كلا منا عندما يقدم على الزواج تملؤه الأحلام بحياة سعيدة ، يكتنفها الأمان والاستقرار، ولكن هذا الكيان الذي يباشر ببنائه أكثر من طرف، غالباً ما يقع تحت وطأة التدخل الذي يفضي إلى مشاكل أو حتى مآس لاتحمد عقباها ، فالأسرة الشرقية محكومة بعوامل عدة تغيب عنها الاستقلالية لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وليس من الحكمة عزل الأسرة عن محيطها ، ولكن هذا لايمنع من أن تترسخ لدينا أساسيات في التعامل الصحيح مع تدخل الآخرين في الحياة الزوجية.
تقول السيدة س. م. (معلمة) عن تجربتها في تدخل الآخرين في حياتها مع زوجها والمشاكل التي سببها لهما:" اشتدت الخلافات وتراشقت الاتهامات مع أهل زوجي، فصار كل منا يتسقط هفوات الآخر، وانتقلت العدوى لنا أنا وزوجي، فزادت الشكوى والتذمر وصارت الخلافات زاداً يومياً بعد أن كان الحب والوئام قاسمنا المشترك، وأصبح كل منا ضيق الصدر تجاه شريكه، يثور لأتفه الأسباب حتى حدثت بيننا مشادة تشنجت معها الأعصاب والعبارات، تركت أثرها البيت وذهبت إلى أهلي الذين زادوا الموقف حدة ، وبما أن زوجي يسكن أقصى الجنوب وأهلي في مكان آخر تعذرت علي معرفة أخباره وطالت فترة التغاضب إلى ستة أشهر أرسل خلالها أكثر من وساطة للصلح ولكن الأهل رفضوا ، وطلبوا أن يحضر بنفسه للحساب، وحرضتني النساء المحيطات بي على أن لا أتنازل ولا أطأطئ رأسي وأبقى على كرامتي، ولن يكون ذلك إلا بأن يأتي صاغراً ويعتذر، علماً أننا نحن الاثنين قد أخطأنا بسبب الضغوط الكثيرة من حولنا ، وفي أحد الأيام جاءني صوت إحدى صديقاتي عبر الهاتف ، فأخبرتني أن أهل زوجي يسعون لتزويجه، وقد اختاروا الفتاة، وحتى أنهم أقنعوه، ووبختني إذ تركت البيت هذه الفترة كلها ، وذكرتني بمزايا زوجي وأن الكثيرات يتمنين زوجاً مثله. وقالت عن أية كرامة وكبرياء تتحدثين … ؟ ستخسرين بيتك ويضيع أطفالك من أجل كلام وأوهام ، ونظمت لي لقاء مع زوجي بعيداً عن أهلي وأهله، فنظر كل منا إلى الآخر بخجل وعتاب صامت.
متطلبات أخرى للزوج
وليس الأهل والأقرباء فقط من يتدخلون في الحياة الزوجية المعاصرة، إذ هنالك أنماط جديدة من التأثير الخارجي لازالت الإحساسات تجمعها ، ولم تدرك إلى الآن، أو تصنف وفق مسمياتها ، ومنها هذه المشكلة، المشهد الذي قيل على لسان زوج واع لكنه يتأثر بمشاهد تختزنها ذاكرته، وتتفجر في لحظة ما لتعبر عن وجودها بصفعة، أو بما يحدث خللاً أو إرباكاً أو جرحاً يقال أنه عميق.
يقول المهندس ع.ع.(38) عاماً يقول عن تجربته الخاصة: "مغريات كثيرة تحيط بنا ، لانستطيع أن نصرف النظرعنها، فهي تجذبنا وبشدة، ومشاهد يومية من الأناقة والذوق الرفيع، واللباس القليل الحشمة، وكل ما هو ملفت للانتباه ، وأمام ذلك تشتعل في داخل كل زوج الرغبة في أن تكون زوجته مثالاً للرقة والأنوثة، وزوجتي منشغلة في تربية الأولاد، وتدبير شؤون المنزل، متناسية وجودي، وهذا يزعجني كثيراً، وألمحت لها مراراً بضرورة الاهتمام أكثر بمظهرها ، لكنها لم تصغ إلي ولم تعط بالا لكل ما أقول ، فكبت غضبي في داخلي وسخطي إلى أن دخلت ذات يوم المنزل، وكانت منهمكة كعادتها بمتابعة ما بدأته، فجرت مشاحنات كلامية، وتطورت إلى الكلام الجارح بيننا ، ولم أتمالك نفسي رفعت يدي وصفعتها على وجهها، فتسمرت أمامي ثم تركت الغرفة ، وذهبت إلى الغرفة المقابلة، وبدأت تجهش ببكاء صامت، ومنذ ذلك اليوم أشعر أن شيئا انكسر في داخلها ، اعتذرت مراراً وشرحت موقفي، وقالت أنها سامحتني، لكن أعلم أنني جرحتها من الداخل.
انتهاك حرمة الحياة الزوجية
وبالتأكيد يقوم المجتمع الشرقي على حميمية العائلة الكبيرة التي تقدس الروابط الأسرية، مما يعطي مساحة أوسع للأقرباء بالتدخل بطريقة غير صحيحة، وإن كانت مبررة اجتماعياً وعاطفياً.
يقول الدكتور عزت شاهين في علم الاجتماع: إن تدخل الآخرين في الحياة الزوجية غالباً ما يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على الزوجين، ولاسيما تدخل كلا الطرفين من أهل الزوجين، بصورة تعطي حقا للوالدين في التدخل مثلاً بشؤون الأبناء الذكور والإناث، ويكون هذا التدخل بدءاً من اختيار الزوج أو الزوجة لأولادهم ، وحتى في حال كان الاختيار ذاتياً يطلب من الخاطب رضى الأبوين وموافقتهم ، وتجبرهم العادات المرعية على مباركة مراسم الزواج من قبل الأهل، وهذا مايؤكد تدخل الأهل الكبير بحياة أبنائهم الزوجية.
وفيما بعد تتدخل أم الزوج انطلاقاً من أنها المربية لابنها ولسنوات طويلة، وأمنت له حاجاته، وهو لا يزال يحتاج إلى الرعاية، فالزوجة لن تستطيع أن تتفهم حاجاته لصغر سنها وقلة خبرتها ، وفي الوقت نفسه تريد أن تعيد تشكيل الكنة بما يتلاءم مع رغباتها ، وتتم هذه التدخلات بأشكال عديدة منها لباسها وتصرفاتها واستقبالها للضيوف وطريقة اهتمامها بزوجها وأولادها ، وبمصروف المنزل وإدارته …
و التدخل يكون أيضاً من قبل أم الزوجة ظناً منها أن خبرة ابنتها قليلة في التعامل مع الرجال، وهي تريد أن يكون بيت ابنتها مملكة سعيدة، من باب الحرص على أن يكون لابنتها شخصيتها القوية داخل بيتها فلا يطمع بها زوجها.
وفي الحقيقة تدل الإحصائيات أن التدخلات هذه في البداية تكون بنوايا خيرة ، لكنها سرعان ما تنعكس سلباً عليهما ، وتؤدي إلى خلق الحساسية بين الأهل والزوجين، وبين الزوج وزوجته.
وهنالك أمر لابد من الإشارة إليه وهو عامل المقارنة الذي يلجأ إليه الزوج عند أي تقصير يذكر من قبل زوجته، وبالمقارنة تكون غالباً بوالدته التي تعتبر المثل الأعلى في الصورة التي يرتجيها لزوجته في معاملتها معه وحسن تدبيرها لشؤون المنزل، وهذا يولد الكثير من الحساسيات التي تؤدي إلى تفكيك الأسرة. ونتيجة الازدواجية التي تحكم العلاقات داخل المجتمع، يعاني كلا الزوجين من إحباطات شتى، فكل واحد يريد أن يظهر للآخرين على أنه يعيش حياة زوجية مثلى إضافة إلى الإصرار الدائم على المقارنة مع الآخرين المعتقد بأنهم أفضل سواء من الناحية المادية أو غيرها، فمثلاً الزوجة تطالب أن يتصرف زوجها بالطريقة التي يتصرف بها زوج صديقتها ، من تكفله بأعباء تربية الأولاد مع زوجته ، أو لسبب آخر أنها تغار وتريد تقليدها وتفشل في ذلك لأن زوجها لا يؤمن لها المال، وهذا ينطبق على أسلوب الزوج بمقارنة زوجته بأخريات، كل ذلك يخلق وضعاً متوتراً نتيجة المقارنة غير المنصفة، التي تحكمها الغيرة أو عدم وجود الفهم لمشكلات الحياة الأساسية.
متى يكون تدخل الأهل إيجابياً ؟
طبعاً نحن نتحدث عن التدخل السلبي، هذا لا يعني أن الشاب أو الفتاة بالزواج يجب أن يلغيا أي دور للأهل في حياتهما ، ففي المجتمع الشرقي يبقى للأهل دور كبير في حياتنا ، وتدخلهم يأخذ جانبا إيجابيا في حال وقوع الزوجين في ضائقة مالية، حيث يكونون السند الأساسي لهم ، كما أن مسألة رعاية الأطفال خاصة إذا كانت الزوجة عاملة، تكون حاجتها ملحة للاعتماد على الجد والجدة ، كملاذ أمين لأطفالهم ، وفي التخفيف أيضاً من حدة التوتر الذي يحدث كما هو طبيعي بين أي زوجين.
مراعاة أحكام الإسلام هي الحل
جعل الدين الإسلامي العلاقة بين الزوجين متينة ومحكمة بضوابط وقواعد إذا ما وجدت وتم الاختيار بين الزوجين على أساسها، سيكون حتماً الزواج ناجحاً ومحققاً للأغراض المقصودة منه .
و مراعاة أحكام الإسلام يضيق كل أشكال الخلاف والتنازع في الأسرة لأبعد الحدود ، فإذا كان الاختيار صحيحاً فهذا أدعى لاستمرار الحياة الزوجية، ويقلل فرص الخلاف والشقاق بين الزوجين، لتكون حياة سعيدة ورغيدة.
وأن وجد خلاف بينهما لابد من التدخل للتوفيق وإصلاح الزوجين لاسيما إذا لم يستطيعا أن يحلا المشاكل العالقة بينهما، لكن إذا استطاعا أن يحلا المشاكل فهذا يكون أفضل وأبقى، وأصفى للقلوب بينهما، ومن الحكمة عدم إثارة النزاع وتصعيده فيما بينهما بعرضه على الآخرين، وأن يحرصا على إبقائه بينهما، ويبرر لهما أن يحدثا الآخرين، من أخ أو أب أو أم عندما يعجزان عن الإصلاح، وحل الخلاف في تلك الحالة أن يشاورا، فالمشورة فيها خير، وهنا أنبه إلى قضية هامة إذ لابد من مشورة من هو كفء لهذه المشاورة حتى تثمر، وإلا لن يكون من ورائها جدوى، فإذا قامت الفتاة بمشورة أمها وهي مدركة بأنها ليست ذات رأي سديد ما الذي سيفيدها ذلك، كذلك الزوج عليه أن يشاور من ينصحه ويستفيد من رأيه في إصلاح الخلل.
وفي حال وجد خلاف بين الزوجين فإن الإسلام وضع قواعد للقضاء عليها، ومنها إعطاء القوامة للرجال، ولا يقصد منها كما يفهم البعض إعطاء حق الاستبداد بالزوجة، بل القوامة معناها الإدارة والمشاورة مع الزوجة في اتخاذ القرار والسير بهذه الأسرة نحو الحياة المثلى، وهذا في الحقيقة من اختصاص الرجل الذي هو أشد صلابة من المرأة التي توصف بالرقة وبالانفعال، لذلك تكون في الغالب قراراته هي الأصوب، والوظائف المطلوبة من الإنسان تتناسب مع الفطرة التي فطر عليها سواء أكان رجلاً أو امرأة
والشيء الآخر المعاشرة بالمعروف، إذ أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف، بقوله: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا". ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله "، وبالتالي يجب أن نحافظ على حياة الأسرة ونحميها من أي تدخلات أو عوائق تؤدي إلى الإخلال بتوازنها.
ولابد من الإشارة إلى أن هنالك تأثيرات واضحة على حياة الزوجين ناجمة عن وسائل الإعلام ، وبسبب رؤية كلا الزوجين لبعض المشاهد التي حرمها الله في الأفلام والمسلسلات المثيرة ، وقد لا يوجد عند الزوج أو الزوجة الوعي الكامل، فيتأثر بذلك مما ينعكس بصورة أو بأخرى على حياته وعلاقاته مع زوجته.
كلام جميل يالغالية وهذا يدل على الخلافات الموجودة في تدخل الأخرين في الحياة الزوجية
وجاءت مراعاة أحكام الإسلام هو الحل المناسب لتك المشاكل
مشكور على الموضوع الجميل بارك الله فيكي
تحياتي الخالصة لكي