رد : الحياة مع الله ’’’
من كمال لطف الغفار ــ سبحانه ــ ورحمته بعبيده وحلمه وسعة رحمته على من تجرأ على المعاصي واقتحم الإثم ثم استغفر الله استغفاراً تاماً يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على ألا يعود فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة(وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً) واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي الصغيرة والكبيرة، وسمي سوءاً لكونه يسوء عامله بعقوبته ولكونه – في نفسه- سيئاً غير حسن ،فمهما عظمت ذنوب ذلك العبد فإن مغفرة الله ورحمته أعظم
من أعظم أسباب المغفرة الإكثار من الحسنات؛ لأنها سبب لتكفير السيئات السالفة،
تأمل(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وفي الحديث الصحيح: (واتبع السيئة الحسنة تمحها)صحيح سنن الترمذي(1618)
إيمان المؤمن بمغفرة الله لا تجعله يسرف في الذنوب والخطايا، ويتجرأ على المعاصي بحجة أن الله غفور رحيم، لأن المغفرة لا تكون إلا بشروطها وانتفاء موانعها، تأمل( إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)فاشترط (الصلاح) والأوبة للمغفرة، وقوله(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)
من رام مغفرة الله لذنبه، وتجاوزه عن خطئه ليعفو عن عباد الله، ويتجاوز عن أخطائهم، تأمل:"ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" نزلت هذه الآية تذكر أبا بكر وتذكر المؤمنين بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم، فليأخذوا أنفسهم بعضهم مع بعض بهذا الذي يحبونه ، ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه ، وإن كانوا قد أخطأوا وأساءوا.
لا تزال هذه الآية تستوقفني(فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)يستغفر لذنبه وهو المغفور له،ولكنه واجب العبد المؤمن الحساس الذي يشعر أبداً بتقصيره مهما جهد؛ ويشعر - وقد غفر له - أن الاستغفار ذكر وشكر على الغفران، ثم هو التلقين المستمر لمن خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن يعرفون منزلته عند ربه؛ ويرونه يوجه إلى الذكر والاستغفار لنفسه، ثم للمؤمنين والمؤمنات، وهو المستجاب الدعوة عند ربه، فيشعرون بنعمة الله عليهم بهذا الرسول الكريم . وبفضل الله عليهم وهو يوجهه لأن يستغفر لهم ، ليغفر لهم!"المتميزة"
المؤمن يلهج لسانه بالاستغفار بعد كل عمل صالح يعمله، مستحضرا تقصيره وجابرا ما يحصل من نقص في عمله الصالح بالاستغفار، بعد الصلاة يستغفر، وبعد الحج يستغفر، وبعد قيام الليلي يستغفر، تأمل( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (وبالأسحار هم يستغفرون) وفي صحيح مسلم: ((كان صلي الله عليه وسلم إذا أنصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً)).
أعظم سبب للمغفرة توحيد الله وعدم الشرك به، وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( قال الله تعالى يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة)).
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالي-: ويعفي لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك، مالا يعفي لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لم يشرك بالله شيئاً البتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده ، فإنه التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقي معه ذنب؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة ، والدافع له قوي.
أعظم بأجر الوضوء يحط خطايا بن آدم حطا، وفي صححيح مسلم: ( ما منكم رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فينثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشميه ، ثم إذا غسل وجهه كما أمر الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلي المرفقين إلا خرت خطايا يديه مع أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلي الكعبين إلا خرت خطايا رجليه مع أنامله مع الماء، فإن قام فصلي فحمد الله مع خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه)) .
أحسن إلى خلق الله حتى لو كان حيوانا يغفر الله لك، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( بينما رجل يمشي بطريق ـ وفي رواية امرأة بغياً ـ اشتد عليه العطش فوجد بئراً، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني. فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم مسكه بفيه حتى رقي فسقي الكلب فشكر الله له، فغفر له)) قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في هذه البهائم لأجر . فقال : (( في كل كبد رطبة أجر)) فلئن كانت الرحمة بكلب تغفر ذنوب البغايا، فإن الرحمة بالبشر تصنع العجائب.
القلوب المؤمنة قلوب مفتوحة؛ ما إن تتلقى حتى تستجيب، وحتى تستيقظ فيها الحساسية الشديدة، فتبحث أول ما تبحث عن تقصيرها وذنوبها ومعصيتها، فتتجه إلى ربها تطلب مغفرة الذنوب وتكفير السيئات والوفاة مع الأبرار، تأمل(ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار)فأكثر دائما من سؤال المغفرة يغفر الغفور لك.
من أسباب المغفرة:
ــــ التوحيد ـــ مداومة الاستغفار ـــ كثرة الأعمال الصالحة ـــــ العفو عن الآخرين ــ الرحمة بالخلق ـــ الدعاء.
الدكتورة / نوال العيد ..
التعديل الأخير تم بواسطة *سر الحياة* ; 04-02-2014 الساعة 06:01 AM