"عذبني حُبه .. -2- "
.. .. ..
حينما يكون القلب مدججاً بالحبٍ والآلم ,, تغدو الحياة حلبة صراع بين هذا وذاك لا قرار فيها ولا غلبة لأي
منهما ..!
قال لي يوماً :
( لن يفرقنا إلا الموت ) ..
كدتُ أطيرُ فرحاً ,, لم أتخيل أن الموت سيفعلُها و يُفرقنا ... حقاً .!
.. .. ..
كنتُ أخدر إحساسي في كلِِّ مرةٍ يفيقُ بها و يتوجع ..
كنتُ أشيحُ بوجهي عن طيفه كلما تمثلَ أمامي ..
في كلِّ ليلةٍ أدثرُ خافقي الموجوع برداءِ كبريائي المهترئ ,, و أقاوم خفقات الشوق المتسارعة التي
أضنت القلب ..!
- قاومت ... وقاومت ... و مازلت ..
إلا أنّي غـُلِبت من بعدِ غـَلبي ,, في تلك الليلة البائسة كبؤسي .. !
نظرات إبنه الحااائرة ,, و سؤاله البرئ ,, جعلني أضعفُ من ورقةٍ خريف تتصدى لرياحٍ عاتية ..
باغتني بسؤاله وهو يناولني كتابه ويقول :
" ماما .. شوفي كيف كتبت إسمي , صح ؟ " لم أفهم مغزاى السؤال ,,بلا إكتراث ألقيتُ نظرة خاطفة
على إسمه الذي دونه بيديه الصغيرتين بتأني وكأنه ينقشه نقشاً - مصعب بندر - جاوبته " إيه حبيبي
صح / ,, ماما الإبله تقول خطأ إسمي مو كذا ..؟ "
فهمت المعنى الذي زلزل أركاني , فتحَ كتابه بسرعة وهو يشير بيده على ما خطته معلمته - مصعب زياد -
ويقول : الأبله تقول اكتب إسمك كذا عشان يصير صح ..؟! الأبله ماتعرف إسم بابا ..و تقول ...ووو .... إلخ
صمّ دوي تساؤلاته أذني ,, أرجعت بصري إلي بندر عله ينقذني ويُجيب .. أرتد طرفي حسير ..!
بندر لاذَ بالصمت ولم يرد إلينا جواباَ ,,!!
صاح مصعب " ماما الأبله كذابه ,, صح ؟! "
خشيت أن أكذبها فيكتشف فيما بعد أن معلمته أصدق من أمه ..
أستجمعت بقايا شجاعتي وقلت له : " صح حبيبي تقدر تكتب إسمك كذا "
نظر بعين حااائرة إلى بندر وقال : " بابا له إسمين ..؟! / لا حبيبي بابا عنده اسم واحد , إنت لك إسمين .
قال : وزياد .. زياد عنده واحد ,, انت بس لك إثنين أكثر من الأولاد كلهم ... "
نظر إليّ بتأمل يحاول أن يفهم ,, ربما لم يكن حديثي مقنعاً ,, إلا أنه تقبله لأنه من أمه وقد أعجبته فكرة
أن يكون له إسمين ..
- تركنا بندر , إنسحب بهدوء إلى غرفته , مصعب يمسح إسمه من كتابه ويكتب إسمه الجديد بمــرح ..!
لم يعرف أنه يمسح بذلك كذبتي الأولى عليه , ويدون الحقيقة بنفسه ..
كنت أساعده وقلبي يذرف مزيـــداً من الآلم ,, و يخفق بشيء لا أعرفه , بل أعرفه لكنه أمر لا يُـحكي ..
( عرف مصعب أخيراً أن له إسم آخر , لكنه لم يعرف بعد ما يعني هذا الإسم ؟ )
- ما أن أنتهي من الكتابة حتى قفز مسرعاً إلى بندر وهو يصيح :
" بابا .. بابا شوف إسمي " لم يتناهى إلى مسمعي جواباً من بندر ..؟!
بندر الذي ما أن يجتمع مع مصعب حتى يحدث للمنزل ضجيجاً صاخباً .. أيُ سكينة هذه التى حلت عليهما
الآن ..!
حتى مصعب دقائق وهدأ , جال بفكري أن بندر يحكي لمصعب حكاية النوم , فقد إعتاد أن لا ينام قبل
الإستماع إلى حكايا بندر التي يبدؤها ويجعل عبء ختمها عليّ دائماَ , مما يجعلني أتذمر فيقول لي :
" الحياة تعاون حتى بالحكايات عليّ البداية وعليكِ النهاية ../ أجيبه : لاتورط نفسك وتقول حكاية ماتعرف
تختمها .."
كثيييراً ما أحاول أن اربط أحداث قصصهِ الركيكة لأخرج بنهاية مرضية لمصعب الذي ينام غالباً قبل النهاية ..
ويريحني منها ..فيقول بندر عابثاً : " كملي إلى ما أنام أنا ..!"
- مالخطب الآن ..؟!!
توجهت إليهما بتوجس ,, هالنـــي ما رايت :
مصعب يغط في نوم عميق , في حضن بندر وهو يجهش بالبكاء ..؟!
( بندر رجل الأزمات كما أدعوه بذلك عند كل مشكله , ويرد عليّ باسماّ بجملته المعهودة : أنا لها )
أقتربت منه وشعرت للمرة الأولى أنّي أكبر منه بعــام ..
ربت على كتفه قائله : بكره يكبر ويفهم ,, أنت ماقصرت معه بشيء .
قام من مكانه اخذ مفتاح سيارته هاماً بالخروج , إلتفت إليّ وقال :
" سامحيني ماعرفت ارد عليه , إنتِ أشجع مني , الموقف صعب " ولم يزد ..!
ولى مدبراً وتركني أغرق في بحرِ لجّي من المشاعر المتزاحمة ...
لا أدري حقيقة مالذي أبكاه فعلاً ,,؟! هل الموقف فعلاً أم ذكرى اخوه زياد , أم رحمة بي وبمصعب ..
كلُ ما أعرفه ان لبندر قلب حـــاني ودافئ جــداً .. ..
ثلاث سنوات وأكثر وكل منا يدعي أنه أهدى زياد للنسيان ,, ويفضحنا إبنه وهو ينبشُ عنه ..!
.. .. ..
قضيتُ الليل وحدي ,, وقد غدا مأتماً يحدوه الفقــد ..
كنت أتفقد أبنيّ بين الفينة والآخرى , وكأني اخشى أن أفقدهما , فقد بات الفقد شبح يطاردني ..!
صافحنــي الأرق , وأخذت اتجول في المنزل على غير هدى ..
أستوحشتُ من الليل رفيقي , الذي أهواه وأهوى سكونه وظلمته الحالكة ,, التي تعطيني دائماً
الإذن بالبكـــاء ..
أعني البكــاء على الورق ,, فهو هوايتـي ..!
لا أحسن طريقة أخرى للبكاء .ِ
- بحثتُ عن قلم أحملهُ دموعي لينثرها حبراً على الورق ..!! فتشتٌ الأدراج بحثاً عن قلم وورق ..
لتقع عيني على - دفتـــر - حصرتُ بين دَفـتيّــه يوماً روحي ,, و أودعته خطرات قلبـي ..!
" دفتر زياد " .. الذي أهدانيه يوماَ ,,ِ أيُ صدفة غريبة ,, لمَ ظهر ليّ في هذا الوقت تحديداَ .؟!
أنا لم أفتحه منذ زواجي ببندر ..!
قلبتُ صفحاته بشهيه ,, أقرأ حكاياتي ,, أشعاري ,, قصيدتي التي لم اكملها , وأكملها زياد كاسراَ
كل قوانين الوزن والقافية ..!
( أذكر مناسبة كل كلمة دوناها هنا ..! متى و أين دوناها ..ِ )
حتى طلباته مني لا يجد مكاناً أنسب من دفتري هذا يكتبها فيه .. ! لذة إنتشلني منها أحد طلباته
يقول فيه : " فرح .. لا تنسين تجهزي القهوة , بندر العصر جاي "
ياااااه ..! كم هوت بي هذه العبارة إلى أعمقِ ,, أعمق ,, دركات الآلم ..!!
- بندر لم يكن يعني لي يومها سوى انه أخو زياد الذي تربطه معه علاقة اخوية قويه ,, جعلته يساعده
بماله لإتمام دراسته ,, كان زياد يقول :
" بندر شاعر حساس محظوظة اللي بتكون من نصيبه ,,/ ويقول كثيراً : مصعب بزوجه بنت بندر "
ذكرت يوم قلت له : " ياذى بندر اللي بلشتنا فيه ,/ نظر إلي زياد بمكر وقال : بدينا غيرة ,, ؟
قلت له : لا تفرح لاغيرة ولاشئ مافيه أحد مثلي أغار منه ,,/ قال : أموووت بالغرور .."
.. ربــاه !! كيف إلتقت أقدارنا ,, فأجتمعنا أنا و بندر ..؟! وغدوت له بعد أن كنت لزياد ..؟!!
أيُ قدرٍ عجيييب هذا .. ِ ! و كيف ولد الآلم من رحم العشق الطهـــور ..؟
.. .. ..
أغلقت دفتري البائس ,, الذي برعت في بدايته بالمدح والغزل ,, وبرعت في نهايته بالرثــاء ..
تنفستُ الصعداء و بداخليّ يقــــين .. أن لا شيء يستحق البقاء ,, أو لاشيء يبقى .!
مزقتث أوراقه , و أودعتها موقد النار ,, واحـــدة تلو الآخــــرى ,و لسان حالي متمثلاً قول القائل :
" إنها يانارُ ذكرى لليالي لن أراها " ..ِ ..
حقيقة .. راااقت لي كثيراً , لعبة حرق وثائق الذكرى , كما تحرقني ..!
ومارستها بمتعة شتتها صوت صرير الباب وخطوات بندر وهو عائد .. نظر إلي بصمت فقد إعتاد
جنوني كيفما كان ..
أقرآني السلام بإنكسار طاااغي , ثم ّخلدَ إلى مضجعه ..
يبدو أن كل شوارع المدينة لم تسعه فعاد إلى هنا .!
( ياااه أيها العزيز ,, أيُ رهافة إحساس وهبك إياه الخالق .. أوجعتك لسععات الحزن , وغصصت بمرارة طعم
الفقد .. ! لاتحارب الحزن فهو صديق وفيّ جداً , إن عرفك سيصلك في كل حين , لن يقطعك ابداً ..
بل سيضفي عليك من وقاره و سكينته وحكمته ..! )
عبارات تمتمت بها بيني وبين نفسي وانا أتوجه لبندر ..
قادني قلبي إليه بعد أن عبثت قليلاً مع حزني ..ِ !
تظاهر بالنوم ,, إنحنيت عليه أشاكسه .. " بندر قوم , قولي وين كنت ؟ , لم يجيب ../ بندر يهون عليك
تتركني لحالي ,, / - بدأ لي حينها أنه قدس الصمت - قلت له : إسمعني أبغى أقولك شيء ..!
تكلم أخيراً قائلاً : طلعي برا أبغى انام ... / قلت : طيبـــ قاطعني قائلاً بحزم : قلت لكِ وراي دوام ..
قلت له : خلاص لاتعصب انا بعد ودي انام ,, عبثاً ... إضطجعت قربه ,, إنزعج وصد بظهره ...
أسندت رأسي على ظهرة و وبدأت اثرثر .. أعلم أنه يسمعني ..ِ /
بحت له بأشياء كثييره ,, أخبرته كم أحبه ,, وكيف أزدانت أيامي به ,, ومدى الأمان الذى منحنى وجودي في
ربوعه أتبوأ منها حيث شئت .. ِ /
أكدت له أن كل آسى يمر بنا لا يساوى وجودنا معاً .. وعلبنا أن لانضيع أيامنا سدى ..!
- صمت حام حولنا و وخضعت له الكلمات ,, غفى بندر وغفوت ..
لأصحو في الصباح وقد غادر بندر لعمله مبكرا دون أن أشعر ,, قمت جهزت نفسي سريعاً سريعاً
كيلا أتاخر على عملي , صحت بمصعب ليأتي حتى أوصله في طريقي ..
أستوقفتني وأنا خارجة عبارة دونها بندر على المرآه قبل خروجه اليوم , قائلاً فيها :
" فرح .. أحبــكِ جداً "
شد مصعب يدي .. " هيّا ماما ."
خرجت وأنا أتمتم .." قد قالها أخٌ له من قبل "
إلا أنها مختلفه كنت أنتشي بها طرباً ,, أما هذه المرة تجرعتها كمريض يقاسي مرارة الدواء طمعاً
بالشفاء ..
.. .. ..
( لكلِ من يعانـي الآرق مثلي ,, أهدي له ثرثــرتي الليليه , علها تكون خير أنيس
في وحشة الليل الطويــل .... )
أختكم / فـرح .. ..
17-1-1432
__________________
( " هُناك يَ حُلوتِي سنلتقي لأمْسحَ دمْعةً أرْهَقتْ عيْنيكِ و أخْفت بَريق وجْنتيكِ هُناك فِي رِياضِ
لا يُعكر صَفوها الأحزان و لا ننْطِق بِها سِوى حرُوف الفَرحْ هُناكَ في الجَنة أيَا حُلْوتي :")