منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - رحلة ليست كأي رحلة .. رحلة في كنف الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-12-2010, 02:41 PM
  #2
مهره
عضو المنتدى الفخري
 الصورة الرمزية مهره
تاريخ التسجيل: Aug 2003
المشاركات: 17,491
مهره غير متصل  
في مزدلفة لم تكن هناك مخيمات بالطبع .. لذلك فقد قام موظفو الحملة مشكورين بفرش سجاد ونصب حاجز أحاطنا نحن النساء وجلس الرجال على جانبه الآخر .. وبعد صلاة المغرب والعشاء جمعاً قضينا جزءاً من الليل ما بين عبادة وسوالف .. وجزءاً منه في النوم .. وإن كنت شخصياً وجدت صعوبة في النوم كوني غير معتادة على النوم على أرض يابسة .. ولكنني أخذت غفوة قصيرة .. بعدها قمنا لجمع بعض الحصى من أجل الري رغم أن الحملة كانت قد وفرت لكل حاج كيساً صغيراً به الحصى المخصص للرمي.

وخلال ذلك كان المزيد من الحجاج يصلون ويأخذون مجالسهم حولنا وبالقرب منا .. حتى اكتظ المكان بالناس مع اقتراب منتصف الليل.

حتى ذلك الوقت لم أكن متأكدة من الخطوة التالية .. هل سنتوجه للرمي أولاً أم لطواف الإفاضة .. وإن كنت أفضل البدء بطواف الإفاضة هرباً من الزحام الشديد المتوقع .. وكنت بحاجة لمعرفة ذلك قبل تحركنا من مزدلفة حتى أتوضأ لأن الوضوء في الحرم من سابع المستحيلات بالنسبة لي بسبب الزحام الشديد على الحمامات أكرمكم الله.

في النهاية لم أنتظر قرار زوجي وتوضأت وأنا أدعو أن نذهب للطواف أولاً .. وسبحان الله أتصل بي زوجي بعدها ليخبرني بأننا سنتوجه إلى الحرم .. وبالفعل تحركت الباصات من مزدلفة بعد منتصف الليل بقليل حيث أوصلت بعض الحجاج إلى منى لرمي جمرة العقبة وأوصلت البعض الآخر إلى الحرم لطواف الإفاضة .. وبعد أو وصلنا اضطررت لانتظار زوجي لمدة تزيد عن الساعة إلا ربع حتى يتوضأ .. ثم قلنا سنجرب الطواف في صحن الحرم فإن كان الزحام شديداً صعدنا للطابق الأول .. والحمدلله كان طوافنا في الصحن ـ كما في طواف العمرة ـ يسيراً هيناً .. وبعد الطواف صلينا ركعتي السنة وشربنا ماء زمزم .. ثم توجهنا للسعي الذي كان يسيراً أيضاً كما كان وقت العمرة ولله الحمد.









بعد ذلك توجهنا إلى السكن حيث قصرنا وتحللنا التحلل الأول ثم اغتسلنا (وفرت لنا الحملة خدمة الهدي حيث دفع كل حاج مبلغاً من المال على أن تتولى الحملة مهمة الذبح والتصدق) .. ثم عدنا إلى منى لرمي جمرة العقبة.




كان رجوعنا في الصباح الباكر من اليوم العاشر (أول أيام العيد) حيث كانت أفواج الحجاج قد بدأت بالقدوم لذات المهمة .. ولا أخفيكم أنني عندما رأيت تلك الجموع خفت .. فأعطيت حصياتي لزوجي وطلبت منه أن يرمي عني .. ومكثت في المخيم أنتظر رجوعه .. فعاد بعد أكثر من ساعتين وبعد أن عصفت بي الأفكار خوفاً عليه من أن يكون قد أصيب بأذى في ذلك الزحام الرهيب .. حيث أخبرني بأن تأخره كان بسبب طول مسافة طريق العودة .. حيث إن اتجاه السير في طرقات منى واحد ولا يمكن للشخص أن يعود من ذات الطريق التي ذهب منها .. ورغم أن المسافة بين مخيمنا وبين الجمرات قصيرة والوصول إليها كان سريعاً إلا أن طريق العودة كان طويلاً .. وهذا ما أخره.

بعدها قررنا العودة إلى السكن مرة أخرى لأن زوجي كان يحتاج دواءً لقدمه التي كانت قد بدأت تؤلمه من كثرة المشي (كُسرت قدم زوجي منذ بضع سنوات ولا يزال يعاني منها إن مشى عليها طويلاً .. وقد كان التحرك ما بين السكن ومخيم منى مشياً على الأقدام) .. وفي طريق العودة كانت أعداد الحجاج المتوجهين للرمي قد بدأت في التزايد بشكل كبير جداً .. وسبحان الله كانوا مثل السيل البشري .. حيث أعداد هائلة من الناس لا مكان ولا فراغ بينها على طول الطريق وعلى مد البصر.

وللأسف لم أتمكن من التصوير لأن بطارية موبايلي كانت فارغة.

وصلنا للسكن حيث تحدثت مع بعض الأخوات عن أنني وكلت زوجي للرمي .. فأخبرني بعضهن أن ذلك لا يجوز وأنني يجب أن أرمي بنفسي .. فاتصلت بالشيخ المرافق للحملة وسألته فأجاز لي ما فعلت .. ولكن سبحان الله كان قد أصبح في نفسي شيء وشعرت بعد الراحة والتقصير .. فاتصلت بزوجي وأخبرته برغبتي في الرمي بنفسي عندما نعود إلى منى .. وقد كنت أتوقع أن يرفض بسبب ألم قدمه .. ولكنه وافق ربي يحفظه .. وبالفعل عدنا قبل العصر إلى منى وتوجهنا إلى جمرة العقبة ورميت بنفسي .. حيث كان الزحام في ذلك الوقت خفيفاً ـ قياساً بما كان عليه وقت الضحى ـ ولم يكن هناك احتكاك أو تدافع على الإطلاق .. فوصلنا سريعاً ووقفت أمام الشاخص مباشرةً ورميت ولله الحمد .. ولا أستطيع أن أصف لكم شعوري بعد أن أديت واجبي بنفسي .. فقد كان خليطاً من الحماس والانتصار والفخر .. كنت سعيدةً جداً وفي منتهى النشاط رغم إرهاق وقلة نوم اليوم السابق .. وبعد أن انتهيت مازحني زوجي: الحين الله يعينج على طريق الرجوع (بسبب طول المسافة) .. فقلت: وبه نستعين .. ودعوت الله أن ييسر أمرنا .. وسبحان الله الذي سخر لنا رجل شرطة عند أحد الحواجر القريبة من مخيمنا .. حيث سمح لنا بالمرور .. فلم نضطر لقطع كل تلك المسافة الطويلة للعودة.

دخلت المخيم وأنا أكاد أطير من الفرح .. وسلمت على الأخوات وأنا أرفع يدي بعلامة النصر .. وكأنني حققت أكبر إنجاز في حياتي.


كنت في ذلك اليوم أرغب في العودة إلى السكن بعد الساعة الثانية ليلاً (الشيخ أجاز لنا ذلك) .. ولكن سبحان الله الذي لم يشأن لي أن أغادر منى خلال هذا اليوم واليوم التالي .. فقد قدر الله أن يزيد الألم في قدم زوجي فمكثنا تلك الليل حتى يرتاح .. والحقيقة إن الوضع في المخيم لم يكن يساعد كثيراً على النوم بسبب ضيق المساحة وعدم وجود حواجز بين الأسرّة .. فقضيت ليلتي كلها في قراءة القرآن والتسبيح والاستغفار والدعاء.




وبعد صلاة الفجر (اليوم الحادي عشر) لم أتمكن من إبقاء عيناي مفتوحتان ووقعت على فراشي ولم أشعر بمن حولي ونمت من شدة الإرهاق والنعاس .. واستيقظت بعدها بحوالي ثلاث ساعات حيث انتظرنا لما بعد صلاة الظهر وانطلقنا لرمي الجمرات الثلاث وقد دعوت الله بالتيسير .. حيث كان الزحام مقبولاً والمشي يسيراً .. وكما في اليوم السابق لم يكن هناك احتكاك أو تدافع ولله الحمد .. وأعانني الله ووقفت كذلك أمام كل شاخص مباشرةً ورميت بفضله وتيسيره .. ويسر الله لي الدعاء بعد رمي كل جمرة .. وشعرت بخشوع لم أتوقعه من نفسي وسط كل هذه الجموع البشرية .. وكما في اليوم السابق سخر الله لنا شرطياً سمح لنا بالمرور عبر الحاجز القريب من مخيمنا فوصلنا إليه سريعاً.


مع بداية مساء هذا اليوم أبرقت السماء وأرعدت وهطلت الأمطار وتسارعت حركة الريح وبرد الجو قليلاً .. وبعد صلاة العشاء أخبرنا مسؤول الحملة بأن أمراً صدر من البعثة الرسمية الإماراتية للحج بإخلاء مخيم منى والعودة إلى السكن تحسباً لسوء الأحوال الجوية .. وبالفعل احتشد الحجاج نساءً ورجالاً وعاد معظمهم إلى السكن وبقي القليلون .. وخلال ذلك طلب مني زوجي الانتظار قليلاً ليخبرني بعدها بأننا لن نخرج من منى وأننا باقون لليوم التالي ... بصراحة كنت خائفة وقلقة بعض الشيء وقلت له: ماذا لو ساء الجو وتضرر المخيم .. فطمأنني بأن الجو في الخارج أصبح صافياً وحرام نخرب حجتنا بسبب توقع غير مضمون الحدوث .. وقال: توكلي على الله ونامي وانا باتم واعي أراقب السماء .. وإن شفت الغيوم تتجمع بنرجع السكن على طول

في تلك الليلة تحررت من قلقي ونمت ملء جفني .. لأن المخيم كان شبه خالي والمكان متسع والجو أصبح بارداً .. يعني كل الظروف تشجع على النوم



يتبع...
__________________


اللهم طِيبَ الأثر .. وحُسْنَ الرحيل.