أما في اليابان فقد كان العلاج بالإبر منتشراً بشكل واسع في حدود 1605م ولكنه منع لأجل نشر الطب المتداول ( الغربي ) في نهاية القرن التاسع عشر. إلا أنه الآن يسير بشكل متوازن مع الطب المتداول.
الطريقة العلاجية :
التشخيص بالنبض : أعطيناك فكرة موجزة عن الين و اليانغ في فصل المعالجة ص بالأعشاب. ولن أعيد ما ذكرت، إلا أن ملخصها هو وجود مسارين للطاقة في جسم الإنسان أحدهما هو الين والآخر هو اليانغ وذلك في مفهوم عام عن الطاقة يسمى تشاي ( CH‘i ) أو قوة الحياة أو القوة الحيوية ( أنظر الهوميوباثي ). ويوجد هذان المفهومان في كل لشيء في الكون، كالحار والبارد، والليل والنهار، والموت والحياة، والتمدد والتقلص . . . الخ، والين و اليانغ متكاملان على الرغم من كونهما متعارضين، ولأجل بقاء الإنسان في حالة صحية جيدة يجب بقاء الين و اليانغ في حالة توازن.
وقد وجد الصينيون إن هذه القوة الحيوية ( الين و اليانغ ) تدور في الجسم في مسارات تشابه الدم و اللمف والأعصاب، وسموها خطوط المريديان ( MERIDIANS ) والتي معناها الحرفي خطوط الزوال أو خطوط الطول والعرض. ويمكن رصد هذه المسارات الآن بالطرق الإلكترونية ووسائل أخرى، وإن غيابها يعني الموت.
وهناك 26 دائرة رئيسة من خطوط المريديان، وكل واحدة مقترنة بوظيفة أو عضو من وظائف وأعضاء الجسم. ويمكن تقييم وضع هذه المسارات بواسطة النبضين الذين يتم الإحساس بهما في منطقة الرسغ، أي قريبا من نبض القلب الذي يفحصه الطبيب الاعتيادي ولكنه شيء مختلف كلياً عنه كما سمعت. ويمكن تقييم وضع الجسم الصحي بهذه الطريقة حتى قبل أن تبدأ الأعراض بالظهور وبهذا فالطبيب الصيني يستطيع أن يعرف بأن صحة المريض تتدهور و بذا ينصح المريض قبل أن تظهر المشكلة وتتعقد. ولهذا السبب، كما يبدو، كان الطبيب الصيني يتقاض أجراً عندما يكون الإنسان متمتعاً بصحة جيدة، فإذا ما مرض يتوقف عن الدفع إلى أن يستطيع الطبيب أن يعافيه من المرض ! !. ويبق الجسم الين و اليانغ في توازنهما المطلوب بطرد الطاقة الفائضة خلال سطح الجسم عند نقاط معينة على خطوط المريديان وتحويلها إلى المناطق التي تفتقد إليها. وهناك 800 نقطة من هذه، إلا أن نقاطاً جديدة يتم اكتشافها باستمرار.
وبالطبع عندما يفحص الطبيب الصيني ( ونعني هنا كل طبيب يسير حسب الطريقة الصينية في العلاج بغض النظر عن جنسيته الحقيقة ) نبض المريض يكون قد أخذ قبلها تاريخه المرضي وكل التفاصيل الأخرى. هذا وقد يكون قد طلب عينة من البول أو غيرها، كما يقوم بعدها بفحص المنطقة التي يشكو منها المريض وأي منطقة يرى أهمية لفحصها يدوياً أو بطرق أخرى.
العلاج بالإبر :
لا يستعمل الطبيب عادة أكثر من ست نقاط للإبر، وإن معظم نقاط العلاج تكون في أماكن لا تؤذي في جسم الإنسان. والإبرة التي تستعمل عادة هي بطول 5سم، نصفها هو الجزء الذي يدخل بعضه في الجسم أما النصف الآخر فلكي يمسك بها الطبيب، ويصنع الجزء الداخل في الجسم من حديد مرن ويكون الرأس مدبباً تماماً. أما المقبض الذي يمسكه الطبيب فغالباً ما يكون مصنعاً من سلك فضي ملفوف لكي يمكن الطبيب من تحريك الإبرة بسهولة.
وفي بعض الحالات توضع كرة صغيرة من أعشاب معينة على رأس الإبرة بعد إدخالها، ثم تشعل لإرسال حرارتها إلى نقطة المعالجة لزيادة التحفيز. ويسمى هذا النوع من العلاج الكي بالميسم ( MOXIBUSTION ). وليس هناك ما يؤكد وجود خواص علاجية لهذا العشب وهو الشويلاء أو الأرتميسيا، إلا أن أطباء المعالجة بالإبر التقليديين يعتقدون بعدم إمكانية استعمال أي شيء آخر، في حين تعتبر النظرة الحديثة أن كل مصدر حراري هو مناسب لهذه العملية.
وفي بعض أنواع المعالجة، والتي تجد رواجاً الآن، يتم إدخال الإبرة إلى أعمق من الجلد وصولا إلى النسيج الذي يغطي العظم، وهي طريقة لا تؤلم إطلاقاً. وهي تستعمل في الحالات المزمنة، ولها فائدة إدخال عدد أقل من الإبر في آن واحد.
وتستعمل أنواع أخرى من الإبر، بعضها أطول والبعض الآخر أصغر. ويستعمل النوع الطويل لمعالجة الأنسجة العميقة وقد يستعمل بشكل مواز للجلد لتحفيز عدة نقاط تقع على خط واحد في نفس الوقت. وهناك الإبرة القصيرة ذات الرأس المثلث وهي تدخل بحركة معينة لإخراج نقطة من الدم لبعض أنواع إلى العلاج. وهناك الإبر الصغيرة جداً التي لا يزيد طولها عن 9 ملم والتي تدخل في طبقات الجلد السطحية وتثبت بشريط لاصق وتترك لأيام أو أسابيع لتحفيز طويل الأثر. وعادة تنظف المنطقة التي ستدخل فيها الإبرة بالكحول، ثم تدلك برفق بالأصابع لتقليل ألم إدخال الإبرة. ثم تدخل الإبرة بسرعة وتترك لمدة 15 إلى 20 دقيقة ثم ترفع. توضع عدة إبر في آن واحد على النقاط التي يرى الطبيب أنها المناسبة لتحفيز القوة الحيوية. وهناك طريقة أخرى وهي إدخال إبرة واحدة فقط ثم إخراجها وإدخالها في نقطة أخرى ثم إخراجها وإدخالها في نقطة ثالثة وهكذا. كما تحرك الإبرة بعد إدخالها بطرق معينة. منها إدارتها في مكانها بحركة دائرية، ومنها تحريك ظفر الإصبع على الجزء من الإبرة الذي يبقى خارج الجسم وهذا يؤدي إلى اهتزاز بسبب كون هذا الجزء سلكا ملفوفا.
التحفيز الكهربائي :
غالباً ما يستعمل التيار الكهربائي لتخفيف الألم المزمن حيث يوصل سلك الدائرة الكهربائية بطرف الإبرة لينقل التيار الكهربائي إلى نقطة العلاج، وهذا هو التحفيز العصبي الكهربائي تحت الجلد. وقد يسبق ذلك إمرار جهاز خاص على الجسم يستطيع معرفة النقاط التي يجب أن تعالج وهي التي تعطي مقاومة كهربائية أقل من غيرها. ويمكن بعدها أن يعطى المريض جهازاً مماثلاً يعطي تياراً كهربائياً مناسباً يمكن إمراره من خلال قطع مطاطية أو ورقية خاصة وذلك لتحقيق نفس الغرض. وهناك استعمالات أخرى للكهرباء مع الإبر الصينية لا مجال للتوسع في ذكرها.
التخدير بالإبر :
يستعمل التخدير العادي في الغرب وفي بلادنا التي تأخذ بالطب الغربي لفعالية وأمان وتوفر هذا التخدير. إلا أن الحال يختلف في بلدان أخرى خصوصا في الشرق. فمنذ عام 1958م تم إجراء ما يزيد عن 1.000.000 عملية ناجحة في الصين باستعمال التخدير بالإبر.
والتخدير بالإبر أقل نجاحا في العمليات التي تحتاج إلى ارتجاج العضلات كما في عمليات البطن، إلا أنه ناجح في الولادة القيصرية. وكذلك فإنه ناجح في عمليات الرقبة والصدر والعظام.
ولعل أهم مجال للتخدير بالإبر هو في حالة المرض الذين لا يجوز استعمال المخدر العادي معهم كما في كبيري السن والمصابين ببعض الأمراض بحيث يشكل استعمال المخدر العادي خطورة على حياتهم.
وسائل أخرى :
هناك طرق أخرى تهدف إلى تحقيق ذات التحفيز منها :
1- إدخال خيط صغير في الجلد وتثبيته في مكانه بعقده. وهذا يؤدي إلى التهاب مستمر وبالتالي تحفيز عصبي، وهو ما يمكن زيادته بأن يقوم المريض بجر طرف الخيط بين الحين والآخر. وهذا مستعمل عند معالجة الإدمان على المخدرات والتدخين والأكل بشراهة.
2- حقن الماء أو محلول ملحي مركز لتحقيق التحفيز على أساس اختلاف تركيبها الملحي مع ذاك الذي لأنسجة الجسم.
3- التدليك بالضغط المستمر القوي على نقاط العلاج بالإبر لتحقيق التحفيز الذي تحققه الإبرة عند إدخالها في تلك النقطة . وهذا التحفيز قصير العمر ، إلا أنه نافع في الحالات البسيطة التي يمكن إزالتها بدون الذهاب إلى الطبيب ، وكذلك بعد العلاج بالإبر لإدامة التحفيز إذا ارتأى الطبيب ذلك فيقوم بتعليم المريض عن النقاط التي يجب أن يضغط عليها. ولعل الكثير من النجاح الذي يصاحب التدليك الاعتيادي مرده إلى وجود نقاط العلاج بالإبر في المنطقة التي يتم تدليكها .
4- استعمال ما يسميه الصينيون إبرة زهرة الخوخ، وهي على شكل مطرقة خفيفة تصنع هذه الأيام من البلاستك برأسين من المسامير الصغيرة جداً. وتكون هذه متقاربة في أحد الرأسين بحيث تعالج عدة نقاط علاجية عند وخز الجلد بها، أما الرأس الآخر فمساميره متباعدة بحيث تسمح بتحفيز مناطق أكبر. وهذه الطريقة مفيدة جداً عند علاج الأطفال الذين يخافون الإبر.
5- العلاج الأُذُني، وهو علاج الحالات الحاصلة في أعضاء الجسم المختلفة بإدخال إبر في مناطق معينة من الأذن، فمثلاً، لعلاج الربو تدخل إبرة في نقطة معينة في شحمة الأذن. وهذه الطريقة مستندة على وجود نقاط معينة لها اتصال ما بأجهزة الجسم المختلفة بحيث لو حفزتها أمكن، علاج الحالة التي تبدو أعراضها على ذلك العضو، وهو ما يشابه طريقة الانعكاسات القدمية التي سنشرحها في الفصل القادم. ويرى بعض الأطباء أن الواجب محاولة علاج الحالة بالطريقة الاعتيادية أي استعمال نقاط الجسم كله وعدم اللجوء إلى الطريقة الأذنية إلا عندما تفشل تلك.
6- الكي، وهو وضع بعض الأعشاب في إناء على المنطقة التي يراد تحفيزها وإشعالها ، أو وضع رأس مخروط مملوء بالأعشاب على نقطة علاجية وإشعاله. وبما أن الطريقة الثانية تؤلم وتؤدي إلى ترك آثار دائمة توضع قطعة من الزنجبيل بين رأس المخروط والنقطة. وبعد مدة من وضع الأعشاب المحترقة لا يعود المريض يحتمل الحرارة فتبعد عنه، ثم تعاد من جديد، وهكذا لعدة مرات