رد : أسرار الصلاة ..!
الكلام على التسليم/
و لما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل :
أحدهما : حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهرا و باطنا ، و اقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه ، فإن لكلّ حكم عبودية تخصه ، أعني الحكم الكوني القدري.
و الثاني : فعل ، يفعله العبد عبودية لربه ، و هو موجب حكمه الديني الأمري.
و كلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه ، و لهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم ، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري ، و لحكمه الكوني القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى ، و الشهوات ، و المعاصي ، و يقول : قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل له : مسلم.
الشروع في بيان ثمرات الخشوع/
و لما اطمأن قلبه بذكر الله ، و كلامه ، و محبته و عبوديته سكن إلى ربه ، و قرب منه ، و قرَّت به عينه فنال الأمان بإيمانه و نال السعادة بإحسانه ، و كان قيامه بهذين الأمرين أمراً ضرورياً اه لا حياة له ، و لا فلاح و لا سعادة إلا به .
و لما كان ما بُلي به من النفس الأمارة ، و الهوى المقتضي لمرادها و الطباع المطالبة ، و الشيطان المغوي ، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك ، أو نقصانه ، اقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن شَرَعَ له الصلاة مُخلِفة عليه ما ضاع عليه من ذلك ، رادَّة عليه ما ذهب منه ، مجددة له ما ذهب من عزمه و ما فقده ، و ما أخلِقَ من إيمانه ، و جعل بين كل صلاتين برزخا من الزمان حكمة و رحمة ، ليُجمّ نفسه ، و يمحو بها ما يكتسبه من الدرن ، و جعل صورتها على صورة أفعاله ، خشوعاً و خضوعاً و انقياداً و تسليماً و أعطى كل جارحة من جوارحه حظَّها من العبودية ، و جعل ثمرتها و روحها إقباله على ربه فيها بكليته ، و جعل ثوابها و محلها الدخول عليه تبارك و تعالى ، و التزين للعرض عليه تذكيراً بالعرض الأكبر عليه يوم القيامة.