الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
لنتدبر السجود.
التدبر في السجود
السجود هو ركن عملي من أركان الصلاة وفيه واجب من واجبتها وهو قول سبحان ربي الأعلى وصفته وضع الأنف والجبهة والركبتين والكفية وأطراف القدمين على الأرض ومن السنة حني الظهر فيه.
السجود عملية آلية تتكرر خلال اليوم والليلة وهو أمر من الحكيم الخبير للظلوم الجهول نستنتج من هذا أنه يحقق أموراً عظيمة لمصلحة الفاعل المحتاج للغني المستغني.
حديث أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد يقربنا للحكمة من السجود فكلمة عبد تعني العبودية من مملوك لمالك وعابد لمعبود فتتحقق العبودية ولكنها أمر يشمئز منه الإنسان ويعشق ضده وهي الحرية ولنعلم الفرق فيالعبودية من إنسان لإنسان أو جماد أو نبات هذه ممقوته للتساوي في عنصر الخلق فالجميع مخلوق ولا يملك أحد على أحد حق العبودية ولكن عبودية العابد للمعبود عز وتكرم وقرب المخلوق للخالق.
وكلمة رب في الحديث دقيقة للغاية في المعنى وهي تعني الربوبية أي المالك للنعم المنعم بها على كل خلقه برهم وفاجرهم ولم يقل لإلهه وهي تحقق أمر العبودية لله بل وضع كلمة لربه وهذا يعني أن عموم كلمة عبد تشمل جميع الإنس والجن فلم يقل المسلم إذا لنوضح ذلك فكأن البشرية مأمورة في خوض سباق للقرب من خالقها ويعلمنا الله كيف نكون الأقرب له عز وجل وهو في هذه الوضعية الحركية والقولية في الصلاة.
السجود هو فطرة في أصل كل المخلوقات عدى الإنسان والجان فهو أمر شرعي بحقهما من حققه استحق الثواب.
نصل هنا إلى أن أعز المخلوقات من الإنس والجان هم الأقرب لله وهو بهذه الوضعية حيث يسجد القلب قبل البدن.
لو بدأنا بترتيب وضعيات حركة البدن لتقدير الإنسان للمقابل من إمالة الرأس إلى الخنوع والخضوع والركوع إلى السجود في كسر لنقص النفس من الوقوف بهامة عالية إلى الإنحدار بالهامة والأنف رمز الشموخ والعزة إلى التراب.
هنا نصل إلى مقارنة طريفة وهي بالسجود على التراب عودة الإنسان لأصل خلقة أبيه الأول عليه الصلاة والسلام كلكم لآدم وآدم من تراب.
فهذه النفس التي في هذا التراب تنكسر لخالقها لتعود لتلامس أصلها اعترافاً بعظمة الخالق المالك المتصرف فتقترب منه بالاعتراف بحقه عليها ونعمه التي تجمعها كلمة رب.
ولنعلم الكبر الجاهلي في أنفسهم وقت البعثة قال أحدهم والله لا أسجد فتعلوني أستي ويقصد مؤخرته من عمق الأنفة بأنفه.
وحينما تمارس الشعوب الضالة عن الحق في الإسلام جميع أنواع الإنكسارات لأنفسها وأبدانها لمخلوقاتٍ مثلها لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضرًّ يسجد المسلم العبد المملوك لربه المعبود المالك ليتحقق التوازن العجيب بين فطرته التي فطره عليها عز وجل واتحاده بأصل خلقته إمتناناً بنعمة ربه فيكون أقرب خلقه له.
لذلك كلما كنت للملك أقرب فيستجيب لك ويسمع همسك وحاجتك وحدك ليس معكما أحد ولا ترجمان فالسجود لذلك مظنة الإجابة
احتسبوا هذه المعاني في السجود ولا تخسروها بالوساوس والهواجيس وأمور الدنيا فأنتم لله في الآخرة أحوج.