأطفال -كل حسب جنسه-
وأن يكون من بينهم من يقص عليهم ما سمعه
من شريط أو ما قرأه من كتيب، وحتى ينجح
الطفل في جذب زملائه فليكن له محاولات في
المنزل تقيميّنها بنفسك.
6ـ إشراكهم في المكتبات العامة التي
تنمّي فيهم روح العلم والمعرفة، وبالتالي
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
7ـ زيارة المراكز الاجتماعية ودور
الأيتام وتقديم الهدايا لإخوانهم لها أبلغ
الأثر في نفوس الطرفين.
العوامل التي تؤثر سلباً على تربية
الأبناء، تكتبها الأمهات بأنفسهن:
أـ نجوى (43 سنة):
1ـ كثرة التوجيهات والأوامر من غير إقناع
ومحبة، وكأنها أوامر عسكرية تطبق بلا
فهم لأهميتها.
2ـ غياب غرس الرقابة الربانية والخوف من
الله، بحيث يطبّق الأبناء العبادات من
صلاة ونحوها في حضور الوالدين، ويفعلون ما
يريدون في غيابهم.. مع الأسف.
ب ـ أم إبراهيم:
1ـ الاختلاط السيء في الأسرة وخارجها.
2ـ الدش والإنترنت.
3ـ السفر للبلاد غير المتمسكة بالإسلام.
ج ـ أم خالد (45 سنة)، ربة منزل:
1ـ القدوة السيئة أمامهم.
2ـ الإهمال وعدم متابعتهم.
3ـ أصدقاء السوء من حولهم، وقد يكونون من
القرابة، وهذا يكون تأثيره أقوى عليهم.
وذكرت لنا العديد من الأمهات الأسباب
التالية:
1ـ ابتعاد الآباء عن أبنائهم وعدم
مصاحبتهم.
2ـ كثرة مشاهدة التلفاز وألعاب (البلاي
ستيشن).
3ـ الفراغ وعدم وجود الصديق الصالح.
4ـ عدم الاستمرار على الأمور والعادات
الحميدة.
5ـ المجلات والقنوات الفضائية التي تعرض
صوراً مثيرة.
6ـ اختلاف الوالدين في طريقة التربية.
7ـ وجود الخدم.
8ـ عدم تفعيل المحاضرات والإعلان عن
الأشرطة التربوية التي تسهم في تثقيف
الوالدين.
9ـ عدم وجود برامج إعلامية هادفة.
10ـ عدم الاستقرار الأسري وإثارة
المشكلات ومناقشتها أمام الأبناء.
11ـ عدم مراقبة الأبناء بشكل دائم،
والملل من التوجيه والنصح.
12ـ عدم تثقيف الأبناء بدينهم بالشكل
الصحيح.
13ـ تقليد الأبناء لأقرانهم.
14ـ نهي الأبناء عن أمور سيئة، ثم قيام
الوالدين بعملها.
15ـ عدم معرفة رغبات الأبناء، وعدم
محاولة التركيز على الجوانب الإيجابية فيها
وتنميتها.
ولنا وقفة واقعية مع أطفال بدأت غراس
التربية الحميدة تعطي ثمارها فيهم، فهذا
طفل يأمر بالمعروف، وتلك طفلة تنهى عن
المنكر.
لنترك هذه القصص الواقعية تتحدث عن
نفسها، وروعة معانيها:
1ـ سارة (19 سنة)، طالبة جامعية: قالت لي
أختي الصغيرة موجهة الخطاب لي: "كل شيء في
غرفتك جميل، ما عدا هذه الصورة التي تمنع
الملائكة من دخول الغرفة"، حقاً كان وقع
كلماتها البريئة عليَّ كبيراً في نفسي.
2ـ صديقة لي كانت تحكي لطفلها عن امرأة
إفريقية تعمل عندهم، وتحاول أن تتكلم
بطريقتها. وبعد هذه القصة بفترة قال لها الطفل
أحكي لي الحكاية مرة أخرى، وكانت المرأة
موجودة في نفس المكان، فأشارت الأم
إليها بعينها -أي قالت له: عندما لا تكون
موجودة-، فقال الطفل: حرام يا ماما.. أنا وأنت
الآن ندخل في الآية: { وَيْلٌ لِّكُلِّ
هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [الهمزة:1].
3ـ وفي نفس الموضوع تروي لنا إشراق أحمد
(22 سنة)، أنها كانت تتحدث مع امرأة من
أقاربها وكانت هذه تغتاب وتكذب، فرد ابنها
الصغير وقال لها: يا أمي لا تكذبي فالكلام
الصحيح كذا وكذا (من كذب تكتب عليه سيئة).
4ـ طفلة صغيرة كان تتمشى مع أبيها
بالسيارة رأت بجانبها سيارة كان سائقها يدخن
فتحت نافذة السيارة، وقالت للرجل: "عيب،
الدخان حرام، استحي من ربك". فرمى الرجل
السيجارة، هذه الطفلة لا يتعدى عمرها الثلاث
سنوات.
5ـ الجوهرة، معلمة (42 سنة): بالنسبة لي،
ابني دائماً ينهر أخته الكبرى ويأمرها
بالحجاب الشرعي، وعدم لبس الملابس الضيقة.
6ـ مريم محمد تحدثنا عن موقف رائع لن
تنساه، حيث كانت في زيارة لإحدى صديقاتها،
وأرادت إحدى الزائرات أن تضع شريطاً
غنائياً فقام أحد أطفال المضيفة، ورمى بالشريط
الغنائي ووضع بدلاً منه شريط القرآن،
أثار هذا الموقف إعجابي به، ما شاء الله.
7ـ أثير (17 سنة)، طالبة: "مرة كنت أشوف
الدش، فضغطت على قناة كلها أغانٍ، وكان معي
بنات عمي الصغار، جاءت بنت عمي وعمرها خمس
سنوات تريد أن تخرج من الغرفة، قلت لها:
سارة أين تذهبين؟ قالت لي: أريد أن أخرج:
قلت: لماذا؟ ردت: لا أريد أن أسمع أغاني،
وأنت الله يدخلك النار لأنك تسمعين أغاني..
كانت بمعنى كلامها تريد مني أن أغير هذه
القناة.
__________________
ويـــبــــقـــــى الاســــلام هــــو الـــحــل