منتدى عالم الأسرة والمجتمع

منتدى عالم الأسرة والمجتمع (http://www.66n.com/forums/index.php)
-   الثقافة الاسلامية (http://www.66n.com/forums/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الفقه الميسر ثم فتاوى العثيمين (http://www.66n.com/forums/showthread.php?t=272844)

صاحب فكرة 14-10-2017 10:36 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب التاسع: في الحجر،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناه وأدلة مشروعيته وأنواعه:
1 - تعريف الحجر: الحجر لغة: المنع.
وفي الشرع: منع إنسان من تصرفه في ماله.
2 - أدلة مشروعيته: والأصل فيه قوله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء: 5].
أي: أموالهم، لكن أضيف إلى الأولياء؛ لأنهم قائمون عليها مدبرون لها. وقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: 6]، وقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ) [البقرة: 282].
فدلت هذه الآيات على جواز الحجر على السفيه واليتيم ومن في معناهما -كالمجنون والصغير- في أموالهم، لئلا تتعرض للضياع والفساد، ولا تُدفع إليهم، إلا إذا تحقق رشدهم، وللولي أن يتصرف في أموالهم، إذا دعت المصلحة لذلك.
3 - أنواعه: الحجر على نوعين:
النوع الأول: الحجر لمصلحة المحجور عليه، كالحجر على الصبي والسفيه والمجنون، قال تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء: 5].
النوع الثاني: الحجر على الإنسان لمصلحة غيره، كالحجر على المفلس، فيمنع من التصرف في ماله لئلا يضر بأصحاب الديون. والحجر على المريض مرض الموت فيما زاد على الثلث من ماله لحق الورثة. وكذلك العبد يُحجر عليه لحق سيده، فلا يصح تصرفه بغير إذن سيده.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بالنوع الأول من الحجر، وهو الحجر على الإنسان لمصلحة نفسه:
1 - إذا تعدَّى المحجور عليه لصغره ونحوه، على نفس أو مال بجناية، فإنه يضمن ويتحمل ما يترتب على ذلك من غرامة؛ لأن المُتعدَّى عليه لم يفرط، ولم يأذن بذلك، وأما إذا دفع ماله إلى صغير أو سفيه أو مجنون، فأتلفه، لم يضمنه؛ لأنه سلَّطه عليه برضاه، فهو مفرّط.
2 - يزول الحجر عن الصغير بأمرين:
الأمر الأول: البلوغ، ويعرف ذلك بعلامات، وهي: إنزاله المني، أو إنبات الشعر الخشن حول القبل، أو بلوغه الخامسة عشرة، أو الحيض في حق الجارية.
الأمر الثاني: الرشد، وهو الصلاح في المال، لقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [النساء: 6].
ويعرف رشده بالامتحان، فيمنح شيئاً من التصرف، ويترك يتصرف مراراً في المال، فإن لم يغبن غبناً فاحشاً، ولم ينفق ماله في حرام أو فيما لا فائدة فيه، كان ذلك دليل رشده.
3 - يزول الحجر عن المجنون بأمرين أيضاً:
الأول: زوال الجنون ورجوع عقله إليه.
والثاني: الرشد. أما السفيه: فيزول عنه بزوال السفه والطيش واتصافه بالصلاح في التصرفات المالية.
4 - يتولى أمر المحجور عليهم الأب إذا كان عدلاً رشيداً، ثم وصيه. ويجب على من يتولى أمرهم أن يتصرف بما فيه الأحظ والأنفع لهم؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الأنعام: 152]. والآية نصَّتْ على اليتيم، ويقاس عليه غيره ممن هو في معناه.
5 - على ولي اليتيم أن يحافظ على ماله، ولا يأكله، أو يتصرف فيه ظلماً وبهتاناً؛ لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].
المسألة الثالثة: الأحكام المتعلقة بالنوع الثاني من الحجر، وهو الحجر على الإنسان لمصلحة غيره:
1 - لا يحجر على المدين بدين لم يحل أجله، لأنه لا يلزمه الأداء قبل حلوله، لكن لو أراد سفراً طويلاً يحل الدين قبل قدومه منه، فللغريم منعه من السفر، حتى يوثقه برهن أو كفيل مليء.
2 - إذا كان مال المحجور عليه أكثر من الدين الذي عليه، فهذا لا يحجر عليه في ماله ولكن يؤمر بالوفاء عند المطالبة، فإن امتنع حبس وعزر حتى يوفي الدين، فإن امتنع تُدُخِّل في ماله بوفاء ديونه. أما إذا كان ماله أقل مما عليه الدين الحالّ، فهذا يحجر عليه التصرف في ماله عند المطالبة؛ لئلا يضر بالغرماء. ولا يُمَكَّن المدين من التصرف في ماله بتبرع أو غيره إذا كان هذا الأمر يضر بأصحاب الديون.
3 - من باع المحجور عليه أو أقرضه شيئاً بعد الحجر، فلا يحق له المطالبة إلا بعد فكِّ الحجر عنه.
4 - للحاكم أن يبيع ماله ويقسم ثمنه بقدر ديون غرمائه الحالّة؛ لأن هذا هو المقصود من الحجر عليه، وفي تأخير ذلك مَطْلٌ وظلم لهم، ويترك له الحاكم ما يحتاج إليه كالنفقة والسكن.



صاحب فكرة 15-10-2017 09:43 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب العاشر: الشركة،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف الشركة وحكمها وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريف الشركة:
الشركة لغة: الاختلاط، أي: خلط أحد المالين بالآخر بحيث لا يتميزان عن بعضهما.
وشرعاً: هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف.
فالاجتماع في الاستحقاق: كشركة الإرث والوصية والهبة في عين أو منفعة، وتسمى هذه أيضاً: "شركة الأملاك".
والاجتماع في التصرف: وهو ما يعرف بـ "شركة العقود"، وهي المقصودة هنا بالبحث. فهذان قسمان للشركة وفق هذا التعريف.
2 - أدلة مشروعيتها: الشركة مشروعة، وجاءت الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، بجوازها.
وقال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [ص: 24]. والخلطاء:
الشركاء. وقال سبحانه: (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) [النساء: 12].
وهي من العقود الجائزة، والمجتمع بحاجة ماسة إليها ولا سيما في المشروعات الضخمة التي لا يستطيع الشخص القيام بها بمفرده.

المسألة الثانية: أنواع شركة العقود:
أولاً: شركة العِنان: وهي أن يشترك اثنان فأكثر في مال يتجران فيه، وسميت بذلك؛ لاستواء الشريكين فيها في المال والتصرف، كاستواء عِنان فرسيهما إذا استويا في السير، ويُشْترط في صحتها كون رأس المال من كل منهما أو منهم نقداً معلوماً حاضراً، وأن يُحَدَّد لكل واحدٍ منهما جزء معلوم من الربح.
ثانياً: شركة المضاربة: وهي أن يدفع أحد الشريكين للآخر مالاً يتجر به، بجزء معلوم من الربح.
ثالثاً: شركة الوجوه: وهي أن يشتركا في ربح ما يشتريان بجاهيهما، دون أن يكون لهما رأس مال، اعتماداً على ثقة التجار بهما.
رابعاً: شركة الأبدان: وهي أن يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح، كالاحتشاش، والاصطياد، والمعدن، والاحتطاب، أو يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من العمل، كنسج وخياطة ونحوهما.
يوزع الربح بين الشركاء على حسب ما يتفقان عليه، وكذلك الخسارة تكون بينهما على قدر ماليهما، وهذا في غير المضاربة، ولكلٍ منهما فسخ عقد الشركة متى شاء، كما تنفسخ بموت أحدهما أو جنونه.
الباب الحادي عشر: الإجارة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
1 - معنى الإجارة وتعريفها:
لغة: مشتقة من الأجر، وهو العوض، ومنه تسمية الثواب أجراً.
وشرعاً: عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئاً فشيئاً، مدة معلومة، من عين معلومة أو موصوفة في الذمة. أو على عمل معلوم بعوض معلوم.
2 - أدلة مشروعيتها: ودليل مشروعيتها قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [الطلاق: 6]، وقوله جل شأنه: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26].
وقد ثبت (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبا بكر استأجرا رجلاً من بني الدَّيل هادياً خِرِّيتاً) (رواه البخاري برقم (2263). والخِرِّيت: الماهر بالطرق والمسالك الخفية في الصحراء).
وجاء الوعيد لمن لم يوفِّ الأجير أجرته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة) ... وذكر منهم: (رجلٌ استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجرَه) (رواه البخاري برقم (2227)). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أعطوا الأجير أجرَه قبل أن يجف عرقه) (صححه الألباني).

المسألة الثانية: شروطها:
1 - لا تصح إلا من جائز التصرف، عاقلاً، بالغاً، حراً، رشيداً.
2 - أن تكون المنفعة معلومة؛ لأن المنفعة هي المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالبيع.
4 - أن تكون الأجرة معلومة؛ لأنها عوض في عقد معاوضة، فوجب العلم بها كالثمن.
4 - أن تكون المنفعة مباحة، فلا تصح الإجارة على الزنى، والغناء، وبيع آلات اللهو.
5 - كون المنفعة قابلة للاستيفاء، فلا تصح الإجارة لشيء يتعذر استيفاء المنفعة منه، كإجارة أعمى لحفظ شيء يحتاج إلى الرؤية.
6 - أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذوناً له فيها؛ لأن الإجارة بيع المنافع، فاشترط ذلك فيها كالبيع.
7 - أن تكون المدة معلومة، فلا تجوز الإجارة لمدة مجهولة؛ لأنها تؤدي إلى التنازع.

المسألة الثالثة: الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بعقد الإجارة الأحكام الآتية:
1) لا يجوز الاستئجار على أعمال القرب والعبادات، كالأذان والحج والفتيا والقضاء والإمامة وتعليم القرآن؛ لأنها قربة إلى الله تعالى، ويجوز أن يأخذ من يقوم بذلك رزقاً من بيت مال المسلمين.
2) على المؤجر أن يدفع العين المؤجرة للمستأجر ويُمَكَّن من الانتفاع بها، ويجب على المستأجر المحافظة على العين المستأجرة، وأن يدفع الأجرة عند حلولها.
3) لا يجوز فسخ عقد الإجارة من أحد الطرفين، إلا برضا الآخر، وإذا مات أحدهما والعين المؤجرة باقية لم يبطل العقد، ويقوم وارثه مقامه.
4) تنفسخ الإجارة إذا تلفت العين المؤجرة، أو انقطع نفعها، كدابة ماتت، أو دار انهدمت.


صاحب فكرة 16-10-2017 11:52 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثاني عشر: المزارعة والمساقاة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناهما وحكمهما:
1 - معناهما: المزارعة: دفع أرض لمن يزرعها، أو حبٍ لمن يزرعه ويقوم عليه بجزء معلوم مشاعٍ من الثمرة.
المساقاة: دفع شجرٍ مغروس معلوم، له ثمر مأكول لمن يعمل عليه بجزء مشاع معلوم من الثمرة.
والعلاقة بين المزارعة والمساقاة: أن المزارعة تقع على الزرع كالحبوب، والمساقاة تقع على الشجر كالنخيل، وفي كل منهما للعامل جزءٌ من الإنتاج.
2 - حكمهما: مشروعتان، وهما من العقود الجائزة، لحاجة الناس إليهما.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع) (متقق عليه).

المسألة الثانية: شروطهما:
1) أن يكون عاقدهما جائز التصرف، فلا يقعان إلا من بالغ، حر، رشيد.
2) أن يكون الشجر معلوماً في المساقاة، والبذر معلوماً في المزارعة.
3) أن يكون للشجر ثمر مأكول، من نخل وغيره.
4) أن يكون للعامل جزء مشاع معلوم مما يحصل من ثمر الشجر، أو من الغلة، كالثلث أو الربع أو نحو ذلك.

المسألة الثالثة: الأحكام المتعلقة بهما:
ويتعلق بهما الأحكام الآتية:
1) يلزم العامل أن يعمل كلَّ ما يؤدي إلى صلاح الثمرة، من حرثٍ، وسقيٍ، ونظافةٍ، وصيانة، وتلقيح النخل، وتجفيف الثمر، وغير ذلك.
2) على صاحب الأرض العمل على كل ما يحفظ الأصل، كحفر البئر، وتوفير المياه، وإقامة الجدران والحواجز، وجلب الآلات ومضخات المياه.
3) يملك العامل حصته بظهور الثمرة.
4) لكل عاقد فسخ العقد متى شاء؛ لأنهما عقد جائز غير لازم، فإن انفسخ العقد وقد ظهر الثمر، فهو بين العاقدين على ما شَرَطا، فإن فسخ العامل قبل طلوع الزرع وظهور الثمرة، فلا شيء له؛ لأنه رضي بإسقاط حقه كعامل المضاربة، أما إن فسخ رب المال قبل ظهور الثمرة وبعد الشروع في العمل، فللعامل أجرة عمله.
5) لو ساقاه أو زارعه في مدة تكمل فيها الثمرة غالباً، فلم تحمل تلك السنة، فلا شيء للعامل.
الباب الثالث عشر الشفعة والجوار،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في معناها وأدلة مشروعيتها:
1 - معناها: الشُّفْعَةُ هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مالي. وسميت بذلك؛ لأن صاحبها ضمَّ المبيع إلى ملكه، فصار شفعاً، بعد أن كان نصيبه منفرداً في ملكه. وقيل: هي حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الشريك الحادث بسبب الشركة؛ لدفع الضرر.
2 - أدلة مشروعيتها: الأصل فيها حديث جابر - رضي الله عنه - قال: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) (البخاري واللفظ له ومسلم). وفي رواية أخرى: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل شركة لم تقسم رَبْعَةٍ أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يُؤذِن شريكه، فإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه، فهو أحق به) (رواه مسلم (1608) (134). والرَّبعَة والربع: الدار والمسكن ومطلق الأرض). وعنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (جار الدار أحق بالدار) (صححه الألباني).
وقد أجمع العلماء على إثبات حق الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض، أو دار، أو حائط.
فتبيَّن من ذلك ثبوت مشروعية الشفعة بالسنة والإجماع.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بالشفعة:
1 - لا يجوز للشريك أن يبيع نصيبه حتى يؤذن ويعرض على شريكه، فإن باع، ولم يؤذنه فهو أحق به.
2 - لا تثبت الشفعة في غير الأرض والعقار، كالمنقولات من الأمتعة
والحيوان ونحو ذلك.
3 - الشفعة حق شرعي لا يجوز التحيل لإسقاطه؛ لأنها شرعت لدفع الضرر عن الشريك.
4 - تثبت الشفعة للشركاء على قدر ملكهم، ومن ثبتت له الشفعة أخذه بالثمن الذي بيعت به سواء كان مؤجلاً أو حالاً.
5 - تثبت الشفعة بكون الحصة المنتقلة عن الشريك مبيعة بيعاً صريحاً أو ما في معناه، فلا شفعة فيما انتقل عن ملك الشريك بغير بيع: كموهوب بغير عوض، وموروث، وموصى به.
6 - لابد أن يكون العقار المنتقل بالبيع قابلاً للقسمة، فلا شفعة فيما لا يقسم: كحمام صغير، وبئر، وطريق.
7 - الشفعة تثبت المطالبة بها فور علمه بالبيع، وإن لم يطالب بها وقت البيع سقطت، إلا إذا لم يعلم فهو على شفعته، كذلك لو أخَّر طلبه لعذر، كالجهل بالحكم أو غير ذلك من الأعذار.
8 - محل الشفعة الأرض التي لم تقسم، ولم تحد، وما فيها من غراس وبناء فهو تابع لها. فإذا قسمت لكن بقي بعض المرافق المشتركة بين الجيران كالطريق والماء ونحو ذلك، فالشفعة باقية في أصح قولي أهل العلم.
9 - ولابد للشفيع مِنْ أخذ جميع المبيع، فلا يأخذ بعضه ويترك بعضه، وذلك دفعاً للضرر عن المشتري.

المسألة الثالثة: في أحكام الجوار:
الجار له حق على جاره، وقد أوصى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجار حتى كاد أن يورثه.
فمن احتاج إلى جاره كأن يحتاج إلى إجراء الماء في أرضه، أو ممر في ملكه، أو نحو ذلك، فعلى جاره أن يحقق له حاجته، سواء كانت بعوض أو بغير عوض.
ولا يجوز للإنسان أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره، كفتح نافذة تطل على
بيته، أو مصنع يقلق جاره بأصواته أو نحو ذلك. وإذا كان بينهما جدار مشترك لا يتصرف فيه ويضع عليه الخشب إلا عند الضرورة، كأن يحتاج إليه عند التسقيف، فلا يمنعن من ذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبةً في جداره) (البخاري واللفظ له ومسلم).

المسألة الرابعة: في الطرقات:
1 - لا يجوز مضايقة المسلمين في طرقاتهم.
2 - لا يجوز أن يحدث في ملكه ما يضايق الطريق.
3 - لا يجوز أن يتخذ موقفاً لدابته أو سيارته بطريق المارة.
4 - الطريق حق للجميع فتجب المحافظة عليه، من جميع ما يضر المارة عليه، كوضع المخلفات والقمائم فيه ونحو ذلك؛ لأن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان.

صاحب فكرة 17-10-2017 12:23 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الرابع عشر: الوديعة والإتلافات،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها: الوديعة هي عين يضعها مالكها أو نائبه عند من يحفظها بلا عوض.
2 - أدلة مشروعيتها: الأصل فيها قوله تعالى: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58].
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك) (صححه الألباني). ولأن الضرورة والحاجة داعية للإيداع.
فمن وجد في نفسه القدرة على حفظ الأمانة فإنه يستحب له أن يقبل الوديعة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) (رواه مسلم).
أما إذا علم من نفسه عدم القدرة على حفظ الوديعة فإنه لا يجوز له قبولها.

المسألة الثانية: شرط صحتها:
أن تكون من جائز التصرف لمثله، فلو أودع إنسان جائز التصرف ماله عند صغير أو مجنون أو سفيه، فأتلفه فلا ضمان، لتفريطه. وإن أودع الصغير ونحوه ماله عند آخر، صار الوديع ضامناً؛ لتعديه بأخذه.

المسألة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بالوديعة:
1 - الوديعة أمانة في يد المستودع، فلا ضمان عليه إن لم يفرط؛ لأنها أمانة كسائر الأمانات، والأمين لا يضمن إن لم يتعد، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا ضمان على مؤتمن) (حسَّنه الألباني بمجموع طرقه).
2 - إذا تعدَّى على الوديعة، أو فرَّط في حفظها، فإنه يضمنها إذا تلفت؛ لأنه متلف لمال غيره.
3 - يجب على المستودع حفظ الوديعة في حرز مثلها عرفاً؛ لأن الله عز وجل أمر بأداء الأمانات إلى أهلها، ولا يمكن ذلك إلا بحفظها، ولأن المقصود من الإيداع الحفظ، والوديع ملتزم بذلك، فإن لم يحفظها لم يفعل ما التزمه.
4 - يجوز للمستودع أن يدفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة، كزوجته وعبده وخازنه وخادمه، وإن تلفت عندهم من غير تعد ولا تفريط، فلا ضمان عليهم.
5 - لا يجوز أن يودعها عند غيره من غير عذر، وأما لعذر: كسفر أو حضور موت فجائز. وعليه: فإن أودعها عند الغير بعذر، فتلفت، لم يضمن، وإن كان بغير عذر ضمن؛ لتعدِّيه وتفريطه.
6 - إذا خاف المستودع على الوديعة أو أراد السفر، فإنه يجب عليه ردُّها إلى صاحبها أو وكيله، فإن لم يجدهما فإنه يحملها معه في السفر، إذا كان ذلك أحفظ لها، وإلا دفعها إلى الحاكم، فإن لم يتمكن أودعها عند من يثق به؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الهجرة إلى المدينة أودع الودائع لأم أيمن رضي الله عنها، وأمر علياً أن يردَّها إلى أهلها (وحسنه الألباني). وكذلك إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً، وعنده ودائع، فإنه يجب عليه ردها إلى أصحابها، فإن لم يتمكن أودعها عند الحاكم، أوعند من يثق به.
7 - إذا كانت الوديعة دابة لزم المستودع إعلافها، وتغذيتها، فإن أهملها، وتلفت، ضمنها، ويأثم بهذا الإهمال لحرمتها، ولأن كل كبد رطب فيها أجر.
8 - المستودع أمين يُقبل قوله، إذا ادعى أنه رد الوديعة إلى صاحبها، أو من يقوم مقامه، ويقبل قوله مع يمينه، إذا ادعى أنها تلفت من غير تعد ولا تفريط.
وعلى المستودع ألا يؤخر الوديعة عند طلب صاحبها لها، فإن أخَّرها من غير عذر، فتلفت، فإنه يضمن.
9 - من الصور المعاصرة للوديعة: الودائع المصرفية، وهي ما يقوم به الأفراد من إيداع مبالغ نقدية في البنوك، إلى أجل محدد أو مطلقاً، ويقوم البنك بالتصرف في هذه المبالغ، ويدفع لصاحبها فائدة مالية ثابتة، وهذه تصير في معنى القرض، من حيث تملُّك البنك لعينها، وتعلقها بذمته، وتعهده برد مثلها عند المطالبة، وهي بهذه الصورة من الربا المحرم، فليحذر المسلمون من الوقوع فيه. أما الودائع التي لا يتقاضى صاحبها عليها فائدة، كالذي يعرف اليوم بالحساب الجاري، فلا شيء فيه، لأنه لم يأخذ زيادة على أصل ماله. أما إذا ألزم الشخص بقبض الزيادة، وكان مضطراً إلى الإيداع في مثل هذه البنوك بحيث يلحقه ضرر محقق بترك ذلك، فإنه يقبض هذه الزيادة، وينفقها في مصالح المسلمين العامة.

المسألة الرابعة: في الإتلافات:
يحرم الاعتداء على أموال الناس، وأخذها بغير حق، ومن اعتدى على مال غيره فأتلفه، وكان هذا المال محترماً، فإنه يجب عليه الضمان، وكذلك من تسبب في إتلاف مال غيره، بحل قيد، أو بفتح باب أو نحو ذلك.
وإذا كان له مواش وجب عليه حفظها في الليل، من إفساد زروع الناس أو إفساد أنفسهم، فإن أهملها وحصل الفساد ضمن؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى أن على أهل الأموال حفظها بالنهار، وأهل المواشي حفظها بالليل، وما أفسدت بالليل فإنه مضمون عليهم؛ لأن أموال المسلمين وأرواحهم محترمة، فيحرم التعدي عليها، أو التسبب في إفسادها أو هلاكها.
والصّائِلُ من الإنسان أو الحيوان، إذا لم يندفع إلا بالقتل، فقتله، فلا ضمان عليه؛ لأنه قتله دفاعاً عن نفسه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أريد ماله بغير حقٍّ، فقاتلَ، فقتل، فهو شهيد) (صححه الشيخ الألباني).
(الصائل من الإنسان: هو الذي يسطو على غيره عادياً، يريد نفسه، أو عرضه، أو ماله)
ومن أتلف ما حرم الله كآلات اللهو، والصليب، وأواني الخمر، وكتب الضلال والبدعة، وأشرطة ومجلات المجون، والخلاعة، فإنه لا ضمان عليه، لكن لا يكون الإتلاف على إطلاقه، بل لابد من تقييده بأمر الحاكم، وتحت رقابته؛ ضماناً للمصلحة، ودفعاً للمفسدة، ودرءاً للفتن.


صاحب فكرة 18-10-2017 11:39 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الخامس عشر: في الغصب،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفه وحكمه:
1 - تعريفه: الغَصْبُ لغة: أخذ الشيء ظلماً.
وشرعاً: الاستيلاء على حق الغير، ظلماً وعدواناً بغير حق.
2 - حكمه: وهو محرم بإجماع المسلمين؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [البقرة: 188]، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) (صححه الألباني)، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أرضين) (البخاري ومسلم واللفظ له).
فعلى كل من عنده مظلمة لأخيه أن يتوب إلى الله، ويتحلل من أخيه، ويطلب منه العفو في الدنيا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كانت له مَظْلَمَةٌ لأخيه من عرضِهِ أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسناتٌ أخذ من سيئات صاحبه، فحُملَ عليه) (رواه البخاري).

المسألة الثانية: في الأحكام المتعلقة بالغصب:
1 - يجب على الغاصب رد المغصوب بحاله، وإن أتلفه رد بدلاً منه.
2 - يلزم الغاصب رد المغصوب بزيادته، سواء كانت منفصلة أو متصلة.
3 - الغاصب إذا تصرف في المغصوب ببناء أو غرس، أمر بقلعه إذا طالبه المالك بذلك.
4 - المغصوب إذا تغير، أو قل، أو رخص، ضمن الغاصب النقص.
5 - الاغتصاب قد يكون بالخصومة والأيمان الفاجرة.
6 - جميع تصرفات الغاصب باطلة، إن لم يأذن بها المالك.
الباب السادس عشر: في الصلح،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناه، وأدلة مشروعيته:
1 - معناه: الصُّلْحُ في اللغة: التوفيق، أي قطع المنازعة.
وفي الشرع: هو العقد الذي ينقطع به خصومة المتخاصمين.
2 - أدلة مشروعيته: وقد دل على مشروعيته الكتاب، والسنة، والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128]، وقوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9]، وقوله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
ومن السنة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الصلح جائزٌ بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرَّم حلالاً) (1). وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقوم بالإصلاح بين الناس.
وقد أجمعت الأمة على مشروعية الصلح بين الناس بقصد رضا الله، ثم رضا المتخاصمين.
فدلَّ على مشروعية الصلح: الكتاب والسنة والإجماع.

المسألة الثانية: في أنواع الصلح العامة:
الصلح بين الناس على أنواع:
1 - الصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35]، أو خافت إعراضه، أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها؛ قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
2 - الصلح بين الطائفتين المتقاتلتين من المسلمين. قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا) [الحجرات: 9].
3 - الصلح بين المسلمين والكفار المتحاربين.
4 - الصلح بين المتخاصمين في غير المال.
5 - الصلح بين المتخاصمين في المال، وهو المقصود في بحثنا، وهو على نوعين:
أ- الصلح مع الإقرار، وهو على نوعين أيضاً:
1 - صلح الإبراء: وهو صلح على جنس الحق المقرِّ به، كأن يقرَّ رشيد لآخر بدين أو عين، ثم يسقط عنه المقَرّ له بعض العين أو الدين، ويأخذ الباقي، فهو إبراء عن بعض الدين بلفظ الصلح. وهذا جائز بشرط أن يكون صاحب الحق ممن يصح تبرعه، وألا يكون مشروطاً في الإقرار.
2 - صلح المعاوضة: وهو أن يصالح عن الحق المقرِّ به بغير جنسه، كما لو اعترف له بدين أو عين ثم تصالحا على أخذ العوض من غير جنسه. فهذا حكمه حكم البيع، وإن وقع على منفعة فحكمه حكم الإجارة.
ب- الصلح مع الإنكار، وهو أن يدَّعي شخص على آخر بعين له عنده أو بدين في ذمته، فينكرُ المدَّعى عليه، أو يسكت وهو يجهل المدعى به، ثم يصالح المدعي عن دعواه بمال حال أو مؤجل؛ فيصح الصلح في هذه الحالة، إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع المال؛ دفعا للخصومة عن نفسه، وافتداءً ليمينه، والمدَّعي يعتقد صحة الدعوى، فيأخذ المال عوضاً عن حقه الثابت.

المسألة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بالصلح:
1 - يصحُّ الصلح عن الحق المجهول، وهو ما تعذَّر علمه من دين أو عين، كأن يكون بين شخصين معاملة وحساب مضى عليه زمن، ولا علم لواحد منهما بما عليه لصاحبه.
2 - يصح الصلح عن كل ما يجوز أخذ العوض عنه، كالصلح عن القصاص بالدية المحددة شرعا، أو أقل، أو أكثر.
3 - لا يصح الصلح عن كل ما لا يجوز أخذ العوض عنه، كالصلح عن الحدود، لأنها شرعت للزجر.


صاحب فكرة 19-10-2017 09:54 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب السابع عشر: المسابقة،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها، وحكمها:
1 - معناها: السبَقُ ما يتراهن عليه المتسابقون في الخيل، والإبل، وفى النضال، فمن سبق أخذه.
والمسابقة هي المجاراة بين الحيوان وغيره. والمناضلة والنضال: المسابقة بالرمي بالسهام ونحوها.
2 - حكمها وأدلتها: والمسابقة جائزة بالكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60]. ومن السنة: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بين الخيل المُضَمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) (البخاري ومسلم)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا سَبَقَ إلا في خُف أو نَصْل أو حَافرٍ) (صححه الألباني). والخف: البعير، والنصل: السهم ذو النصل، والحافر: الفرس.
تضمير الخيل: هو أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن، ثم لا تعلف إلا قوتاً لتخف، ويكون تضمير الخيل للغزو أو السباق
وقد أجمع المسلمون على جواز المسابقة في الجملة.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:
1 - تجوز المسابقة على الخيل، وغيرها من الدوابِّ والمراكب، وعلى الأقدام، وكذا الترامي بالسهام، واستعمال الأسلحة.
2 - تجوز المسابقة على عوض في الإبل، والخيل، والسهام؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا سَبَقَ إلا في خف أو نصل أو حافر) (صححه الألباني).
3 - كل ما يترتب عليه مصلحة شرعية، كالتدرب على الجهاد، والتدرب على مسائل العلم، فالمسابقة فيه مباحة، ويجوز أخذ العوض عليها.
4 - كل ما يُقْصَدُ منه اللعب والمرح الذي لا مضرة منه، مما أباحه الشرع، تجوز فيه المسابقة، بشرط ألا يشغل عن أمور الدين الواجبة كالصلاة ونحوها.
وهذا النوع لا يجوز أخذ العوض عليه.
5 - لكل واحد من المتسابقين فسخ المسابقة ما لم يظهر الفضل لصاحبه، فإن ظهر فللفاضل الفسخ دون المفضول.
6 - تبطل المسابقة بموت أحد المتسابقين، أو أحد المركوبين.
7 - يكره للأمين أو الحضور مدح أحد المتسابقين، أو عيبه.

المسألة الثالثة: شروط أَخْذِ العِوَض في المسابقة:
1 - تعيين الرماة في المناضلة، أو المركوبين في المسابقة، وذلك بالرؤية.
2 - اتحاد المراكب في المسابقة، أو القوسين في المناضلة، وذلك بالنوع؛ فلا تصح بين عربي وهجين، ولا بين قوس عربية وفارسية.
3 - تحديد المسافة أو الغاية، وذلك إما بالمشاهدة أو بالذَّرْع.
4 - أن يكون العوض معلوماً ومباحاً؛ لأنه مال في عقد، فوجب العلم به وإباحته كسائر العقود.
5 - أن يكون العوض من غير المتسابقين؛ ليخرج بذلك عن شَبَه القمار، أما إذا كان منهما، أو من أحدهما، فلا تصح المسابقة.
الباب الثامن عشر: العارية،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
1 - معناها: الإعارة: إباحة الانتفاع بالشيء مع بقاء عينه. والعَارِيَّة: هي العين المأخوذة للانتفاع، كأن يستعير إنسانٌ من آخر سيارته ليسافر بها ثم يعيدها إليه.
2 - أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة مستحبة؛ لعموم قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].
وقال تعالى: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) [الماعون: 7]، والمراد ما يستعير الجيران من بعضهم، كالأواني والقدور ونحو ذلك؛ فقد ذَمَّهم الله سبحانه لمنعهم العارية، فدلّ ذلك على أنها مستحبة مندوب إليها. وروى صفوان بن أمية - رضي الله عنه -: (أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار منه أدرعاً يوم حنين) (صححه الألباني). وعن أنس - رضي الله عنه -: (أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استعار فرساً من أبي طلحة - رضي الله عنه -) (متفق عليه).

المسألة الثانية: شروطها:
1 - أن يكون المعير والمستعير أهلاً للتبرع شرعاً، والعينُ المعارة ملكاً للمعير.
2 - أن تكون العين المعارة مباحة النفع، فلا تصح الإعارة لغناء ونحوه، ولا تصح استعارة إناء من ذهب أو فضة للشرب فيه، وكذا سائر ما يحرم الانتفاع به شرعاً.
3 - أن تبقى العين المعارة بعد الانتفاع بها، فإن كانت من الأعيان التي تستهلك كالطعام، فلا تصح إعارتها.
المسألة الثالثة: بعض الأحكام المتعلقة بها:
1 - لا يجوز للمستعير إعارة العين التي استعارها، لأنه غير مالكٍ لها، وكذا لا يجوز له تأجيرها، إلا إذا أذن المالك في ذلك.
2 - أنها أمانةٌ في يد المستعير، يجب أن يحافظ عليها، ويردها سليمة، كما أخذها، فإن تعدى أو فَرط ضمنها.
3 - الإعارة عقد غير لازم، فللمعير الرجوع فيه متى شاء، ما لم يضر بالمستعير، فإن أضرَّ به لم يجز الرجوع.
4 - تنتهي الإعارة، وترد العارية بأمور:
- مطالبة المالك بذلك، ولو لم يتحقق غرض المستعير منها.
- وبانقضاء الغرض من العين المعارة.
- انقضاء الوقت إذا كانت العارية مؤقتة.
- موت المعير أو المستعير، لبطلان الإعارة بذلك.
5 - المستعير في استيفاء النفع كالمستأجر، له أن ينتفع بنفسه، وبمن يقوم مقامه، وذلك لملكه التصرف فيها بإذن مالكها.


صاحب فكرة 21-10-2017 10:26 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب التاسع عشر: إحياء الموات،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في معناه وحكمه:
1 - معناه: المَوَاتُ لغة: هو ما لا روح فيه، والمراد به الأرض التي لم تعمر ولا مالك لها.
وفي الاصطلاح: هو الأرض المنفكَّة عن الاختصاصات وملك معصوم، فهو الأرض الخراب التي لم يَجْر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيها أثر عمارة. أو وجد فيها أثر ملك وعمارة، ولم يعلم لها مالك.
2 - حكمه وأدلته: والأصل فيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ) (صححه الألباني). والعرق الظالم: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها غيره، فيغرس فيها، أو يزرع؛ ليستوجب بذلك الأرض.
وقد يكون الإحياء مستحبا لحاجة الناس والدواب ونفعهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحيا أرضاً ميتة فله فيها أجر، وما أكله العَوَافي فهو له صدقة) (صححه الألباني). العوافي : جمع العافية والعافي، وهو: كل طالب رزق من طير أو إنسان أو بهيمة

المسألة الثانية: شروطه وما يحصل به:
يشترط لصحة إحياء الموات شرطان:
1 - أنه لم يجر على الأرض ملك مسلم، فإن جرى ذلك حرم التعرض لها بالإحياء إلا بإذن شرعي.
2 - أن يكون المحيي مسلماً، فلا يجوز إحياء الكافر مواتاً في دار الإسلام.
ويحصل الإحياء بأمور:
1 - إذا أحاطه بحائط منيع مما جرت به العادة فقد أحياه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحاط حائطاً على أرض فهي له) (صححه الألباني).
2 - إذا حفر في الأرض الموات بئراً، فوصل إلى الماء، فقد أحياها، وإن لم يصل إلى الماء فهو الأحق من غيره، وكذلك لو حفر فيها نهراً.
3 - إذا أوصلَ إلى الأرض الموات ماءً أجراه من عين أو نهر أو غير ذلك، فقد أحياها بذلك.
4 - إذا غرس فيها شجراً، وكانت قبل ذلك لا تصلح للغراس، فنقَّاها، وغرسها فقد أحياها.
5 - ومن العلماء من قال: إن الإحياء لا يقف عند هذه الأمور، ويرجع فيه إلى العرف، فما عدَّه الناس إحياء فهو إحياء، وما لا يُعَدُّ إحياء فلا يعتبر.

المسألة الثالثة: بعض الأحكام المتعلقة به:
1 - من أحيا شيئاً من أرض الموات فقد ملكه؛ لعموم الأحاديث المتقدمة، ومنها قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له).
2 - حريم المعمور لا يملك بالإحياء؛ لأن مالك المعمور يستحق مرافقه. حريمُ الشيء: هو ما حوله من حقوقه ومرافقه، سُمي بذلك لأنه يحرم على غير مالكه أن يستبد بالانتفاع به
3 - لإمام المسلمين إقطاع الأرض الموات لمن يحييها؛ لحديث وائل بن حُجر: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقطعه أرضا بحضرموت) (صححه الشيخ الألباني).
4 - يجوز للإمام أن يَحْمِي العشب في أرض الموات لإبل الصدقة وخيل المجاهدين، إذا احتاج إلى ذلك، ولم يكن فيه ضيق أو مضرَّة على المسلمين، وليس ذلك لأحد سوى إمام المسلمين، وهو مشروع للمصلحة العامة، ففي حديث الصعب بن جثامة مرفوعاً: (لا حمى إلا لله ولرسوله) (رواه البخاري). ومعنى حماه: أي جعله حمىً، أي: محظوراً لا يقرب.
الباب العشرون: الجعالة،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناها وحكمها:
1 - معناها: الجِعَالَة: التزام عوض معلوم، على عمل معين، بقطع النظر عن فاعله.
مثاله: أن يقول: مَن وجد سيارتي المفقودة فله ألف ريال.
2 - حكمها وأدلتها: وهي من العقود المباحة شرعاً، ويدل عليها قوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72].
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن ناساً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مرّوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فَلُدغَ سيِّدُ الحي، فقالوا للصحابة: هل فيكم من راق؟، قالوا: نعم، لكن لا نفعل إلاّ أن تجعلوا لنا جُعْلاً، فجعلوا لهم قطيع شياه، فرَقاه رجل منهم بفاتحة الكتاب فبرأ الرجل، فأتوهم بالشياه، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلما رجعوا سألوه، فقال لهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خذوا منهم، واضربوا لي معكم بسهم) (متفق عليه).

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بالجعالة الأحكام الآتية:
1 - يشترط في الملتزم بالجعل أن يكون صحيح التصرف، وفي العامل أن يكون قادراً على العمل.
2 - أن يكون العمل مباحاً، فلا تصحُّ على محرم كغناء، أو صناعة خمر، أو نحوهما.
3 - ألا يوقت العمل بوقت محدد، فلو قال: من ردَّ جملي إلى نهاية الأسبوع فله دينار؛ لم يصح.
4 - أنها عقد جائز، لكلٍ من الطرفين فسخها، فإن فسخها الجاعل فللعامل أجرة المثل، وإن فسخها العامل فلا شيء له.


صاحب فكرة 22-10-2017 09:09 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الحادي والعشرون: اللقطة واللقيط،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى اللقطة وحكمها:
1 - معناها: اللُّقَطَةُ لغة: الشيء الملقوط، وهي اسم الشيء الذي تجده مُلقىً فتأخذه.
وفي الشرع: هي أخذ مال محترم من مَضْيَعة؛ ليحفظه، أو ليتملكه بعد التعريف.
2 - حكمها وأدلتها: والأصل فيها حديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئل عن لقطة الذهب أو الورق (الفضة) فقال: (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عَرِّفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن عندك وديعة. فإن جاء طالبها يوما من الدهر فَأَدِّها إليه)، وسأله عن ضالة الإبل فقال: (مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها، وسقاءها، تَرِدُ الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها)، وسأله عن الشاة فقال: (خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب) (البخاري ومسلم).
والوكاء: الخيط الذي تُشَد به الصُرة والكيس وغيرهما، والعِفَاص: الوعاء تكون فيه النفقة، من جلد أو غير ذلك. والمقصود: معرفة الملتقط بالعلامات حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها.

المسألة الثانية: أقسام اللقطة:
1 - ما لا تتبعه همة الناس: كالسوط والرغيف، والثمرة والعصا، وهذا يجوز التقاطه، وللملتقط الانتفاع به، وتملُّكه بلا تعريف.
2 - ما يمتنع بنفسه من صغار السباع وغيرها: كالإبل، والخيل، والبقر، والبغال، وهذا يحرم التقاطه ولا يملكه ملتقطه بتعريفه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث زيد بن خالد المتقدم: (مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها، وسقاءها، تَرِد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها).
3 - ما يجوز التقاطه، ويلزمُه تعريفه: كالذهب، والفضة، والمتاع، وما لايمتنع من صغار السباع كالغنم والدجاج ونحوهما، وذلك لحديث زيد بن خالد المتقدم. هذا لمن وثق في نفسه، وقدر على تعريفها.

المسألة الثالثة: بعض الأحكام المتعلقة بها:
1 - إذا كان الملقوط حيواناً مأكولاً، فهو مخير بين أكله ودفع قيمته في الحال، أو بيعه، والاحتفاظ بقيمته لصاحبه بعد معرفة أوصافه، أو حفظه، والإنفاق عليه من ماله، ولا يملكه، ويرجع بنفقته على مالكه إذا جاء واستلمه، وإذا جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط فله أخذها.
2 - إذا كان الملقوط مما يخشى فساده كالفاكهة، فللملتقط أكله ودفع قيمته لمالكه، أو بيعه وحفظ ثمنه حتى يأتي مالكه.
3 - أما النقود والأواني والمتاع فيلزمه حفظ الجميع أمانة بيده والتعريف بها في مجامع الناس.
4 - لا يجوز أخذ اللقطة إلا إذا أمن على نفسه منها واستطاع أن يُعَرِّف بها؛ لأن التعريف باللقطة واجب، فإذا التقطها يعرف صفاتها، ثم يعرفها سنة كاملة، وذلك بالمناداة عليها في مجامع الناس، فإن جاء صاحبها ووصفها بما يطابق صفتها دفعها إليه، فإن لم يأت صاحبها بعد تعريفها عاماً كاملاً تكون ملكاً له.
5 - الملتقط يتملك اللقطة، بعد تعريفها ومرور الحول، لكن لا يتصرف فيها إلا بعد معرفة أوصافها. فمتى جاء طالبها بما ينطبق على تلك الأوصاف دفعها إليه بلا بينة ولا يمين؛ لأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك في حديث زيد بن خالد المتقدم.
6 - لقطة الصبي والسفيه يتصرف فيها ولي أمرهما، بما سبق بيانه.
7 - لقطة الحرم لا تملك بحال، ويجب التعريف بها طول الدهر.

المسألة الرابعة: في اللقيط:
اللَّقِيط: هو الطفل الذي يوجد منبوذاً في شارع، أو باب مسجد ونحوه، أو
يضل عن أهله، ولا يعرف له نسب ولا كفيل.
ولا ينبغي ترك اللقيط، لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2] فعموم الآية يدل على وجوب أخذ اللقيط، فالتقاطه والإنفاق عليه فرض على الكفاية، ولأن في أخذه إحياء لنفسه. وما وجد معه من المال فهو له، عملاً بالظاهر، ولأن يده عليه؛ وينفق عليه منه، فإن لم يكن معه مال أنفق عليه من بيت المال.
واللقيط حرٌّ مسلم في جميع أحكامه، إلا إذا وجد ببلد الكفر، فإنه كافر.
ويثبت نسب اللقيط بإقرار من يدعيه ممن يمكن كونه منه، فإن تنازع فيه أكثر من واحد ولا بَيِّنة عرض على القَافَة.
القافة : جمع قَائِف، وهو الذي يتتبع الآثار ويعرفها، ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه.

والأحق بحضانة اللقيط واجده، بشرط أن يكون حراً أميناً عدلاً رشيداً، ولا حضانة لكافر ولا فاسق على مسلم.
ويشترط في المُلْتقِط: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والعدالة، والرشد. فلا يصح التقاط الصبي، والمجنون، والعبد، والكافر للمسلم، والفاسق والسفيه.


صاحب فكرة 23-10-2017 11:07 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثاني والعشرون: الوقف،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناه وحكمه:
1 - معناه: الوقف حبسُ عين يمكن الانتفاع بها مع بقائها، تقرباً إلى الله تعالى، فهو: حبس الأصل وتسبيل الثمرة.
مثاله: أن يوقف داراً ويؤجرها، ويصرف الأجرة على المحتاجين، أو المساجد، أو طباعة الكتب الدينية أو نحو ذلك.
2 - حكمه وأدلته: وهو من الأعمال المستحبة، والأصل فيه، ما ورد عن عمر - رضي الله عنه -، أنه أصاب أرضاً بخيبر، فقال: يا رسول الله، أصبتُ أرضاً بخيبر، لم أصب مالاً قط أنفسُ عندي منه، فما تأمرني؟، قال: (إن شئتَ حبست أصلها، وتصدَّقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) (متفق عليه). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) (رواه مسلم). فالمقصود بالصدقة الجارية: الوقف.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة به:
ويتعلق بالوقف الأحكام الآتية:
1 - أن يكون الواقف جائز التصرف، عاقلاً بالغاً حراً رشيداً.
2 - كون الوقف مما ينتفع به انتفاعاً دائماً مع بقاء عينه، وأن يُعَيِّنَه.
3 - أن يكون الوقف على بِرٍّ ومعروف، كالمساجد، والمساكين، وكتب العلم ونحو ذلك؛ لأنه قربة إلى الله تعالى، فيحرم الوقف على معابد الكفار، أو لشراء محرم.
4 - إذا تعطلت منافع الوقف، ولم يمكن الانتفاع به، فيباع، ويصرف ثمنه في مثله، فإن كان مسجداً صرف ثمنه في مسجد آخر، أو كان داراً بيعت، واشتُري بثمنها دار أخرى؛ لأن ذلك أقرب إلى مقصود الواقف.
5 - الوقف عقد لازم، يثبت بمجرد القول، ولا يجوز فسخه، ولا بيعه.
6 - أن يكون الموقوف معيناً، فلا يصح وقف غير المعين.
7 - أن يكون الوقف منجزاً، فلا يصح الوقف المعلق ولا المؤقت، إلا على موته.
8 - يجب العمل بشرط الواقف، إذا كان لا يخالف الشرع.
9 - إذا وقف على أولاده استوى فيه الذكور والإناث.
الباب الثالث والعشرون: الهبة، والعطية،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها وأدلتها:
1 - معناها: الهبة هي التبرع من جائز التصرف في حياته لغيره، بمال معلوم أو غيره، بلا عوض.
2 - حكمها وأدلتها: والهبة مستحبة إذا قصد بها وجه الله، كالهبة لصالح، أو فقير، أو صلة رحم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تهادوا تحابوا) (حسنه الألباني). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل الهدية ويثيب عليها) (رواه البخاري). وتكره إن كانت رياءً وسمعة ومباهاة.

المسألة الثانية: شروط الهبة:
1 - أن تكون من جائز التصرف، وهو الحر المكلف الرشيد.
2 - أن يكون الواهب مختاراً، فلا تصح من المكره.
3 - أن يكون الموهوب مما يصح بيعه، فما لا يصح بيعه لا تصح هبته، مثل: الخمر، والخنزير.
4 - أن يقبل الموهوب له الشيء الموهوب، لأن الهبة عقد تمليك فافتقر إلى الإيجاب والقبول.
5 - أن تكون الهبة حالَّة منجزة، فلا تصح الهبة المؤقتة، مثل: وهبتك هذا شهراً أو سنة؛ لأن الهبة عقد تمليك، فلا تصح مؤقتة.
6 - أن تكون بغير عوض، لأنها تبرع محض.
المسألة الثالثة: بعض الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بالهبة الأحكام الآتية:
1 - تلزم الهبة إذا قبضها الموهوب له بإذن الواهب، وليس للواهب الرجوع فيها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) (البخاري ومسلم). إلا إذا كان أباً، فإن له الرجوع فيما وهبه لابنه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) (صححه الألباني).
2 - يجب على الأب المساواة بين أبنائه في الهبة، فلو خصَّ بعضهم بها، أو فاضل بينهم في العطاء دون رضاهم لم يصح ذلك، وإن رضوا صحت الهبة؛ وذلك لحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه -: أنَّ أباه تصدق عليه ببعض ماله، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أكلَّ ولدك أعطيتَ مثله؟) قال: لا، قال: (فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم) وفي رواية: (لا تشهدني على جور) (البخاري ومسلم).
3 - إذا فاضل الأب في مرض موته بين أبنائه، أو خَصَّ أحدهم بعطية دون الآخرين، لم يصح إلا إذا أجاز ذلك بقية الورثة.
4 - تصح الهبة المعلقة، كأن يقول: إذا قدم المسافر، أو نزل المطر، وهبتك كذا.
5 - تصح هبة الدين لمن هو في ذمته، ويعتبر ذلك إبراء له.
6 - لا ينبغي ردُّ الهبة والهدية، وإن قَلَّتْ، وتسنُّ الإثابة عليها؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقبل الهدية، ويثيب عليها) (رواه البخاري).

صاحب فكرة 23-10-2017 11:12 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
بمشيئة الله تعالى لقاؤنا القادم مع كتاب المواريث والوصايا والعتق
فنابعوا معي هذا الفرع المهم من فروع الفقه الإسلامي
وفقكم الله

صاحب فكرة 24-10-2017 12:41 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
ثامناً: كتاب المواريث والوصايا والعتق
ويشتمل على أربعة أبواب:
الباب الأول: تصرفات المريض
الإنسان إذا كان صحيحاً ومعافى فإنه يتصرف في ماله بكل حرية، ولكن بحدود ما جاء به الشرع.
أما إذا كان مريضاً، فلا يخلو المرض أن يكون غير مخوف، بمعنى أنه لا يخاف أن يموت بسببه كوجع الضرس والأصبع والصداع وآلام الجسم التي لا تؤثر، ويمكن شفاؤها وبرؤها، فهذا المريض يكون تصرفه لازماً كتصرف الصحيح، فتصح عطيته، وهبته، من جميع ماله، وإنْ تطور إلى مرض مخوف ومات بسببه، فالعبرة بحاله عند العطية والهبة، وهو في هذه الحال في حكم الصحيح.
أما إذا كان المرض مخوفاً، بأن يتوقع منه الموت كالأمراض الخبيثة والمستعصية، فإن تبرعاته في هذه الحال تنفذ من ثلثه لا من رأس المال، فإن كانت في حدود الثلث فما دون نفذت. وإن زادت على ذلك فإنها لا تنفذ إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم) (حديث حسن). فدل الحديث وما ورد بمعناه على أنه يجوز التصرف للمريض مرض الموت في ثلث المال؛ لأنَّ عطيته من رأس المال تضر بالورثة، فردت إلى الثلث كالوصية.
أما إذا كان المرض مزمناً، ولكنه غير مخوف، ولم يلزمه الفراش، كمرض السكر وغيره، ففي هذه الحال تصبح تبرعاته من جميع ماله كتبرعات الصحيح؛ لأنه لا يخاف منه تعجيل الموت، كالشيخ الكبير.
أما إذا ألزمه الفراش، فلا تصح تبرعاته ولا وصاياه إلا في حدود الثلث لغير الوارث؛ لأنه مريض ملازم لفراشه يخشى عليه من الموت، فلا تعتبر تصرفاته وتبرعاته في هذه الحال كالمريض مرض الموت.
الباب الثاني: الوصية،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها: الوصية لغة: معناها العهد إلى الغير، أو الأمر.
وشرعاً: هبة الإنسان غيره عيناً، أو ديناً، أو منفعة، على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصي.
وقد تشمل الوصية ما هو أعم من ذلك، فتكون بمعنى: الأمر بالتصرف بعد الموت -كما عرفها بعضهم بذلك- فتشمل الوصية لشخص بغسله، أو الصلاة عليه إماماً، أو دفع شيء من ماله لجهة.
2 - أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) [البقرة: 180].
ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما حق امرئ مسلم، يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه) (متفق عليه). وقد أجمع العلماء على جوازها.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة بها:
ويتعلق بالوصية الأحكام الآتية:
1 - يجب على المسلم أن يُدَوِّن ما له وما عليه من الحقوق في وصيةٍ يبين فيها ذلك؛ لحديث ابن عمر السابق.
2 - تستحب الوصية بشيء من المال، يُصرف في طرق البر والخير والإحسان؛ ليصل إليه ثوابه بعد موته، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنَّ الله تصدَّق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في
حسناتكم، ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم) (تقدم تخريجه).
3 - جواز الوصية بالثلث فأقل، أما جواز الثلث: فلحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - حين سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مرض موته: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: (لا)، قلت: فبالشطر؟ قال: (لا). قلت: فبالثلث؟ قال: (الثلث، والثلث كثير). وأما استحباب أقل من الثلث: فلقول ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع، فإنَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الثلث، والثلث كثير) (متفق عليه).
4 - أن الوصية لا تصح بأكثر من ثلث ما يملك لمن له وارث؛ لحديث سعد ابن أبي وقاص المتقدم، إلا إذا أجاز الورثة ذلك. أما إذا لم يكن له وارث فتصح بالمال كله.
5 - لا تصح الوصية لأحد من الورثة؛ لما روى أبو أمامة - رضي الله عنه -، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: (إن الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث) (صححه الشيخ الألباني).
6 - تحرم الوصية بأمر فيه معصية؛ لأنها شُرِعت لزيادة حسنات الموصي، كما مضى في حديث أبي الدرداء.
7 - أن الدَّيْن والواجبات الشرعية كالزكاة والحج والكفارات مقدمة على الوصية لقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ) [النساء: 11]، وقال عليٌّ - رضي الله عنه -: (قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدين قبل الوصية).
8 - يشترط في الوصي أن يكون جائز التصرف في ماله، فيكون عاقلاً، بالغاً، حراً، مختاراً.
9 - يحرم أن يوصِيَ لجهة معصية، كأن يوصي لمعابد الكفار، أو لشراء آلات اللهو أو نحو ذلك، وتكون وصية باطلة.

10 - تستحب الوصية لمن له مال كثير ووارثه غير محتاج؛ لقوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) [البقرة: 180]، والخير هو المال الكثير، وتكره لمن ماله قليل ووارثه محتاج؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس). وكثير من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماتوا، ولم يوصوا.
11 - تحرم الوصية إذا كان قصد الموصي المضارة بالورثة؛ لقوله تعالى: (غَيْرَ مُضَارٍّ) [النساء: 12].
12 - لا يصح قبول الوصية ولا ملكها إلا بعد موت الموصي؛ لأن ذلك وقت ثبوت حقه، هذا إذا كانت الوصية لمعين، أما إن كانت لغير معين، كالفقراء والمساكين، أو على طلبة العلم، أو المساجد، ودور الأيتام، فإنها لا تحتاج إلى قبول وتلزم بمجرد الموت.
13 - يجوز للموصي أن يرجع في وصيته أو بعضها، وله نقضها. قال عمر - رضي الله عنه -: يغير الرجل ما شاء من وصيته (من قول عطاء وطاوس وأبي الشعثاء).
14 - تصح الوصية لكل شخص يصح تمليكه سواء أكان مسلماً أم كافراً. قال تعالى: (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) [الأحزاب: 6].


صاحب فكرة 25-10-2017 02:18 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثالث: في العتق،
والكتابة، والتدبير،

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف العتق، ومشروعيته، وفضله، وحكمة مشروعيته:
1 - تعريف العتق:
العِتْق لغة: بكسر العين وسكون التاء: الحرية والخلوص، مشتق مِنْ قولهم: عَتَق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ: طار واستقل وخلص.
وشرعاً: هو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، وإزالة الملك عنها، وتثبيت الحرية لها.
2 - أدلة مشروعيته:
الأصل في مشروعية العتق: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء: 92]، وقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) [المجادلة: 3].
وأما السنة: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فَرْجَه بفرجِهِ) (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم).
وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به إلى الله تعالى.
3 - فضله:
العتق من أفضل القربات وأجل الطاعات، لما جاء في فضل العتق من قوله تعالى: (فَكُّ رَقَبَةٍ) [البلد: 13] يعني: تخليص الشخص من الرقِّ، وقد ورد ذلك في معرض بيان الطريق التي فيها النجاة والخير لمن سلكها؛ ألا وهي: عتق الرقاب. وتقدم معنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قبل قليل في فضل العتق، وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أيضاً عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أيما امرئِ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار ... ) الحديث (صححه الألباني). والنصوص في فضَل العتق كثيرة جداً.
وعتق الرجل أفضل من عتق المرأة، والرقبة الأغلى ثمناً والأنفس عند أهلها أفضل من غيرها.
4 - الحكمة من مشروعيته:
شُرع العتق في الإسلام لغايات نبيلة، وحكم بليغة. فمن ذلك: أنه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه حسب إرادته واختياره.
ومنها: أن الله عز وجل جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان.

المسألة الثانية: أركان العتق، وشروطه، وصيغته وألفاظه:
1 - أركان العتق: أركانه ثلاثة:
أ- المُعْتِق: وهو الشخص الذي وقع منه العتق لغيره.
ب- المُعْتَق: وهو الشخص الذي عُتق، أو وقع عليه العتق.
ج- الصيغة: وهي الألفاظ التي يقع بها العتق.
2 - شروطه: يشترط لصحة العتق ووقوعه ما يلي:
- أن يكون المُعْتِق ممن يجوز تصرفه، وهو: البالغ العاقل الرشيد المختار، فلا يصح العتق من الصبي، ولا المجنون ولا المعتوه، ولا المكره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). ولا يصح عتق المكره، كما لا تصح سائر تصرفاته.
- أن يكون مالكاً لمن يعتقه، فلا يصح العتق من غير المالك.
- ألا يتعلق بالمعتَق حق لازم يمنع عتقه، كدين أو جناية، فلا يصح عتقه حتى يؤدي الدَّين، أو تدفع دية جنايته.
- لابد أن يكون العتق بلفظ صريح، أو ما يقوم مقامه من الكنايات، ولا يكفي في ذلك مجرد النية؛ لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة.
3 - صيغته وألفاظه:
- ألفاظه إما صريحة، وهي ما كان بلفظ العتق، والتحرير، وما تصرَّف منهما، مثل: أنت حر، أو محرر، أو: عتيق، أو: معتق، أو: أعتقتك.
- وإما كنائية، كقوله: اذهب حيث شئت، أو: لا سبيل لي عليك، أو: لا سلطان لي عليك، أو: اغرب، أو ابعد عني، أو: خليتك، ونحو ذلك. وهذه الكنايات لا يحصل العتق بها، إلا إذا نوى قائلها العتق.

المسألة الثالثة: من أحكام العتق:
1 - يجوز الاشتراك في العبد والأمة في الملك، بأن يملكه أكثر من شخص.
2 - إذا أعتق شخص نصيبه في عبد مشترك فقد عتق نصيبه من هذا العبد.
وأما نصيب شريكه: فإن كان المعتق موسراً عتق نصيب شريكه من العبد، وقوِّمت عليه حصة شريكه ودفع له القيمة. أما إذا كان الشريك المعتق معسراً غير موسر، فلا يعتق نصيب شريكه، ويسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب هذا الشريك، فيعتق بعد تسليم ما عليه، ويكون في ذلك كالمكاتب.
ودليل ذلك: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أعتق شِرْكاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قُوِّم عليه العبد قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق) (البخاري ومسلم)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أعتق نصيباً -أو شقيصاً - في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قُوِّمَ عليه، فاستسعى به غير مشقوق عليه) (البخاري ومسلم). والظاهر أن ذلك يكون باختيار العبد.
الشِّقص والشَّقيص: النصيب في العين المشتركة من كل شيء.
فاستسعى يعني: طلب منه السعي في تحصيل القيمة ليخلص نفسه ويعتق.


3 - يرثُ المعتقُ جميع مال من أعتقه دون العكس، لأن المعتَق ولاؤه لمن أعتقه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لمن أعتق) (البخاري ومسلم). وقد جعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الولاء كالنسب، فقال: (الولاء لُحْمة كلحمة النسب) (صححه الألباني). معناه: المخالطة في الولاء، وأنها تجري مجرى النسب في الميراث.

4 - من ضرب عبده ظلماً، أو ضرباً مبرحاً، أو مَثَّل به، أو أفسده، أو قطع له عضواً أو نحو ذلك، فإنه يعتق عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه) (مسلم). أما ما كان من ذلك ضرباً خفيفاً على سبيل التأديب فلا شيء فيه.


صاحب فكرة 28-10-2017 11:11 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة الرابعة: التدبير:
1 - تعريفه: التدبير هو تعليق عتق الرقيق بموت سيده.
يقال: دبَّر الرجلُ عبده تدبيراً: إذا أعتقه بعد موته، وكذا: أعتقه عن دُبُرٍ.
والمُدَبَّر: هو العبد الذي حصل له التدبير، سُمِّى بذلك؛ لأن عتقه جُعل دُبُرَ حياة سيِّده، فالموت يكون دبر الحياة.
2 - حكمه، ودليل ذلك:
التدبير جائز، وهو صحيح باتفاق العلماء، والأصل فيه حديث جابر - رضي الله عنه -: أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دُبُرٍ، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: (من يشتريه مني)؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه (البخاري ومسلم واللفظ له).
3 - من أحكام المدبر:
- يجوز بيع المدبر مطلقاً للحاجة، وأجاز بعض أهل العلم بيعه مطلقاً للحاجة وغيرها؛ لما تقدم في حديث جابر.
- المدبر يعتق من الثلث، لا من رأس المال؛ لأن حكمه حكم الوصية، فكلاهما لا ينفذ إلا بعد الموت.
- ويجوز لسيده هبته، لأن الهبة مثل البيع.
- يجوز للسيد وطء أمته المدبرة؛ لأنها مملوكته، وقد قال تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) [المؤمنون: 6].

المسألة الخامسة: المكاتَب:
1 - تعريفه:
الكتابة والمكاتبة لغةً: مأخوذة من كَتَبَ بمعنى أوجب، وألزم.
وشرعاً: هي إعتاق العبد نفسه من سيده بمال يكون في ذمته يُؤدَّى مؤجلاً.
فالمكاتَب -بفتح التاء-: هو العبد الذي عُلِّق عتقه بمال يدفعه لسيده، وبكسرها: من تقع منه. وسميت كتابة، لأن السيد يكتب بينه وبين عبده كتاباً بما اتفقا عليه.
2 - حكم المكاتبة، ودليل ذلك:
الكتابة جائزة مستحبة إذا طلبها العبد الصدوق المكتسب القادر على أداء المال الذي اشترطه عليه سيده، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) [النور: 33].
3 - من أحكام المكاتبة:
- يعتق العبد أو الأمة ويصيرا حرين متى أديا ما اتفقا عليه مع سيدهما، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (المكاتبُ عبدٌ ما بقي عليه من مكاتبته درهم) (حسنه الألباني). فمفهومه: أنه متى أدى ما عليه لم يعد عبداً، ويصير حراً بالأداء.
- لا يُعتق العبد إلا إذا أدى جميع كتابته، للحديث الماضي.
- ولاء المكاتب يكون لسيده إذا أدى ما عليه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لمن أعتق) (تقدم تخريجه).
- على السيد أن يضع عن المكاتب شيئاً من المال الذي كاتبه عليه، لقوله تعالى: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) [النور: 33]. قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: ضعوا عنهم من مكاتبتهم (انظر المغني لابن قدامة). ويخير السيد بين وضعه عنه وأخذه منه، ودفعه إليه.
- يُجعل المال على المكاتب منجَّماً ، نجمين فصاعداً، على أن تكون النجوم معلومة، ويعلم في كل نجم قدر المال المؤدى.
النجم: هو الوقت الذي يحل فيه الأداء، يقال: نَجمت عليه الدين إذا جعلته نجماً نجماً.
- ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن سيده، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر) (حسنه الألباني). ولا يتسرى كذلك إلا بإذنه.
عاهر: زانٍ
- يجوز بيع المكاتب، وتبقى الكتابة عليه في يد مشتريه، فإن أدى ما عليه عتق، ويكون ولاؤه لمشتريه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة في قصة بريرة: (اشتريها وأعتقيها ... فإن الولاء لمن أعتق) (البخاري ومسلم).


صاحب فكرة 29-10-2017 02:25 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الرابع: الفرائض، والمواريث،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناها والحث على تعلمها:
علم الفرائض من أهم العلوم، فيجب على المسلمين الاهتمام به والتفقه فيه؛ لأن الحاجة ماسة إليه.
ويسمى هذا العلم بالفرائض جمع فريضة، مأخوذة من الفرض وهو التقدير، كما قال تعالى: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) [البقرة: 237] أي قدرتم.
والفرض في الشرع: نصيب مقدر شرعاً لمستحقه. وعلم الفرائض: هو العلم بالمواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها.
والمواريث: جمع ميراث، وهو الحق المخلَّف عن الميت المنقول إلى الوارث.
ويجب على المسلم أن يهتم بشأن المواريث، ولا يتصرف فيها تصرفاً يغيرها عن وضعها الشرعي، فيورث غير الوارث أو يحرم الوارث من جميع حقوقه أو بعضها، فيعرض نفسه بذلك لسخط الله، وعقابه.

المسألة الثانية: الحقوق المتعلقة بالتركة وأسباب الميراث وموانعه:
1 - حقوق التركة: التركة هي ما يتركه الميت من الأموال النقدية، والعينية، والحقوق. ويتعلق بتركة الميت أربعة حقوق:
1 - مؤنة تجهيزه من ثمن كفن، وحنوط وأجرة دفن وغسل وغير ذلك.
2 - قضاء الديون، وديون الله مقدمة كالزكاة، وصدقة الفطر، والكفارة، والنذر، ثم ديون الآدميين.
3 - إخراج الوصايا بشرط أن تكون في حدود الثلث فأقل.
4 - الإرث، فيقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته القسمة الشرعية.
والإرث: هو انتقال مال الميت من بعده إلى حيٍّ، حسبما جاء في كتاب الله وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وقد يتعلق بالتركة حق للغير حال الحياة، وهي الحقوق العينية، كحق البائع في تسلم المبيع، وحق الراهن في المرهون، فهي تقدم على تجهيز الميت؛ لتعلقها بعين المال قبل صيرورته تركةً.
2 - أسباب الإرث: أسباب الإرث ثلاثة، وهي:
الأول: النكاح، وهو عقد الزوجية الصحيح بشاهدين وولي، ولو لم يحصل به وطء ولا خلوة، لعموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) [النساء: 12].
الثاني: النسب، أي القرابة من الميت، وهي: الاتصال العضوي بين إنسان وآخرين بولادة قريبة أو بعيدة، وتشمل الأصول، والفروع، والحواشي.
فالأصول: هم الآباء والأجداد وإن علوا بمحض الذكور، والفروع: هم الأولاد وأولاد البنين وإن نزلوا، والحواشي: هم الإخوة وبنوهم وإن نزلوا، والأعمام وإن علوا، وبنوهم وإن نزلوا.
الثالث: الولاء، وهو رابطة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، ولا يرث العتيق معتقه بالإجماع، فانحصرت أسباب الإرث في اثنين: النسب، والزواج الصحيح.
3 - موانع الإرث: موانع الإرث ثلاثة:
1 - القتل: اتفق العلماء على أن القتل العمد المحرم مانع من الميراث، فمن قتل مورثه ظلماً لا يرثه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس للقاتل من الميراث شيء) (صححه الألباني).
2 - الرِّق: فلا يرث العبد قريبه؛ لأنه إذا ورث شيئاً فسيكون لسيده دونه، وهو كذلك لا يُوَرَّث؛ لأنه لا مِلك له.
3 - اختلاف الدين بين المورث والوارث: فإن ذلك مانع من الميراث؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر) (أخرجه مسلم).
المسألة الثالثة: أقسام الورثة:
الورثة على قسمين: ذكور، وإناث.
فالوارثون من الذكور عشرة:
1 - 2 - الابن وابنه وإن نزل، لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء: 11].
3 - 4 - الأب وأبوه وإن علا، كأبي الأب وأبي الجد؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء: 11]. والجد أب وقد أعطاه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس.
5 - الأخ من أي الجهات كان، سواء أكان شقيقاً أو لأب أو لأم؛ لقوله تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ) [النساء: 176]. وقال تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء: 12].
6 - ابن الأخ لغير أم، أما ابن الأخ لأم فلا يرث؛ لأنه من ذوي الأرحام.
7 - 8 - العم وابن العم من أبيه شقيقاً أو لأب، لا لأم فإنه من ذوي الأرحام.
9 - الزوج؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ) [النساء: 12].
10 - المعتق أو من يحل محله؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الولاء لُحْمَةٌ كلحمة النسب) (صححه الألباني). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الولاء لمن أعتق) (متفق عليه).
أما الوارثات من النساء فسبع:
1 - 2 - البنت وبنت الابن وان نزل أبوها لمحض الذكور؛ لقوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) [النساء: 11].
3- الأم؛ لقوله تعالى: (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) [النساء: 11].
4 - الجدة؛ وقد فرض لها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس؛ لحديث بريدة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس، إذا لم يكن دونها أم) ("صححه ابن خزيمة وابن الجارود، وقوَّاه ابن عدي)، فهي ترث، بشرط عدم وجود الأم.
5 - الأخت؛ من أي الجهات كانت شقيقة أو لأب أو لأم، لقوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء: 12]. وقال تعالى: (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ) [النساء: 176]. وقوله تعالى: (فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) [النساء: 176].
6 - الزوجة؛ لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) [النساء: 12].
7 - المعتِقة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الولاء لمن أعتق) (رواه البخاري في صحيحه برقم (2561)، وهو قطعة من حديث عتق بريرة).
وللحديث بقية مع أقسام الورثة بإعتبار الإرث


صاحب فكرة 30-10-2017 12:09 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
]"]المسألة الرابعة: أقسام الورثة باعتبار الإرث:
القسم الأول: من يرث بالفرض -أي النصيب المقدر- فقط، وهم سبعة: الزوجان، والجدتان، والأم، وولداها.
القسم الثاني: من يرث بالتعصيب -أي بلا تقدير- فقط، وهم اثنا عشر: الابن وابنه، والأخ الشقيق وابنه، والأخ لأب وابنه، والعم الشقيق وابنه، والعم لأب وابنه، والمعتق والمعتقة.
القسم الثالث: من يرث بالتعصيب تارة، وبالفرض أخرى، ويجمع بينهما، وهما: الأب والجد.
القسم الرابع: من يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب أخرى، ولا يجمع بينهما، وهم: أصحاب النصف، ما عدا الزوج، وأصحاب الثلثين.
وجملة أصحاب الفروض واحد وعشرون:
والفروض المعينة لأصحاب الفروض ستة، هي: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
أولاً: أصحاب النصف وهم خمسة:
1 - الزوج: عند عدم الفرع الوارث ذكر أو أنثى من الزوج أو من غيره.
2 - البنت: عند انفرادها عمن يشاركها من أخواتها، وانفرادها عمن يعصبها من إخوتها.
3 - بنت ابن: عند عدم المشارك والمعصب، والفرع الوارث.
4 - الأخ الشقيق: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث.
5 - الأخت لأب: عند عدم المعصب والمشارك والفرع الوارث، والأصل الوارث والأخ الشقيق والأخت الشقيقة.
ثانياً: أصحاب الربع وهم اثنان:
1 - الزوج: يستحقه عند وجود الفرع الوارث.
2 - الزوجة: تستحقه عند عدم الفرع الوارث.
ثالثاً: أصحاب الثمن: الزوجة فأكثر، عند وجود الفرع الوارث.
رابعاً: أصحاب الثلثين أربعة وهم:
1 - البنات: عند عدم المعصب، وهو ابن الميت لصلبه في حالة كونهن اثنتين فأكثر، كونهن جمعاً.
2 - بنات الابن: عند عدم المعصب وهو ابن الابن، وعدم الفرع الوارث، وهو الابن، وأن يكن اثنتين فأكثر.
3 - الأخوات الشقائق: أن يكن اثنتين فأكثر وعدم المعصب لهما وهو الأخ الشقيق فأكثر، وعدم الفرع الوارث، وهم الأولاد وأولاد البنين.
4 - الأخوات لأب: أن يكن اثنتين فأكثر، عند عدم المعصب، وعدم الفرع الوارث، وعدم الأشقاء والشقائق.
خامساً: أصحاب الثلث اثنان وهم:
1 - الأم: تستحقه عند عدم الفرع الوارث وعدم الجمع من الأخوة والأخوات.
2 - الأخوة لأم: أن يكونوا اثنين فأكثر، وعدم الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين، وعدم الأصل الوارث من الذكور وهما الأب والجد.
سادساً: أصحاب السدس سبعة وهم:
1 - الأب: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
2 - الجد: عند وجود الفرع الوارث من الأولاد وأولاد البنين.
3 - الأم: عند وجود الفرع الوارث وعند وجود الجمع من الأخوة.
4 - الجدة: عند عدم وجود الأم.
5 - بنت الابن: عند عدم المعصب وعدم الفرع الوارث الذي أعلى منها، سوى صاحبة النصف، فإنها لا تأخذ السدس إلا معها.
6 - الأخت لأب: عند عدم المعصب وهو أخوها، وأن تكون مع أخت شقيقة وارثة للنصف فرضاً.
7 - الأخ أو الأخت لأم: عند عدم الفرع الوارث، وعدم الأصل من الذكور الوارثين، وأن يكون منفرداً.

المسألة الخامسة: في التعصيب:
العَصَبَةُ: هم الذين يرثون بلا تقدير؛ لأن العاصب إذا انفرد حاز جميع المال، وإذا كان معه صاحب فرض أخذ ما بقي بعد الفرض.
لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأَوْلَى رجلٍ ذكرٍ) (البخاري ومسلم).
يعني: أقرب رجل.
والعصبة على ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس، وعصبة بالغير، وعصبة مع الغير.
1 - العصبة بالنفس: هم الابن وابنه وإن نزل، والأب والجد من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما من قبل الأب وإن علا، والأخ الشقيق والأخ لأب وابناهما وإن نزلا، والعم الشقيق والعم لأب وإن علوا وابناهما وإن نزلا، والمعتق والمعتقة، فمن انفرد منهم حاز جميع المال، وإذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي، وإن لم يبق شيء أسقطوا.
2 - العصبة بالغير: وهم البنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة والأخت لأب، كل واحدة منهن مع أخيها، وتزيد بنت الابن بأنه يعصبها ابن ابن في درجتها مطلقاً أخوها أو ابن عمها وابن الابن الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه. ومن عداهم من الذكور لا ترث أخواتهم معهم شيئاً كأبناء الإخوة والأعمام وأبناء الأعمام.
3 - العصبة مع الغير: وهم الأخوات الشقيقات مع البنات وبنات الابن، وإذا اجتمع عاصبان فأكثر، فإن اتحدا في الجهة والقوة والدرجة اشتركا في الميراث كالأبناء والأخوة، وإن اختلفا في الجهة يقدم الأقوى كالابن والأب، وإن اتحدا في الجهة واختلفا في الدرجة يقدم الأقرب درجة، كالابن مع ابن الابن، وإن اتحدا في الجهة والدرجة، واختلفا في القوة، فيقدم الأقوى، كالأخ الشقيق مع الأخ لأب.


بياض الديم 31-10-2017 11:04 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
بارك الله فيك

هناك كتاب للشيخ ابن عثيمين بعنوان تسهيلات الفرائض مفيد وبسيط

جزاك الله خيرا

صاحب فكرة 01-11-2017 11:12 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بياض الديم (المشاركة 3522925)
بارك الله فيك

هناك كتاب للشيخ ابن عثيمين بعنوان تسهيلات الفرائض مفيد وبسيط

جزاك الله خيرا

جزاكم الله خيرا على النصيحة
أنا ملتزم بمادة هذا الكتاب للفقه مجملا ولعلي أعود الى أبواب الفقه مفصلة في كتب أخرى بمشيئة الله تعالى
ونسأل الله التيسير

صاحب فكرة 01-11-2017 11:19 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة السادسة: الحجب:
الحجب هو: المنع من كل الميراث أو بعضه لوجود شخص آخر أحق منه.
وهو على قسمين:
1 - حجب الأوصاف: ويكون فيمن اتصف بأحد موانع الإرث: الرِّق، أو القتل، أو اختلاف الدين، فمن اتصف بواحدة من هذه الأوصاف لم يرث
ووجوده كالعدم، ويدخل على جميع الورثة.
2 - حجب الأشخاص: وينصرف إليه اسم الحجب عند الإطلاق. وهو على قسمين:
الأول: حجب الحرمان: وهو منع شخص معين من الإرث بالكلية، ويدخل على جميع الورثة ما عدا ستة: الأب والأم، والزوج والزوجة، والابن والبنت.
الثاني: حجب نقصان: وهو منعه من إرث أكثر إلى إرث أقل.
وسبب هذا الحجب: وجود شخص أحق منه، ولذلك سُمِّي حجب الأشخاص. وهو سبعة أنواع:
1 - انتقال من فرض إلى فرض أقل منه، وهذا في حق من له فرضان، كالزوجين، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب.
2 - الانتقال من فرض إلى تعصيب، وهذا في حق ذوات النصف والثلثين، إذا كان معهن من يعصبهن.
3 - انتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه، وهذا في حق الأب والجد من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض.
4 - انتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه، وهو في حق الأخت الشقيقة أو لأب، فإن لهما مع أخيهما أقل مما لهما مع البنت أو بنت الابن.
5 - المزاحمة في الفرض، كازدحام الزوجين في الربع والجدات في السدس.
6 - المزاحمة في التعصيب، كازدحام العصبات في المال أو فيما أبقت الفروض.
7 - المزاحمة في العَوْل في حق ذوي الفروض في الأصول التي يدخلها العول.
(العَوْل: هو الزيادة في سهام ذوي الفروض، والنقصان من مقادير أنصبتهم في الإرث )
وعلى هذا نقول: إن من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ،والأصول لا يحجبهم إلا الأصول، والفروع لا تحجبهم إلا فروع أعلى منهم، والحواشي تحجبهم الأصول والفروع والحواشي.
(الإدلاء: هو الاتصال بالميت، إما مباشرة بالنفس كالأب والأم، والابن والبنت، وإما بواسطة كابن الابن بالابن، وبنت الابن بالابن)

المسألة السابعة: في ذوي الأرحام:
ذوو الأرحام: هم كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة، وهم على أربعة أصناف:
1 - من ينتمي إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات البنين، وإن نزلوا.
2 - من ينتمي إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات السواقط، وإن علوا.
3 - من ينتمي إلى أبوي الميت، وهم أولاد الأخوات وبنات الأخوة وأولاد الأخوة لأم ومن يدلي بهم، وإن نزلوا.
4 - من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام للأم والعمات مطلقاً وبنات الأعمام مطلقاً والأخوال وإن تباعدوا وأولادهم، وإن نزلوا. ودليل توريثهم قوله تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال: 75]. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الخال وارث من لا وارث له) (صححه الشيخ الألباني). وكيفية توريثهم أن ينزل كل واحد منهم منزلة من أدلى به، فيجعل له نصيبه. والله أعلم


صاحب فكرة 02-11-2017 09:42 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
تاسعاً: كتاب النكاح والطلاق
ويشتمل على أحد عشر باباً:
الباب الأول: في النكاح، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف النكاح، وأدلة مشروعيته:
أ- تعريف النكاح:
النكاح لغة: الضم والجمع والتداخل، يقال: مأخوذ من: تناكحت الأشجار، إذا انضم بعضها إلى بعض، أو من: نكح المطر الأرض، إذا اختلط بثراها.
وشرعاً: عقد يتضمن إباحة استمتاع كل من الزوجين بالآخر، على الوجه المشروع.
ب- أدلة مشروعية النكاح:
الأصل في مشروعية النكاح: الكتاب والسنة والإجماع.
فقد دل على مشروعية النكاح آيات كثيرة: منها قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) [النساء: 3]. وقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) [النور: 32].
الأيامى جمع أيم وهو من لا زوج له من الرجال، ومن لا زوج لها من النساء
وأحاديث كثيرة، منها حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) (البخاري ومسلم) (الباءة: النكاح والتزوج، والمقصود هنا: تكاليف الزواج ومؤنه ، والمراد بالصوم وجاء: أي قاطع لشهوة النكاح). وحديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم) (صححه الألباني).
وقد أجمع المسلمون على مشروعية النكاح.
المسألة الثانية: الحكمة في مشروعية النكاح:
لقد شرع الله سبحانه وتعالى النكاح لحكم سامية يمكن إجمالها في الآتي:
1 - إعفاف الفروج؛ إذ خلق الله تعالى هذا الإنسان، وغرز في كيانه الغريزة الجنسية، فشرع الله الزواج؛ لإشباع هذه الرغبة، ولعدم العبث فيها.
2 - حصول السكن والأنس بين الزوجين وحصول الراحة والاستقرار. قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
3 - حفظ الأنساب وترابط القرابة والأرحام بعضها ببعض.
4 - بقاء النسل البشري، وتكثير عدد المسلمين، لإغاظة الكفار بهم، ولنشر دين الله.
5 - الحفاظ على الأخلاق من الهبوط والتردي في هاوية الزنى والعلاقات المشبوهة.
المسألة الثالثة: حكم النكاح واختيار الزوجة:
1 - حكم النكاح: يختلف حكم النكاح من شخص لآخر:
أولاً: يكون واجباً إذا كان الشخص يخاف على نفسه من الوقوع في الزنى؛ وكان قادراً على تكاليف الزواج ونفقاته؛ لأن الزواج طريق إعفافه، وصونه عن الوقوع في الحرام. فإن لم يستطع فعليه بالصوم، وليستعفف حتى يغنيه الله من فضله.
ثانياً: يكون مندوباً مسنوناً إذا كان الشخص ذا شهوة ويملك مؤنة النكاح، ولا يخاف على نفسه الزنى، لعموم الآيات والأحاديث الواردة في الحث على الزواج والترغيب فيه.
ثالثاً: يكون مكروهاً إذا كان الشخص غير محتاج إليه، بأن كان عِنِّيناً، أو كبيراً، أو مريضاً لا شهوة لهما. والعِنِّين: الذي لا يقدر على إتيان النساء، أو لا يشتهيهن.
2 - اختيار الزوجة ومقومات ذلك:
ويسن نكاح المرأة ذات الدين والعفاف والأصل الطيب والحسب والجمال؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبَتْ يَدَاكَ) (متفق عليه) (ومعنى (تربت يداك): أي افتقرت يداك، والتصقت بالتراب. وهي كلمة يراد بها الحث والتحريض، لا الدعاء)
فيحرص على ذات الدين في المقام الأول، ويجعل ذلك أساس الاختيار لا غيره، ويسن أيضاً اختيار الزوجة الولود، لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) (صححه الألباني).
ويسن اختيار البكر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: (فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك) (متفق عليه)، إلا إذا كانت هناك مصلحة ترجح نكاح الثيب، فيقدمها على البكر؛ ويختار الجميلة؛ لأنها أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأَدْعى لمودته.
المسألة الرابعة: من أحكام الخطبة، وآدابها:
الخِطبة: هي إظهار الرغبة في الزواج بامرأة معينة، وإعلام وليها بذلك.
ومن أحكام الخطبة وآدابها:
1 - تحرم خطبة المسلم على خطبة أخيه الذي أجيب لطلبه ولو تعريضاً، وعلم الثاني بإجابة الأول؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك) (البخاري)؛ وذلك لما في التقدم للخطبة من الإفساد على الأول، وإيقاع العداوة.
2 - يحرم التصريح بخطبة المعتدة البائن؛ لقوله تعالى: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ) [البقرة: 235] فيجوز له التعريض، كأن يقول: وددت أن ييسر الله لي امرأة صالحة، أو: إني أريد الزواج، فنَفْي الحرج عن المعرِّض بالخطبة يدل على عدم جواز التصريح، فقد يحملها الحرص على الزواج على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها. وأما المعتدة الرجعية، فيحرم حتى التعريض؛ لأنها في حكم الزوجات.
3 - من استشير في خاطب أو مخطوبة وجب عليه أن يذكر ما فيهما من محاسن ومساوئ، ولا يكون ذلك من الغيبة، بل من النصيحة المرغب فيها شرعاً.
4 - الخطبة مجرد وعد بالزواج، وإبداء الرغبة فيه، وليست زواجاً، لذا يبقى كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر.
المسألة الخامسة: حكم النظر إلى المخطوبة:
من أراد أن يخطب امرأة يشرع ويسن له النظر إلى ما يظهر منها عادة، كوجهها وكفيها وقدميها، لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -: (أن امرأة جاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه) (البخاري ومسلم). وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار. فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنظرت إليها؟)، قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً) (مسلم) (شيئاً): قيل: المراد صغر، وقيل: زرقة)
وحديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل). قال: فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها (صححه الشيخ الألباني).
والحكمة من ذلك: أن النظر أدعى لحظوتها في نفسه، ومن ثم أدعى للألفة والمحبة ودوام المودة بينهما، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمغيرة وقد خطب امرأة: (انظر إليها فإنه أحرى أن يُؤْدَمَ بينكما) (صححه الألباني) أي: تكون بينكما المحبة والاتفاق.
وللحديث بقية مع أحكام النكاح


صاحب فكرة 05-11-2017 08:30 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة السادسة: شروط النكاح وأركانه:
1 - شروط النكاح: يشترط في النكاح الآتي:
1 - تعيين كل من الزوجين: فلا يصح عقد النكاح على واحدة لا يُعيِّنها كقوله: "زوجتك بنتي" إن كان له أكثر من واحدة، أو يقول: "زوجتها ابنك" إن كان له عدة أبناء. بل لا بد من تعيين ذلك بالاسم: كفاطمة ومحمد، أو بالصفة: كالكبرى أو الصغرى.
2 - رضا كل من الزوجين بالآخر: فلا يصح نكاح الإكراه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن) (البخاري ومسلم).
3 - الولاية في النكاح: فلا يعقد على المرأة إلا وليها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا نكاح إلا بولي) (صححه الشيخ الألباني)، ويشترط في الولي أن يكون: رجلاً، بالغاً، عاقلاً، حراً، عدلاً ولو ظاهراً.
4 - الشهادة على عقد النكاح: فلا يصح إلا بشاهدي عدل مسلمين، بالغين، عدلين، ولو ظاهراً؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان غير ذلك فهو باطل) (رواه ابن حبان في صحيحه وصححه ابن حزم في المحلى). قال الترمذي: (العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود .. ). واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار.
5 - خلو الزوجين من الموانع التي تمنع من الزواج، من نسب أو سبب، كرضاع ومصاهرة واختلاف دين، ونحو ذلك من الأسباب؛ كأن يكون أحدهما محرماً بحج، أو عمرة.
2 - أركان النكاح: وأركان النكاح التي بها قوامه ووجوده هي:
1 - العاقدان: وهما الزوج والزوجة الخاليان من موانع الزواج التي سبقت الإشارة إليها، والآتي ذكرها في بحث المحرمات.
2 - الإيجاب: وهو اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه (وكيلاً) بلفظ إنكاح أو تزويج.
3 - القبول: وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا الزواج.
ولا بد من تقدم الإيجاب على القبول.

المسألة السابعة: المحرمات في النكاح:
المحرمات في النكاح قسمان: قسم التحريم المؤبد، وقسم التحريم المؤقت.
القسم الأول: المحرمات تأبيداً:
يحرم تأبيداً أربع عشرة امرأة، سبع يحرمن بالنسب وسبع بالسبب. ويقصد بالتأبيد عدم جواز نكاحهن أبداً، مهما كانت الأحوال. ولهذه الحرمة ثلاثة أسباب: القرابة، والمصاهرة، والرضاع.
أولاً: المحرمات بالقرابة:
1 - الأم وأم الأم وأم الأب. ويعبر عنهن بأصول الإنسان.
2 - البنت وبنت البنت وبنت الابن. ويعبر عنهن بفروع الإنسان.
3 - الأخت الشقيقة أو الأخت لأب أو الأخت لأم. ويعبر عنهن بفروع الأبوين.
4 - بنت الأخ الشقيق، وبنت الأخ لأب وبنت الأخ لأم.
5 - بنت الأخت الشقيقة أو لأب أو لأم.
6 - العمة وهي أخت الأب، ومثلها عمة الأب وعمة الأم. ويعبر عنهن بفروع الجدين من جهة الأب.
7 - الخالة وهي أخت الأم ومثلها خالة الأم وخالة الأب. ويعبر عنهن بفروع الجدين من جهة الأم.
فهؤلاء النسوة لا يجوز نكاح واحدة منهن بحال. لقوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ) [النساء: 23].
ثانياً: المحرمات بالمصاهرة:
ويحرم بها الآتي:
1 - زوجة الأب ومثلها زوجة الجد أب الأب وزوجة الجد أب الأم. ويعبر عنهن بزوجات الأصول. لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) [النساء: 22].
2 - زوجة الابن، وزوجة ابن الابن، وابن البنت أيضاً، وهكذا زوجات الفروع.
لقوله تعالى: (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ) [النساء: 23].
3 - أم الزوجة، ومثل أمها جميع أصولها من النساء كأم أم الزوجة؛ لقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) [النساء: 23]. وهؤلاء الثلاثة يحرمن بمجرد العقد، سواء دخل بالسبب المُحَرِّم أو لم يدخل.
4 - بنت الزوجة وهي المسماة بالربيبة، فهي حرام على زوج أمها؛ لقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) [النساء: 23]. ولا يشترط في التحريم أن تكون الربيبة تربَّتْ في حجر زوج أمها، وإنما ذكر قيد الحجر لبيان الغالب. فهذه البنت تحرم على الرجل إذا دخل بأمها، فإن لم يدخل بها، كأن طلق الأم، أو ماتت قبل الدخول، فإنه يجوز له نكاح ابنتها.
لقوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 23].
5 - يحرم على المرأة زوج أمها، وزوج ابنتها، وابن زوجها، وأبو زوجها.
ثالثاً: المحرمات بالرضاع:
يحرم بالرضاع سبع نسوة، ذكر القرآن الكريم منهن اثنتين، وألحقت السنة بهن خمساً.
أ) المحرمات بالقرآن الكريم:
1 - الأم بالرضاع. وهي المرأة التي أرضعتك، ويلحق بها أمها، وأم أمها، وأم أبيها.
2 - الأخت بالرضاع. وهي التي رضعتْ من أمك أو رَضَعْتَ من أمها أو رضعت أنت وهي من امرأة واحدة، أو رضعت من زوجة أبيها، أو رضعت هي من زوجة أبيك، لقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) [النساء: 23].
ب) المحرمات بالسنة المطهرة:
1 - بنت الأخ من الرضاع.
2 - بنت الأخت من الرضاع.
3 - العمة من الرضاع. وهي التي رضعت مع أبيك.
4 - الخالة من الرضاع. وهي التي رضعت مع أمك.
5 - البنت من الرضاع. وهي التي رضعت من زوجتك، فيكون الرجل أباً لها من الرضاع.
ودليل تحريم هؤلاء النساء من السنة حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) (البخاري ومسلم). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بنت حمزة رضي الله عنهما: (إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة مما يحرم من الرحم) (البخاري ومسلم).
وللحديث بقية مع المحرمات تأقيتا

صاحب فكرة 06-11-2017 10:14 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
القسم الثاني: المحرمات تأقيتاً:
يحرم تأقيتاً عدة نساء يمكن تقسيمهن إلى نوعين:
النوع الأول: ما يحرم من أجل الجمع.
النوع الثاني: ما كان تحريمه لعارض.
النوع الأول: ما يحرم من أجل الجمع:
1 - الجمع بين الأختين، سواء كانتا من النسب أو من الرضاع، وسواء عقد عليهما معاً أو متفرقاً. لقوله تعالى: (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) [النساء: 23].
2 - الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وبين المرأة وبنت أختها، أو بنت أخيها، أو بنت ابنها، أو بنت ابنتها.
والقاعدة هنا: أن الجمع يحرم بين كل امرأتين لو فرضت إحداهما ذكراً لما جاز له أن يتزوج الأخرى. ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها) (البخاري ومسلم).
وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها، ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها، ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) (صححه الشيخ الألباني). كما أجمع العلماء على هذا التحريم.
النوع الثاني: ما كان تحريمه لعارض:
1 - يحرم تزوج المعتدة من الغير؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَه) [البقرة: 235].
2 - يحرم تزوج من طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره، بنكاح صحيح؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) [البقرة: 230].
3 - يحرم تزوج المحرمة حتى تحل من إحرامها؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يَنْكِحُ المحرم، ولا يُنْكَحُ، ولا يخطب) (رواه مسلم).
4 - يحرم تزوج الكافر بالمرأة المسلمة؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) [البقرة: 221].
5 - ويحرم على الرجل المسلم أن يتزوج الكافرة إلا الكتابية، فيجوز له أن يتزوج بها، لقوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) [البقرة: 221]، وقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [المائدة: 5]. يعني: فهن حل لكم.
6 - يحرم على الحر المسلم أن يتزوج الأمة المسلمة، إلا إذا خاف على نفسه الزنى، ولم يقدر على مهر الحرة، أو ثمن الأمة، فيجوز حينئذ تزوج الأمة المسلمة؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) [النساء: 25] إلى قوله تعالى: (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) [النساء: 25].
7 - يحرم على العبد المسلم أن يتزوج سيدته؛ لأن العلماء أجمعوا على ذلك، وللمنافاة بين كونها سيدته وكونه زوجاً لها.
8 - يحرم على السيد أن يتزوج مملوكته؛ لأن عقد الملك أقوى من عقد النكاح.

المسألة الثامنة: حكم نكاح الكتابية:
لقد أباح الإسلام نكاح الحرائر من أهل الكتاب؛ لقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [المائدة: 5].
وقد أجمع العلماء على جواز نكاح نساء أهل الكتاب.
ويقصد بأهل الكتاب الذين يجوز نكاح نسائهم: أهل التوراة والإنجيل؛ لقوله تعالى: (أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا) [الأنعام: 156].

صاحب فكرة 08-11-2017 09:40 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثاني: في الصداق وحقوق الزواج وواجباته، ووليمة العرس،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الصداق، ومشروعيته، وحكمه:
أ- تعريف الصداق:
لغة: مأخوذ من الصدق خلاف الكذب.
وشرعاً: هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته؛ بسبب عقد النكاح.
وسمي الصداق صداقاً لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح، ويسمى أيضاً: المهر، والنِّحْلة، والعُقْر.
ب- مشروعيته:
الأصل في مشروعية الصداق الكتاب والسنة والإجماع، كما سيأتي بيانه في الكلام على حكم الصداق.
ج- حكم الصداق:
يجب على الزوج دفع المال بمجرد تمام العقد، ولا يجوز إسقاطه. ودل على هذا قوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء: 4]، وقوله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) [النساء: 24]. وقوله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) [البقرة: 236].
وحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: أتت امرأة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: إني وهبت نفسي لله ولرسوله، فقال: (مالي في النساء من حاجة)، فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطها ثوباً ... الحديث) (البخاري ومسلم)، وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر زعفران، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَهْيَمْ؟)، - يعني: ما شأنك وما أمرك؟ - فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال: (ما أصدقتها؟) قال: وزن نواة من ذهب، فقال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة) (البخاري ومسلم). وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.

المسألة الثانية: حدُّه، وحكمته، وتسميته:
أ- حد الصداق:
لا حد لأقل الصداق ولا أكثره، فكل ما صح أن يكون ثمناً أو أجرة صح أن يكون صداقاً؛ لقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) [النساء: 24]، فأطلق المال، ولم يقدره بحد معين. ولحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال في المرأة الواهبة نفسها: (أعطها، ولو خاتماً من حديد) (البخاري ومسلم). فدل هذا على جواز أقل ما يطلق عليه مال.
وأما الدليل على أنه يجوز ولو كان كثيراً، فقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) [النساء: 20]، والقنطار المال الكثير.
ب- الحكمة من مشروعية الصداق:
الحكمة من تشريع الصداق: هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته معاشرة شريفة، وبناء حياة زوجية كريمة. كما أن فيه إعزازاً للمرأة، وإكراماً لها، وتمكيناً لها من أن تتهيأ للزواج بما تحتاج إليه من لباس ونفقات.
ج- الحكمة في جعل الصداق بيد الرجل:
جعل الإسلام الصداق على الزوج؛ رغبة منه في صيانة المرأة من أن تمتهن كرامتها في سبيل جمع المال الذي تقدمه مهراً للرجل، وهذا يتفق مع المبدأ التشريعي: في أن الرجل هو المكلف بواجبات النفقة، دون المرأة.
د- ملكية الصداق:
الصداق ملك للزوجة وحدها، ولا حق لأحد فيه من أوليائها، وإن كان لهم حق قبضه، إلا أنهم يقبضونه لحسابها وملكها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء: 4]، وقوله تعالى: (فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [النساء: 20].
هـ- تسمية الصداق في العقد:
يسن تسمية الصداق في عقد الزواج وتحديده؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يخل نكاحاً من تسمية المهر فيه، ولأن في تسميته دفعاً للخصومة والنزاع بين الزوجين.
شروط المهر وما يكون مهراً ومالا يكون:
1 - أن يكون مالاً متقوَّماً، مباحاً، مما يجوز تملكه وبيعه والانتفاع به، فلا يجوز بخمر وخنزير ومال مغصوب يعلمانه.
2 - أن يكون سالماً من الغرر، بأن يكون معلوماً معيناً، فلا يصح بالمجهول كدار غير معينة، أو دابة مطلقة، أو ما يثمر شجره مطلقاً، أو هذا العام ونحو ذلك.
وعلى هذا، يصح المهر بكل ما يصلح أن يكون ثمناً، أو أجرة، من عين أو دين أو منفعة معلومة.
ز- تعجيل المهر وتأجيله:
يجوز تعجيل المهر وتأجيله، كله أو بعضه، حسب عرف الناس وعاداتهم، بشرط ألا يكون الأجل مجهولاً جهالة فاحشة، وألا تكون المدة بعيدة جداً؛ لأن ذلك مظنة سقوط الصداق.
المسألة الثالثة: حكم المغالاة في الصداق:
يستحب عدم المغالاة في المهر لما يلي:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: (من يُمْنِ المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها) (حسنه الألباني). واليُمْن: البركة.
2 - عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (ألا لا تغالوا في صُدُق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما أصدق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول كَلِفْتُ فيك عَلَقَ القِرْبة) (قال الألباني: حسن صحيح). عَلَقَ القربة: حبلها الذي تعلق به، فالمراد: تحملت لأجلك كل شيء حتى علق القربة
3 - وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقالت: اثنتي عشرة أوقية ونَشّاً. قالت: أتدري ما النشُّ؟ قلت: لا أدري. قالت: نصف أوقية. (رواه مسلم)



صاحب فكرة 11-11-2017 11:40 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة الرابعة: الحقوق الزوجية:
إذا وقع عقد النكاح صحيحاً ترتب عليه كثير من الحقوق بين الزوجين، وهي:
أولاً: حقوق الزوجة:
للزوجة على زوجها حقوق مالية كالصداق والنفقة، وحقوق معنوية غير مالية، كالعدل، وإحسان العشرة، وطيب المعاملة. وتفصيل ذلك على النحو التالي:
1 - المهر: وهو حق للزوجة على زوجها؛ لقوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء: 4]، وغير ذلك من الأدلة التي سبق ذكرها.
2 - النفقة والكسوة والسكنى: فيجب على الزوج تحصيلها للمرأة؛ لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233]. ولقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
ولحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما حق الزوجة؟ فقال: (أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت) (صححه الألباني).
ولحديث جابر رضي الله عنه في خطبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (رواه مسلم).
3 - إعفاف الزوجة بالجماع؛ مراعاة لحقها ومصلحتها في النكاح، ودفعاً للفتنة عنها، لعموم قوله تعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) [البقرة: 222].
وقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة: 223] ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي بُضْع أحدكم صدقة) (أخرجه مسلم) يعني: الجماع.
4 - حسن مَعاشرتها، ومعاملتها بالمعروف؛ لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19] فيكون حَسَنَ الخلق مع زوجته رفيقاً بها، صابراً على ما يصدر منها، محسناً للظن بها. قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خيركم خيركم لأهله) (صححه الألباني).
5 - العدل بين نسائه في المبيت والنفقة، لمن كانت له أكثر من زوجة؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً…) [النساء: 3]. وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع ... ) (أخرجه مسلم).
ثانياً: حق الزوج:
وحق الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه؛ لقوله سبحانه (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228]، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله، حتى تؤدي حق زوجها عليها كله) (صحح الألباني إسناده على شرط مسلم).
ومن حقوق الزوج على زوجته:
1 - حفظ سره وعدم إفشائه لأحد؛ لقوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ) [النساء: 34].
2 - وجوب طاعته في المعروف؛ لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء: 34].
3 - تمكينه من نفسها إذا دعاها إلى فراشه، ما لم يكن هناك مانع شرعي؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) (البخاري ومسلم).
4 - المحافظة على بيته وماله وأولاده وحسن تربيتهم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها) (البخاري ومسلم). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولكم عليهن أن لا يُوْطئن فرشكم أحداً تكرهونه) (رواه مسلم).
5 - المعاشرة بالمعروف، وحسن الخلق، وكف الأذى عنه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قَاتَلَكِ الله، فإنما هو دخيل يوشك أن يفارقك إلينا) (صححه الألباني). والدخيل: الضيف والنزيل.
ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أغلب الحقوق الماضي ذكرها حقوق مشتركة بين الزوجين، وبخاصة حق الاستمتاع، وما يتبعه من حقوق، وكذا تحسين كل من الزوجين خلقه لصاحبه، وتحمل أذاه ومعاشرته بالمعروف، فلا يماطله بحقه ولا يَتَكَرَّهُ لبذله، ولا يتبعه أذىً ومنةً؛ لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19]، وقوله سبحانه وتعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228]، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خيركم خيركم لأهله) (تقدم تخريجه).
كما يسن للزوج إمساك زوجته حتى مع كراهته لها؛ لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء: 19].
المسألة الخامسة: إعلان النكاح:
يسن إعلان النكاح، وإظهاره، وإشاعته، والضرب عليه بالدف؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فصل ما بين الحرام والحلال الصوت، والدف في النكاح) (حسنه الألباني)، ويكون الضرب بالدف للنساء دون الرجال، شرط ألا يصحب ذلك فحش في القول، أو ما يخالف الشرع.

المسألة السادسة: الوليمة في النكاح:
الوليمة: طعام العرس يدعى إليه الناس ويجمعون.
ويسنُّ عمل وليمة للنكاح؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أنه تزوج امرأة فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أوْلِمْ ولو بشاة) (البخاري ومسلم)، و (أولم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على زينب رضي الله عنها بخبز ولحم) (البخاري ومسلم)، و (أولم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على بعض نسائه بمدين من شعير) (البخاري).
المسألة السابعة: حكم إجابة دعوة وليمة العرس:
يجب على من دعي لوليمة عرس أن يجيب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) (البخاري ومسلم)، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) (مسلم).
شروط إجابة دعوة وليمة العرس:
1 - أن تكون هي الوليمة الأولى، فإن أولم في أكثر من يوم استحب في الثاني، وكره في الثالث؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة. ومن سَمَّعَ سمع الله به) (ضعفه الألباني).
2 - أن يكون الداعي مسلماً؛ فلا تجب إجابة دعوة الكافر.
3 - أن يكون الداعي من غير العصاة المجاهرين بالمعصية، وألا يكون ظالماً أو صاحب مال حرام.
4 - أن تكون الدعوة معينة؛ فإن دعاه في جمع فلا تجب الإجابة.
5 - أن يكون القصد من الدعوة التودد والتقرب، فإن دعاه لخوف منه، أو طمع في جاه، فلا تجب الإجابة.
6 - ألا يكون في الوليمة منكر، كخمر وغناء ومعازف واختلاط رجال بنساء، فإن وجد شيء من ذلك فلا تجب الدعوة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر) (صححه الألباني). فإن كان المدعو يستطيع إزالة المنكر بحضوره وجب عليه الحضور، وإجابة الدعوة، وإزالة المنكر؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) (مسلم).





صاحب فكرة 12-11-2017 01:37 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثالث: في الخلع،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناه، وأدلة مشروعيته:
أ- تعريف الخلع:
الخُلْعُ لغة: مأخوذ من خلع الثوب؛ لأن كلاً من الزوجين لباس للآخر.
وشرعاً: فُرْقَةٌ تجري بين الزوجين على عوض تدفعه المرأة لزوجها، بألفاظ مخصوصة.
ب- مشروعية الخلع:
الخلع مشروع؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة: 229].
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَتَرُدِّينَ عليه حديقته؟)، قالت: نعم. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة) (رواه البخاري). أي: أنها تكره الوقوع في كفران العشير، والتقصير في حقه عليها وما يجب له، وذلك لشدة بغضها إياه، لا لعيب عليه في خلق ولا دين.

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة به، والحكمة منه:
أ- أحكام الخلع:
تتلخص أحكام الخلع في الآتي:
1 - أن الخلع جائز لسوء العشرة بين الزوجين، ولا يقع إلا بعوض مالي، تفرضه الزوجة للزوج.
2 - لا يقع من غير الزوجة الرشيدة؛ لأن غير الرشيدة لا تملك التصرف لنقص الأهلية.
3 - إذا خالع الرجل امرأته ملكت المرأة بذلك أمر نفسها، ولم يبق للزوج عليها من سلطان، ولا رجعة له عليها.
4 - لا يلحق المخالعة طلاق، أو ظهار، أو إيلاء، أثناء عدتها من زوجها الذي خالعها، لأنها تصير أجنبية عن زوجها.
5 - يجوز الخلع في الحيض والطهر الذي جامعها فيه؛ لعدم الضرر عليها بذلك، فإن الله سبحانه أطلقه، ولم يقيده بزمن دون زمن.
6 - يحرم على الرجل أن يؤذي زوجته ويمنعها حقوقها، حتى يضطرها إلى خلع نفسها؛ لقوله تعالى: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [النساء: 19].
7 - يكره للمرأة ويحظر عليها مخالعة زوجها مع استقامة الحال ودون سبب يقتضيه، كأن يكون الزوج معيباً في خَلْقِهِ ولم تطق المرأة البقاء معه، أو كان سَيِّئاً في خُلُقِهِ، أو خافت ألا تقيم حدود الله.
ب- الحكمة من مشروعية الخلع:
من المعلوم أن الزواج ترابط بين الزوجين وتعاشر بالمعروف. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
فهذه ثمرة النكاح، فإذا لم يتحقق هذا المعنى، فلم توجد المودة من الطرفين أو لم توجد من الزوج وحده، فساءت العشرة، وتعسَّر العلاج، فإن الزوج مأمور بتسريح الزوجة بإحسان؛ لقوله تعالى: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]. فإذا وجدت المحبة من جانب الزوج دون الزوجة بأن كرهت خُلُق زوجها، أو كرهت نقص دينه، أو خافت إثماً بترك حقه، فإنه في هذه الحالة يباح للمرأة طلب فراقه على عوض تبذله له، وتفتدي به نفسها؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة: 229].


صاحب فكرة 15-11-2017 11:49 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الرابع: في الطلاق،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معناه، وأدلة مشروعيته، وحكمته:
أ- تعريف الطلاق:
الطلاق لغة: التخلية، يقال: طَلَقَت الناقة إذا سرحت حيث شاءت.
وشرعاً: حل قيد النكاح أو بعضه.
ب- مَن يصح طلاقه:
يصح إيقاع الطلاق من الزوج البالغ العاقل المميز المختار الذي يعقله، أو من وكيله، فلا يقع طلاق غير الزوج، ولا الصبي، ولا المجنون، ولا السكران، ولا المكره، ولا الغضبان غضباً شديداً لا يدري معه ما يقول.
ج- مشروعية الطلاق:
الأصل في الزواج استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين، وقد شرع الله تعالى أحكاماً كثيرة وآداباً جمّة في الزواج لاستمراره، وضمان بقائه. إلا أن هذه الآداب قد لا تكون مرعيَّة من قبل الزوجين أو أحدهما، فيقع التنافر بينهما حتى لا يبقى مجال للإصلاح، فكان لابد من تشريع أحكام تؤدي إلى حل عقدة الزواج على نحو لا تهدر فيه حقوق أحد الزوجين، ما دامت أسباب التعايش قد باتت معدومة فيما بينهما.
والطلاق مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقد قال تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]. وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1] ومن السنة: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر: (ليراجعها، فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها) (البخاري ومسلم). وأجمع علماء الأمة على جواز الطلاق ومشروعيته.
د- حكمة مشروعيته:
شرع الطلاق لأن فيه حلاً للمشكلات الزوجية عند الحاجة إليه، وبخاصة عند عدم الوفاق، وحلول البغضاء التي لا يتمكن الزوجان معها من إقامة حدود الله، واستمرار الحياة الزوجية، وهو بذلك من محاسن الدين الإسلامي.

المسألة الثانية: حكم الطلاق، وبيد من يكون؟
الأصل في الطلاق أن يكون جائزاً، مباحاً، عند الضرورة والحاجة إليه؛ كسوء خلق المرأة وسوء عشرتها، ويكره من غير حاجة إليه؛ لإزالته النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها: من إعفاف نفسه، وطلب النسل، وغير ذلك.
ويحرم الطلاق في بعض الأحوال، كما سيأتي بيانه في الكلام على الطلاق البدعي، وقد يكون واجباً على الشخص؛ كما لو علم بفجور زوجته وتبين زناها، لئلا يكون ديوثاً، ولئلا تُلْحق به ولداً من غيره، وكذا لو كانت الزوجة غير مستقيمة في دينها، كما لو كانت تترك الصلاة، ولم يستطع تقويمها.

المسألة الثالثة: ألفاظ الطلاق:
وألفاظ الطلاق تنقسم إلى قسمين:
1 - ألفاظ صريحة: وهي الألفاظ الموضوعة له، التي لا تحتمل غيره، وهي لفظ الطلاق وما تصرَّف منه، من فعل ماض، مثل: طلَّقتك، أو اسم فاعل، مثل: أنت طالق، أو اسم مفعول، مثل: أنت مطلقة. فهذه الألفاظ تدل على إيقاع الطلاق، دون الفعل المضارع أو الأمر، مثل: تطلقين واطلقي.
2 - ألفاظ كنائية: وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره، مثل قوله لزوجته: أنت خلية، وبرية، وبائن، وحبلك على غاربك، والحقي بأهلك، ونحوها.
والفرق بين الألفاظ الصريحة وألفاظ الكناية في الطلاق: أن الصريحة يقع
بها الطلاق ولو لم ينوه، سواء كان جادّاً أو هازلاً أو مازحاً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة) (حسَّنه الشيخ الألباني). وأما الكناية فلا يقع بها طلاق، إلا إذا نواه نية مقارنة للفظه؛ لأن هذه الألفاظ تحتمل الطلاق وغيره، فلا يقع إلا بنيته، إلا إذا وجدت قرينة تدل على أنه نواه، فلا يصدق قوله.

المسألة الرابعة: طلاق السنة وحكمه:
أ- طلاق السُّنَّة:
يقصد بطلاق السنة: الطلاق الذي أذن فيه الشارع، وهو الواقع طبقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية، ويكون ذلك بأمرين:
1 - عدد الطلاق. 2 - حال إيقاعه.
فالسنة إذا اضطر الزوج إلى الطلاق: أن يطلق طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، ويتركها فلا يتبعها طلاقاً آخر حتى تنقضي عدتها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]، أي: في الوقت الذي يَشرعن فيه في استقبال العدة وهو الطهر، إذ زمن الحيض لا يحسب من العدة.
قال ابن عمر وابن عباس وجماعة في هذه الآية: الطهر من غير جماع (انظر: تفسير ابن كثير).
ب- حكم طلاق السنة:
أجمع العلماء على أن طلاق السنة واقع؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]، أي في زمن الطهر.

المسألة الخامسة: الطلاق البدعي وحكمه:
أ- الطلاق البدعي:
هو الطلاق الذي يوقعه الرجل على الوجه المحرم الذي نهى عنه الشارع،
ويكون بأحد أمرين:
1 - عدد الطلاق. 2 - حال إيقاعه.
فإن طلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو متفرقات في طهر واحد، أو طلقها وهي حائض أو نفساء، أو طلقها في طهر جامعها فيه، ولم يتبيَّن حملها، فإن هذا طلاق بدعيُّ محرمٌ، منهيٌّ عنه شرعاً، وفاعله آثم.
فالطلاق البدعي في العَدَد يحرمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره، لقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة: 230]. -يعني الثالثة- والطلاق البدعي في الوقت يستحب له مراجعتها منه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمراجعتها (البخاري ومسلم). وإذا راجعها وجب عليه إمساكها حتى تطهر، ثم إن شاء طلقها، وإن شاء أمسكها.
ب- حكم الطلاق البدعي:
يحرم على الزوج أن يطلق طلاقاً بدعياً، سواء في العدد أو الوقت؛ لقوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1]، أي: طاهرات من غير جماع، ولأن ابن عمر رضي الله عنهما لما طلق زوجته وهي حائض، أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمراجعتها.
ويقع الطلاق البدعي كالسُّنيّ؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر ابن عمر بمراجعة زوجته، ولا تكون الرجعة إلا بعد وقوع الطلاق، وحينئذ تحسب هذه التطليقة من طلاقها.


صاحب فكرة 16-11-2017 11:33 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة السادسة: الرَّجْعة:
أ- تعريفها: لغة: المرة من الرجوع. وشرعاً: إعادة زوجته المطلقة طلاقاً غير بائن إلى ما كانت عليه قبل الطلاق بدون عقد.
ب- مشروعيتها: دلَّ على مشروعية الرجعة الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) [البقرة: 228] وقوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة: 231] أي بالرجعة.
وأما السنة: فحديث ابن عمر الماضي ذكره، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مره فليراجعها) وأجمع العلماء على أنَّ من طلق دون الثلاث فإن له الرجعة في العدة.
ج- الحكمة منها: الحكمة من الرجعة إعطاء الزوج الفرصة إذا ندم على إيقاع الطلاق وأراد استئناف العشرة الزوجية، فيجد الباب مفتوحاً أمامه، وهذا من رحمة الله -عز وجل- بعباده ولطفه بهم.
د- شروطها: تصح الرجعة بشروط، وهي:
1 - أن يكون الطلاق دون العدد الذي يملكه الزوج، وهو ثلاث تطليقات للحر واثنتان للعبد، فإن استوفى عدد الطلاق لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
2 - أن تكون المطلقة مدخولاً بها؛ لأن الرجعة لا تكون إلا في العدة وغير المدخول بها لا عدة عليها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) [الأحزاب: 49].
3 - أن يكون الطلاق بغير عوض؛ لأن العوض في الطلاق جعل لتفتدي المرأة نفسها من الزوج، ولا يحصل لها ذلك مع الرجعة، فلا تحل إلا بعقد جديد برضاها.
4 - أن يكون النكاح صحيحاً، فلا رجعة إذا طلق في نكاح فاسد. فإذا لم يصح الزواج لم يصح الطلاق؛ لأنه فرعه، وإذا لم يصح الطلاق، لم تصح الرجعة.
5 - أن تكون الرجعة في العدة، لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) [البقرة: 228] أي: في العدة.
الباب الخامس: في الإيلاء
1 - تعريف الإيلاء، ودليله:
أ- تعريف الإيلاء:
الإيلاء لغة: مأخوذ من الأليَّة بمعنى اليمين، يقال: آلى فلان يُولي إيلاءً وأليَّة أي: أقسم.
وشرعاً: أن يحلف زوج بالله أو بصفة من صفاته -وهو قادر على الوطء- على ترك وطء زوجته في قبلها أبداً، أو أكثر من أربعة أشهر.
ب- دليله:
قوله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 226، 227].
2 - شروط الإيلاء:
أ- أن يكون من زوج يمكنه الوطء، فلا يصح من عاجز عن الوطء لمرض لا يرجى برؤه، أو شلل، أو جبّ كامل.
ب- أن يحلف بالله أو صفة من صفاته، لا بطلاق أو عتق أو نذر.
ج- أن يحلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر.
د- أن يحلف على ترك الوطء في القُبل -الفرج-، فلو حلف على ترك الوطء في الدبر لم يكن مولياً؛ لأنه لم يترك الوطء الواجب.
هـ- أن تكون الزوجة ممن يمكن وطؤها، أما المرأة المتعذر وطؤها كالرَّتقاء والقَرْنَاء ، فلا يصح الإيلاء منها.
الرتقاء : هي التي انضم فرجها والتصق فلا يمكن جماعها، من الرتق: ضد الفتق.
القَرْنَاء: هي المرأة التي في فرجها مانع يمنع من ولوج الذكر فيه، إما غدّة غليظة، أو لحمة ملتصقة، أو عظم
3 - حكمه:
الإيلاء محرم في الإسلام؛ لأنه يمين على ترك واجب، فإذا أقسم الزوج على عدم جماع زوجته أبداً أو أكثر من أربعة أشهر فهو مولٍ، فإن حصل منه وطء لها وتكفير عن يمينه قبل انتهاء الأربعة أشهر فقد فاء، أي: رجع إلى فعل ما تركه، والله يغفر له ما حصل منه، وان أبى أن يطأ بعد مضي المدة، وطلبت المرأة ذلك منه، فإن الحاكم يأمره بأحد أمرين:
1 - الرجوع عن يمينه ووطء زوجته، ويكفر عن اليمين.
2 - أو الطلاق، إن أبى إلا التمسك بيمينه.
فإن رفض الأمرين السابقين فإن القاضي يطلق عليه، أو يفسخ؛ لأنه يقوم مقام المولي عند امتناعه، والطلاق تدخله النيابة. فإن انقضت مدة الإيلاء، وبأحد الزوجين عذر يمنع الجماع، أمر الزوج أن يفيء بلسانه فيقول: متى قدرت جامعتك؛ لأن القصد بالفيئة تَرْكُ ما قصده من الإضرار بها. وألحق الفقهاء بالمولي في هذه الأحكام مَنْ ترك وطء زوجته إضراراً بها بلا يمين، أكثر من أربعة أشهر، وهو غير معذور.
4 - من أحكام الإيلاء:
- ينعقد الإيلاء من كل زوج يصح طلاقه، مسلماً كان أم كافراً، حراً أم عبداً، ومن الغضبان والمريض، ومن الزوجة التي لم يدخل بها؛ لعموم الآية.
- في هذا التشريع الحكيم من الله سبحانه -بأمر المولي بالوطء أو الطلاق- إزالة للظلم والضرر عن المرأة، وإبطال لما كانوا عليه في الجاهلية من إطالة مدة الإيلاء.
- لا ينعقد الإيلاء من مجنون، ومغمى عليه؛ لعدم تصورهما ما يقولان، فالقصد معدوم منهما.


صاحب فكرة 18-11-2017 03:18 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب السادس: في الظهار
1 - تعريف الظهار وحكمه:
أ- تعريف الظهار:
الظهار لغة: مأخوذ من الظهر.
وشرعاً: أن يُشَبِّه الرجل زوجته في الحرمة بإحدى محارمه، بنسب، أو رضاع أو مصاهرة، أو ببعضها، فيقول الرجل إذا أراد الامتناع عن الاستمتاع بزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، أو أختي أو غيرهما، فمتى فعل ذلك فقد ظاهر من امرأته.
ب- حكمه:
الظهار حرام؛ لقوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ) إلى قوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) [المجادلة: 2]. وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أنكره واعتبره يميناً مكفرة؛ رحمة من الله سبحانه وتيسيراً على عباده.
فيحرم عل المظاهر والمظاهر منها استمتاع كل منهما بالآخر -بجماع ودواعيه، كالقبلة، والاستمتاع بما دون الفرج- قبل التكفير؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) [المجادلة: 3]. وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمظاهر: (لا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به) (حسَّنه الشيخ الألباني).
2 - كفارة الظهار:
كفارة الظهار مرتبة على النحو الآتي:
أ- عتق رقبة مؤمنة، سليمة من العيوب.
ب- فإن لم يجد الرقبة أو لم يجد ثمنها، صام شهرين قمريين متتابعين، لا يفصل بين الشهرين إلا بصوم واجب كصوم رمضان، أو إفطار واجب كالإفطار للعيد وأيام التشريق، والإفطار للمرض والسفر.
ج- فإن لم يستطع الصوم، فيطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد من البر، أو نصف صاع من غيره، من قوت البلد؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا …) الآيتين [المجادلة: 3، 4]. ولحديث سلمة بن صخر البياضي لما جعل امرأته عليه كظهر أمه أمره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد فالإطعام (صححه الشيخ الألباني).
فإن جامع المظاهر قبل أن يكفِّر كان آثماً عاصياً، ولا تلزمه إلا كفارة واحدة، وتبقى الكفارة معلقة في ذمته حتى يُكَفِّر، وتحريم زوجته عليه باق أيضاً حتى يكفِّر.
الباب السابع: في اللعان،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف اللعان، ودليل مشروعيته، وحكمته:
1 - تعريف اللعان:
اللعان لغة: مصدر لاعَنَ، مأخوذ من اللعن وهو الطرد والإبعاد.
وشرعاً: شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن من جهة الزوج وبالغضب من جهة الزوجة، قائمة مقام حد القذف في حق الزوج، ومقام حد الزنى في حق الزوجة. وسُمِّي اللعان بذلك؛ لقول الرجل في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ولأن أحدهما كاذب لا محالة، فيكون ملعوناً.
2 - دليل مشروعية اللعان:
يستدل على تشريع اللعان بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ .. ) الآيات [النور: 6 - 10].
وبحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك) قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد.
وفي رواية: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (متفق عليه).
3 - الحكمة من مشروعية اللعان:
والحكمة من مشروعية اللعان للزوج: ألاّ يلحقه العار بزناها، ويفسد فراشه، ولئلا يلحقه ولد غيره، وهو لا يمكنه إقامة البينة عليها في الغالب، وهي لا تقر بجريمتها، وقوله غير مقبول عليها، فلم يبق سوى حلفهما بأغلظ الأيمان، فكان في تشريع اللعان؛ حلاً لمشكلته، وإزالة للحرج، ودرءاً لحد القذف عنه، ولما لم يكن له شاهد إلا نفسه مُكِّنت المرأة أن تعارض أيمانه بأيمان مكررة مثله، تدرأ بها الحد عنها، وإلا وجب عليها الحد. وإن نكل (النكول: القعود والنكوص والامتناع.) الزوج عن الأيمان وجب عليه حد القذف، وإن نكلت هي بعد حلفه صارت أيمانه مع نكولها بَيِّنَةً قوية، لا معارض لها، ويقام عليها الحد حينئذ.

المسألة الثانية: شروطه وكيفيته:
1 - شروط صحة اللعان:
1 - أن يكون بين زوجين مكلفين (بالغين عاقلين)؛ لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) [النور: 6].
2 - أن يقذف الرجل امرأته بالزنى، كقوله: يا زانية، أو: رأيتك تزنين، أو: زنيت.
3 - أن تُكَذِّبَ المرأة الرجل في قذفه هذا، ويستمر تكذيبها له إلى انقضاء اللعان.
4 - أن يتم اللعان بحكم حاكم.
2 - كيفية اللعان وصفته:
صفة اللعان: أن يقول الزوج عند الحاكم أمام جَمْع من الناس: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنى، يقول ذلك أربع مرات، ويشير إليها إن كانت حاضرة، ويسمِّيها إن كانت غائبة بما تتميز به. ثم يزيد في الشهادة الخامسة -بعد أن يعظه الحاكم ويحذره من الكذب-: وعليَّ لعنة الله، إن كنت من الكاذبين.
ثم تقول المرأة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنى، ثم تزيد في الشهادة الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: 6 - 9].

المسألة الثالثة: الأحكام المترتبة على اللعان:
إذا تم اللعان فإنه يترتب عليه ما يأتي:
1 - سقوط حد القذف عن الزوج.
2 - ثبوت الفرقة بين الزوجين، وتحريمها عليه تحريماً مؤبداً، ولو لم يفرق الحاكم بينهما.
3 - ينتفي عنه نسب ولدها ويلحق بالزوجة، ويتطلب نَفْيُ الولد ذِكْرَه صراحة في اللعان، كقوله: "أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، وما هذا بولدي". لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لاعن بين رجل وامرأته ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة (البخاري ومسلم).
3 - وجوب حد الزنى على المرأة، إلا أن تلاعن هي أيضاً؛ فإن نكولها عن الأيمان مع أيمانه بينةٌ قوية، توجب إقامة الحد عليها.


صاحب فكرة 19-11-2017 09:42 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثامن: في العدة والإحداد،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف العدة ودليل مشروعيتها، والحكمة منها:
1 - تعريف العِدَّة:
العِدَّةُ لغة: اسم مصدر من عَدَّ يَعُدُّ، عَدّاً، وهي مأخوذة من العَدَد والإحصاء؛ لاشتمالها عليه من الأقراء والأشهر.
وشرعاً: اسم لمدة معينة تتربصها المرأة؛ تعبداً لله عز وجل، أو تفجعاً على زوج، أو تأكداً من براءة رحم.
والعدة من آثار الطلاق، أو الوفاة.
2 - دليل مشروعية العدة:
الأصل في وجوب العدة ومشروعيتها: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة: 228]. وقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 4]. وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة: 234].
وأما السنة: فحديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -: (أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها نُفِسَت (ولدت) بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت) (البخاري)، وغير ذلك من الأحاديث.
3 - الحكمة من مشروعية العدة:
الحكمة من ذلك: استبراء رحم المرأة من الحمل؛ لئلا يحصل اختلاط الأنساب. وأيضاً: إتاحة الفرصة للزوج المُطَلِّق ليراجع نفسه إذا ندم، وكان طلاقه رجعياً. وأيضاً: صيانة حق الحمل إذا كانت المفارقة عن حمل.
المسألة الثانية: أنواع العدة:
تنقسم عدة المرأة إلى قسمين:
1 - عدة وفاة. 2 - عدة فراق.
أولاً: عدة الوفاة:
هي عدة تجب على من مات عنها زوجها، ولا يخلو الحال فيها من أمرين:
- إما أن تكون حاملاً.
- أو تكون غير حامل.
فإن كانت حاملاً: فعدتها تنتهي بوضع الحمل ولو بعد ساعة من وفاة زوجها؛ لقوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 4].
ولحديث المسور بن مخرمة - رضي الله عنه - (أن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت) (تقدم تخريجه).
وإن كانت غير حامل: فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وهذه تعتد مطلقاً سواء أدخل بها الزوج، أم لم يدخل. لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [البقرة: 234]، ولم يرد ما يخصص هذه الآية.
ثانياً: عدة الفراق:
هي العدة التي تجب على المرأة التي فارقت زوجها بفسخ، أو طلاق، أو خلع بعد الوطء، ولا يخلو الحال فيها من أمور:
- أن تكون حاملاً.
- أن تكون غير حامل.
- لا ترى الحيض لصغر، أو آيسة لكبر.
فإن كانت حاملاً: فعدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لعموم قوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 4].
وإن كانت غير حامل وهي من ذوات الحيض: فعدتها بمرور ثلاثة أطهار بعد الفراق؛ لقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) [البقرة: 228].
وإن كانت لا ترى الحيض بأن كانت صغيرة أو آيسة لكبر سن: فعدتها تنتهي بمرور ثلاثة أشهر على فراقها. لقوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق: 4].
حكم المطلقة قبل الدخول بها:
إذا فارق الزوج زوجته بفسخ أو طلاق قبل الدخول بها فلا عدة عليها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) [الأحزاب: 49]. ولا فرق بين الزوجات المؤمنات، والكتابيات، في هذا الحكم باتفاق أهل العلم، وذكر المؤمنات هنا من باب التغليب.


صاحب فكرة 20-11-2017 10:25 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة الثالثة: التزامات العدة، وما يترتب عليها:
أولا - عدة الطلاق:
إذا كانت المرأة معتدة من زوجها عدة طلاق، فلا يخلو الحال من أمرين:
- أن يكون طلاقها رجعياً.
- أن يكون طلاقها بائناً.
أولاً: المعتدة من طلاق رجعي:
يترتب للمعتدة من طلاق رجعي ما يلي:
1 - وجوب السكنى لها مع الزوج إذا لم يكن هناك مانعٌ شرعيٌ.
2 - وجوب النفقة لها من مؤنة، وكسوة، وغير ذلك.
3 - يجب عليها ملازمة السكن ولا تفارقه إلا لضرورة؛ لقوله تعالى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... ) [الطلاق: 6]، ولقوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الطلاق: 1].
4 - يحرم عليها التعرض لخطبة الرجال؛ إذ هي حبيسة على زوجها، فهي في حكم الزوجة؛ لقوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) [البقرة: 228].
ثانياً: إذا كانت معتدة بطلاق بائن:
ولا يخلو الحال فيها من أمرين:
- إما أن تكون حاملاً.
- وإما أن تكون غير حامل.
أولاً: إن كانت حاملاً: فيترتب لها ما يلي:
1 - وجوب السكنى على الزوج؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) [الطلاق: 1].
2 - النفقة؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُن) [الطلاق: 6].
3 - ملازمة البيت الذي تعتد فيه، وعدم الخروج منه إلا لحاجة؛ لقوله تعالى: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ) [الطلاق: 1]. ودليل خروجها لحاجة: حديث جابر - رضي الله عنه - قال: طُلِّقت خالتي، فأرادت أن تَجُدَّ نخلها (الجداد -بالفتح والكسر-: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها.)، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: (بلى اخرجي، فجُدِّي نخلك، فإنك عسى أن تَصَدّقي، أو تفعلي معروفاً) (مسلم).
ثانياً: إن كانت غير حامل: فيثبت لها ما يثبت للحامل إلا النفقة، وما يتبعها كالملبس فلا يثبت لها؛ لحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها حين طلقها زوجها تطليقة كانت بقيت لها، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لها: (لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً) (صححه الألباني).
ثانيا - عدة المتوفى عنها:
يلزم المعتدة من وفاة زوجها الأحكام التالية:
1 - يجب عليها أن تعتد في المنزل الذي مات فيه زوجها، وهي فيه، ولو مؤجراً أو معاراً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للفريعة بنت مالك: (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله) (صححه الألباني). وفي رواية: (امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعيُ زوجك ... ). ولا يجوز تحولها إلى غيره إلا لعذر، كأن تخاف على نفسها البقاء فيه، أو تحول عنه قهراً أو لغير ذلك، فيجوز لها التحول حيث شاءت؛ للضرورة.
2 - ملازمة البيت الذي تعتد فيه وعدم الخروج منه لغير حاجة. ويجوز لها الخروج من بيتها لحوائجها نهاراً لا في الليل؛ لأن الليل مظنة الفساد، فلا تخرج فيه من غير ضرورة، بخلاف النهار فإنه مظنة قضاء الحاجات.
3 - يجب عليها الإحداد على زوجها مدة العدة، وسيأتي الكلام على أحكام الإحداد تفصيلاً.
4 - ليس لها النفقة، لانتهاء الزوجية بالموت.

المسألة الرابعة: في الإحداد:
تعريف الإحداد، ودليل مشروعيته:
1 - تعريف الإحداد:
الإحداد لغة: الامتناع، يقال: حادٌّ ومُحِدٌّ، إذا تركت المرأة الزينة والطيب.
وشرعاً: هو ترك المرأة الزينةَ، والطيب، وغير ذلك مما يُرَغِّبُ فيها، ويدعو إلى جماعها.
2 - دليل مشروعية الإحداد:
الإحداد واجب على المرأة المتوفى عنها؛ لحديث أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً) (البخاري ومسلم). وحديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: (كنا نُنهى أن نحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا نكتحل، ولا نتطيب، ولا نلبس ثوباً مصبوغاً إلا ثوب عَصْب 000الحديث (البخاري ومسلم). (العَصْبُ: بُرْد يصبغ غزله ثم ينسج)
ويجب في حقِّ المرأة المُحِدَّة ما يلي:
1 - المنع عن مظاهر الزينة والطيب، فتمنع من لبس الثياب ذات الألوان الزاهية، ولا تكتحل، ولا تلبس الحلي ذهباً أو فضة أو غيرهما، ولا تستعمل شيئاً من الأصباغ؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً: (المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا المُمَشَّق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل) (صححه الألباني)، ولحديث أم عطية الأنصارية المتقدم قبل قليل.
2 - وجوب ملازمتها بيتها الذي تعتد فيه ولا تخرج إلا لحاجة؛ لحديث الفُريعة بنت مالك رضي الله عنها الماضي ذكره.


صاحب فكرة 21-11-2017 11:32 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب التاسع: في الرضاع،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الرضاع، ودليل مشروعيته، وحكمه:
1 - تعريف الرضاع:
الرضاع لغة -بفتح الراء ويجوز كسرها-: مص اللبن من الثدي، أو شربه.
وشرعاً: هو مص طفل دون الحولين لبناً ثاب عن حمل، أو شربه أو نحوه.
2 - دليل مشروعية الرضاع:
الرضاع مشروع؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) [الطلاق: 6].
ولقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) [البقرة: 233].
3 - حكم الرضاع:
حكم الرضاع حكم النسب في تحريم النكاح، وثبوت المحرمية، وإباحة الخلوة والنظر. فهو موجب للقرابة ناشر للتحريم بشروطه.
والدليل على التحريم بالرضاع: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) [النساء: 23] وذلك في سياق بيان المحرمات من النساء.
وأما السنة: فحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الرضاعة تُحَرِّم ما تحرم الولادة) (رواه البخاري ومسلم). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بنت حمزة: (إنها لا تحل لي، إنها ابنة أخي من الرضاعة، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم) (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم).
وأما الإجماع: فقد أجمع علماء الأمة على التحريم بالرضاع.
المسألة الثانية: شروط الرضاع المحرم، وما يترتب على قرابة الرضاع:
1 - شروط الرضاع المحرم:
لا يعد الرضاع موجباً للقرابة، وناشراً للتحريم، إلا بشرطين وهما:
1 - أن يكون الإرضاع خلال السنتين الأوليين من عمر الرضيع، فلا يؤثر الرضاع بعد السنتين؛ لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]، مع قوله تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان: 14].
ولحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام) (صححه الألباني). ومعنى فتق الأمعاء: وصل إليها ووسعها؛ فالرضاع المحرم هو ما كان في الصغر، وقام مقام الغذاء، وذلك حيث يكون الرضيع طفلاً فيسدُّ اللبن جوعه وينبت لحمه.
2 - أن ترضعه خمس رضعات مشبعات فأكثر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان فيما نزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يُحَرِّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهن فيما يقرأ من القرآن) (رواه مسلم). وهذا مما نسخت تلاوته وبقي حكمه.
ولو وصل اللبن إلى جوف الطفل بغير الرضاع، كأن يقطر في فمه، أو يشربه في إناء ونحوه، فحكمه حكم الرضاع، بشرط أن يحصل من ذلك خمس مرات.
2 - ما يترتب على قرابة الرضاع:
يترتب على القرابة الناشئة بسبب الرضاع حكمان، وهما:
1 - حكم يتعلق بالحرمة.
2 - حكم يتعلق بالحل.
أما ما يتعلق بالحرمة: فإنَّ الإرضاع له من التأثير في حرمة النكاح مثل ما لقرابة النسب؛ فأمك من الرضاع وان علت، وبنتك وإن سفلت، وأختك لأبويك أو لأحدهما، محرمات عليك بسبب هذه القرابة التي جاءت عن طريق الرضاع.
وأما ما يتعلق بأثر الحل: فإن كل ما يحل بينك وبين قريبة لك من النسب كالأم والبنت، يحل بينك وبين من بينك وبينها رضاعة، فيحل بينهما النظر والخلوة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة) (تقدم تخريجه).

المسألة الثالثة: إثبات الرضاع:
يثبت الرضاع بشهادة امرأة واحدة مرضية معروفة بالصدق، شهدت بذلك على نفسها أو على غيرها، أنها أرضعت طفلاً في الحولين خمس رضعات؛ وذلك لحديث عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة، فجاءت امرأة فقالت: إني قد أرضعتكما، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (وكيف وقد قيل؟ دعها عنك) أو نحوه (رواه البخاري)، ولأن هذه شهادة على عورة، فتقبل فيها شهادة النساء منفردات عن الرجال، كالولادة.


صاحب فكرة 22-11-2017 12:26 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب العاشر: في الحضانة، وأحكامها،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الحضانة، وحكمها، ولمن تكون؟
أ- تعريف الحضانة:
لغة: تربية الصغير ورعايته، مشتقة من الحِضْن، وهو الجنب؛ لأن المربي والكافل يضم الطفل إلى جنبه.
والحاضن والحاضنة: الموكلان بالصبي يحفظانه ويرعيانه.
والحضانة شرعاً: هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه بدنياً ومعنوياً، ووقايته عما يؤذيه.
ب- حكمها: وهي واجبة في حق الحاضن إذا لم يوجد غيره، أو وجد ولكن المحضون لم يقبل غيره؛ لأنه قد يهلك، أو يتضرر بترك الحفظ، فيجب حفظه عن الهلاك، والوجوب الكفائي يكون عند تعدد الحاضنين.
ج- لمن تكون؟: والحضانة تكون للنساء والرجال من المستحقين لها، إلا أن النساء يقدمن في الحضانة على الرجال؛ لأنهن أشفق وأرفق بالصغار، وإذا لم يكن لهن حق في الحضانة تصرف إلى الرجال؛ لأنهم على الحماية والصيانة وإقامة مصالح الصغار أقدر.
وحضانة الطفل تكون لوالديه إذا كان النكاح قائماً بينهما، أمَّا إذا تفرقا فالحضانة للأم ما لم تنكح زوجاً أجنبياً من المحضون؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للمرأة التي طلقها زوجها وأراد أن ينتزع ولدها منها: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) (حسَّنه الألباني).
ومقتضى الحضانة: حفظ المحضون، وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته حتى يكبر، وعمل جميع ما هو في صالحه: مِنْ تعهد طعامه، وشرابه، وغسله، ونظافته ظاهراً وباطناً، وتعهُّد نومه، ويقظته، والقيام بجميع حاجاته، ومتطلباته.
المسألة الثانية: في شروط الحاضن، وموانع الحضانة:
1 - الإسلام: فلا حضانة لكافر على مسلم؛ لأنه لا ولاية له على المسلم، وللخشية على المحضون من الفتنه في دينه وإخراجه من الإسلام إلى الكفر.
2 - البلوغ والعقل: فلا حضانة لصغير ولا مجنون ولا معتوه؛ لأنهم عاجزون عن إدارة أمورهم، وفي حاجة لمن يحضنهم.
3 - الأمانة في الدين والعفة: فلا حضانة لخائن وفاسق؛ لأنه غير مؤتمن، وفي بقاء المحضون عندهما ضرر عليه في نفسه وماله.
4 - القدرة على القيام بشؤون المحضون بدنياً ومالياً: فلا حضانة لعاجز لكبر سن، أو صاحب عاهة كخرس وصمم، ولا حضانة لفقير معدم، أو مشغول بأعمال كثيرة يترتب عليها ضياع المحضون.
5 - أن يكون الحاضن سليماً من الأمراض المعدية: كالجذام ونحوه.
6 - أن يكون رشيداً: فلا حضانة لسفيه مبذر لئلا يتلف مال المحضون.
7 - أن يكون الحاضن حراً: فلا حضانة لرقيق؛ لأن الحضانة ولاية، وليس الرقيق من أهل الولاية.
وهذه الشروط عامة في الرجال والنساء. وتزيد المرأة شرطاً آخر، وهو: أن لا تكون متزوجة من أجنبي من المحضون؛ لأنها تكون مشغولة بحق الزوج، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) (حسَّنه الألباني). وتسقط الحضانة بوجود مانع من الموانع المذكورة، أو زوال شرط من شروط استحقاقها السابقة.

المسألة الثالثة: من الأحكام المتعلقة بالحضانة:
- إذا سافر أحد أبوي المحضون سفراً طويلاً، ولم يقصد به المضارة، وكان الطريق آمناً، فالأب أحق بالحضانة، سواء أكان هو المسافر أم المقيم؛ لأنه هو الذي يقوم بتأديب الولد والمحافظة عليه، فإذا كان بعيداً ضاع الولد.
- إذا كان السفر لبلد قريب دون مسافة القصر، فالحضانة للأم، سواء أكانت هي المسافرة أم المقيمة؛ لأنها أتم شفقة ويمكن لأبيه الإشراف عليه، وتعهد حاله.
أما إذا كان السفر طويلاً ولحاجة، وكان الطريق غير آمن فالحضانة تكون للمقيم منهما.
- وتنتهي الحضانة عند سن السابعة، ويخير الذكر بعدها بين أبويه، فيكون عند من اختار منهما؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يا غلام! هذا أبوك وهذه أمك؛ فخذ بيد أيهما شئت) فأخذ بيد أمه فانطلقت به (صححه الألباني)، وقضى بالتخيير أيضاً: عمر وعليّ رضي الله عنهما، ولا يخير إلا إذا بلغ عاقلاً، وكان الأبوان من أهل الحضانة.
وقيد التخيير بالسبع؛ لأنه أول سن أمر فيه الشارع بمخاطبته بالصلاة. فإن اختار الولد أباه كان عنده ليلاً ونهاراً ليؤدبه ويربيه، ولا يمنعه من زيارة أمه، وان اختار أمه صار عندها ليلاً وعند أبيه نهاراً؛ ليؤدبه ويربيه، ولأن النهار وقت قضاء الحوائج، وعمل الصنائع.
والأنثى إذا بلغت سبع سنين فإنها تكون عند أبيها؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره، ولقربها من سن التزويج، والأب وليها وإنما تخطب منه، وهو الأعلم بالكفء ممن يتقدَّمون لها، ولا تمنع الأم من زيارتها عند عدم المحظور كخوف الفساد عليها أو غير ذلك. فإن كان الأب عاجزاً عن حفظها؛ لشغله، أو لكبره، أو لمرضه، أو لقلة دينه. والأم أصلح وأقدر فإنها أحق بها.
وكذلك إذا تزوج الأب وجعلها عند زوجته، تؤذيها وتقصر في حقها، فالأم أحق بالحضانة.
- أجرة الحضانة -سواء أكان الحاضن أماً أم غيرها- مستحقة من مال المحضون إن كان له مال، أو من مال وليه ومن تلزمه نفقته، إن لم يكن له مال.


صاحب فكرة 23-11-2017 01:39 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الحادي عشر: في النفقات،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريف النفقة وأنواعها:
أ- تعريف النفقة:
النفقة لغة: مأخوذة من الإنفاق، وهو في الأصل بمعنى الإخراج والنفاد، ولا يستعمل الإنفاق إلا في الخير.
وشرعاً: كفاية من يَمُونُه بالمعروف قوتاً، وكسوة، ومسكناً، وتوابعها.
(مانَ الرجل أهله يَمُونُهم مَوْناً ومؤونة: كفاهم وعالهم وأنفق عليهم)
ب- أنواع النفقات:
1 - نفقة الإنسان على نفسه.
2 - نفقة الفروع على الأصول.
3 - نفقة الأصول على الفروع.
4 - نفقة الزوجة على الزوج.
أولاً: نفقة الإنسان على نفسه:
يجب على المرء أن يبدأ في الإنفاق على نفسه إن قدر على ذلك؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: أعتق رجل من بني عُذرة عبداً له عن دُبُر إلى أن قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه: (ابدأ بنفسك فتصدَّق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك …) (رواه مسلم) الحديث.
(تدبير العبد: هو تعليق عتقه بموت سيده، فيقول: أنت حر يوم أموت)
ثانياً: نفقة الفروع:
فيجب على الوالد وإن علا نفقة ولده وإن سفل؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233]. فأوجب على الوالد نفقات رضاعة الولد، ولحديث عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) (البخاري ومسلم).
ثالثاً: نفقة الأصول:
فتجب نفقة الوالدين على ولدهما، لقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15]. وقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23]، ومن الإحسان الإنفاق عليهما، بل إن ذلك من أعظم الإحسان إلى الوالدين.
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه) (صححه الشيخ الألباني)، ولحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من طيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم) (صححه الشيخ الألباني).
رابعاً: نفقة الزوجة:
تجب نفقة الزوجة على الزوج؛ لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، ولحديث جابر - رضي الله عنه - في سياق حجة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) (رواه مسلم)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث جابر المتقدم: (فإن فضل شيء فلأهلك).
ولحديث عائشة المتقدم أيضاً، وفيه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
فيلزم الزوج نفقة زوجته قوتاً، وسكنى، وكسوة بما يصلح لمثلها.
وهذه النفقة تجب للزوجة التي في عصمته، وكذا المطلقة طلاقاً رجعياً، ما دامت في العدة. وأما المطلقة البائن فلا نفقة لها، ولا سكنى، إلا أن تكون حاملاً فلها النفقة، لقوله تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق: 6].

المسألة الثانية: نفقة المماليك والبهائم:
أولاً: نفقة المماليك:
أ- حكم النفقة على المماليك: يجب على السيد نفقة مملوكه من قوت وكسوة وسكن بالمعروف، لقوله تعالى: (قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) [الأحزاب: 50]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (للمملوك طعامه وكسوته) (رواه مسلم).
ويجب الرفق بهم وعدم تحميلهم فوق طاقتهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) (رواه مسلم).
ب- تزويج المملوك وإنكاحه: إن طلب الرقيق نكاحاً زوجه سيده؛ لقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) [النور: 32]، ولأنه يخشى وقوعه في الفاحشة إذا ترك إعفافه. وإذا طلبت الأمة نكاحاً؛ خيَّرها سيدها بين وطئها، أو تزويجها، أو بيعها إزالة للضرر عنها.
ثانياً: نفقة البهائم:
يجب على من ملك بهيمة إطعامها، وسقيها، والقيام بشؤونها، ورعايتها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلاً) (رواه مسلم).
فدل ذلك على وجوب النفقة على الحيوان المملوك؛ لأن دخول المرأة النار كان بسبب ترك الإنفاق على الهرة، ومثلها باقي الحيوانات المملوكة.
فإن عجز مالك البهيمة عن الإنفاق عليها، أجبر على بيعها، أو تأجيرها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل؛ لأن بقاءها في ملكه مع عدم الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته.



صاحب فكرة 25-11-2017 11:22 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
عاشراً: كتاب الجنايات
ويشتمل على ثلاثة أبواب:

الباب الأول: في الجنايات، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الجناية وأقسامها:
أ- تعريف الجِناية:
الجِناية جمعها جنايات، وهي لغة: التعدي على بدن أو مال أو عرض، وقد جعل الفقهاء كتاب الجنايات خاصاً بالتَّعدي على البدن، وكتاب الحدود خاصاً بالتعدي على المال والعرض.
فالجناية شرعاً: التعدِّي على البدن بما يوجب قصاصاً، أو مالاً، أو كفارة.
ب- أقسام الجناية: تنقسم الجناية إلى قسمين:
1 - جناية على النفس.
2 - جناية على ما دون النفس.

المسألة الثانية: الجناية على النفس:
وهي كل فعل يؤدي إلى زهوق النفس، وهي القتل. وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الإسراء: 33]. ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) (البخاري ومسلم). فتحريم القتل بغير حق ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع.
حكم قاتل النفس بغير حق:
إذا قتل شخص شخصاً متعمداً بغير حق فحكمه أنه فاسق؛ لارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب، وقد عظَّم الله شأن القتل، فقال سبحانه: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً) (البخاري). وقد توعده الله سبحانه، فقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا…) [النساء: 93]. وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النساء: 48]. فهو داخل تحت المشيئة؛ لأن ذنبه دون الشرك. هذا إن لم يتب، أما إذا تاب فتوبته مقبولة؛ لقوله عز وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53] ولكن لا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد توبة القاتل.

المسألة الثالثة: أنواع القتل:
ينقسم القتل إلى ثلاثة أقسام: القتل العمد، وشبه العمد، والخطأ.
والخطأ والعمد ورد ذكرهما في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]. وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
وأما شبه العمد: فثبت في السنة المطهرة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ، مثل عقل العمد) (حسَّنه الأرناؤوط).
وإلى تفصيل القول في هذه الأقسام الثلاثة:
القسم الأول: قتل العمد:
حقيقته: أن يقصد القاتل آدمياً معصوماً، فيقتله بما يغلب على الظن موته به. فعلى هذا لابد من توافر ثلاثة شروط، حتى يكون القتل عمداً:
1 - وجود القصد من القاتل، وهو إرادة القتل.
2 - أن يعلم أن الشخص الذي قصد قتله آدمي معصوم الدم.
3 - أن تكون الآلة التي قتله بها مما تصلح أن تكون للقتل عادة، سواء أكانت محددة أم غير محددة.
فإن اختل شرط من هذه الشروط لم يكن القتل عمداً.
• صور القتل العمد:
1 - أن يضربه بمُحَدَّد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن؛ كالسيف والسكين والرمح وما في معناها.
2 - أن يقتله بِمُثَقَّل كبير، كالحجر الكبير والمطرقة ونحوها؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن جارية وجد رأسها قد رُضَّ بين حجرين. فسألوها: من صنع هذا بك؟ فلان؟ فلان؟ حتى ذكروا يهودياً، فأومت برأسها، فأُخذ اليهودي، فأقرَّ، فأمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يرض رأسه بالحجارة. (البخاري مسلم) و الرضُّ: الدق والكسر
3 - أن يمنع خروج نَفَسِهِ، كأن يخنقه بحبل ونحوه، أو يسد فمه، وأنفه، حتى يموت.
4 - أن يسقيه سُمًّا لا يعلم به، أو يطعمه شيئاً قاتلاً، فيموت به.
5 - أن يلقيه في مهلكة يكثر فيها السباع، أو ينعدم فيها الماء.
6 - أن يلقيه في ماء يغرقه، أو نار تحرقه، ولا يمكنه التخلص منهما.
7 - أن يحبسه، ويمنع عنه الطعام والشراب زمناً يموت فيه غالباً، فيموت بذلك جوعاً أو عطشاً.
8 - أن يلقيه إلى حيوان مفترس كأسد، أو حية قاتلة، فيموت من ذلك.
9 - أن يتسبب في قتله بما يقتل غالباً، كأن يشهد عليه بما يوجب قتله من زنى، أو ردة، أو قتل، فيقتل، ثم يرجع الشهود عن شهادتهم ويقولون: تعمدنا قتله، فيقتلون به.
وللحديث بقية

صاحب فكرة 28-11-2017 09:13 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
حكم قتل العمد:
لقتل العمد حكمان:
1 - حكم أخروي: وهو تحريم القتل، ولفاعله الإثم العظيم، والعذاب الأليم، إن لم يتب، أو يعفو الله عنه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].
2 - حكم دنيوي: فيترتب على قتل العمد القصاص إن لم يعف أولياء المقتول؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 178]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعفو وإما أن يُقتل) وفي رواية: (إما أن يقاد وإما أن يُفدى) (البخاري ومسلم). فولي الدم مخير بين القصاص، أو العفو بلا مقابل، أو أخذ الدية وهي بدل عن القصاص وله الصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافاً؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: (من قَتَلَ عمداً دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حِقَّةً وثلاثون جَذَعَةً وأربعون خَلِفَةً، وما صُولحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل) (رواه ابن ماجة وغيره بسند حسن). وعفوه بلا مقابل أفضل؛ لقوله تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [البقرة: 237].
والحقة من الإبل: ما أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والجذعة: ما أتمت أربع سنين، ودخلت في الخامسة، والخلفة: الحامل من الإبل، وجمعها مخاض من غير لفظها.
• شروط القصاص في النفس: يستحق ولي القتيل القصاص بشروط أربعة:
1 - أن يكون القاتل مكلفاً، وهو البالغ العاقل. فلا قصاص على الصغير والمجنون والمعتوه والنائم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيّ حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) (تقدم تخريجه)، ولأن هؤلاء ليس لهم قصد صحيح، أو لعدم وجود القصد منهم.
2 - أن يكون المقتول معصوم الدم؛ لأن القصاص شرع لحقن الدماء، ومهدر الدم غير محقون، فلو قتل مسلم كافراً حربياً، أو مرتداً قبل توبته، أو زانياً محصناً، فلا قصاص عليه، ولا دية، لكنه يعزر لتعدِّيه على الحاكم.
3 - التكافؤ بين القاتل والمقتول، فيساويه في الحرية والدين والرق، فلا يقتل مسلم بكافر، ولو كان المسلم عبداً والكافر حراً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل مسلم بكافر) (البخاري). ولا يقتل حر بعبد؛ لقوله تعالى: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) [البقرة: 178] وما سوى ذلك فلا يؤثر التفاضل في شيء منها في القصاص، فيقتل الشريف بالوضيع، والذكر بالأنثى، والصحيح بالمجنون والمعتوه؛ لعموم قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة: 45].
4 - عدم الولادة، فلا يكون المقتول ولداً للقاتل ولا لولده وإن سفل، فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يقتل والد بولده) (صححه الألباني).
ويقتل الولد بكل من الأبوين؛ لعموم قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) [البقرة: 178].
• الحكمة من القصاص:
شرع الله سبحانه القصاص؛ رحمة بالناس، وحفظاً لدمائهم، وزجراً عن العدوان، وإذاقة للجاني ما أذاقه لغيره، وفيه إذهاب لحرارة الغيظ من قلوب أولياء المجني عليه، وفيه حياة للناس، وبقاء للنوع الإنساني، كما قال سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 179].
• شروط استيفاء القصاص:
إذا توافرت شروط استحقاق القصاص ووجوبه، فإنه لا يستوفى من الجاني ولا توقع العقوبة عليه إلا بشروط ثلاثة، وهي:
1 - أن يكون مستحق القصاص مكلفاً -بالغاً عاقلاً- فإن كان مستحقه -أو بعضهم- صبياً أو مجنوناً، لم ينب عنهما غيرهما في استيفائه، وإنما يحبس الجاني إلى حين بلوغ الصغير، وإفاقة المجنون. وقد فعله معاوية - رضي الله عنه - وأقرَّه الصحابة، فكان كالإجماع منهم.
2 - اتفاق أولياء الدم المستحقين للقصاص جميعاً على استيفائه، وليس لبعضهم الانفراد به، لئلا يكون مستوفياً لحق غيره بغير إذنه، فينتظر قدوم الغائب، وبلوغ الصغير، وإفاقة المجنون، ومن مات من مستحقي القصاص قام وارثه مقامه. وان عفا بعض مستحقي القصاص سقط القصاص.
3 - أن يُؤْمَن عدم تعدي القصاص إلى غير الجاني؛ لقوله تعالى: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء: 33]. فإن وجب القصاص على حامل لا تقتل حتى تضع حملها؛ لأن قتلها يتعدى إلى الجنين. فإن وضعت ما في بطنها: فإن وجد من يقوم مقامها في إرضاع الولد أقيم عليها الحدُّ، وإن لم يوجد تركت حتى تفطمه لحولين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث الغامدية: (إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه) فقام رجل من الأنصار فقال: إليَّ رضاعه يا نبي الله! فرجمها (رواه مسلم).
• من أحكام القصاص:
1 - ينفذ القصاص بحضور الحاكم -الإمام- أو نائبه، فهو الذي يقيمه ويأذن فيه؛ ليمنع من الجور فيه، ولإقامته على الوجه الشرعي، ودرءاً للفساد والتخريب والفوضى.
2 - الأصل أن يفعل بالجاني كما فعل بالمجني عليه؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل: 126]. ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رضَّ رأس اليهودي الذي قتل الجارية بين حجرين، كما فعل بها (تقدم تخريجه). وكذا إن قطع يديه، ثم قتله، فعل به ذلك.
3 - لا بد أن تكون الآلة التي ينفذ بها القصاص ماضية، كسيف وسكين ونحوه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة) (رواه مسلم).
4 - إن كان ولي المقتول يحسن الاستيفاء على الوجه الشرعي، مَكَّنه الحاكمُ من ذلك، وإلا أمره أن يوكل من يقتص له، ممن يحسن ذلك.
القسم الثاني: قتل شبه العمد:
حقيقته: أن يقصد الاعتداء على شخص بما لا يقتل غالباً، فيموت المجني عليه، ويسمى أيضاً خطأ العمد، فهو يشبه العمد من جهة قصد ضربه، ويشبه الخطأ من جهة ضربه بما لم يقصد به القتل، فلذلك كان حكمه متردداً بين العمد والخطأ. وسواء في ذلك قصد العدوان عليه أو تأديبه.
• من صور قتل شبه العمد وأمثلته:
1 - أن يضربه في غير مقتل بسوط أو حجر صغير أو عصا صغيرة، أو يلكمه أو يلكزه في غير مقتل فيموت. واللَّكم: الضرب بجُمْع الكف، واللَّكز: الضرب بجمع الكف في الصدر.
2 - أن يربطه ويلقيه إلى جانب ماء قد يزيد وقد لا يزيد، فيزيد الماء، ويموت منه، وكذا لو ألقاه في ماء قليل لا يغرق مثله فغرق.
3 - أن يصيح بعاقل في حال غفلته فيموت، أو يصيح بصغير، أو معتوه، على سطح، فيسقط، فيموت.


صاحب فكرة 29-11-2017 01:56 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
• حكم قتل شبه العمد:
لقتل شبه العمد حكمان:
1 - حكم أخروي: وهو الحرمة والإثم والعقاب في الآخرة؛ لأنه تسبب بفعله في قتل معصوم الدم، إلا أن عقابه دون قتل العمد.
2 - حكم دنيوي: فيترتب عليه الدية مغلظة، ولا يترتب عليه قصاص كالعمد وإن طالب به ولي الدم، وتجب الكفارة في مال الجاني، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين. وتثبت الدية لولي الدم على عاقلة القاتل مؤجلة في ثلاث سنوات؛ لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد، ولا يقتل صاحبه) (حسَّنه الأرناؤوط)، وحديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: (ضربت امرأة ضرة لها بعمود فسطاط، وهي حبلى فقتلتها، فجعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دية المقتولة على عصبة القاتلة) (رواه مسلم).
العاقلة: هم العصبة، وهم القرابة من قبل الأب الذين يعطون دية قتل الخطأ.
القسم الثالث: قتل الخطأ:
حقيقته: أن يقتل شخصاً من غير قصد لقتله.
• أنواع قتل الخطأ:
1 - الخطأ في الفعل، وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله فيصيب آدمياً معصوماً لم يقصده، كأن يرمي صيداً، فيصيب إنساناً فيقتله، أو ينقلب وهو نائم على إنسان فيموت.
2 - الخطأ في القصد، كأن يرمي ما يظنه مباحاً فيتبين آدمياً، كما لو رمى شيئاً يظنه صيداً، فيتبين آدمياً معصوماً.
3 - أن يكون القاتل عمداً صغيراً أو مجنوناً، فعمد الصبي والمجنون يجري مجرى الخطأ؛ لأنهما ليس لهما قصد.
ويلحق بقتل الخطأ: القتل بالتسبب، كما لو حفر بئراً، أو حفرة في طريق، فتلف بسبب ذلك إنسان.
• حكم قتل الخطأ:
لهذا القتل حكمان:
1 - حكم أخروي: وهو عدم الإثم والعقاب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) (صححه الألباني).
2 - حكم دنيوي: وهو وجوب الدية على عاقلة القاتل مؤجلة ثلاث سنين ومخففة في خمسة أنواع من الإبل؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92]، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بِغُرَّةٍ: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قَضَى عليها بالغرة توفيت ، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لزوجها، وبنيها، وأن العقل على عصبتها) (متفق عليه).
المراد أن المرأة التي قضي لها بالغرة -وهي المجنيّ عليها- هي التي توفيت. (شرح النووي على مسلم 11/ 177)
وتجب على من قتل خطأً مع الدية كفارة وهي كالآتي:
1 - عتق رقبة مؤمنة: وهذا إذا كان يستطيع العتق، ويشترط في الرقبة أن تكون مؤمنة سليمة من العيوب؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [النساء: 92]. فإن لم يتمكن من العتق؛ لفقره أو لعدم وجود الرقيق، فإنه ينتقل إلى:
2 - صوم شهرين متتابعين إن كان يستطيع؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ) [النساء: 92]. فإن عجز عن الصوم لمرض أو كبر سن بقيت الكفارة متعلقة في ذمته، ولا يجزئ عنه الإطعام؛ لأن الله تعالى لم يذكره، والأبدال في الكفارة تتوقف على النص دون القياس.
المسألة الرابعة: الجناية على ما دون النفس:
وهي كل أذى يقع على الإنسان مما لا يودي بحياته، من الجراح وقطع الأعضاء ونحو ذلك، ويجب في ذلك القصاص لثبوت ذلك بالكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) [المائدة: 45].
وأما السنة: فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة كسر الرّبَيِّع ثنية جارية: (كتاب الله القصاص) (البخاري ومسلم). وأجمع العلماء على وجوب القصاص فيما دون النفس، إن أمكن.
وهي ثلاثة أنواع:
1 - الجناية بالجرح.
2 - قطع طرف.
3 - إبطال منفعة عضو.
النوع الأول: الجناية بالجرح:
وهذه الجناية تنقسم إلى قسمين:
أ- الجراح الواقعة على الوجه والرأس وتسمى الشجاج، جمع شجة.
ب- الجراحات في سائر البدن، وتسمى جرحاً، لا شجة.
القسم الأول: الجراحات الواقعة في الرأس والوجه، وهي عشرة أنواع:
1 - الحَارِصَة، وهي التي تحرص الجلد، أي: تشقه قليلاً، ولا تدميه، كالخدش، وتسمى القاشرة والمليطاء، من الحَرْص، وهو الشقُّ.
2 - الدامية، وهي التي تدمي موضعها من الشق (تدمي الجلد) فيخرج منها دم يسير، وتسمى البازلة والدامعة، تشبيها بخروج الدمع من العين.
3 - الباضِعَة، وهي التي تبضع اللحم بعد الجلد، أي تشقه شقاً خفيفاً، ولا تبلغ العظم.
4 - المتلاحمة، وهي التي تغوص في اللحم، ولا تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم.
5 - السِّمْحَاق، وهي التي تبلغ الجلدة الرقيقة بين اللحم والعظم من الرأس، سُميت الجراحة باسمها.
وهذه الخمس ليس فيها قصاص ولا دية، وإنما يجب فيها حكومة، والحكومة هي أن يقوّم المجني عليه قبل الجناية كأنه عبد، ثم يُقَوَّم، وهي به قد برئت، فما نقص من القيمة، فللمجني عليه مثل نسبته من الدية.
6 - المُوَضِّحة، وهي التي تخرق السمحاق وتوضح العظم أي تكشفه، وفيها خمس من الإبل، نصف عشر الدية.
7 - الهاشمة، وهي التي توضح العظم وتهشمه أي تكسره، وفيها عشر من الإبل.
8 - المُنَقِّلة، وهي التي تنقل العظم من موضع لآخر، سواء أوضحته، وهشمته، أو لا، وفيها خمس عشرة من الإبل.
9 - المأمومة، وهي التي تبلغ أم الدماغ أي: جلدة الدماغ المحيطة به، ويقال لها الآمَّة، وفيها ثلث دية النفس.
10 - الدامغة، وهي التي تخرق جلدة الدماغ، وتصل إليه، وفيها ثلث دية النفس أيضاً.
ويضاف إلى ذلك الجائفة، وهي التي تصل إلى باطن الجوف، مما لا يظهر للرائي، كداخل بطن، وداخل ظهر، وصدر، وحلق، ومثانة، وهذه ليست من الشجاج، لأنها ليست في الرأس أو الوجه، إلا أنهم يذكرونها تبعاً بجامع التقدير فيها، وفيها ثلث دية النفس.
وللحديث بقية

صاحب فكرة 02-12-2017 01:26 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
ودليل هذه الجراح:
1 - حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتب إلى أهل اليمن كتاباً، وذكر فيه: (وفي المأمومة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل ... وفي الموضحة خمس من الإبل) (صحيح، انظر: إرواء الغليل).
2 - إجماع العلماء على أن دية المنقلة خمس عشرة من الإبل.
3 - اتفاق العلماء على أن في الجائفة ثلث الدية؛ لما في حديث عمرو بن حزم: (وفي الجائفة ثلث الدية).
4 - أثر زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قضى في الهاشمة عشر من الإبل (أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (9/ 314)، والبيهقي في سننه (8/ 72))، ولم يُعرف له مخالف.
5 - ولما جاء في كتاب عمرو بن حزم السابق أن في المأمومة ثلث الدية، والدامغة أبلغ منها، فهي أولى منها بأن تكون فيها ثلث الدية.
وهذه الشجاج لا يجب القصاص فيها، إلا في الموضحة فقط لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها، بخلاف ما عداها، فإنه لا يؤمن فيها الزيادة والنقص في طول الجراحة وعرضها، ولا يوثق باستيفاء المثل.
القسم الثاني: الجراحات في سائر البدن:
وهذه الجراحات تختلف باختلاف النوع، فما لا قصاص فيه إذا كان في الرأس أو الوجه فلا قصاص فيه أيضاً، إذا كان في سائر البدن، إلا الموضحة التي تقطع جزءاً من أجزاء البدن، كالصدر والعنق.
النوع الثاني: قطع الطرف:
تنقسم هذه الجنايه إلى ثلاثة أقسام:
1 - عمد.
2 - شبه عمد.
3 - خطأ.
ولا يجب القصاص في الخطأ وشبه العمد، وإنما يجب في العمد كالقتل بشروط ثلاثة:
1 - إمكان الاستيفاء بلا حيف، وذلك بأن يكون القطع من مفصل، أو له حد ينتهي إليه كالأنامل، والكوع، والمرفق. فلا قصاص في جراحة لا تنتهي إلى حد كالجائفة، ولا قصاص في كسر عظم غير السن، كعظم الفخذ والذراع والساق.
2 - التماثل بين عضوي الجاني والمجني عليه في الاسم والموضع، فلا تؤخذ يمين بيسار، ولا خنصر ببنصر، ولا عضو أصلي بزائد.
3 - استواء العضوين من الجاني والمجني عليه في الصحة والكمال، فلا تؤخذ صحيحة بشلاء، ولا كاملة الأصابع بناقصتها، وهكذا.
النوع الثالث: إبطال منفعة عضو:
إذا أبطل الجاني منفعة عضو المجني عليه فإنه لا قصاص عليه؛ لعدم إمكان الاستيفاء بلا حيف، وعليه في ذلك دية نفس كاملة.
ومن نقصت منفعة عضوه، فإن عرف قدره وجب له من الدية قسط الذاهب، كنصف الدية أو ربعها مثلاً، إذا كان الذاهب نصف المنفعة أو ربعها، وهكذا.
وان لم يمكن معرفة قدر الذاهب من المنفعة، وجبت حكومة، يقدرها الحاكم باجتهاده.
ومن المنافع: إزالة العقل والسمع والبصر، وإبطال الشم، وذهاب النطق والصوت والذوق، وزوال المضغ وزوال الإمناء، وإبطال قوة الإحبال، وغير ذلك.
الباب الثاني: في الديات، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها.
الدِّيَة لغة: من: وَدَيْتُ القتيلَ أَدِيهِ دِيةً، إذا أعطيت ديته، والجمع: ديات.
وشرعاً: هي المال المؤدَّى للمجني عليه أو لوليه بسبب الجناية.
وتسمى أيضاً (العَقْل)؛ لأن القاتل كان يجمع الدية من الإبل، فيعقلها بفناء أولياء المقتول؛ ليسلمها إليهم.

المسألة الثانية: مشروعيتها، ودليل ذلك، والحكمة منها:
1 - أدلة مشروعيتها: الدية واجبة بالكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ) [النساء: 92].
وأما السنة: فحديث أبي هريرة المتقدم ذكره: (من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل). وكذا حديث عمرو بن حزم في الكتاب الذي كتبه له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفيه مقادير الديات.
وأجمع أهل العلم على وجوب الدية.
2 - حكمة مشروعيتها: أما الحكمة من مشروعيتها: فهي حفظ الأرواح، وحقن دماء الأبرياء، والزجر، والردع عن الاستهانة بالأنفس.
المسألة الثالثة: على من تجب الدية؟ ومن يتحملها؟
من أتلف إنساناً أو جزءاً منه، لا يخلو من أحد أمرين:
- إن كانت الجناية التي فسدت بسببها النفس عمداً محضاً، وجبت الدية كلها في مال القاتل، إن حصل العفو وسقط القصاص. فإن بدل التلف يجب على متلفه، قال تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164].
- وأما إن كانت الجناية خطأً أو شبه عمد، فإن الدية تكون على عاقلة القاتل؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغُرَّة: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن ميراثها لزوجها، وبنيها، وأن العقل على عصبتها) (تقدم تخريجه).
وإنما وجبت على العاقلة؛ لأن جنايات الخطأ كثيرة، والجاني فيها معذور، فوجبت مواساته، والتخفيف عنه بخلاف المتعمد؛ ولأن المتعمد يدفع الدية فداءً عن نفسه؛ لأنه يجب عليه القصاص، فإن عفي عنه تَحَمَّل الدية.


صاحب فكرة 07-12-2017 08:14 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة الرابعة: أنواع الديات ومقاديرها:
1 - أنواع الديات:
الأصل في الدية هو الإبل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل …) (صححه الألباني).
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ألا وإن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل) (صححه الألباني).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (كانت قيمة الدية على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ... فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيباً فقال: ألا إن الإبل قد غلت. قال: ففرضها عمر -وفي رواية: فقوَّم- على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة) (حسنه الألباني).
وعلى هذا؛ فإن الأصل في الدية الإبل. وهذه الأشياء المذكورة سواها يكون معتبراً بها من باب التقويم، وقد كان ذلك من عمر رضي الله عنه بمحضر من الصحابة، ولم ينكروا ذلك عليه، فيكون إجماعاً، فتدفع الدية إبلاً، أو قيمتها، من هذه الأشياء المذكورة.
2 - مقادير الدية:
- دية الحر المسلم: تكون مائة من الإبل، وتغلظ في قتل العمد وشبهه، وتغليظ الدية: أن يكون في بطون أربعين منها أولادها، كما تقدم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وفيه: (وأربعون خَلِفَة).
- دية الحر الكتابي: دية الكتابي الحر -ذمياً كان أو غيره- نصف دية المسلم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين) (حسنه الألباني). وفي لفظ: (دية العاهد نصف دية المسلم).
- دية المرأة: دية الحرة المسلمة على النصف من دية الرجل الحر المسلم، كما في كتاب عمرو بن حزم: (دية المرأة على النصف من دية الرجل). ونقل ابن عبد البر، وابن المنذر، الإجماع على ذلك.
- دية المجوسي: دية المجوسي الحر -ذمياً كان أو معاهداً أو غيره- وكذا الوثني: ثمانمائة درهم؛ لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً: (دية المجوسي ثمانمائة درهم) (أخرجه البيهقي في سننه (8/ 101) وفيه ضعف، لكنه قول جماعة من الصحابة).
- دية المجوسية ونساء أهل الكتاب وعبدة الأوثان: على النصف من دية ذكرانهم، كما أن دية نساء المسلمين على النصف من دية ذكرانهم؛ لعموم حديث عمرو بن شعيب المتقدم: (عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين).
- دية الجنين: دية الجنين إذا سقط ميتاً بسبب جناية على أمه عمداً أو خطأ: غرة عبد أو أمة، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة: عبد أو أمة) (متفق عليه). وتُقَدَّر الدية بعشر دية أمه وهي: خمس من الإبل. وتورث الغرة عنه، كأنه سقط حيّاً.
الباب الثالث: في القسامة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها، وحكمها، وحكمتها:
1 - تعريفها: القسامة لغة: مصدر قولهم: أَقْسَمَ يُقْسِمُ إقساماً وقَسَامَةً، أي: حلف حلفاً.
وشرعاً: هي الأيمان المكررة في دعوى القتيل المعصوم، سميت بذلك؛ لأن الأيمان تقسم على أولياء القتيل فيحلفون خمسين يميناً أن المدَّعى عليه قتل صاحبهم. وصورتها: أن يوجد قتيل لا يُعرف قاتله، فتجري القسامة على الجماعة التي ينحصر فيها إمكان قتله، وذلك إذا توافرت الشروط الآتي ذكرها.
2 - مشروعيتها: وهي مشروعة، ويثبت بها القصاص، أو الدية، إذا لم تقترن الدعوى ببينة أو إقرار، ووجد اللَّوْث، وهو العداوة الظاهرة بين القتيل والمتهم بقتله؛ كالقبائل التي يطلب بعضها بعضاً بالثأر، وقيل: لا يختص بذلك، بل يتناول كل ما يغلب على الظن صحة الدعوى.
والدليل على مشروعيتها: حديث سهل بن أبي حَثْمة: أن عبد الله بن سهل ومُحَيِّصَة بن مسعود خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل، وطرح في عين أو فَقِير (الفَقِير: البئر الواسعة الفم، القريبة القعر، وقيل: الحفيرة تكون حول النخل)، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه. فقالوا: والله ما قتلناه. ثم أقبل حتى أتى على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة -وهو أكبر منه- وعبد الرحمن بن سهل ... فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) وفي رواية (تأتون بالبينة)، قالوا: ما لنا بينة. فقال: (أتحلفون)؟ قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد، ولم نر. قال: (فتحلف لكم يهود؟)، قالوا: ليسوا بمسلمين. فوداه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عنده، فبعث إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار. فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء (البخاري ومسلم).
فدل ذلك على مشروعية القسامة، وأنها أصل من أصول الشرع مستقل بنفسه.
3 - حكمتها: شرعت القسامة لصيانة الدماء وعدم إهدارها؛ فالشريعة الإسلامية تحرص أشد الحرص على حفظ الدماء، وصيانتها، وعدم إهدارها، ولما كان القتل يكثر، بينما تقل الشهادة عليه؛ لأن القاتل يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، جعلت القسامة حفظاً للدماء.

المسألة الثانية: شروط القسامة:
1 - أن يكون هناك لوث، وقد سبق بيان معناه.
2 - أن يكون المدَّعَى عليه مكلفاً، فلا تصح الدعوى فيها على صغير ولا مجنون.
3 - أن يكون المدَّعِي مكلفاً أيضاً، فلا تسمع دعوى صبي ولا مجنون.
4 - أن يكون المدَّعَى عليه معيناً، فلا تقبل الدعوى على شخص مبهم.
5 - إمكان القتل من المدَّعى عليه، فإن لم يمكن منه القتل لبعده عن مكان الحادث وقت وقوعه ونحو ذلك، لم تسمع الدعوى.
6 - ألا تتناقض دعوى المُدَّعِي.
7 - أن تكون دعوى القسامة مفصلة موصوفة، فيقول: أدّعي أن هذا قتل وليي فلان بن فلان، عمداً أو شبه عمد أو خطأ، ويصف القتل.

المسألة الثالثة: صفة القسامة:
إذا توافرت شروط القسامة، يُبدأ بالمدعين فيحلفون خمسين يميناً توزع عليهم
على قدر إرثهم من القتيل، أن فلاناً هو الذي قتله. ويكون ذلك بحضور المدعى عليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن أبي حثمة الماضي: (أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟) (رواه البخاري).
فإن أبى الورثة أن يحلفوا، أو امتنعوا من تكميل الخمسين يميناً، فإنه يحلف المدَّعى عليه خمسين يميناً إذا رضي المدعون بأيمانه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتقدم: (فتحلف لكم يهود؟) قالوا: ليسوا بمسلمين، ولم يرضوا بأيمانهم. فإذا حلف برئ، وإن لم يرض المدعون بتحليف المدعى عليه فدى الإمام القتيل بالدية من بيت المال، كما فعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندما فدى القتيل من بيت المال عندما امتنع الأنصار من قبول أيمان اليهود؛ لأنه لم يبق سبيل لإثبات الدم على المدَّعى عليه، فوجب الغرم من بيت المال؛ لئلا يضيع دم المعصوم هدراً.
ومن قُتل في الزحام فإنه تدفع ديته من بيت المال؛ لما روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال لعمر - رضي الله عنه - في رجل قتل في زحام الناس بعرفة: (يا أمير المؤمنين لا يُطَلُّ دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعط ديته من بيت المال) (رواه عبد الرزاق في المصنف (10/ 51)، وابن أبي شيبة (9/ 395)).
(أي يهدر، يقال: طَلَّ السلطان الدم، طَلاًّ : أهدره)
اللقاء القادم مع كتاب الحدود

صاحب فكرة 09-12-2017 02:25 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
حادي عشر: كتاب الحدود
ويشتمل على ثمانية أبواب:
الباب الأول: في تعريف الحدود، ومشروعيتها، والحكمة منها، ومسائل أخرى:
1 - تعريفها: الحد لغة: هو المنع، وحدود الله: محارمه التي نهى عن ارتكابها وانتهاكها، قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا) [البقرة: 187] سميت بذلك لأنها تمنع من الإقدام على الوقوع فيها.
وشرعاً: عقوبة مقدرة في الشرع؛ لأجل حق الله تعالى. وقيل: عقوبة مقدرة شرعاً في معصية؛ لتمنع من الوقوع في مثلها أو في مثل الذنب الذي شرع له العقاب.
2 - دليل مشروعيتها: الأصل في مشروعية الحدود الكتاب والسنة والإجماع؛ فقد قرر الكتاب والسنة عقوبات محددة لجرائم ومعاصٍ معينة، كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر، وغيرها، مما سيأتي تفصيله في الأبواب التالية إن شاء الله، مع ذكر أدلة ذلك كله.
3 - الحكمة من مشروعية الحدود: شرعت الحدود؛ زجراً للنفوس عن ارتكاب المعاصي والتعدي على حرمات الله سبحانه، فتتحقق الطمأنينة في المجتمع ويشيع الأمن بين أفراده، ويسود الاستقرار، ويطيب العيش.
كما أن فيها تطهيراً للعبد في الدنيا؛ لحديث عبادة بن الصامت مرفوعاً في البيعة، وفيه: (ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته) (البخاري ومسلم). وحديث خزيمة ابن ثابت مرفوعاً: (من أصاب حداً أقيم عليه ذلك الحد، فهو كفارة ذنبه) (صححه الشيخ الألباني).
وهذه الحدود مع كونها محققة لمصلحة العباد، فإنها عدل كلها وإنصاف، بل هي غاية العدل.
4 - وجوب إقامة الحدود وتحريم الشفاعة فيها:
تجب إقامة الحدود بين الناس منعاً للمعاصي وردعاً للعصاة، وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرغباً في إقامة الحدود: (إقامة حد من حدود الله، خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله عز وجل) (حسنه الألباني).
وتحرم الشفاعة في الحدود لإسقاطها وعدم إقامتها، إذا بلغت الإمام وثبتت عنده، كما يحرم على ولي الأمر قبول الشفاعة في ذلك؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره) (صححه الألباني)، ولرده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شفاعة أسامة بن زيد في المخزومية التي سرقت، وغضبه لذلك، حتى قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) (البخاري ومسلم).
وأما العفو عن الحدّ قبل أن يبلغ الإمام فجائز؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للذي سُرقَ رداؤه، فأراد أن يعفو عن السارق: (فهلاَّ قبل أن تأتيني به) (صححه الألباني).
5 - من يقيم الحد ومكان إقامته:
الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه، فقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقيم الحدود في حياته، ثم خلفاؤه من بعده. وقد وَكَل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يقيم الحد نيابة عنه، فقال: (واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها) (البخاري ومسلم).
ووجب ذلك على الإمام؛ ضماناً للعدالة، ومنعاً للحيف والظلم.
ويقام الحد في أيّ مكان غير المسجد، فقد (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يستقاد في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تقام فيه الحدود) (حسنه الألباني)؛ وذلك صيانة للمسجد عن التلوث ونحوه. وجاء في بعض الروايات في قصة رجم ماعز: (فأخرج إلى الحرة فرجم) (قال الألباني: حسن صحيح.).
الباب الثاني: في حد الزنى،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الزنى وحكمه وخطورته:
1 - تعريف الزنى:
الزنى لغة: يطلق على وطء المرأة من غير عقد شرعي، وعلى مباشرة المرأة الأجنبية.
وشرعاً: وطء الرجل المرأة في القُبُل من غير المِلك وشبهته. أو: هو فِعلُ الفاحشة في قبل أو دبر.
2 - حكم الزنى:
الزنى محرم، وهو من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32].
ولحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك) (البخاري ومسلم).
وأجمع العلماء على تحريمه.
3 - خطورة جريمة الزنى، وشناعتها، ومفاسدها:
الزنى من أعظم الجرائم وأشنعها وأكثرها خطراً على الأفراد والمجتمعات، لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق عند التوارث، وضياع التعارف، والتناصر على الحق. وهو سبب في تفكك الأسرة، وضياع الأبناء، وسوء تربيتهم، وفساد أخلاقهم. وفيه تغرير بالزوج؛ إذ قد ينتج عن الزنى حمل، فيربي الزوج غير ابنه. وأضراره كثيرة لا يخفى أثرها في الأفراد والمجتمعات: من ضياع وانحلال وتفكك.
لذا حذَّر منه الإسلام أشد التحذير، ورتب على ارتكابه أشد العقوبة، كما سيأتي بيانه.
اللقاء القادم مع حد الزنى

صاحب فكرة 10-12-2017 09:19 AM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
المسألة الثانية: حدُّ الزنى:
لا يخلو حال الزاني من أحد أمرين:
1 - أن يكون محصناً.
2 - أو يكون غير محصن.
أولاً: الزاني المحصن:
ويشترط للإحصان الموجب للحدِّ الشروط التالية:
أ- أن يحصل منه الوطء في القبل، وذلك بأن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في الفرج.
ب- أن يكون الوطء في نكاح صحيح.
ج- أن يكون الرجل والمرأة حال الوطء بالغين حرين عاقلين.
فالمحصن: هو من وَطِئ زوجته في قُبُلِهَا، بنكاح صحيح، وكانا بالغين عاقلين حرين.
فهذه خمسة شروط لا بد منها لحصول الإحصان الموجب للحدِّ، وهي: البلوغ، والعقل، والحرية، والوطء في الفرج، وأن يكون الوطء بنكاح صحيح.
حده: إذا زنى المحصن فإن حده الرجم بالحجارة حتى الموت، رجلاً كان، أو امرأة. والرجم ثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالتواتر من قوله وفعله. وقد كان الرجم مذكوراً في القرآن، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه، وذلك في قوله عز وجل: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم).
فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خطب فقال: (إن الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل الله آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) (البخاري ومسلم)، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في المسجد فناداه، فقال: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثَنَى ذلك عليه أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات، دعاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: (أبك جنون؟) قال: لا، قال: (فهل أحصنت؟) قال: نعم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اذهبوا به فارجموه) (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم).
وأجمع العلماء على أن من زنى، وهو محصن، فحكمه الرجم بالحجارة حتى الموت.
ثانياً: الزاني غير المحصن:
وهو من لم تتوافر فيه الشروط السابقة في الزاني المحصن.
حده: إذا زنى غير المحصن فإن حده الجلد مائة جلدة، وتغريب عام، إلا أنه يشترط في تغريب المرأة وجود محرم معها؛ لقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) [النور: 2] ولحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام) (رواه مسلم). وتغريب الزاني: نفيه وإبعاده عن وطنه.
وإن زنى الرقيق -محصناً كان أو غير محصن، عبداً كان أو أمة- فإن حده أن يجلد خمسين جلدة، لقوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) [النساء: 25]. فالعذاب المذكور في الآية هو الجَلْدُ مائة جلدة، فينصرف التنصيف إليه، ولأن الرجم لا يمكن تنصيفه.
ولا تغريب على الرقيق، إذ لم ترد السنة بتغريب المملوك إذا زنى، ولأن في تغريبه إضراراً بسيده. ولا تغرب المرأة إلا بمحرم كما سبق.
المسألة الثالثة: بِمَ يثبت الزنى؟
لإقامة حد الزنى لا بد من إثبات وقوعه، ولا يثبت وقوعه إلا بأحد أمرين: الأمر الأول: أن يقر به الزاني أربع مرات، ولو في مجالس متعددة؛ فقد أخذ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باعتراف ماعز والغامدية. وأما اشتراط الأربع: فلأن ماعزاً اعترف عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرات فرده، فلما اعترف الرابعة أقام عليه الحد.
- ولا بد أن يصرح في إقراره بحقيقة الزنى والوطء، لاحتمال أنه أراد غير الزنا من الاستمتاع الذي لا يوجب حداً، فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لماعز حين أقر عنده: (لعلك قَبَّلت أو غمزت؟) قال: لا. وكرر معه الاستيضاح عدة مرات حتى زال كل احتمال.
- ولا بد أن يثبت على إقراره حتى إقامة الحد، ولا يرجع عنه، فقد قرَّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ماعزاً مرة بعد مرة، لعله يرجع عن إقراره، ولأن ماعزاً لما هرب أثناء رجمه قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هلا تركتموه؟!) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
الأمر الثاني: أن يشهد عليه بالزنى أربعة شهود، لقوله تعالى: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) [النور: 13]. وقوله: (فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) [النساء: 15].
ويشترط لصحة شهادتهم عليه بالزنى شروط:
1 - أن يكون الشهود أربعة، للآيات المتقدمة، فإن كانوا أقل من أربعة لم تقبل.
2 - أن يكونوا مكلفين -بالغين عاقلين-، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 - أن يكونوا رجالاً عدولاً، فلا تقبل شهادة النساء في حد الزنى، صيانة لهن وتكريماً، لأن الزنى فاحشة. ولا تقبل شهادة الفاسق أيضاً؛ لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [الطلاق: 2] وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6].
4 - أن يعاين الشهود الزنى ويصفوا ذلك وصفاً صريحاً يدفع كل الاحتمالات عن إرادة غيره من الاستمتاع المحرم، فيقولون: رأينا ذكره في فرجها كالميل في المكحلة، وإنما أبيح النظر في مثل ذلك للضرورة.
5 - أن يكون الشهود مسلمين، فلا تقبل شهادة الكافر لعدم تحقق عدالته.
6 - أن يشهدوا عليه في مجلس واحد، سواء جاءوا مجتمعين أو متفرقين في المجلس نفسه.
فإن اختل شرط من هذه الشروط، وجب إقامة حد القذف على الشهود جميعاً؛ لأنهم قذفة.



صاحب فكرة 11-12-2017 01:35 PM

رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
 
الباب الثالث: في حد القذف،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى القذف وحكمه:
1 - تعريف القذف:
القذف لغة: الرمي، ومنه القذف بالحجارة وغيرها، ثم استعمل في الرمي بالمكاره كالزنى واللواط ونحوهما؛ لعلاقة المشابهة بينهما، وهي الأذى.
وشرعاً: الرمي بزنى أو لواط، أو شهادة بأحدهما ولم تكمل البينة، أو نفي نسب موجب للحد فيهما.
2 - حكم القذف:
القذف في الأصل حرام بالكتاب، والسنة، والإجماع، وكبيرة من كبائر الذنوب، فيحرم الرمي بالفاحشة.
لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النور: 23].
ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها: (قذف المحصنات المؤمنات الغافلات) (البخاري ومسلم).
وقد أجمع المسلمون على تحريم القذف وعدوه من كبائر الذنوب.
ويجب القذف على من يرى زوجته تزني، ثم تلد ولداً يقوى في ظنه أنه من الزاني؛ لئلا يلحقه الولد، ويدخله على قومه وليس منهم. ويباح القذف لمن رأى زوجته تزني، ولم تلد من ذلك الزنى.

المسألة الثانية: حد القذف، والحكمة منه:
1 - حد القذف: لقد قرر الشارع أن من قذف مسلماً بالزنى، ولم تقم بينة على صدقه فيما قذف به أنه يجلد ثمانين جلدة إن كان حراً، وأربعين إن كان عبداً، رجلاً كان أو امرأة، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [النور: 4]. ويجب على القاذف -مع إقامة الحد عليه- عقوبة، وهي رد شهادته والحكم بفسقه؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 4].
فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، وتوبته: أن يكذب نفسه فيما قذف به غيره، ويندم ويستغفر ربه، لقوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 5].
2 - الحكمة منه: يهدف الإسلام من إقامة حد القذف إلى صيانة المجتمع، والمحافظة على أعراض الناس، وقطع ألسنة السوء، وسد باب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين.

المسألة الثالثة: شروط إيجاب حد القذف:
لا يجب حد القذف إلا إذا توافرت شروط في القاذف، وشروط في المقذوف، حتى يصبح جريمة تستحق عقوبة الجلد:
أولاً: شروط القاذف، وهي خمسة:
1 - أن يكون بالغاً، فلا حد على الصغير.
2 - أن يكون عاقلاً، فلا حد على المجنون والمعتوه.
3 - ألا يكون أصلاً للمقذوف، كالأب والجد والأم والجدة، فلا حدَّ على الوالد -الأب أو الأم- إن قذف ولده -الابن أو البنت- وإن سفل.
4 - أن يكون مختاراً، فلا حد على النائم والمكره.
5 - أن يكون عالماً بالتحريم، فلا حد على الجاهل.
ثانياً: شروط المقذوف، وهي خمسة أيضاً:
1 - أن يكون المقذوف مسلماً، فلا حدَّ على من قذف كافراً؛ لأن حرمته ناقصة.
2 - أن يكون عاقلاً، فلا حدَّ على من قذف المجنون.
3 - أن يكون بالغاً أو يكون ممن يطأ ويوطأ مثله، وهو ابن عشر وبنت تسع فأكثر.
4 - أن يكون عفيفاً عن الزنى في الظاهر، فلا حدَّ على من قذف الفاجر.
5 - أن يكون المقذوف حراً، فلا حدَّ على من قذف مملوكاً، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قذف مملوكه بالزنى يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال) (رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: "فيه إشارة إلى أنه لا حدَّ على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، لكن يعزر قاذفه؛ لأن العبد ليس بمحصن ... " (شرح مسلم).
فتبين مما تقدم أن شرط إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف محصناً، وهو من كان: مسلماً، عاقلاً، حراً، عفيفاً عن الزنى، بالغاً أو يكون ممن يطأ أو يوطأ مثله. وذلك لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) [النور: 4].
فمفهوم ذلك: أنه لا يُجلد من قذف غير المحصن.

المسألة الرابعة: شروط إقامة حدَّ القذف:
إذا وجب حدُّ القذف فإنه لا بد من شروط أربعة لإقامته، وهي:
1 - مطالبة المقذوف للقاذف، واستدامة الطلب حتى إقامة الحد؛ لأن حدَّ القذف حق للمقذوف لا يقام إلا بطلبه ويسقط بعفوه. فإذا عفا عن القاذف سقط الحد عنه، لكنه يُعَزر بما يردعه عن التمادي في القذف المحرم.
2 - ألا يأتي القاذف ببينة على ثبوت ما قذف به -وهي أربعة شهداء-؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) [النور: 4].
3 - ألا يصدقه المقذوف فيما قذفه به ويقر به، فإن أقر المقذوف، وصدَّق القاذف، فلا حدَّ؛ لأن ذلك أبلغ في إقامة البينة.
4 - ألا يلاعن القاذف المقذوف، إن كان القاذف زوجاً، فإن لاعنها سقط الحد، كما مضى في اللعان.



الساعة الآن 04:51 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©