منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - الفقه الميسر ثم فتاوى العثيمين
عرض مشاركة واحدة
قديم 28-04-2018, 10:15 AM
  #200
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: الفقه الميسر ثم فتاوى العث

فضيلة الشيخ، هل هناك أخطاء أيضا في عرفة يفعلها الحجاج غير ما ذكرتم؟
الجواب: نعم هناك أخطاء أخرى في الوقوف بعرفة غير ما ذكرنا.
منها: أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة؛ ولهذا يذهبون إليه، ويصعدون، ويتبركون بأحجاره وترابه، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق، وغير ذلك مما هو معروف، وهذا من البدع؛ فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل فيه شيء من رائحة الوثنية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم، فقالوا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((الله أكبر، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف: 138) (قال الترمذي حسن صحيح) ، وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة، والسهول التي فيها، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له، وإلا فليس بواجب، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق.
ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضا: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد؛ ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا، ويضيّق بعضهم على بعض، ويؤذي بعضهم بعضا، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الوقوف: ((وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف)) (اسناده جيد على شرط مسلم) ، وكذلك أيضا قال ((جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً)) (صححه الألباني) ، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة، فإن ذلك خير له وأولى.
ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة: أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس، فيدفع منها إلى مزدلفة، وهذا خطأ عظيم، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا؛ كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (مسلم) ، وعلى هذا: فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس.
ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة: إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس وقد تكون غير برئيه لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محذورين:
أحدهما: أكل لحوم الناس وغيبتهم، وهذا خلل حتى في الإحرام؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج) (البقرة: 197) .
والثاني: إضاعة الوقت.
أما إذا كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم، ففيه إضاعة الوقت، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر: فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة، في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه، مخبتا منيبا، طامعا في فضله، راجيا لرحمته، ويلح في الدعاء ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا خير الأدعية؛ فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة.
فضيلة الشيخ، بعد أن عرفنا أهم الأخطاء التي تقع من الحجاج في عرفة نود أن نعرف أيضا إذا كان هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في الطريق إلى المزدلفة وفي المزدلفة نفسها؟
الجواب: تقع أخطاء في الانصراف إلى المزدلفة، منها ما يكون في ابتداء الانصراف، وهو ما أشرنا إليه سابقا من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس، ومنها أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات بعضهم لبعض، والإسراع الشديد حتى يؤدي ذلك أحيانا إلى تصادم السيارات، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب موضع رحله، وهو يقول بيده الكريمة: ((أيها الناس، السكينة السكينة)) ، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى حبلا من الحبال (الحبل هو التل اللطيف من الرمل) أرخى لناقته الزمام حتى تصعد (مسلم) ، فكان عليه الصلاة والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني، فالتأني أفضل.
ومن الأخطاء في مزدلفة والدفع إليها: أن بعض الناس ينزل قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمر خطير جدا، لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة في قول بعضهم، ولكن الصواب: أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى، المهم: أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصل إلى مزدلفة.
ومن الأخطاء أيضا: أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة، قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد وكان رديفه: الصلاة يا رسول الله قال: ((الصلاة أمامك)) (البخاري) ، وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء؛ فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس