الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا فمن يغفر الذنوب إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأحسنوا العمل في الدنيا لتنالوا حسنة الآخرة، فيكون لكم حسن الثواب وحسن المآب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [الكهف: 30-31].
أيها المسلمون: لقد خصنا الله تعالى بأحسن دين ﴿ صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ﴾ [البقرة: 138] ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النساء: 125] واختصنا بأحسن كتاب ﴿ اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزُّمر: 23] وضمن هذا الكتاب أحسن القصص للعبرة والعظة، والاقتداء بالمحسنين، ومجانبة طرق المسيئين ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا القُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3] واختصنا بأحسن شريعة يتحاكم الناس إليها ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
فمن دان بأحسن دين، والتزم أحسن شريعة، وقرأ أحسن كتاب فتدبره وعمل بما فيه، واعتبر بأحسن القصص، وقبل أحسن حكم وهو حكم الله تعالى كان في الدنيا من المحسنين، فحظي بحسن الثواب وحسن المآب، وكان له في الجنة خيرات حسان.
وجماع ذلك أن يحسن ما بينه وبين الله تعالى ولو غضب الناس عليه؛ فإن رضا الله تعالى عنده فوق رضاهم، فيوالي أولياء الله تعالى، ويعادي أعداءه، ويحب فيه، ويبغض فيه. ويحسن لخلق الله تعالى، فيبتدرهم بالإحسان، ويقابل إساءتهم بالإحسان، مخلصا لله تعالى في إحسانه كله، متابعا هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فمن فعل ذلك كان محسنا ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 16].
وصلوا وسلموا على نبيكم...