الفارق العمري (1) :
الأصل في الزواج أنه شراكة مودة ورحمة وتقارب وألفة بين زوجين يحبان بعضهما بعضًا ، وهذا أمر بدهي لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان ! ، وكلما كان هناك تقارب عقلي وعمري وروحي ـ غير الأخلاق ـ كلما كان هناك انسجام تام بين الزوجين في طريقة العيش ونمط التفكير والسلوك .
غير أن الفارق والتفاوت العمري يكون في كثير من الأحوال ـ وليس الكل ـ مصدر قلقل لكثير من البيوت ، فالفارق العمري ـ غالبًا وليس دائمًا ـ يسبب فجوة كبيرة بين الزوجين فلماذا ؟ .
ذلك لأن كل فترة عمرية تكون لها نمط في التفكير وفي تعاطي الأمور ومعالجتها ، فالشباب يغلب عليهم الاندفاع والعواطف الجياشة وكثرة المزاح وسطحية الأمور وعدم المبالاة ، أما الأكبر منهم فيغلب عليهم التريث ورباطة الجأش والحزم وأخذ الأمور بجدية كما أن عواطفهم تكون عملية أكثر من كونها قولية ! .
فالزوجة إذا كانت كبيرة بعقد(2) أو أكثر تنظر في الغالب إلى زوجها الأصغر منها على أنه أبن لها فتخاطبه بما يناسب عمره لا قوامته عليها ! خاصة إذا كانت لها شخصية قيادية ، فحينًا تلومه وتوبخه وحينًا تدللـه ، وحينًا تخاطبه على أنها الكبيرة وهو الصغير ! . مما يولد ذلك زعزة في نفسه ويجلب له الإحباط وتكدير الخاطر ، فيحتمل حينًا وفي أحايين كثيرة لا يحتمل فيقول لها : ألستُ أنا رجل البيت ؟! أين تقديري واحترامي ؟ ..
وكذلك الزوج إذا كان كبيرًا عن الزوجة صُعب عليه التفاهم معه فيقول لها : يا بنت لا يصلح كذا ، وهذا لا يناسبني ! . تطلب أحيانًا معه للخروج والتنزه والسفر ، ولزيارة الأصدقاء والأقارب وتريد الاستمتاع والفرح والعشاء أو الغداء في المطاعم ، لكنه رجل ( بيتوتي ) لا يحب كثرة الزيارات والخروج والدخول ، مزاجه مختلف عنها في كثير من الأمور ، تتمنى منه أن يبدي لها عاطفته ولو بوردة أو كلمة حب ، أو حتى برسائل الهاتف المحمول ، لكن هو يرى في نفسه أنه كبير على هذه الأشياء في نظره ، وهي لا تصلح إلا للأزواج الصغار فحسب ! .
في هذه الحال لغة التحاور ستكون معدومة ، وربما آلت إلى الانفصال .
الهوامش :
(1) لست أبحث هنا عن كونه مباح أو محرم ، فقد تزوج صلى الله عليه وسلم الأكبر منه بخمسة عشر عامًا أم المؤمنين خديجة بنت خويلد فقد كان عمرها أربعون عامًا ، وعمره خمس وعشرين عامًا ، وتزوج الأصغر منه : أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين وعمره تقريبًا ثلاث وخمسين عامًا وعائشة عقد عليها وهي ست أعوام ، ودخل بها وهي بنت تسع أعوام .
لكن أكتب هنا لأبين سلبياته الغالبة في كثير من الأحوال وليس كلها .
(2) العقد : من الأعداد العشرة والعشرون إلى التسعين جمع عقود . انظر المعجم الوسيط (2/614) مادة : ( عقد ).
__________________
محمد بن محمد الجيلاني
مهتم بالكتابة حول شؤون الأسرة