كن إيجابياً
ناصر حسن
نظرة واحدة لما حولك تكفي للبرهنة على أن هذا الكون قام على الإيجابية «الحق» أليس أقصى درجات الإيجابية هو التناغم مع طبيعة هذا الكون بما فيه ؟ فهذه الشمس تشرق بهدوء لتعطي الضياء والحيوية للحياة «إيجابية» وهذا القمر ينير الليل المظلم «إيجابية» وهذه النجوم تلمع لتهدي الضالين في زوايا هذا العالم اللا متناهي «إيجابية» ثم قال الرب بعد ذلك بإيجابية: ﴿ تبارك الله أحسن الخالقين ﴾ فتخلقوا بأخلاق الله.
في كتاب The Art Of POSSiLity تأليف «روزامند ستون زاندر» و«بنيامين زاندر» وجاء فيه «بأن أحد مصانع الأحذية أرسل اثنين من المتخصصين في الاستطلاع السوقي إلى إحدى المناطق الإفريقية لدراسة إمكانية إقامة مشروعات هناك. فأحدهما بعث إلى المصنع برقية يوصف الوضع فيها بقوله: «موقف ميئوس منه. الجميع هنا لا يرتدون أحذية».
في حين بعث الآخر ببرقية إلى المصنع يقول فيها: «فرصة عظيمة ليس لديهم أحذية هنا».
أرأيت الفرق بين التفكيرين؟.
نستنتج من هذه القصة الفرق الشاسع بين نظرتين تجاه تفسير الواقع فأحدهما نظرته سلبية تجاه الواقع ورأى استحالة تغيير الواقع، والآخر كانت نظرته إيجابية تعكس عن طبيعة تفكيره الداخلي وتفسيره إلى الأمور بطرق إيجابية. إن الحالة الداخلية التي نفكر بها تنعكس على أداءنا العملي وعلى حالتنا النفسية، فإن كان التفكير مشحون بالرهبة والخوف والتردد فسيجعلنا حتماً في وضع متوتر وقلق مما يؤدي إلى تفاقم الوضع السلبي لدينا لدرجة كبيرة.
وذكر الكاتب «خالص جلبي» في مقال يقول فيه: «كان لي أخاً يشتغل في معمل للدهان، ثم حدث معه خطأ فظيع في مزج الألوان، وهرع العمال إلى المشرف وكان المالك بنفس الوقت لمواجهة المشكلة.
قابلها بهدوء ليس بالانتحاب على ما حدث، فقد حدث ما حدث، ولا يمكن تعديله، ولكن يمكن الاستفادة مما حدث، بحيث يحول على الأقل إلى كارثة من حجم أصغر. يقول صاحبي إن ما حدث كان نعمة من جهة، حيث أمكن التصرف بحيث خرج لون زاهٍ غسر متوقع، وأمكن بيعه في السوق المحلية».
ويذكر عن عالم أمريكي أنه كان يعالج لدائن من أنواع شتى لإنتاج مادة صناعية تفيد المطابخ، وفي إحدى المرات حصل خطأ بشع، حزن عليه صاحبه، ولكن الذي ظهر أن المادة الجديدة ممتازة، وهي التفلون، وتنفع في طليها في قاع الطناجر، بحيث لا يلتصق بها الطعام، ومنها خرجت صحون التيفال المنوعة، وهذه الخاصة بتزحلق المواد على سطحها حركت في ذهنه الاستفادة منها في صناعة الشرايين الصناعية، واليوم يستخدم جراحو الأوعية الدموية مواد الجورتكس والتفلون بسبب هذا الخطأ الإيجابي!.
وحينما قيل إلى توماس أديسون الذي قام بمحاولة اختراع المصباح الكهربائي 9,999مرة، ولم يوفق للنجاح: «أتريد أن تستمر في محاولاتك بعد أن فشلت تسعة آلاف وتسعمائة وتسع وتسعين مرّة؟».
فقال أديسون: «أنا لم أفشل في ذلك، ففي كل مرّة كنت أكتشف طريقة جديدة لأتوصل إلى ما أصبوا إليه». بمعنى كان ينظر إلى تجاربه التي أخفق فيها بمنظار إيجابي وليس سلبي!.
وفي عام 1912م بعد عمل مرهق ومتعب جلس «لي فورست» واثنين من زملائه إلى طاولة متهالكة في كفتيريا شركة التغراف الأمريكية، وفي الأثناء هبطت ذبابة على «ورقة تصدير» كانت تغلف وجبة فورست «وقد تزعج الكثير منا وقد يرمي البعض الوجبة» ولكنهم سمعوا خطوات الذبابة بوضوح، وحينذاك أدركوا الرجال الثلاثة وجميعهم من مهندسي الصوت، أن خطوات الذبابة كبرت 120 مرة الأمر الذي مكنهم من سماعها كخطوات عسكرية..وكانت هذه الحادثة البسيطة سبباً في اختراع الأنبوب الكهربائي المفرغ الذي مهدّ لميلاد عصر أجهزة الإلكترونيات..
فالقصة العربية القديمة تقول: «في أحد الطرق الصحراوية، قابل الطاعون قافلة وهو في طريقه إلى بغداد، فسأله الأعرابي المسئول عن القافلة: «لماذا أنت ذاهب إلى بغداد؟.» فأجاب الطاعون: «لكي أقضي على خمسة آلاف شخص». وفي طريق عودته من المدينة، التقى الطاعون بالقافلة مرة أخرى، فصاح فيه الأعرابي في غضب: «لقد كذبت عليّ وبدلاً من أن تقتل خمسة آلاف قتلت خمسين ألفاً!». فردّ عليه الطاعون: «هذا غير صحيح، وأنا لم أكذب عليك، لقد قلت لك إنني سوف أقتل خمسة آلاف، وهذا هو العدد الذي قتلته لا أكثر ولا أقل، أما الباقون فقد قتلهم الخوف».
وهذا يمثل سرّ قول الإمام علي ما بارزني أحد إلا وأعانني على نفسه، أو على قتله.
فطريقة التفكير الداخلية تؤثر على نمط السلوك الخارجي لأنها هي الموجهة والدافعة كخطوط إرشادية في حياتنا وهي الأساس الذي نقوم البناء عليه بإتباع نمط معين من أنماط الحياة، والكثير مناّ يمر بتجارب في حياته فقد ينظر إليها بمنظار سلبي أو إيجابي فيتم بناءه على ما ترتب عليه داخلياً. فيذكر الطبيب النفساني الأمريكي «ميلتون إتش إيركسون» قصة يرويها عن ممرض كان يعمل في عنبر الولادة بأحد المستشفيات وكان يحب شرب اللبن، وظل يشرب اللبن لمدة عشرين عاماً، إلى أن جاءت في أحد الأيام إحدى الممرضات وهو يشرب اللبن فقالت له: «أن هذا اللبن الذي تشربه هو لبن من صدر إحدى الأمهات تركه شخص ما في الثلاجة. ومنذ تلك اللحظة توقف عن شرب اللبن نهائياً. لاحظ كان بإمكانه أن يتخذ الأمر عادياً، ولكن فسّر الأمر بطريقة إشمئزازية.
أكتشف أطباء أن مرضاهم يشفون من تلك الأمراض التي يعانون منها طبقاً لتوقعات المرضى أنفسهم لدرجة الشفاء، وليس طبقاً لما تقوله التقارير الطبية، ولاحظ الدكتور «كارل سيمنتون» في علاجه لبعض المصابين بمرض السرطان في الولايات المتحدة الأمريكية، أن حالتهم الصحية تحسنت طبقاً للدرجة «الايجابية» التي كانوا يتوقعونها لحالتهم .
فالمنظار الذي ننظر به من داخل أنفسنا تجاه ما نقوم به أو نتعامل معه له أثر كبير أياً كان! مثال على ذلك، تجارب الدكتور «ماسارو إيموتو» التي أجراها على بلورات الماء المتجمد، ففي عام 1997م قام بملء كوب ماء من الصنوبر وقام بوضعه على المنضدة في مكتبه. ثم قام بتصوير بلورات الماء فوتوغرافياً فأظهرت الصور أنها مشوهة ومفتتة. ثم قام بعد ذلك بالاتصال بخمسمائة من طلابه الذين تخرجوا في الجامعة، وطلب منهم أن يرسلوا مشاعر حب للماء في يوم معين وفي وقت محدد، وطلب من كل منهم أن يبعث بأمنياته للماء في أن يصبح نظيفاً وصحياً. وحينما قام الدكتور «إيموتو» بتصوير الماء بعد أن تلقى كل هذه الطاقات الإيجابية من كل هؤلاء الناس في جميع أنحاء اليابان، كان الماء يبدو مختلفاً من الناحية المادية وكانت أشكال البلورات المتكونة فيه متماثلة ومتناسقة. وقال الدكتور «إيموتو»: «إن عدداً كبيراً من فريق العمل المصاحب له في هذه التجربة قد تأثروا عندما رأوا هذا التغيير لدرجة أنهم كانوا على وشك البكاء».
فالتفكير الإيجابي له أثر بالغ وكبير على أجسامنا وأداءنا وتفاعلنا مع واقعنا الداخلي والخارجي، ففي إحدى المستشفيات تم تقسيم المرضى إلى مجموعتين. مجموعة (أ) أعطيت الدواء الجديد، ومجموعة (ب) أعطيت «البلاسيبو» «وهو دواء يشبه في شكله الدواء الحقيقي، لكنه لا يحتوي على أي مواد فعالة»، ولم يكن الأطباء، أو المرضى يعرفون من كان يأخذ الدواء الحقيقي ومن كان يأخذ الدواء المزيف.
في نهاية التجربة، مجموعة (أ) أظهرت نسبة نجاح 70%، لكن مجموعة (ب) التي تلقت الدواء المزيف «البلاسيبو»، أظهرت أيضاً نسبة نجاح 70% فأخذ الدواء يحفز في العقل الباطن المركز المترابط لـ«التحسن» وهو ما حدث بفعل تفاعلهم الإيجابي، فهل علمت كيف تفعل قوة منظارك الإيجابي؟!.
وفي إحدى التجارب الأخرى تم تعريض عدد من المتطوعين إلى جراثيم البرد، لكن بعضاً منهم قد أصيبوا بالبرد، على الرغم من أن كل الأفراد كانوا في نفس الغرفة، وتعرضوا لنفس الجراثيم، بعضهم ظل معافى، أتضح فيما بعد أن الأشخاص الذين أظهروا مناعة ضد الجراثيم، كانوا هم الأشخاص الذين أقروا أنهم كانوا سعداء «إيجاب» في حياتهم، وشعروا بسيطرتهم على حياتهم، أما الأشخاص الذين مرضوا فاعتبروا أنفسهم غير آمنين وتحت ضغط وخوف وقلق مستمر.
الحياة فيها كم هائل من الإيجابيات، علينا أن نحتضنها بعيداً عن النظرة السلبية التي يمتاز بها كثير من الناس. فبدل أن تضع يدك على أنفك للرائحة المنبعثة من جيفة الكلب قل: ما أشدّ بياض أسنانه!.
لنجّرب النظرة الإيجابية بالتمرين مع أسرتنا وأصدقاءنا وفي أعمالنا وحياتنا لنرى الفارق العجيب!.