قضية كم أفرحت من قلوب ، وأكرمت من نفوس ، وكم نقضت من بيوت ، وأفسدت من علاقات ، وفرقت بين متحابين ، وكم قطعت من رحم ، وقضت من مضاجع ، وأسهرت من عيون ، وأبكت من قلوب ، وشردت من أطفال ، وعذبت من أشخاص ، وكم أسعدت من أناس وأشقت آخرين ..
يخطئ الكثير في فهمها والتعامل معها ولا يولونها الأهمية اللازمة التي هي أهل لها فيتعاملون معها تعاملهم مع أي جزئية في الحياة مع انها سر نجاح الحياة والهناءة والأمن . ولهذا علينا ان نبين كيف يراها الناس وكيف يجب أن نراها .
هي كذلك لأنها الاطمئنان الواعي ، و مفتاح الأمن للحياة الزوجية التي لا أمن إلا بها ، وهي صمام الأمان الذي يقف دون نقض العلاقة وفقد الطمأنينة .
والانسان لا يهدأ في حياة ولا يسعد الا بالأمن النفسي والجسدي فان فقد الأمن فقد نعمة هي من أجل نعم الحياة .
وهي كذلك لانها السكينة المتعقلة التي تجعل من العلاقة بين الزوجين صالحة لتناول الحياة وركون أحدهما إلى الآخر دون خوف من الغدر والخيانة ولا الكذب والغش ، فهي الطمأنينة والأمن التي عبر عنها القرآن الكريم بـالسكن ، فعندما يطمئن كل من الزوجين لصاحبه ويثق به تسكن نفسه وتهدأ حواسه ويهنأ بعيشه ، وعندما تضطرب الثقة بينهما تضطرب الحياة وتثور ثائرة يصعب السيطرة عليها والحد من آثارها ،
ولعل نقض الثقة يسبب نوعا من الألم هو الأشد مما قد يتعرض له الانسان ، فعلى قدر عظم الثقة يكون عظم الألم .
والناس في تناولهم للثقة في تناقض كبير وجهل أكبر ، والسبب في ذلك انهم يخلطون بين الثقة والغيرة والشك وعدمهم ، وبين الكذب الأبيض والأسود ، وبين المسامحة والغباء ، وبين الخطأ والإصرار على الخطأ ، وبين عودة الثقة ونسيان الذنب ، وبين الثقة المطلقة والمقيدة ، ولعلك لو سألت مجموعة من الناس عن تعريف دقيق لنقض الثقة تجد هذا التباين جليا لانهم متباينون بوصف الثقة نفسه وأهلها .
فيرى البعض الثقة جملة وانها ضرورة من ضروريات الحياة وأنها حقيقية وقائمة في النفوس ولها تأثيرها على ارض الواقع ، وأن لها أركانا وشروطا وواجبات وانها من أهم أسس الحياة السعيدة التي لولاها لا حياة ولا هناءة .
ويرى البعض نكرانها جملة وانها ضرب من الأوهام لا وجود لها الا في الخيال وعالم المدينة الفاضلة ، فالثقة بالله وحده ولا يمكن الوثوق بأي أحد من الناس مهما عظمت منزلته أو دنت في كبير الأمور ولا صغيرها وان الثقة كل لا يتجزأ فعدم الثقة هو عدم الثقة ، اذ لا يمكن الوثوق بشيء دون شيء فإما ان يكون أولا يكون .
فيقولون " يا واثقة بالرجال مثل المي بالغربال " أي ان وثقت بالماء ان يمسكه الغربال فثقي بالرجال ، ويستدلون بأن أبلغ نواقض الثقة هو الكذب ومن القليل ان تجد في عصرنا من لا يكذب فبالتالي من يوثق به .
ويتوسط آخرون فيرون ان الثقة حقيقة لا نتكر ولكنها في بعض الأمر لا كله ولهذا يشير شكسبير بقوله : عندما يتعلق الأمر بمبلغ طائل من المال لا تثق بأحد .
فهو يعترف بالثقة بحدود ولكنه لا يعترف بها عند كبر المهام وخطورتها .
ويرى غيرهم انها شر لا بد منه فيقول الأمريكي فرانك كرين : قد تتعرض للخداع إذا وثقت أكثر من اللازم، لكنك ستعيش بعذاب إذا لم تثق بقدر كاف . فهو يرى ان تثق ولكن يرى ان لا تبالغ في ثقتك إلي كل شيء وانك مضطر لتثق لا لان الثقة حقيقة بل لكي تساعدك على تقبل الحياة ، فأنت تمارسها لتهون عليك لا لأنها حقيقة راسخة . ويقول نحوا منه كاردينال دوريتز : قد تتعرض لمواقف مؤلمة نتيجة ثقتك الزائدة بالآخرين, ولكن عدم وجود أحد تثق به سيشعرك بألم أكبر.
ويرى المتفائلون انها حقيقية ولكنها متعلقة بالشخص الآخر فهي لبعض الناس دون سواهم ومن هؤلاء جورج ماكدونالد : أحب جميع الناس ، لكن ثق بالقليل منهم .
ومن قائل كجوتة هي مرتبطة بثقة المرء بنفسه فان وثق بنفسه وثق بغيره .
هذا الاختلاف بالنسبة إلى وجودها من عدمها ، ولهذا الاختلاف اختلفوا في ذهابها ونواقضها وامكانية عودتها عندما تتعرض لهزة عنيفة أو كارثة كبيرة من الكذب أو الخيانة أو الغدر أو الخداع والغش .
فيرى البعض من الغلاة انها لا يمكن أن تعود أبدا فذهاب الثقة هو الموت الذي لا حياة بعده فمن قائل كنيشتة : أن الثقة كالمزهرية، حالما تنكسر لن تعود أبداً كما كانت حتى وإن أصلحتها . وقائل انها كالدمعة ان سقطت لا تعود ، وكالجنين لا يعيش مرتين في بطن أمه ، وقائل : انك ان منحته الثقة لشخص فمن الحمق ان تمنحه اياها مرة اخرى ، وقائل : سامح عدوك ولكن لا تثق به.وقائل الشك لا يذهب ووجوده ينافي الثقة والحب والشك بين الزوجين لا يجمعهما بيت واحد ، وقائل ان اهتزت لن تعود أبدا مهما حاول الآخر ان يفعل ، ويرى البعض ان الطلاق هو الحل الأمثل لكل حالات أزمة الثقة لعدم القدرة على المسامحة والنسيان وخير ان يهدم البيت من ان نعيش بلا ثقة .
ويرى آخر : أنها يمكن استعادتها في بعض الأمور الجزئية لا في الأمور المفصلية الخطيرة ، فيمكن ان تمر مرور الكرام ان كانت نوعا من الكذب الأبيض او الهفوات البسيطة ولكن لا يمكن ان تمر ان كانت خيانة أو غدرا .
ويقولون ان اهتزت وانشرخت يمكن ان تصطلح ولكن ان زالت جملة فمن الصعب اعادتها من جديد حتى تهدم جملة واحدة وعندها لن تكون كما كانت من قبل. بل يجب اعادة تصنيعها كالزجاج يصهر ثم يدار تركيبه وهو بلا شك ليس كما كان
ويرى البعض من المتفائلين : انها يمكن ان تعود وتبنى من جديد وتكون كما كانت بل وخيرا مما كانت ومصداقها مدى التزام الآخر بضوابطها وشروطها وأركانها ، ولكنها مع التكرار تفقد قيمة المصداقية فالأيام وحدها والافعال تثبت حقيقة الأمر ولكن ما في النفوس لا يذهب أبدا ، وقائل بل يذهب !
ولكم ان تتعجبوا ايها السادة من ما سبق وهو غيض من فيض ولعل ما ينبغي ان نخرج به ونعلمه بعد ما مرَّ أن الثقة حقيقة لا نكارة فيها وهي ركن عظيم من أركان السعادة والهناء للزوجين وانها نعيم الحياة الزوجية ولن يجد الزوجان سعادة بدونها مهما بلغ توافر مؤهلات الحياة ، وأركانها الصدق والوفاء والعدل والأمانة ، ونواقضها أضدادها ، وان المسلم يتصور منه ان يخطئ في ارتكابه للمعاصي لكن لا يقبل منه ان يخطئ في ارتكابه الكذب لان الكذب وصمة عار في جبينه تلازمه وان صدق فيما بعد فيكون موضع شك وريب عند الناس ، فيقول قائلهم من يكذب مرة يكذب ألف مرة ، والأصل في المسلم انه موثوق مؤتمن ما لم يصدر عنه ما ينبئ بخلاف ذلك ، ولذا حرص الاسلام على ان المسلم لا يكذب فقد سئل النبي ص عن المرء يخطئ ويتوب فقال بالإيجاب ، ولما سئل عن الكذب "قال لا يكذب " .
وحقيق بالزوجين أن يتعاهدا على حفظ الثقة التي هي صمام الأمان لانهم بذلك يكسبون سعادتهم ويريحون خواطرهم .
ونحن اذا نظرنا الى الثقة على انها حصيلة موقف وحادثة أو بناء من الأوهام أو أنها توجد جملة واحدة كان من المؤكد انها تزول بزوال هذا الموقف أو الوهم ، فيمكن زوالها جملة ، ولعل هذا مبالغ فيه ، ولكننا ان نظرنا اليها وهو الحقيق بنا أنها نوع من البناء التراكمي الذي يقوم على اركان من الأخلاق والدين بكل تفاصيله كان من العسير ان نحكم بزواله جملة واحدة بسبب موقف أو موقفين فإن الخطأ سمة بشرية وكل انسان معرض لها وان الزلل أمر لا بد منه ، ولو حكمنا على كل مخطئ بالهدم لخوت الأرض من معالمها ولم يبق زوجان مع بعضهما الا من رحم ، فالخطأ ممكن ولكن احتمال وجوده لا يعني انه مقياس يذهب البناء كله ، وخاصة في تعاملنا مع من يتسمون بالدين والخلق وأهل الأمانة والثقة ، فالخطأ يهز الثقة بكل تأكيد ولكنه لا ينبغي ان يزيلها وعلينا ان نتعامل مع الأخطاء بتسامح كبير وسعة صدر وافق ، لا يعني ذلك اننا يمكننا ان ننسى فالنسيان ليس بأيدينا والله تعالى كفيل بذلك ، ولكننا يمكننا ان نعفوا ونسامح وان نعيد الثقة لما كانت عليه ان صدق الطرف الآخر بأوبته ورجوعه بل لعل هذا الخطأ يجعل من المذنب أوثق مما كان وأصدق مما مضى . ومبالغتنا في النكارة على صدق العودة يشجع الآخر على زيادة الهدم فنكون عونا له على الخطأ مرة اخرى .وفرق بين الخطأ والاصرار على الخطأ ، ويمكن أن تعود الثقة تدريجا كما تهاوت تدريجا . ونحن متعبدون بحسن الظن مؤاخذون بسوئه ولكن لا يعني الإطلاق بالحسن والسوء دون قيد أو شرط .
وعلينا ان لا نبالغ بالثقة بالآخرين فنمنحهم اياها لنكون عميانا لا نرى أبدا فالثقة الزائدة كالشك الزائد تضر كضرره ، وان نفرق بين الغيرة المحمودة والشك المذموم اذ لا تعارض بين الغيرة والثقة ، فالغيرة مقياس التدين والأخلاق والحب والمودة وليست شكا ولا نقضا للثقة .لان الشك هو نقيض الثقة ، والغيرة حماية لها . والصدق مفتاحها والوضوح في التعامل مذهبة للشك والظن الذي بعضه اثم ولكن بعضه الآخر ضروري .
وقد بالغ البعض بالثقة لدرجة انهم تغاضوا عن العيوب ، وبالغوا بالشك لدرجة انه تغاضوا عن المزايا . والصواب عدم الافراط والتفريط .
وكون الثقة مرتبطة بالأخلاق والأخلاق أمر غيبي حق ، ولكن علينا ان نعلم ان الأخلاق حقائق تصادقها الأفعال او تكذبها ، وجميل ان نمهل المخطئ زمنا لنتأكد من صدقه فالأخلاق تتغير ويمكن ان تتبدل بل وتنقلب رأسا على عقب ، فلم هذا الكبر على المخطئ وهذا النفور منه وكأننا ملائكة مقربون .
وعدم عودة الثقة لمن ليس حقيقا بها حق بكل تأكيد لأنه أصلا لم يكن أهل ومحلا لها فكيف لنا ان نثق بمن لا يضبطه خلق أو دين .ولكن هذا لا يعمم على أهل الأخلاق والدين بكل تأكيد .
وقولهم من يكذب مرة يكذب ألف مرة ممكن لكنه ليس قاعدة منزلة ، ولا مقياسا ثابتا فانتم تقولون ممكن أي ليس شرطا مؤكدا وممكن ان لا يكذب ان صدق وحسن سلوكه .
وإنكار الثقة جملة انكار للفضيلة والأخلاق جملة وهذا لا يستغرب في مجتمع كمجتمع فرانك كرين و كاردينال دوريتز وجورج ماكدونالد ونيشتة لان الفضيلة عندهم حمالة أوجه يعرفون بعض صورها لقلتها في واقعهم حتى صارت بمنزلة العدم . ولكنها في مجتمع الاسلام الحق ليست كذلك .
ولعل المنكرين لها انما ينكرونها لعدمها في حياتهم أو لشبهه ، ومن يؤيدونها يؤيدونها لكثرتها فالتعميم هنا خطأ كبير ، لذا قال البعض هي نابعة من ثقة المرء بنفسه أولا .
ونحن لا نؤيد الثقة المطلقة الا في مجتمع المعصوم وهم الأنبياء فحسب وما عداهم خطاء لا شك ، ولكنا نؤيد الثقة المقيدة بضوابطها التي تستمر معها الحياة وتنموا وتزدهر وتعمر البيوت وتساس الدول وينموا العلم ويتعامل الناس .. فالإسلام يصدق صدق الصادقين والمتعاملين ولكنه يدعوهم الى كتابة عقودهم ومعاملاتهم والاشهاد عيها لكي لا يدعوا للنفس والهوى والشيطان مدخلا عليهم .
وعليه فلا تبالغوا في الثقة ولا في عدمها وانظروا لروعة البنيان لا للعيوب والنقصان ، واستعادة الثقة مرهون بالسلوك المستقبلي ، وامكانية عودتها حقيقة ونقضها ابد تعد وظلم وسد لباب التوبة والرجوع على الناس ،فولا تتعاملوا مع الخطأ كأنكم أرباب ، وانظروا له كأنكم عباد فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
موضوع جميل بالنسبة لي انا مستحيل ترجع ثقتي بزوجي مرة ثانية أبداً أبداً أبداً.
ما هي الأسباب اختي الكريمة ان كان زوجك لم يصدق في توبته فلك الحق أن تقوليها أما ان تاب وأصلح وغير منهجه وسلوكه فالأمر لا يحتاج المبالغة في عدم الثقة ...
السلام عليكم
موضوع رائع بارك الله فك
من وجهة نظري الذي يخطا مرة ممكن انك تجدد الثقة به رغم صعوبة الموقف الا انه مع الوقت ياتم الجرح
لكن اذا كررها فهذا مستحيل ويكاد يكون معدوما
السلام عليكم
موضوع رائع بارك الله فك
من وجهة نظري الذي يخطا مرة ممكن انك تجدد الثقة به رغم صعوبة الموقف الا انه مع الوقت ياتم الجرح
لكن اذا كررها فهذا مستحيل ويكاد يكون معدوما
لعل الخطأ كالطلاق الأولى والثانية أما الثالثة فلا رجعة