![]() |
رد : أسرار الصلاة ..!
ما معنى ( الثناء ) (التمجيد)/
و لما كان قوله { الرحمن الرحيم} إعادة و تكريرا لأوصاف كماله قال : " أثنى عليَّ عبدي " ، فإنَّ الثناء إنَّما يكون بتكرار المحامد ، و تعداد أوصاف المحمود ، فالحمد ثناء عليه ، و { الرحمن الرَّحيم } وصفه بالرحمة. و لما وصف العبد ربه بتفرُّده بملك يوم الدين و هو الملك الحق ، مالك الدنيا و الآخرة ؛ و ذلك متضمِّن لظهور عدله ، و كبريائه و عظمته ، و وحدانيته ، و صدق رُسله ، سمَّى هذا الثناء مجداً فقال : " مجَّدني عبدي " فإن التمجيد هو : الثناء بصفات العظمة ، و الجلال ، و العدل ، و الإحسان . عبودية { إيَّاك نعبدُ } فإذا قال : { إيَّاك نعبدُ و إيَّاك نستعين } انتظر جواب ربه له : " هذا بيني و بين عبدي ، و لعبدي ما سأل ". و تأمل عبودية هاتين الكلمتين و حقوقهما ، و ميِّز الكلمة التي لله سبحانه و تعالى ، و الكلمة التي للعبد ، و فِقهِ سرَّ كون إحداهما لله ، و الأخرى للعبد ، و ميِّز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة { إيَّاك نعبدُ } و التوحيد الذي تقتضيه كلمة { و إيَّاك نستعين } ، و فِقهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما ، و الدعاء بعدهما ، و فِقه تقديم { إياك نعبد } على { و إياك نستعين } ، و تقديم المعمول على العامل مع الإتيان به مؤخراً أوجز و أخضر ، و سرَّ إعادة الضمير مرَّة بعد مرة . |
رد : أسرار الصلاة ..!
تقديم العبادة على الاستعانة/ قلت : أراد تقديم العبادة ـ و هي العمل ـ على الاستعانة ، فالعبادة لله و الاستعانة للعبد ، فالله هو المعبود ، و هو المستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعبادتي ، و هو يتضمن العمل الصالح الخالص ، و العلم النافع الدال على الله ، معرفة و محبة ، و صدقا و إخلاصاً ، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه ، و الاستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على جميع أموره ، و هي القول المتضمن قسم العبد. فكل عبادة لا تكون لله و بالله فهي باطلة مضمحلة ، و كل استعانة تكون بالله وحده فهي خذلانٌ و ذل. و تأمل علم ما ينفع العباد و ما يدفع عنهم كل واحد من هاتين الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية نفعاً و دفعاً و كيف تدخل العبد هاتان الكلمتان في صريح العبودية. القرآن مداره على هذه الكلمة/ و تأمل عِلم كيف يدور القرآن كلّه من أوّله إلى آخره عليهما ، و كذلك الخلق ، و الأمر و الثواب و العقاب و الدنيا و الآخرة ، و كيف تضمّنتا لأجلِّ الغايات ، و أكمل الوسائل ، و كيف أتى بهما بضمير المخاطب الحاضر ، دون ضمير الغائب ، و هذا موضوع يستدعي كتاباً كبيراً ، و لولا الخروج عمَّا نحن بصدده لأوضحناه و بسطناه |
رد : أسرار الصلاة ..!
ضرورة العبد لقوله {اهدنا الصِّراط المُستقيم }/
ثم ليتأمل العبد ضرورته و فاقته إلى قوله { اهدنا الصِّراط المُستقيم } الذي مضمونه معرفة الحق ، و قصده و إرادته و العمل به ، و الثبات عليه ، و الدعوة إليه ، و الصبر على أذى المدعو إليه فباستكمال هذه المراتب الخمس يستكمل العبد الهداية و ما نقص منها نقص من هدايته. و لما كان العبد مفتقراً إلى هذه الهداية في ظاهره و باطنه ، بل و في جميع ما يأتيه ، و يذره من : أنواع الهدايات التي يفتقر لها العبد/ • أمور فعلها على غير الهداية علماً و عملاً و إرادة ، فهو محتاج إلى التوبة منها و توبته منها هي من الهداية. • و أمور قد هُدي إلى أصلها دون تفصيلها فهو محتاج إلى هداية تفاصيلها. • و أمور قد هُدي إليها من وجهٍ دون وجهٍ ، فهو محتاجٌ إلى تمام الهداية في كمالها على الهدى المستقيم ، و أن يزداد هدى إلى هداه. • و أمور هو محتاج فيها إلى أن يحصل له من الهداية في مستقبلها مثل ما حصل له في ماضيها. • وأمور هو خال عن اعتقاد فيها فهو محتاج إلى الهداية فيها اعتقاداً صحيحاً. • و أمور يعتقد فيها خلاف ما هي عليه ، فهو محتاج إلى هداية تنسخ من قلبه ذلك الاعتقاد الباطل ، و تُثبت فيه ضدّه. • و أمور من الهداية : هو قادر عليها ، و لكن لم يخلق له إرادة فعلها ، فهو محتاج في تمام الهداية إلى خلق إرادة. • و أمور منها : هو غير قادر على فعلها مع كونه مريد لها ، فهو محتاج في هدايته إلى إقدار عليها. • و أمور منها : هو غير قادر عليها و لا مريد لها ، فهو محتاج إلى خلق القدرة عليها و الإرادة لها لتتم له الهداية. • و أمور : هو قائم بها على وجه الهداية اعتقادا و إرادة ، و علما و عملاً ، فهو محتاج إلى الثبات عليها و استدامتها ، فكانت حاجته إلى سؤال الهداية أعظم الحاجات ، و فاقته إليها أشد الفاقات ، و لهذا فرض عليه الرب الرحيم هذا السؤال على العبيد كلّ يوم و ليلة في أفضل أحواله ، و هي الصلوات الخمسُ ، مرات متعددة ، لشدَّة ضرورته و فاقته إلى هذا المطلوب. • ثم بيَّن أن سبيل أهل هذه الهداية مغاير لسبيل أهل الغضب و أهل الضلال ، و هو اليهود ، و النصارى و غيرهم . فانقسم الخلق إذن إلى ثلاثة أقسام بالنسبة إلى هذه الهداية : مُنعم عليه : بحصولها له و استمرارها و حظه من المنعم عليهم ، بحسب حظه من تفاصيلها و أقسامها. و ضالٌ : لم يُعطَ هذه الهداية و لم يُوفق لها . و مغضوب عليه : عَرفها و لم يوفق للعمل بموجبها. فالضال : حائد عنها ، حائر لا يهتدي إليها سبيلا. و المغضوب عليه : متحيّر منحرف عنها ؛ لانحرافه عن الحق بعد معرفته به مع علمه بها. فالأول المنعم عليه قائم بالهدى ، و دين الحق علما و عملاً و اعتقادا و الضال عكسه ، منسلخ منه علماً و عملاً. و المغضوب عليه لا يرفع فيها رأسا ، عارف به علماً منسلخ عملاً ، و الله الموفق للصواب. و لولا أن المقصود التنبيه على المضادة و المنافرة التي بين ذوق الصلاة ، و ذوق السماع ، لبسطنا هذا الموضوع بسطاً شافيا ، و لكن لكلِّ مقام مقال ، فلنرجع إلى المقصود. |
رد : أسرار الصلاة ..!
عبودية التأمين و رفع اليدين/
و شرع له التأمين في آخر هذا الدعاء تفاؤلاً بإجابته ، و حصوله ، و طابعاً عليه ، و تحقيقاً له ، و لهذا اشتد حسدُ اليهود للمسلمين عليه حين سمعُوهم يجهرون به في صلاتهم. ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيما لأمر الله ، و زينةً للصلاة ، و عبودية خاصةً لليدين كعبودية باقي الجوارح ، و اتباعاً لسنَّة رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو حليةُ الصلاة ، و زينتها و تعظيمٌ لشعائرها. ثم شرع له التكبير الذي هو في انتقالات الصلاة من رُكن إلى ركن ، كالتلبية في انتقالات الحاجِّ ، من مشعر إلى مشعر ، فهو شعار الصلاة ، كما أن التلبية شعار الحج ،(مميز ليعلم أن سر الصلاة هو تعظيم الرب تعالى و تكبيره بعبادته وحده. ) |
رد : أسرار الصلاة ..!
عبودية الركوع/
ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه ، و استكانة لهيبته و تذللا لعزته. فثناء العبد على ربه في هذا الركن ؛ هو أن يحني له صلبه ، و يضع له قامته ، و ينكس له رأسه ، و يحني له ظهره ، و يكبره مُعظماً له ، ناطقاً بتسبيحه ، المقترن بتعظيمه. فاجتمع له خضوع القلب ، و خضوع الجوارح ، و خضوع القول على أتم الأحوال ، و يجتمع له في هذا الركن من الخضوع و التواضع و التعظيم و الذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه ، و الخضوع للعبيد بعضهم لبعض ، فإنَّ الخضوع وصف العبد ، و العظمة وصف الرب . و تمام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع ، و يتضاءل لربه ، بحيث يمحو تصاغره لربه من قلبه كلَّ تعظيم فيه لنفسه ، و لخلقه و يثبت مكانه تعظيمه ربه وحده لا شريك له . إذا عظَّم القلب الرب خرج تعظيم الخلق/ و كلما استولى على قلبه تعظيم الربِّ ، و قوى خرج منه تعظيم الخلق ، و ازداد تصاغره هو عند نفسه فالركوع للقلب بالذات ، و القصد و الجوارح بالتبع و التكملة. ثم شرع له أن يحمد ربه ، و يثني عليه بآلائه عند اعتداله و انتصابه و رجوعه إلى أحسن هيئاته ، منتصب القامة معتدلها فيحمد ربه و يثني عليه بآلائه عند اعتداله و انتصابه و رجوعه إلى أحسن تقويم ، بأن وفقه و هداه لهذا الخضوع الذي قد حرمه غيره. |
رد : أسرار الصلاة ..!
عبودية القيام/
ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال و الاستواء ، واقفا في خدمته ، بين يديه كما كان في حالة القراءة في ذلك ، و لهذا شرع له من الحمد و المجد نظير ما شرع له من حال القراءة في ذلك. و لهذا الاعتدال ذوقٌ خاص و حال يحصل للقلب ، و يخصه سوى ذوق الركوع و حاله ، و هو ركنٌ مقصود لذاته كركن الركوع و السجود سواء. و لهذا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يُطيلُه كما يطيل الركوع و السجود ، و يُكثر فيه من الثناء و الحمد و التمجيد ، كما ذكرناه في هديه صلى الله عليه و سلم في صلاته و كان في قيام الليل يُكثر فيه من قول : " لربي الحَمد ، لربي الحمد " و يكرِّرها. عبودية السجود/ ثم شرع له أن يكبر و يدنو و يخرَّ ساجدا ، و يُعطي في سجوده كل غضو من أعضائه حظَّه من العبودية ، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه ، مسندة راغما له أنفه ، خاضعا له قلبه ، و يضع أشرف ما فيه ـ و هو وجهه ـ بالأرض و لاسيما وجه قلبه مع وجهه الظاهر ساجدا على الأرض معفِّراً له وجهه و أشرف ما فيه بين يدي سيِّده ، راغماً أنفه ، خاضعاً له قلبه و جوارحه ، متذلِّلاً لعظمة ربه ، خاضعاً لعزَّته ، منيباً إليه ، مستكيناً ذلاً و خضوعاً و انكساراً ، قد صارت أعاليه ملويةً لأسافله. و قد طابق قلبُه في ذلك حال جسده ، فسجد القلب للرب كما سجد الجسد بين يدي الله ، و قد سجد معه أنفه و وجهه ، و يداه و ركبتاه ، و رجلاه فهذا العبد هو القريب المقرَّب فهو أقرب فهو ما يكون من ربه و هو ساجد . و شرع له أن يُقلَّ فخذيه عن ساقيه ، و بطنه عن فخذيه و عَضُديه عن جنبيه ، ليأخذ كل جزءٍ منه حظّه من الخضوع لا يحملَ بعضه بعضاً . فأحرِ به به في هذه الحال أن يكون أقرب إلى ربه منه في غيرها من الأحوال كلِّها ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : " أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربَّه و هو ساجدٌ ".[رواه مسلم (482) عن أبي هريرة رضي الله عنه ]. و لما كان سجود القلب خضوعه التام لربّه أمكنه استدامة هذا السجود إلى يوم القيامة ، كما قيل لبعض السلف : هل يسجد القلب ؟ |
رد : أسرار الصلاة ..!
الصلاة مبناها على خمسة أركان/
قال : " أي و الله سجدةً لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله عزَّ و جل ".[هذا القول عزاه ابن تيمية لسهل بن عبد الله التستري كما في مجموع الفتاوى (21/287) (23/138) ] إشارة إلى إخبات القلب ، و ذلّه ، و خضوعه ، و تواضعه و إنابته و حضوره مع الله أينما كان ، و مراقبته له في الخلاء و الملأ ، و لما بنيت الصلاة على خمس : القراءة و القيام و الركوع و السجود و الذكر . سمّيت باسم كل واحد من هذه الخمس : فسمّيت " قياماً " لقوله : { قُم اللَّيل إلاَّ قليلاً} [ المزمل :2] ، و قوله : {وقُومُوا لله قانتين} [البقرة :238]. و "قراءة" لقوله : {وقرآن الفَجر إنَّ قُرآن الفَجر كان مشهُوداً} [الإسراء :78] ، {فاقرءوا ما تيَسَّر منه } [المزمل :48]. و سمّيت " ركوعاً " لقوله : { و اركعُوا مع الرَّاكعين } [ البقرة :43] ، { و إذا قيل لهم اركعوا لا يركعُون}[المراسلات :48]. و " سجوداً " لقوله : { فسبِّح بحمد ربِّك و كن مّن السَّاجدين} [ الحجر : 98] ، وقوله { و اسجُد و اقترب} [العلق :19]. و "ذكراً " لقوله : { فاسعوا إلى ذكر الله} [ الجمعة :9] ، { لا تُلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله } [ المنافقون :9]. و أشرف أففعالها السجود ، و أشرف أذكارها القراءة ، و أول سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه و سلم سورة { اقرأ باسم ربِّك } افتتحت بالقراءة ، و خُتمت بالسجود ، فوضعت الركعة على ذلك ، أولها قراءة و آخرها سجود. حال العبد بين السجدتين/ ثم شرع له أن يرفع رأسه ، و يعتدل جالساً ، و لما كان هذا الاعتدال محفوفا بسجودين ؛ سجود قبله ، و سجود بعده ، فينتقل من السجود إليه ، ثم منه إلى السجود الآخر ، كان له شأن ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيل الجلوس بين السجدتين بقدر السجود يتضرع إلى ربه فيه ، و يدعوه و يستغفره ، و يسأله رحمته ، و هدايته و رزقه و عافيته ، و له ذوق خاص ، و حال للقلب غير ذوق السجود و حالهن ؛ فالعبد في هذا القعود يتمثَّل جاثيا بين يدي ربه ، مُلقيا نفسه بين يديه ، مُعتَذراً إليه مما جَناَه ، راغباً إليه أن يغفر له و يرحمه ، مستَعدياً له على نفسه الأمَّارة بالسوء. |
رد : أسرار الصلاة ..!
لماذا الاستغفار بين السجدتين/
و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يكرر الاستغفار في هذه الجلسة فيقول : " رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي " ، و يكثر من الرغبة فيها إلى ربه. فمثِّل أيها المصلي نفسك فيها بمنزلة غريم عليه حق ، و أنت كفيل به ، و الغريم مماطل مخادع ، و أنت مطلوب بالكفالة ، و الغريم مطلوب بالحق ، فأنت تستعدي عليه حتى تستخرج ما عليه من الحق ،؛ لتتخلص من المطالبة ، و القلب شريك النفس في الخير و الشر ، و الثواب و العقاب ، و الحمد و الذم . و النفس من شأنها الإباق و الخروج من رقِّ العبودية ، و تضييع حقوق الله عو و جل و حقوق العباد التي قبلها ، و القلب شريكها إن قوي سلطانها و أسيرها ، و هي شريكته و أسيرته إن قوي سلطانه. فشرع للعبد إذا رفع رأسه من السجود أن يجثو بين يدي الله تعالى مستعديا على نفسه ، معتذرا من ذنبه إلى ربه و مما كان منها ، راغباً إليه أن يرحمه و يغفر له و يرحمه و يهديه و يرزقه و يعافيه ، ز هذه الخمس كلمات ، قد جمعت جماع خير الدنيا و الآخرة فإن العبد محتاج بل مضطر إلى تحصيل مصالحه في الدنيا و في الآخرة ، و دفع المضار عنه في الدنيا و الآخرة ، و قد تضمّن هذا الدعاء ذلك كله. فإن الرزق يجلب له مصالح دنياه و أخراه و يجمع رزق بدنه و رزق قلبه و روحه ، و هو أفضل الرازقين. و العافية تدفع مضارّها. و الهداية تجلب له مصالح أخراه. و المغفرة تدفع عنه مضارّ الدنيا و الآخرة. و الرحمة تجمع ذلك كلّه. و الهداية تعمُّ تفاصيل أموره كلّها. و شرع له أن يعودَ ساجداً كما كان ، و لا يكتفي منه بسجدة واحدة في الركعة كما اكتفى منه بركوع واحد ؛ و ذلك لفضل السجود و شرفه و قرب العبد من ربِّه و موقعه من الله عز و جل ، حتى إنَّه أقرب ما يكون إلى ربه و هو ساجد ، و هو أشهر في العبودية و أعرق فيها من غيره من أركان الصلاة ؛ و لهذا جُعل خاتمة الركعة ، و ما قبله كالمقدمة بين يديه ، فمحلّه من الصلاة محل طواف الزيارة ، و كما أنه أقرب ما يكون العبد من ربه و هو ساجد ، فكذلك أقرب ما يكون منه في المناسك و هو طائف كما قال ابن عمر لمن خطب ابنته و هو في الطواف فلم يرد عليه فلما فرغ من الطواف قال : أتذكر أمراً من أمور الدنيا و نحن نتراءى لله سبحانه و تعالى في طوافنا. و لهذا و الله أعلم ، جُعل الركوع قبل السجود تدريجا و انتقالاً من الشيء إلى ما هو أعلى منه. |
رد : أسرار الصلاة ..!
لماذا يكرر السجود مرتان/
و شُرع له تكرير هذه الأفعال و الأقوال ؛ إذ هي غذاء القلب و الروح التي لا قوام لهما إلا بها ، فكان تكريرها بمنزلة تكرير الأكل لقمة بعد لقمة حتى يشبع ، و الشرب نفسا بعد نفس حتى يَروى ، فلو تناول الجائع لقمة واحدة ثم دفع الطعام من بين يديه فماذا كانت يغني عنه تلك اللقمة ؟ و ربما فتحت عليه باب الجوع أكثر مما به ؛ و لهذا قال بعض السلف : " مثل الذي يصلي و لا يطمئن في صلاته كمثل الجائع إذا قدم إليه طعام فتناول منه لقمة أو لقمتين ماذا تغني عنه ذلك". و في إعادة كل قول أو فعل من العبودية و القرب ، و تنزيل الثانية منزلة الشكر على الأولى ، و حصول مزيد خير و إيمان من فعلها ، و معرفة و إقبال و قوة قلب ، و انشراح صدر و زوال درنٍ و وسخٍ عن القلب بمنزلة غسل الثوب مرَّة بعد مرَّة . فهذه حكمة الله التي بَهَرت العقول حكمته في خلقه و أمره ، و دلَّت على كمال رحمته و لطفه ، و ما لم تحط به علماً منها أعلى و أعظم و أكبر و إنما هذا يسير من كثير منها. فلما قضى صلاته و أكملها و لم يبق إلا الانصراف منها ، فشرع الجلوس في آخرها بين يدي ربه مُثنياً عليه بما هو أهله ، فأفضل ما يقول العبد في جلوسه هذه التحيات التي لا تصلح إلا لله ، و لا تليق بغيره. |
رد : أسرار الصلاة ..!
عبودية الجلوس للتشهد و معنى التحيات/
و لما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال و الأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، و الذل ، و الثناء عليهم و طلب البقاء ، و الدوام لهم ، و أن يدوم ملكهم. فمنهم : من يحيّي بالسجود و منهم من يحيي بالثناء عليه و منهم : من يحيي بطلب البقاء ، و الدوام له . و منهم : من يجمع له ذلك كلّه فيسجد له ، ثم يثني عليه ، ثم يدعي له بالبقاء و الدوام. و كان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه ، و هي له بالحقيقة و هو أهلها ؛ و لهذا فُسرت التحيات بالملك ، و فسرت بالبقاء و الدوام ، و حقيقتها ما ذكرته ، و هي تحيات المُلك و المَلك و المليك. فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك ، فهو أولى به فهو سبحانه المَلك ، و له المُلك ، فكل تحية تحي بها ملك من سجود أو ثناء ، أو بقاء ، أو دوام فهي لله على الحقيقة ؛ و لهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف و اللام إرادة للعموم ، و هي جمع تحية ، تحيا بها الملوك ، و هي " تُفعُلة" من الحياة ، و أصلها " تحييه" على وزن " تكرمه" ، ثم أدغم إحدى اليائين في الآخر فصارت " تحيَّة " فإذا كان أصلها من الحياة ، و المطلوب منها لمن تحي بها دوام الحياة ، كما كانوا يقولون لملوكهم : لك الحياة الباقية ، و لك الحياة الدائمة. و بعضهم يقول : عش عشرة آلاف سنة. و اشتق منها : أدام الله أيامك أو أيامه ، و أطال الله بقاءك. و نحو ذلك مما يراد به دوام الحياة و الملك ، فذلك جميعه لا ينبغي إلا لله الحي القيوم الذي لا يموت. الذي كل مَلكٍ سواه يموت ، و كل مُلك سوى ملكه زائل. |
الساعة الآن 10:36 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©