منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - التعدد مرة أخرى ( هل هو مشكلة أو حل ؟)
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-05-2004, 12:54 PM
  #19
hamam129
من كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Jan 2004
المشاركات: 3,190
hamam129 غير متصل  
إنَّ الوهم السائد بأنَّ نظام تعدد الزوجات نظام اجتماعي سيئ وضد مصلحة المجتمع،

وقد اخترعه الرجل استجابة لهواه ومتعته، وإنَّه مظهر لاستعلاء الرجل على المرأة، منتقص لحقوقها

مهين لكرامتها وسبب لشقائها، والإلحاح على تكرار هذه الأحكام على نظام تعدد الزوجات في الندوات والمؤتمرات

ووسائل الإعلام، كل ذلك أوجد لدى الكتّاب الإسلاميين المعاصرين الوحشة تجاه نظام تعدد الزوجات المحكوم بقيود

الشرع وضوابطه، دون محاولة منهم للقيام لله، والتفكير والاختبار الموضوعي الحيادي لهذه الأحكام المسبقة على النظام،

وتحديد ما إذا كانت هذه الأحكام نتيجة الأفكار الشائعة السائدة في أذهان الناس وعلى ألسنتهم أو نتيجة للمحاكمة الفعلية،

والبحث عن المصالح في ضوء الواقع وتجارب الأمم، وعدم الانسياق مع الهوى والعاطفة والشعارات الخادعة.


ومعلوم أنَّ شيوع الفكرة وسيادتها ولو كانت وهمية، يعطيها من إمكانية الإيمان بها واليقين

ما لا تحظى به ـ في كثير من الأحيان ـ الحقائق، بل يجعلها من المسلّمات البديهية التي لا تقبل المراجعة

أو التشكيك، ونتيجة لما سبقت الإشارة إليه، رأينا الكتابات المعاصرة في الدفاع عن الإسلام تنساق مع الأفكار

الوهمية الشائعة عن تعدد الزوجات، فتعتبره من حيث المبدأ غير مرغوب فيه، وإنَّما يكون مشروعاً على وجه الاستثناء،

وحيث توجد ظروف معينة تجعله استجابة لحاجة حقيقية وفعلية تبرر الاستثناء، وأنَّه لا ينبغي أن يكون الدافع إليه الرغبة


الطبيعية للرجل في الاستمتاع، وحسب علمي القاصر فإنَّه لا يوجد من نصوص الشرع ما يسند هذا الاتجاه، وهدي الخلفاء

الراشدين والأئمة المهديين ـ كما يشهد التاريخ الصادق ـ على خلافه.


وإذا صحَّ ما أطلت الجدال فيه والاحتجاج عليه من أنَّ هذا النظام ـ كما رسمه الشرع الحكيم ـ نظام اجتماعي

صالح، ليس فقط لأنَّ أي بديل عنه ـ في ضوء دراسة الواقع ـ ضار بالمجتمع عامل على فساده،

بل لأنَّه يحقق مصلحة المرأة مثل ما يحقق مصلحة الرجل أو أكثر، ويضمن للمرأة من العدل والحرية والوفاء

بحقوقها الطبيعية ما يفوت عليها في ظلّ أنظمة تمنع تعدد الزوجات كما ينظمه الإسلام.


إذا صحَّ ما ذكر فإنَّ هذا النظام سوف يحقق آثاره النافعة بصرف النظر عن دوافع الرجل للزواج،

وهذا تماماً مثل الزواج بحدّ ذاته، فهو نظام اجتماعي صالح، بصرف النظر عن العامل النفسي الذي دفع الرجل للزواج،

إذا لم يكن هذا العامل النفسي عاملاً سيئاً.


إنَّ نظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي صالح ـ له بلا شك سلبياته، وبعض هذه السلبيات راجع إلى طبيعته،

ولكنها حينئذٍ لا توجب إلغاءه، إلا لو كانت ترجح على إيجابياته، وهذا غير واقع، وبعضها راجع إلى إساءة استعمال

البشر، وهذه أيضاً لا تعالج بإلغاء النظام، وإنَّما بالعمل على حمل الإنسان المسلم على عدم إساءة استعمال النظام.



وبناءً على ما تقدم فإنَّه ليس من العدل


أن يترك الناس للأوهام والأفكار الخرافية حول تعدد الزوجات،


ويكون الواجب أن يكشف عن أعينهم غشاوتها، وأن يُوعوا بالحقائق عن هذا النظام.


وإذا كانت وسائل الدعوة عاجزة عن القيام بدور فاعل في هذا المجال، فإنَّ الجهات المسؤولة عن


التربية والتعليم مسؤولة عن تضمينها مناهج التعليم ما يميز بين الأوهام والحقائق، في هذا النظام وغيره


من الأنظمة الاجتماعية.




وعوداً على الكلام على الآية الكريمة المصدَّر بها هذا المقال، وفي ضوء ما سبق فإنَّه يمكن إبداء الملاحظات التالية:



1 ـ هذه الآية هي الآية الوحيدة التي تدلّ بنصّها على مشروعية تعدد الزوجات، أمَّا النصّ الوارد في الآية الأخرى


{وأن تجمعوا بين الأختين} (النساء:23) في سياق تعداد المحرَّمات في الزواج، فلا يدلّ بالنص على التعدد،


وإنما بمفهوم المخالفة، وكذلك النص الوارد في الآية الأخرى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}

(النساء:129) فإنَّما يدل على مشروعية التعدد بالإشارة.


2 ـ ورد في التعبير عن العدل بثلاثة ألفاظ (أن لا تقسطوا)، (أن لا تعدلوا)، (أن لا تعولوا)،


، والإقساط والعدل وعدم العول متقاربة في المعنى،


على أنَّه ينبغي التمييز في المعنى بين العدل في الأشخاص، والعدل بين الأشخاص،

فالعدل في الأشخاص يعني إيفاءهم حقوقهم، والعدل بين الأشخاص يعني التسوية بينهم.


والعدل المشروط لإباحة تعدد الزوجات في الآية الكريمة كما يدلّ كلام المفسرين، يعني الأمرين:


وجود العزم على التسوية في المعاملة بين الزوجات، ووجود الظنّ الغالب بقدرة الزوج على ذلك،


ثم وجود العزم على الوفاء بما لكلّ من الزوجات من حقوق الزوجية، ووجود الظنّ الغالب لدى الزوج بقدرته على ذلك.


3 ـ كما رأينا فإنَّ نظام تعدد الزوجات في الإسلام؛ صورة مختلفة عن نظام تعدد الزوجات في أي دين آخر،



أو ثقافة أخرى، وإذا كان أيّ نظام اجتماعي له سلبياته ولا بد، فإنَّ النظام الإسلامي يتفادى


ما أمكن تلك السلبيات، فيشترط فيه العدل في الزوجات،


ثم العدل بين الزوجات حين يكون ذلك ممكناً بحكم الطبيعة البشرية،


ثم لا يسمح به حين يؤثر سلباً على غاية مصلحية يهتم بها الإسلام وهي صلة الرحم،


فيمنع أن يكون بين الزوجات نوع معين من القرابة كما بين المرأة وأختها،


أو المرأة وخالتها، ثم هو بعد ذلك يحدد العدد، فلا يجيز التعدد لأكثر من أربع،


والزيادة عن أربع من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد كشف التاريخ والواقع العملي


عن حكمة مهمة من حِكَم هذه الخصيصة، ذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يبلغ نبوته ويهدي بهداية الله


عن طريق القول والعمل، فهو مثال ونموذج للأمة، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}،


وهو شاهد على أمته وموجب هذه الشهادة أن تكون بينة واضحة ودليلاً ظاهراً على مشروعية الفعل،


وأنَّ تطبيق ما أنزل الله من الهدى ممكن، وكيفية هذا التطبيق، ولا يتم ذلك على كماله إلا بأن يكون لدى الأمة


علم تفصيلي بحياته صلى الله عليه وسلم العامة والخاصة، وذلك يوجب أن يوجد عدد كاف يضمن به البلاغ، ولا إشكال

في شؤون الحياة العامة، أمَّا الحياة الخاصة فلا يمكن أن يبلغ هديه فيها إلا عن طريق الزوجات،


وإذا كان النقلة عدداً قليلاً فقد ينسى الناقل أو لا يرى أنَّ الأمر من الأمور التي يجب نقلها،


أو يخطئ في النقل، وهذه العوارض تعرض لمن ينقل عنه في سلسلة الإسناد.


وقد كشف التاريخ أنَّه بسبب وجود هذا العدد من الزوجات الذي اختاره الله لنبيه أمكن أن تعرف


الأمة كل تفاصيل ودقائق حياة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة، حتى إنَّ المسلم العادي بعد أربعة عشر

قرناً يعرف عن تفاصيل الحياة الخاصة للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف عن الحياة الخاصة لأبيه.


4 ـ قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} قيد غير مراد، فلا يعني


أنه إن لم يخف الأفراد أو المجتمع الإقساط في الأيتام فلا يجوز لهم تعدد الزوجات،

وإنما يستفاد منه الإشارة إلى أنَّ تعدد الزوجات بديل صالح يوفر الوقاية من ظلم اليتامى وعدم إيفائهم حقوقهم.


5 ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان بأنَّ شيوع تعدد الزوجات


في المجتمع يعطي المرأة الفرصة في الزواج مهما كانت الصعوبات والعوائق


التي تقف في طريقها إلى الزواج، وبذلك تتوفر الحماية الاجتماعية لأمّ اليتامى وأولادها،


ويتأثر مركز المرأة الاجتماعي إيجابياً، فنكون أقدر على الحفاظ على حقوقها وحريتها وضمان

معاملتها بالعدل، وعموم لفظ الآية يتضمَّن أنَّ نظام تعدد الزوجات عامل فاعل في العدل في اليتامى،

وإذا كان اسم الإشارة {ذلك أدنى أن لا تعدلوا} راجعاً إلى كلّ ما سبقه، فذلك يعني أنَّ هذا النظام عامل

فاعل للعدل في النساء من حيث الجملة.



6 ـ المنطق الصحيح والواقع العملي يشهدان أنَّ المجتمع أو القانون الذي يعارض تعدد الزوجات،


يحدد فرصة المرأة في الزواج، فيحدد بالتالي فرصتها في أن تكون أماً، وأن يكون لها زوج تسكن إليه


ويسكن إليها، وتنمو بينهما المودة والرحمة، ويكون لها بيت تؤدي فيه وظائفها الطبيعية كامرأة، وكلّ هذه الأمور

حاجات أساسية وحقوق للمرأة أهمّ لديها وفي واقع الحياة من عدد من الحقوق التي تضمَّنتها وثيقة حقوق الإنسان.


فتحديد فرصة المرأة في الحصول على هذه الحاجات الأساسية بالحدّ من تعدد الزوجات انتهاك واضح لحقوقها ـ كإنسان ـ.


7 ـ عند التأمل والاحتكام للنظر المنطقي والعقلي، يظهر جلياً أنَّ نظرة الغرب إلى نظام تعدد الزوجات (كما هو في الإسلام)،


أساسها التصورات الناتجة عن الموروثات الثقافية، وليس أساسها المنطق والمحاكمة العقلية، أو اعتبارات المصلحة الاجتماعية


العملية. والنظرة السلبية لهذا النظام لدى بعض المسلمين المعاصرين ناشئة فقط عن التأثر بالتصورات الغربية، والانخداع بتحقير

الغرب لهذا النظام عند المسلمين، وعيبهم به.


8 ـ بحكم طبائع الأشياء، فإن لنظام تعدد الزوجات ـ كأي نظام اجتماعي آخر ـ سلبيات، ويحدث أحياناً كثيرة

أن يُساء استعماله، ولكن هذا شأن أي نظام اجتماعي صالح، والعلاج ليس بهدم النظام وإنَّما بمعالجة السلبيات

والعمل على تقليلها، ومكافحة إساءة الاستعمال.
__________________
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)سورة الطلاق
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ الله عَنْه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

{ ما مَنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدعٌو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إلاّ قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ }.[size=1]رواه مسلــم [/

size]،

أخوكم المحب الناصح همام hamam129