دعوة لمدارسة أسماء الله وصفاته
معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته عليها مدار الإيمان، فهي ركن من أركان التوحيد وذروة سنــــام
العبوديــــة ..
والإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي: معرفة الله سبحانه وتعالى بصفاته الواردة
في القرآن والسُّنَّة الصحيحة، وإثبــــات لله ما أثبته لنفسه من غير تمثيــل، ولا تكييف ولا تعطيل، ولا تحريف.
والعلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته هو
أشرف العلوم وأوجبها ..
يقول
الإمام ابن القيم "
إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم، فإن المعلومات سواه إما أن
تكون خلقًا له تعالى أو أمرًا .. إما علم بما كونه أو علم بما شرعه ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه
الحسنى وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى"
[بدائع الفوائد (273:2)]
فمن يُمعِن النظر في أسرار هذا العلم يقف على ريــــاض من العلم
بديعة، وحقائق من الحِكَم جسيمة .. ويحصل له من الآثــار الحميدة ما لا يُحــاط بالوصف ولا يُدرك إلا لمن
يُرزق فهمها ومعرفتها .. ومنها أنه:
إذا علم العبد ربَّه وامتلأ قلبه بمعرفته، أثمرت له ثمرات جليلة في
سلوكه وسيره إلى الله عزَّ وجلَّ ..
وتأدب معه ولزم أمره واتبع شرعه، وتعلَّق قلبه به وفاضت محبته على جوارحه، فلهج
لسانه بذكره، ويده بالعطاء له، وسارع في مرضاته غاية جهده، ولا يكاد يمل القرب منه سبحانه وتعالى ..
فصار قلبه كله لله ولم يبق في قلبه سواه .. كما قيل:
قَدْ صِيْغَ قَلْبِيْ عَلَىَ مِقْدَارِ حُبِّهِمْ .... فَمَا لِحُبِّ سِوَاهُمْ فِيْهِ
مُتَّسَعْ
ومنزلة العبد عند الله سبحانه وتعالى
على قدر معرفته به ..
لذلك
اختصت آية الكرسي بكونها أعظم آية في القرآن؛ لأنها أشتملت على أعظم أسماء الرحمن .. وعدلت سورة
الإخلاص ثلث القرآن؛ لاشتمالها على اسمه الأحد الصمد الذي يُقصد لذاته وليس له نظير ولا مثيل
سبحانه وتعالى. ومن أحبَّها أحبَّه
الله ..
كما في قصة الرجل الذي
بعثه النبي على سرية وكان يقرأ لأصحابه في
صلاتهم فيختم بــ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
[الإخلاص:
1] .. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم، فقال "سلوه لأي شيء يصنع
ذلك؟". فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ
بها. فقال النبي عليه الصلاة والسلام
"أخبروه أن الله يحبه"
[متفق عليه]
كما أن من عمل بها وحقق ما تقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات، كان
من المقربين الذين أحبهم الله وتولاهم.
ولذلك كله كان إحصاء أسماء الله تعالى
من أعظم موجبات الجنــــة ..
كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام
"إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل
الجنة"
[متفق عليه]
وإحصـــاء الأسماء والصفات يكون من
خلال: 1) حفظها ..
بأن يستودعها قلبه ..
2) معرفة معانيها ..
فيتعلم معانيها وكيفية عبادة الله عزَّ وجلَّ بمقتضاها ..
3) العمل بمقتضاها ..
فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره،
وإذا علم أنّه الرحيم، فإنه يفعل من الطاعات ما يجلب له هذه الرحمة، وهكذا ..
فيتعلَّق القلب بمعاني الجلال بأن يذل وينكسر، ومعاني الجمال بأن يُحب ويُقبل على
الله سبحانه وتعالى. 4) دعاؤه بها ..
كما أمرنا الله جلَّ وعلا
{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ..}
[الأعراف: 180]
.. والدعــاء على مرتبتين
إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة ..
فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وكذلك لا يسأل إلا
بها. يقول ابن القيم "ولما كان سبحانه يحب
أَسمائه وصفاته، كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأَبغضهم إِليه من اتصف بالصفات
التى يكرهها، فإِنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأَن اتصافه بها ظلم، إِذ لا تليق به هذه
الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه
ومرتبته، وتعديه طوره وحدَّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإِحسان والصبر
والشكر فإِنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته"
[طريق الهجرتين (19:23)]
فعلى العبد أن يتخلَّق بصفات الجمـــال ..
الله سبحانه
وتعالى رحيـــم: ارحم تُرحم .. الله عفو: اعفُ يُعف عنك .. الله حليـــم: أحلم يُحلَم عليـــك ..
أما صفات الجلال، فيُنزه
نفسه عن مشاكلة الله عزَّ وجلَّ بها ..
الله عزَّ وجلَّ عزيـــز: أنت ذليــــل .. الله مُتكبِّر:
أنت متواضع .. وهكذا.
5) التحقق ..
بأن ينظر في الآفــاق ويتفكَّر في آلاء الله سبحانه وتعالى؛ كما أمرنا النبي
صلى الله عليه وسلم، فقال
"تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله"
[حسنه الألباني، صحيح الجامع (2975)]
.. أي: تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في
ذات الله سبحانه وتعالى .. والقاعدة في كل ذلك قول الله تبارك وتعالى:
{..
لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
[الشورى: 11]
تعالوا نتعلَّم أسماء الله تعالى
وصفاته؛ فنخرج من الشقاء إلى الراحة ومن
الغفلة إلى التذكرة ..
فلا سعادة للقلب ولا سرور له إلا بمعرفة مولاه ومربيه وإلهه
..
لنجعل قلوبنا تهتف: {.. قُلْ
هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}
[الإسراء: 30]
ولنستغرق الأوقات في الثنـــــاء
عليه سبحــــــانه بأسمائه وصفاته ..
ونتحقق بمعاني
التوحيد، فتذل قلوبنا له ونتحبب له سبحــــانه وتعالى ..
__________________
و ما إنعكاس روحي في طيفك
إلا ظلاً يفر من صاحبه
التعديل الأخير تم بواسطة فدى أمي ; 13-12-2012 الساعة 03:25 PM