كسر المرأة ( الجزء الثامن ) الأسباب الفرعية
8ـ كثرة انتقادات أحدهما للأخر دون تحين الفرصة المناسبة :لضمـان بقاء عـش الحيـاة الزوجيـة يجب أن يتفهم كل من الزوج والزوجة نفسية صاحبه من الحزن والفرح وما يدخل السرور إلى قلبه وما يغضبه وأن يسوس أحدهما الأخر ما أمكن إلى ذلك سبيلاً . ذلك لأن المنغصات كثيرة جداً سواء كانت بمؤثرات خارجية كالعمل والجيران والأصدقاء أو بمؤثر نفسي كأن يكون الشخص نفسه عكر المزاج عصبي يغضب لأتفه الأسباب كما يقال : « يسكر من زبيبة ! » ، أو بمؤثر داخلي كالبيت والأولاد ، كل هذه الأمور قد تخرج الإنسان عن طوره كردة فعل فيعمل أعمـالاً غيــر منضبطة كرفع الصوت في وجه من يخاطبه أو شدة في الأسلوب أو إغلاق سماعة الهاتف في وجه من يحدثه أو ضرب الأولاد عند صيانه ...إلخ مما لا سبيل لحصره . هنا ينبغي للطرف الآخر أن لا يتفاعل وأن لا « يضرب الحديد وهو ساخن » بل ينتظر حتى « تنطفئ جذوة ناره » ويكون البال هادئاً ومتقبلاً للتوجيه وهذا يستلزم اختيار الوقت المناسب . ثم ينبغي أن يكون التوجيه مُنْصَبَّاً على الحدث مع ربطه بمسببه حتى يكون الحكم مقروناً بعلته ، أما التوجيه بقول : « هذا خطأ » دون بيان السبب فهذا ليس حلاً جذرياً للمشكلة بل هو من باب تحصيل حاصل ولا يجدي ، فقد يرجع للخطأ نفسه لأنه لم يعرف سببه . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصـدقة فجعلهــا في فيـه فقـال النبي صلى الله عليه وسلم : كـخ كخ ليطرحها ثم قال : « أما شعرت أنَّا [ يعني آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ] لا نأكل الصدقة ؟! » فبين صلى الله عليه وسلم له الخطأ مقرونا بعلته حتى لا يعود إليه ثانية والحسن كما قيل ابن أربع سنوات ! .
وكذلك ينبغي للناصح أن لا يذكر جميع المســاوئ للطـرف الآخــر ، ذلك لأن المقام مقام عتب ومناصحة لأمر مخصوص ، فلو شعر المنصوح أن الغرض من ذكر الأخطاء الانتقاص منه وليس النصح له ، لازداد بغضاً وكراهية للناصح ، بل ربما لا يتقبل منه أبــداً أي نصح . وبما أن الغرض من النصيحة هو إصلاح ذلك السلوك الخاطئ فينبغي أن يكون برفق حتى ولو اسلتزم مدحه ببعض الخصال الطبية فيه ، استجلاباً لقلبه وتطييباً لخاطره
لكن لو ركب كل واحد منهما مركب الاندفاع في النصيحة وربما وُجَّهَت الاتهامات الخطيـرة كالأنانيـة وحب الـذات والسيطــرة .. إلخ لهدمت البيوت وتفككت الأسر وأصبحت البيوت جحيماً لا يُطاق بسبب سوء استخدام أسلوب النصح ( النقد ).
9ـ طلب الزوجة الذهاب إلى بيت أهلها أو الطلاق في كل مشكلة :من الطبيعي جداً حدوث الخلاف بين الزوجين ، وهذا أمر لا ينفك عنه أحد ، حتى في بيت خيـر الخلــق النبي محمــد صلى الله عليه وسلم ، لكن هل يصح كلما حــدث خــلاف بين الزوجين أن تقول المرأة : « أريد الذهاب إلى بيت أبي وأنت تتفاهم معه » ؟!. لاشك أن هذا موقف خاطئ وسلبي يُشعر أن هذه المرأة لا تحسن التصرف ، ولا يهمها بقاء سكنها ، بل ويصل الحال عند بعض الزوجات ـ هداهن الله ـ إلى الخروج من بيتها من غير إذن زوجها ، وهذا نشوز وخروج عن طاعة زوجها يأباه الشارع الحكيم ، لأن هذا التصرف في الغالب لا يحل المشاكل بل يجر الويلات . فالموقف الحسن أن تصبر المرأة وتحاول ـ بحكمة ـ أن تحلّ مشكلتها بنفسها ، أو تستعين بمن يوجهها لحل مشاكلها الخاصة مع زوجها . وبعض الزوجات حين غضبها وانفعالها في حال خصامها لزوجها لا تضبط أعصابها فتستثيره ـ بما لا يمكن أن يُحتمل إلا من وفقه الله للصبر ـ فتقول له : « « إن كنت رجلاً .. طلقني الآن » . هكذا تلقي الزوجة هذه القنبلة التي تفجر غضب الزوج وتبدد ما تبقى في نفسه من حلم .. فيندفع ملقياً قنبلة أخرى .. في مواجهة قنبلة زوجته .. فيصرخ قائلاً : أنت طالق !. وتصحو المسكينة مذهولة مفجوعة .. وقد فاجأها زوجها بتطليقها كما طلبت .. وتندم بعد ذلك .. ولكن حيث لا ينفع الندم . عزيزتي الزوجة : احذري هذه العبارة ، احذفيها من قاموسك ، ألغيها ، أبعديها عن لسانك ، اجعليها عبارة محَّرمة . أجل : اجعليها محرَّمة فقد نهاك عنها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا حين قال : « أيُّما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة » . ألا تستحق هذه العبارة منك الإهمال ، والنسيان ، والإبعاد ؟.
وأنت عـزيزي الـزوج ، إذا صاحت فيـك زوجتك وقالت لك : « إن كنت رجـلاً .. طلقـني الآن » فابتسـم في وجهـها ، مهما كنــت غاضـباً ، وقل لها : بل لأنني رجل .. فلن أطلقك . [ حاشية : يحدثني أحد الإخوة عن موقف جرى له مع زوجته فقال : احتدم الخصام بيني وبين زوجتي حتى بلغ غايته وقالت لي : لقد كرهتك ، لا أريد البقاء معك . قال : فابتسمت وقلت لها : (( فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا )) [النساء:19]! ، قال : فضحكت زوجتي وذهبت وانتهى الموقف على خير . ].أجل ، الرجل القوي الذي يملك نفسه عند الغضب . هو الذي يحلم على زوجته إذا غضبت ، ويصبر عليها إذا ثارت ، متأسياً في هذا بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم . وأعود إليك أختي الزوجة .. لأحدثك عن امرأة انفصلت عن زوجها منذ سبع سنوات ، أخبرتني أن هناك محاولات الآن لعودتها إلى زوجها .. وعودة زوجها إليها ، سألتها عن سبب انفصالها .. فقالت لي : أنا السبب ، فقـــد ألححت في طلب الطلاق .. لكنني الآن نادمة .. ليتني لم أطلب منه الطلاق .. ولم أضيع سبع سنوات من عمري . حين كانت هـذه السيـدة تتحدث إليَّ ، والعبـرة تخنـق صـوتها ، تمنيت لو أن كل زوجة استمعت معي إليها .. لتدرك شدة الندم الذي تشعر به .. وتحس بالمرارة التي تمتزج بكلماتها . أختي الزوجة .. احرصي على بيتك .. ولا تهدميه بيدك » .
10ـ تدخل الوالدين وغيرهم في كل مشكلة دون حلها من قبل الزوجين :المشــاكل الزوجيــة لا حصـر لها ـ كما أسلفت ـ ولا يكاد يخلـو بيت منها ، وقد يستشير الزوجـان أو أحدهما من يثـق به من المقربين لديه ، وبالأخص الزوجة فقد تخبـر وتشتكي لوالديها وضعها السيئ في بيتها مع زوجها وبخاصة الأم لتجد الحل المناسب . وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأم معول هدم لبيت ابنتها « بحسن نية منها ؛ أجل .. بحسن نية منها ، لكون التصرف الصادر عنها تصرف خاطئ غير موفق . ما هو هذا التصرف الخاطئ الذي يصدر عنك أيتها الأم وأنت تحسبين أنك تنصحينها ؟. أحد هذه التصرفات يظهر واضحاً في قولك لابنتك ـ وقد لاََحَظْتِ طاعتها المُطْلَقَة لزوجها ، وانصياعها التام له ـ : هذا ما يطمعه فيك ! . لماذا لا تُعَرِّفِينه حدوده ؟ أكلما يأمرك بأمر تقولين له : « حاضر » ، « على أمرك » ؟! ألا تعرفين كلمة « لا » قولي له إنك مشغولة الآن ، أو قولي له إنك متعبة ! . هكذا توجه الأم ابنتها المتزوجة ، وهي تحسب أنها تنصحها ، وتعمل من أجلها ، منطلقة من عطفها عليها ، وحبها لها ، ورأفتها بها ، لكنها لو فكرت قليلاً ، لأدركت أنها تدفعها في طريق معصية زوجها ، ومن ثم يأتي الخلاف معه ، فالشجار ، فالنزاع ، فالطلاق .. الذي فيه ينهدم بيت ابنتك . أيتها الأم الغالية : انتقلي معي إلى زوج وزوجة أخرى .. لكن الزوج هذه المرة هو ابنك .. فلذة كبدك . أما كنت تفرحين حين تكون زوجته مطيعة لأوامره ، ملبية لطلباته ..؟! أما كنت تتضـايقيـن لو أنها عملت بنصائحك التي توجهينها لابنتك المتزوجة ؟! لماذا ترضين عن خضوع زوجة ولدك لولدك .. ولا ترضين عن خضوع ابنتك لزوجها ؟!. أيتها الأم الفاضلة : أعيني ابنتك على طاعة زوجها ، ولا تحرضيها على عصيانه ، فليس في خضوعها لزوجها أي مساس بكرامتها ، ولا أي انتقاص لإنسانيتها ..
إن طـاعة الزوجة لزوجها طــاعة لربها .. طاعة يعدها عليها بدخول الجنة .. من أي أبوابها شاءت » .
وما يقال في الأم يقال في الأب سواء بسواء لأن العلة واحدة إلا إذا اتقيا الله في أبنائهما ووجهوهما التوجيه الصحيح لحل مشاكلهم . والذي ينبغي أن يفعله أحد الزوجين ممن يحب أن يستشير ، أن ينظر في الشخص المستشار هل هو أهل للشورى ؟ لأن الشورى لا تصلح لكل أحد ، فهناك العاطفي المندفع المتسرع في الأمور دون النظر في عواقب الأمور فيشير بأمر غير محمودة عواقبه فبدل أن يخفف المشكلة يقوم بتأجيجها ، وهناك مستشار عاقل متثبت ينظر بنظر ثاقب فيضع الأمور في أماكنها ، وهذا كما يقال : « أندر من الكبريت الأحمر » ! . ولذا فإن الموقف الصحيح لمن أراد أن يصلح بيتاً متصدعاً أن ينظر بنظرة تأمل وتفكر في معرفة المخطئ ومن ثم حل المشكلة جذرياً دون التحيز إلى أحد الطرفين ؛ وهذا يستلزم أن يكون الطرف المشتكي من الزوجين صادقاً في شكواه دون كذب أو مبالغة في النقل ، فقد تكون المشكلة من الشاكي نفسه ، لكن خاف على نفسه من النقد فنقلها بصورة مشوهة ، وقد تكون المشكلة سهلة لكن الشاكي لم يحسن التعامل مع ( الحدث ) ، وهذا كله يعرف بالحنكة والحكمة والسؤال . فالله الله أيها المصلحون في عملكم هذا فهو من أفضل القُرَب إلى الله سبحانه وتعالى ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إصلاح ذات البيـن فإن فساد ذات البين هي الحالقة . لا أقول : إنها تحلق الشعر ولكن تحلق الدين » . قال العلامة العظيم أبادي ـ رحمه الله ـ في « عون المعبود » 13/178 : « وفي الحديث حثٌ وترغيبٌ في إصلاح ذات البين واجتنابٌ عن الإفساد فيها ، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين ، وفساد ذات البين ثلمة في الدين فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة ما يناله الصائم القائم المشتغل بخويصة نفسه » . والشيطان الرجيم يرى أنه من أفضل أعمال عماله وسراياه إفساد ذات البين . عن جابر بن عبدالله بن حرام الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلمقال : « إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجئ أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعت شيئاً ، قال : ثم يجئ أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ويقول : نعم أنت » قال الأعمش [ من العلماء الكبار وراوي الحديث ] : أراه قال : فيلتزمه » أي يضمه إلى نفسه ويعانقه .