
الـــطـــفــل ....الـــفــضــــيـــحــــة ....!!
[size=4]أسعد .. والضيوف!
جاء خال أسعد إلى بيت أخته أم أسعد للزيارة، فلما دخل الخال البيت كان بيده علبة من الحلويات فوضعها على المائدة وسلم على أخته بترحاب لأنه لم يرها منذ أسابيع.
وفي هذه اللحظة!
تسلل أسعد ليخطف علبة الحلويات ويدخل بها إلى المطبخ ويفتحها وينهمك في أكل الحلويات.
فإذا بصوت أمه تنادي: أسعد ...
فيرد أسعد: نعم أمي.
فتصرخ الأم: ألا تسلم على خالك.
فيأتي أسعد يجر قدميه أمامه ويمد يده في لا مبالاة لخاله الذي احتضنه وضمه إلى صدره وأسعد لا يبدي أي تفاعل أو ترحاب.
ثم يجلس أسعد في المجلس.
ويبدأ الحديث الشيق بين الخال والأم عن أحوالهم وأسعد يستمع في لامبالاة ثم لم يلبث أن مد رجليه أمام خاله بصورة غير لائقة.
فنظرت إليه أمه نظرة مخيفة وقد اتسعت حدقة عينها تريده أن ينزل رجليه من أمام خاله ولكنه لم يبالي.
فذهبت الأم لتهرب من هذا الموقف ودخلت المطبخ لتعد المشروب للخال...فأسرع أسعد يجري خلفها .. ويدخل وراءها المطبخ، ويطلب منها أن تناوله شيئًا
من العصير فترمقه بنظرات غاضبة، وتقول له اذهب من وجهي الآن، ستأخذ كوبك مع خالك.
فيقول لها أسعد: أمي أريد الكوب الكبير.
فتصرخ فيه محاولة إخفاء صوتها حتى لا يسمع الخال وتوبخه على مد رجليه أمام خاله، وتقوله له: اذهب اجلس مع خالك الآن فيذهب أسعد ليجلس مع خاله،
والخال يحاول أن يستنطقه ليعرف أحواله، وأسعد يجيب بطلوع الروح وتدخل الأم ومعها المشروب فما إن وضعته على المائدة حتى أسرع أسعد ليأخذ كوبًا دون
أن يهتم بتقديم المشروب لخاله والأم لازالت ترمق بنظراتها الغاضبة.
ولما جاء وقت الطعام .. ووضع الطعام على المائدة .. بادر أسعد ليكون أول من يجلس عليها .. وبدأ في الأكل وحشو فمه بصنوف الطعام دون أن يراعي أن
يبدأ الكبار بتناول الطعام، أو حتى يبدأ الكبار بالجلوس على المائدة فصرخت فيه أمه: أسعد!
فيرد أسعد في لا مبالاة: نعم أمي.
فتقول الأم في دهشة من هذه اللامبالاة .. انتظر حتى يجلس خالك.
فيجلس الخال والأم والابن يتناولون الطعام وأسعد يصدر سنفونيات عجيبة من فمه أثناء الأكل وأحيانًا يأكل باليمن وتارة بأكل بالشمال ناهيك عن أنه لم يبدأ ببسم الله.
ولما مسح أسعد ما أمامه من طعام أخذ يمد يده على صحن غيره ويقول لأمه في صوت عال أمي أريد لحمة!! مما جعل خاله يعطيه من صحنه في سخاء.
فتصرخ الأم وتقول: لا .. لا ... لا تعطه بالله عليك .. هذه قطعتك أنت.
ولكن الخال يلح وأسعد يقبل الإلحاح في برود، ويتناول اللحمة ثم يصدر من فمه صوتًا عجيبًا ويقوم من مجلسه دون أن يحمد الله ويعود إلى المطبخ ليكمل طبق
الحلويات التي أحضرها خاله.
والأم صارت في نصف ثيابها ـ كما يقولون ـ ولما حان موعد الانصراف.
كان أسعد منهمكًا في المطبخ مع الحلويات فنادته أمه: أسعد: ألا تسلم على خالك.
فيقبل أسعد على خاله ويده ملطخة بالحلويات، فسلم عليه خاله في معاناة، وبعد أن انتهت الزيارة وأغلق الباب .. طارت أم أسعد وأحضرت العصا وانهالت
على أسعد ضربًا مبرحًا وهي توبخه على ما كان من فعال أثناء وجود خاله، وتتوعده عندما يعود أبوه من السفر أنها ستخبره بما فعل.
مما جعل أسعد يصرخ ويبكي وهو لا يدري ما الذنب الذي أذنبه، ويذهب إلى فراشه لينام وفي قلبه شعور أنه مظلوم وأن أمه لا تحبه في الوقت الذي كانت الأم
مشدودة الأعصاب وهي لا تدري ماذا تفعل مع أسعد الذي يفضحها في كل مكان ولا يراعي آداب الذوق والاحترام.
تحليل .. ودراسة:
إن المتأمل لقصة أسعد والضيوف سيجد أننا بصدد مشكلة يعاني منها الكثير من الآباء، وقد لا تكون بهذه الدرجة والخطورة التي وصل إليها أسعد، ولكنه على الأقل لكل بيت منها نصيب ولو قليل.
هذه المشكلة هي كيف نعلم أبناءنا آداب الذوق والاحترام؟
أو كيف نعلم أبناءنا فن التعامل مع الآخرين؟
أو بمعنى أوضح إلى لغة العصر كيف نعلم أبناءنا الإتيكيت؟
الأبناء أثناء جلوسهم في البيت دون وجود ضيوف فإنهم يكونون على راحتهم، ويكونون في حالة رفع الكلفة .. فيلبسون ما يشاءون، ويجلسون بالطريقة التي
يريدون، ويأكلون كيفما يشاءون، ويلعبون كما يشاءون.
فإذا ما جاء الضيوف أراد الآباء أن يفرضوا عليهم قيود الإتيكيت.
يظن بعض الآباء أن تعليم أبنائنا هذا الفن يكون بالضرب أو الإهانة.
والواقع أن هذه الأساليب لا تزيد الطفل إلا عنادًا .. لأنه لا يدرك حجم الخطأ الذي وقع فيه.
فالنموذج الماثل أمامنا 'أسعد'
من الواضح أن أمه لم تعلمه شيئًا منذ الصغر، وأبوه في سفر دائم، فالأم منشغلة في أمور البيت والأب منشغل في العمل .. فكان أسعد هو الضحية لم يجد أسعد من يعلمه شيئًا لم يجد مثلاً من يعلمه آداب الطعام، ولم يجد من يعلمه آداب السلام وآداب الاستئذان، بل من الواضح أن أسعد أيضًا في حالة حرمان.
أو بمعنى أقرب للصواب لا يأخذ ما يريد إلا بشق الأنفس، وبعد المن والأذى، فكانت النتيجة أن أصبح أسعد ذليل النفس يهوى إلى الدونية وليست عنده عزة بسبب ما تعود عليه من الذل والانكسار حتى يحصل على ما يريد.
فكانت النتيجة أنه أول ما أتيحت له الفرصة ووجد ما يريده أمامه عيانًا بيانًا دون أدنى جهد أو إلحاح سارع واختطفه والتهمه كما يلتهم الأسد فريسته.
فالشعور بالحرمان عند الأطفال يقتل فيهم عزة النفس وإن شئت قل الثقة بالنفس. فتكون النتيجة أن كونت كل هذه العوامل الطفل الفضيحة 'أسعد أينما ذهب به أبواه نكس رأسهما في تراب الحرج والكلفة'.
كيف نعلم أبناءنا فمن الإتيكيت؟؟
في الواقع يمكن تدريب وتعويد الطفل على كل أنماط السلوك الإسلامي وكل الآداب والأخلاقيات الإسلامية: آداب الطعام والشراب، آداب المشي، آداب
الجلوس، آداب النوم، آداب اليقظة، آداب التحية، آداب الأسرة، آداب الحديث .. إلخ.
والأبوان المسلمان يعودان طفلهما هذه العادة بالوسائل الإيجابية:
القدوة، التلقين، المتابعة، التوجيه.
ولا بد من تكرار متابعتنا للطفل فهو يحتاج إلى التنبيه والتكرار عليه مرات عديدة لكي يفهم ويدرك فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
يدرك مبدأ التكرار مع الأطفال فقال في معرض توجيهه لسلوك الآباء نحو أبنائهم: 'عودوهم الخير فإن الخير عادة'.
إذن ففي جميع الآداب والأخلاق يكون السياج المنيع لها عند الطفل هو العادة .. يتعلم الطفل هذه العادة تكرارًا ومراراً في كل موقف وفي كل لحظة، في كل مجلس ومكان.
فلا بد أن يتعلق الطفل أولاً بربه، وأن يعلم أن ما يفعله من آداب وأخلاق إنما هو لإرضاء الله وليس فقط لإرضاء الناس.
ولا بد أيضًا أن يجد الطفل القدوة التي تبرز له هذا الجانب الأخلاقي، فعندما يجلس الطفل على مائدة الطعام سيفعل كما يفعل والده ووالدته، فهو لا يأتي بسلوك
من الخارج, فإن وجد والده كلما بدأ الطعام قال بصوت عال: بسم الله، لن ينفك الطفل عن تقليده أبدًا، وإن وجد والده كلما أراد الدخول على أحد طرق الباب
واستأذن فلن ينفك الطفل عن هذا السلوك أيضًا، فالقدوة لها أكبر دور في غرس السلوك الصحيح عند الطفل.
أيضًا لا بد أن يكون لأبنائنا حظ من أوقاتنا لابد أن نكون معهم في كل موقف غريب عليهم يتعاملون فيه لأول مرة حتى نرشدهم إلى التصرف السليم فيه ولا بد
أيضًا أن نشتري لأطفالنا مجموعة من القصص التي تتكلم عن آداب المسلم، وتكون بسيطة، وسهلة الأسلوب، ويحكيها الآباء لأبنائهم.
ومن الوسائل أيضًا أن يحفظ أبناءنا السور التي تتكلم عن الآداب مثل سور النور والحجرات وغيرهما.
إنه من الخطأ أن نحاسب أبناءنا على ما لم نعلمهم إياه.
عندها يقع الطفل في شعور الحيرة والذهول والشعور بالظلم، كيف لا وهو لا يدرك حجم الخطأ الذي وقع فيه لأنه أحدًا لم يرشده إليه.
ولكن الصواب أن نغرس في أبنائنا فن الذوق والاحترام والسلوك القويم منذ الصغر فيمارسون بعد ذلك هذا السلوك بتلقائية وبدون مجاهدة لأنفسهم وبدون أن
يكون عليهم ضغط نفسي أو شعور أن الكل ينظر إليهم، أو أن الكل يريد أن يتصيد أخطاءهم، ويظهرهم دائمًا في صورة المقصرين.
حفظكم الله تعالى ورعاكم وأعانكم على رعاية الأمانة وأدائها كما أمر ربها وجعل أبناءنا قرة أعيننا
اللهم آمين
[/size]