![]() |
رد: صحيح السيرة النبوية
ن - أسرى بني عبد المطلب وخروجهم كرهًا: 274 - من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: (إن استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب فإنهم خرجوا كرهًا) (1). س - إقامة الرسول - عليه السلام - في بدر ثلاثًا: وقد ثبت في الصحيح أنه مكث ثلاثة أيام في بدر. من حديث أنس رقم: 272، وهو في الصحيح" أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال .. ". 275 - ومن حديث أبي طلحة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ظهر على قوم أقام بعرصتهم ثلاثًا" (2). ع - عدد القتلى من المشركين والشهداء من المسلمين: 276 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد عبد الله بن جبير، فأصابوا منا سبعين، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال" (3). 277 - من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن الثمانية عشر الذين قتلوا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر جعل الله أرواحهم في الجنة في طير خضر تسرح في الجنة، فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم اطلاعة فقال: يا عبادي ماذا تشتهون؟، فقالوا: يا ربنا هل فوق هذا شيء؟ قال: فيقول: عبادي ماذا تشتهون؟، فيقولون في الرابعة: ترد أرواحنا في أجسادنا فنقتل كما قتلنا" (4). المبحث الرابع: أحداث ما بعد المعركة 1 - الغنائم: 278 - من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تبارك وتعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، فأكبت طائفة على المعسكر يحوونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق بها منا، نفينا العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لستم بأحق بها منا، نحن أحدقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخفنا أن يصيب العدو منه غرة واشتغلنا به فنزلت {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا وأصلحوا ذات بينكم} فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على وفاق بين المسلمين" (5). 279 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أتى مكان كذا وكذا فله كذا وكذا، أو فعل كذا وكذا فله كذا وكذا)، فتسارع إليه الشبان وبقي الشيوخ عند الرايات فلما فتح الله عليهم، جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فأنزل الله تعالى {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} (6). 280 - ومن حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف فقلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا، هب لي هذا السيف فقال: (هذا ليس لي ولا لك)، فقلت: عسى أن يعطى هذا من لم يبلي بلائي، فجاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (إنك سألتنى وليس لي، وإنه قد صار لي وهو لك) قال: فنزلت {يسألونك عن الأنفال} الآية (7). 281 - ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم) وكان النبي وأصحابه إذا غنموا غنيمة جمعوها ونزلت نار فأكلتها، فأنزل الله هذه الآية {لولا كتاب من الله سبق} إلى آخر الآيتين" (8). 2 - الاختلاف في الأسرى: 282 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما قال: فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين قال أبو زميل: قال ابن عباس: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بكر وعلي وعمر ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال: لا والله، يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان (نسيبًا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت. فلما كان من الغد جئت فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قاعدان يبكيان. قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) - شجرة قريبة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عزَّ وجلَّ {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا} فأحل الله الغنيمة لهم" (9). 283 - ومن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: استشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسارى أبا بكر فقال: قومك وعشيرتك فخل سبيلهم، فاستشار عمر فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عزَّ وجلَّ {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالًا طيبًا}، قال: فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر قال: (كاد أن يصيبنا بلاء في خلافك) (10). 284 - وقد جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بإسناد صحيح ببعض زيادة في وصف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الذي وصفهما به رسول الله فمن أحب الزيادة فلينظر الحديث في مكانه (11). 3 - زيد يحمل بشارة النصر إلى المدينة المنورة: 285 - من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم – خلف عثمان بن عفان، وأسامة بن زيد على بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبشارة قال أسامة: فسمعت الهيعة، فخرجت فهذا زيد قد جاء بالبشارة، فوالله ما صدقت حتى رأينا الأسارى وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان سهمه" (12). 286 - ومن حديث عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة رضي الله عنهما: قال: "قدم بالأسارى حين قدم بهم المدينة، وسودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء، وذلك قبل أن يضرب الحجاب. قالت سودة: فوالله إني لعندهم إذ أتينا، فقيل هؤلاء الأسارى قد أتى بهم، فرجعت إلى بيتي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، فإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل، فوالله ما ملكت حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت: "أبا يزيد أعطيتم بأيدكم ألا مِتم كرامًا". فما انتبهت إلا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت: (يا سودة على الله وعلى رسوله)، فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بالحبل أن قلت ما قلت" (13). 4 - قتل عقبة بن أبي معيط في الطريق إلى المدينة: 287 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسارى بدر، وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف، وقتل عقبة بن أبي معيط قبل الفداء قام إليه علي بن أبي طالب فقتله صبرًا، قال: من للصبية يا رسول الله؟ قال: (النار) (14). 288 - وعن مسروق أنه قال: -لابن أبي معيط- حدثنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وكان غير كذاب: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بعنق أبيك أن تضرب صبرًا، ثم مر به فقال: من للصبية بعدي؟ قال: (لهم النار)، حسبك ما رضي لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (15). .................................................. ..................... (1) تقدم تخريجه رقم: 248. (2) أخرجه الترمذي في السير باب في البيات والغارات وقال حسن صحيح رقم: 1551. (3) أخرجه البخاري في صحيحه في المغازي باب: حديث رقم: 3986. (4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 90، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر الطبراني في الكبير: 10466. (5) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 324، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 92 رجاله ثقات، وفي: 7/ 26، قال رجال الطريقين ثقات وابن حبان رقم: 1693، موارد، وابن جرير في التفسير: 9/ 172، والحاكم: 2/ 326،136،135، وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي في الموضعين، والبيهقي في السنن: 6/ 292، وهذا لفظ أحمد. وقال الساعاتي: 14/ 73، قال الترمذي هذا حديث صحيح، ثم قال: وأورده الهيثمي وقال رجال أحمد ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي. (6) أخرجه أبو داود في السنن الجهاد باب في النفل رقم: 2737، وابن حبان في الموارد رقم: 1743، والحاكم في المستدرك: 2/ 132، 221، 326، وصححه في المواضع الثلاث ووافقه الذهبي، وابن جرير: 13/ 367،368، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه الكتاب، والبيهقي: 6/ 315 وابن كثير في التفسير: 2/ 284، وزاد نسبته إلى النسائي وابن مردويه. (7) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب الأنفال رقم: 1748، وأبو داود الطيالسي في مسنده: 1/ 238 - 239 رقم: 2066، والحاكم: 2/ 132، وصححه ووافقه الذهبي، وأحمد في المسند: 1/ 181، 186، وأبو نعيم: 8/ 312، والبيهقي: 6/ 229. (8) أخرجه الترمذي في التفسير تفسير سورة الأنفال رقم: 3085، وقال حديث حسن صحيح غريب، وأبو داود الطيالسي في مسنده: 2/ 19، وابن حبان في الموارد:1668، والبيهقي: 6/ 290 وهو كما قال الترمذي. (9) أخرجه مسلم في الصحيح كتاب الجهاد والسيرة باب الإمداد بالملائكة حديث رقم: 1763، أحمد في المسند: 1/ 30 - 31، والطبري في التفسير: 10/ 44. (10) أخرجه الحاكم في المستدرك: 2/ 329، وقال الحاكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي قلت: على شرط مسلم. (11) أخرجه الترمذي في سننه كتاب الجهاد باب في المسؤرة: 4/ 213، وفي تفسير سورة الأنفال رقم: 3084، 5/ 271، وفي مسند أحمد: 1/ 383، والحاكم في المستدرك: 3/ 22، وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في الإصابة: 2/ 91 معلقًا عليه: رواه الطبراني بإسناد صحيح عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، وسبب إرساله أن ابا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه. وقال شاكر بإسناده منقطع: 5/ 229، حديث رقم: 3634. (12) أخرجه البيهقي: 9/ 174، بسند صحيح، والحاكم في المستدرك: 3/ 217، 218، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي، والبيهقي في الدلائل: 3/ 130 - 131، والطبري في التاريخ: 2/ 458، وقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 368، مرسلًا عن عروة، والحاكم: 3/ 48، عن الزهري مرسلًا، وانظر السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 642. * الهيعة: الصوت الذي تفرع منه وتخاف. (13) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 22، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وابن جرير في التاريخ: 2/ 460، وابن هشام في السيرة: 1/ 645، وسنده صحيح. (14) أخرجه الهيثمي في المجمع: 6/ 89 وقال رواه الطبراني في الكبير: 12152 ورجاله رجال الصحيح وانظر عبد الرزاق في المصنف: 9394. (15) أخرجه أبو داود في سنة الجهاد باب في قبل الأسير صبرًا رقم: 2686، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 59 رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وسند أبي داود حسن. |
رد: صحيح السيرة النبوية
5 - كيف تلقت قريش نبأ الهزيمة: 289 - وقال ابن إسحاق رحمه الله قال: وكان أول من قدم بمكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي فقالوا له: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشام، وأمية ابن خلف، وزمعة بن الأسود، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأبو البحتري بن هشام، فلما جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية: والله إن يعقل هذا فسلوه علي؟ فقالوا: ما فعل صفوان بن أمية؟ قال: هو ذاك جالس في الحجر، قد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا" (1). 6 - عمير يريد قتل الرسول فيكشف الرسول سرّه فيسلم: 290 - من حديث عروة بن الزبير مرسلًا قال: "جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر، بعد مصاب أهل بدر بيسير وكان عمير ابن وهب شيطانًا من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم، فقال صفوان: "والله ما في العيش بعدهم خير". قال له عمير: صدقت، أما والله لولا دَيْنٌ علي ليس عندي قضاؤه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي، لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم علة, ابني أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليَّ دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم علي شأني وشأنك. قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير سيفه، فشُحذ وسم، ثم انطلق حتى قدم المدينة، فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر، ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم في عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ راحلته على باب المسجد متوشحًا سيفه، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، ما جاء إلا لشرّ وهو الذي حرش بيننا، وحزرنا للقوم يوم بدر. ثم دخل عمر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحًا سيفه. قال: فأدخله علي، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون. ثم دخل به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: (أرسله يا عمر، ادن يا عمير). فدنا ثم قال: انعموا صباحًا، وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم، فقال رسول الله (قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام تحية أهل الجنة). فقال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد. قال: (فما جاء بك يا عمير؟) قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: (فما بال السيف في عنقك؟) قال: قبحها الله من سيوف! وهل أغنت عنا شيئًا؟ قال: (اصدقني، ما الذي جئت له؟) قال: ما جئت إلا لذلك. قال: (بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دين عليَّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك، على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك). قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فقهوا أخاكم في دينه، وعلموه القرآن، وأطلقوا أسيره ففعلوا). ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله -عزَّ وجلَّ-، وأنا أحب أن تأذن لي، فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله، وإلى رسوله، وإلى الإِسلام، لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم. قال: فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلحق بمكة. وكان صفوان بن أمية حين خرج عمير بن وهب، يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام، تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عنه الركبان، حتى قدم راكب فأخبره بإسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدًا، ولا ينفعه بنفع أبدًا" (2). 7 - عمليات الافتداء للأسرى: 291 - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسارى بدر، وكان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف" (3). 292 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "كانت قريش ناحت قتلاها ثم ندمت، وقالوا: لا تنوحوا عليهم، فيبلغ ذلك محمدًا وأصحابه فيشمتوا بكم، وكان في الأسرى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَهُ بِمَكَّةَ ابْنًا كَيِّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ، وَكَأَنَّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ. فَلَمَّا قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أَسْرَاكُمْ، لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ - وَهُوَ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَى -: صَدَقْتُمْ، لَا تَعْجَلُوا وَانْسَلَّ مِنَ اللَّيْلِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ.» (4) 8 - أبو العاص بن الربيع وعفو الرسول عنه وإطلاقه: 293 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت لخديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قال: فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رق لها رقة شديدة وقال: (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فافعلوا)، فقالوا: "نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها". وهذا لفظ أحمد وفي رواية أبي داود زيادة نوردها فيما يلي: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ عليه، أو وعده، أن يخلي سبيل زينب إليه، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار فقال: (كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها) (5). 9 - تكليف من لا يجد فداء بتعليم أبناء المسلمين: 294 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء يومًا غلام يبكي إلى أبيه فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي". قال: الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدًا" (6). ذحل = ثأر 10 - حفظ النبي لجوار المطعم بن عدي في الأسرى: 295 - من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأسارى بدر: (لو كان مطعم بن عدي حيًّا، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له) (7). 11 - العباس وقصته في الفداء: 296 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إنَّ رجالًا من الأنصار استأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه، قال: (والله لا تذرون منه درهما) (8). 297 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال العباس: فيَّ نزلت: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذت معي، فأعطاني بها عشرين عبدًا كلهم قد تاجر بمال في يده، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى" (9). .................................................. ......................... (1) إن كان أخرجه ابن إسحاق بسنده الصحيح الوارد في بداية غزوة بدر فالحادثة صحيحة والله أعلم وإلا فالحادثة بلا سند انظر سنده (ابن هشام في السيرة: 1/ 606). (2) ابن هشام في السيرة: 1/ 661 - 663 عن ابن إسحاق بسند صحيح مرسلًا، وقال ابن حجر في الإصابة: 3/ 36 قال موسي بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب مرسلًا وذكر قصة عمير، وقد أخرجه ابن منده من وجه آخر موصولًا، من طريق أبي الأزهر عن عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس أو غيره وإسناد ابن مندة ظاهره أنه حسن. (3) مجمع الزوائد: 6/ 90، وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. (4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 90، رواه الطبراني ورجاله ثقات. (5) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 376، وأبو داود في الجهاد باب في فداء الأسير بالمال: 2692، الحاكم في المستدرك: 3/ 336، وسكت عليه الحاكم والذهبي، وابن هشام في السيرة: 1/ 653 وسنده صحيح رجاله كلهم ثقات، وابن إسحاق صرح بالتحديث، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 100، أخرجه ابن إسحاق في سيرته وإسناده جيد. (6) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 47، تحقيق أحمد شاكر وقال: إسناده صحيح وقال البناني الفتح الرباني: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وفي إسناده علي بن عاصم فيه كلام لكن وثقه الإمام أحمد، ذحل بدر: ثأر بدر. (7) أخرجه أبو داود في الجهاد باب المن على الأسير رقم: 2689، وإسناده صحيح البخاري في المغازي باب: 12 حديث رقم: 4024. (8) أخرجه البخاري في المغازي باب 12، حديث رقم: 4018. (9) المطالب العالية: 4300 وقال ابن حجر: هذا إسناد صحيح، رواه ابن مردويه في التفسير والمسند، عن أحمد بن الحسن عن عبد الله بن محمد عن ابن إسحاق هكذا، وأخرجه الطبراني من حديث يزيد بن هارون عن ابن إسحاق، وقال البوصيري: رواه ابن راهويه بسند صحح، وابن مردويه في تفسيره، والطبراني" قلت: وأخرجه ابن جرير الطبري في التفسير: 14/ 73، تحقيق أحمد شاكر، وإسناد هذا الحديث صحيح، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 28، رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح، غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. |
رد: صحيح السيرة النبوية
12 - منزلة من شهد بدرًا من الصحابة رضوان الله عليهم: 298 - من حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: "جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: (من أفضل المسلمين) -وكلمة نحوها- قال: (وكذلك ما شهد بدرًا من الملائكة) (1). 299 - من حديث علي بن أبي طالب الطويل في قصة حاطب بن بلتعة قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم" (2). 300 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لن يدخل النار رجل شهد بدرًا أو الحديبية) (3). 13 - أسماء من شهد بدرًا من الصحابة: قال الحافظ في الفتح: قلت فجملة من ذكر من أهل بدر هنا أربعة وأربعون رجلًا، وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في (كتاب الأحكام)، وبين اختلاف أهل السير في بعضهم اختلاف غير فاحش، وأورد ابن سيد الناس أسماءهم في (عيون الأثر)، لكن على القبائل كما صنع ابن إسحاق وغيره، واستوعب ما وقع له من ذلك فزادوا -على ثلاثمائة وثلاثة عشر- خمسين رجلًا قال: وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء. قلت: ولولا خشية التطويل لسردت أسماءَهُم مفصلًا مبينا للراجح، لكن في هذه الإشارة كفاية والله المستعان" (4). قلت: وانظر أيضًا سيرة ابن كثير رحمه الله فقد أورد أسماءهم هناك (5). وذكرهم الهيثمي أيضًا في مجمع الزوائد: (6/ 93 - 106) وبين مواضع ذكرهم وأسانيده في ذلك مرتبًا لتلك الأسانيد من صفحة: (93 - 97) بإسناد واحد إلى ابن شهاب الزهري ورجاله رجال الصحيح. الفصل الثالث الأحداث ما بين بدر واحد المبحث الأول: زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفصه بنت عمر 301 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوفي في المدينة، فقال عمر "أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة بنت عمر، قال: فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالٍ، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إليَّ شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان. فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: نعم، قال: فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت علي، إلا أني كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلتها" (6). المبحث الثاني: زواج علي وفاطمة رضوان الله عليهما 302 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعدت رجلًا صواغًا في بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار حتى جمعت ما جمعت، فهذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وأخذت من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر قلت: من فعل هذا. قالوا: حمزة بن عبد المطلب ... " فذكر الحديث (7). 303 - من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال: (خطبت فاطمة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت مولاة لي: هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: لا، قالت: فقد خطبت، فما يمنعك أن تأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيزوجك. فقلت: وعندي شيء أتزوج به! فقالت: إنك إن جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زوجك. قال: فوالله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أن قعدت بين يديه أفحمت، فوالله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما جاء بك؟ ألك حاجة؟) فسكت، فقال: (لعلك جئت تخطب فاطمة؟) فقلت: نعم، فقال: (وهل عندك من شيء تستحلها به؟) فقلت: لا والله يا رسول الله. فقال: (ما فعلت درع سلحتكها)؟. فوالذي نفس على بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعة دراهم، فقلت: عندي. فقال: (قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها) فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (8). جهاز فاطمة عليها رضوان الله عليها 304 - من حديث علي رضي الله عنه قال: "جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة في خميل وقربة ووسادة أدم حشوها إذخر" (9). وقد روى البيهقي عن ابن منده في كتاب المعرفة "أن عليا تزوج فاطمة بالمدينة بعد سنة من الهجرة، وابتنى بها بعد ذلك بنحو من سنة، وولدت لعلي الحسن، والحسن، ومحسنًا، وأم كلثوم الكبرى، وزينب الكبرى (10). وعلق على ذلك ابن كثير رحمه الله فقال: "قلت: فعلى هذا يكون دخوله بها في أوائل السنة الثالثة من الهجرة، فظاهر سياقه حديث الشارفين يقتضي أن ذلك عقب وقعة بدر بيسير، فيكون ذلك كما ذكرناه في آخر السنة الثانية والله أعلم" (11). المبحث الثالث: إجلاء بني قينقاع 305 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان من حديث بني قينقاع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعهم بسوق بني قينقاع ثم قال: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم قالوا: يا محمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس. ثم قال ابن عباس: فأنزل هؤلاء الآيات إلا فيهم {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} (12) (13). المبحث الرابع: موقف عبد الله بن أبي زعيم المنافقين من أوليائه اليهود من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة: "أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحاربوا فيما بين بدر وأحد، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على حكمه، فقام عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أمكنه الله تعالى منهم، فقال: يا محمد، أحسن في موالي) فأعرض عنه، فأدخل يده في حبيب درع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أرسلني) وغضب حتى رؤي لوجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظلال، فقال له: (ويحك أرسلني). فقال: والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة، أي والله إني لامرؤ أخشى الدوائر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هم لك) (14). 306 - ومن طريق ابن إسحاق أيضًا قال: حدثني أبي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: "لما حاربت بنو قينقاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي، وقام دونهم، فمشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان أحد بني عوف بن الخزرج لهم من حلفهم مثل الذي لهم من حلف عبد الله بن أبي، فخلعهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبرأ إلى الله وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حلفهم، فقال: "يا رسول الله أتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم. ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} -إلى قوله- {فترى الذين في قلوبهم مرض} يعني عبد الله بن أبي لقوله: إني أخشى الدوائر، {يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} -حتى بلغ قوله- {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} لقول عبادة: أتولى الله ورسوله والذين آمنوا وتبريه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم إلى قوله {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} " (15). .................................................. ..................... (1) أخرجه البخاري في المغازي باب شهود الملائكة بدرًا رقم: 3992. (2) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3983. (3) أخرجه الترمذي في المناقب حديث: 3864، 5/ 697، وقال حسن صحيح، ومسلم في فضائل الصحابة، باب أهل الشجرة رقم: 2496، وابن ماجه رقم: 4281. (4) فتح الباري: 7/ 328 - 329 في التعليق على الباب الثالث عشر من المغازي باب تسمية من سمى من أهل بدر. (5) سيرة ابن كثير 2/ 489. (6) أخرجه البخاري في النكاح باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير الحديث: 5122، فتح الباري: 9/ 175 - 176، النسائي: 2/ 75 - 76 - 77، وأحمد في المسند رقم: 74، تحقيق أحمد شاكر. (7) أخرجه البخاري في المغازي باب 12 حديث رقم: 4003، مسلم في أول كتاب الأشربة حديث رقم: 1979، والفتح الرباني: 31/ 45 - 47. * الشارف: الناقة. (8) أخرجه البيهقي في الدلائل: 3/ 160، وإسناده حسن وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث، سيرة ابن كثير: 2/ 544. (9) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 14، ابن ماجه في السنن والزهد باب ضجاع آل محمد رقم: 4152، البيهقي في الدلائل: 3/ 161، والحديث إسناده صحيح. * خميل: القطيفة: الأدم: الجلد. الأذخر: خشيشة رطبة طيبة الرائحة. (10) أخرجه البيهقي في الدلائل: 3/ 162. (11) السيرة النبوية ابن كثير: 2/ 545. (12) آل عمران آية: 12 - 13. (13) أخرجه أبو داود في كتاب الخراج باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة رقم: 3001، وابن هشام في السيرة: 2/ 47، بسند ابن إسحاق، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري: 7/ 332. (14) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 48 وإسناده صحيح وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، ودلائل البيهقي: 3/ 174، الطبري في التاريخ: 2/ 480. (15) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 49 - 50، وإسناده صحيح وقد صرح بالتحديث وهو مرسل، ودلائل البيهقي: 3/ 174 - 175، الآيات من: 51 - 56، سورة المائدة. |
رد: صحيح السيرة النبوية
المبحث الخامس: مقتل كعب بن الأشرف 307 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله). فقام محمد بن مسلمة فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال: (نعم). قال: فأذن لي رسول الله أن أقول شيئًا. قال: (قل). فأتاه محمد بن مسلمة فقال: إن هذا الرجل قد سألنا صدقة، وإنه قد عنَّانا، وإني قد أتيتك أستسلفك، قال: وأيضًا والله لتملنه. قال: إنا قد اتبعناه، فلا نحب أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه، وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين –{وحدثنا عمرو غير مرة فلم يذكر (وسقا أو وسقين) فقلت له: فيه (وسقًا أو وسقين)، فقال: أرى فيه (وسقًا أو وسقين) }- فقال: نعم أرهنوني، قالوا: أي شيء تريد؟ قال: أرهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: أرهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللامة .. قال سفيان: يعني السلاح. فواعده أن يأتيه فجاءه ليلًا ومعه أبو نائلة -وهو أخو كعب من الرضاعة- فدعاهم إلى الحصن، فنزل إليهم فقالت له امرأته: أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة. وقال غير عمرو: قالت أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم. قال: إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إن الكريم لودعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويُدخل محمد بن مسلمة معه رجلين -قيل لسفيان: سماهم عمرو؟ قال: سمى بعضهم قال عمرو: جاء معه برجلين وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر والحارث بن أوس، وعباد بن بشر- قال عمرو جاء معه برجلين. فقال: إذا ما جاء فإني قائل بشعره فأشمه، فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه، قال مرة: ثم أشِمُّكم، فنزل إليهم متوشحًا وهو ينفخ منه ريح الطيب، فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا -أي أطيب - وقال غير عمرو قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب. قال عمرو فقال: أتأذن لي أن أشم رأسك قال: نعم فشمه، ثم أشم أصحابه ثم قال: أتأذن لي؟ قال: نعم فلما استمكن منه قال: دونكم، فقتلوه، ثم أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه" (1). تشييع النبي للصحابة الذين ذهبوا لقتل كعب بن الأشرف: 308 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - مشى معهم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم فقال: (انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم) (2). وذكر في بقية الحديث كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. سبب قتله: إيذاء كعب بن الأشرف للمسلمين بهجائه لهم في شعره: 309 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: "إن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرًا وكان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم المشركون الذين يعبدون الأوثان، ومنهم اليهود، وهم أهل الحلقة والحصون، وهم حلفاء للحيين الأوس والخزرج، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان الرجل يكون مسلمًا وأبوه مشرك، والرجل يكون مسلمًا وأخوه مشرك. وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أشد الأذى، فأمر الله تعالى رسوله والمسلمن بالصبر على ذلك، والعفو عنهم، ففيهم أنزل الله جل ثناؤه {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (3). وفيهم أنزل الله {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (4). فلما أبي كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأذى المسلمين. وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ أن يبعث رهطًا ليقتلوه، فبعث إليه سعد ...). وذكر نحوًا من حديث جابر (5). وهكذا طويت صفحة من صفحات الغدر، ممثلة في هذا اليهودي الخبيث، وارتاح المسلمون من عدو من ألد أعدائهم، وأشدهم تحريضًا على الإِسلام وأهله. الفصل الرابع غزوة أُحد المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة 1 - تاريخ الغزوة: 310 - من طريق محمَّد بن إسحاق قال: (وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة حين صلى الجمعة، فأصبح بالشعب من أحد، فالتقوا يوم السبت في النصف من شوال" (6). 2 - مشاورة النبي للصحابة للخروج وإخبارهم عن رؤياه: 311 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت كأني في درع حصينة، ورأيت بقرًا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة، وأن البقر هو والله خير) قال: فقال لأصحابه: (لو أنا أقمنا بالمدينة فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم؟ فقالوا: يا رسول الله، والله ما دخل علينا فيها في الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإِسلام؟ قال عفان في حديثه: فقال: (شأنكم إذًا)، قال: فلبس لأمته قال: فقالت الأنصار رددنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءوا فقالوا: يا نبي الله شأنك إذًا فقال: (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل) (7). 312 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تنفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، فقال: (رأيت في سيفي ذي الفقار فلًا، فأولته فلًا يكون فيكم "أي انهزامًا" ورأيت أني مردف كبشًا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا تذبح، فَبَقرٌ والله خير، فَبَقرٌ والله خير) فكان الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (8). 313 - ومن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (رأيت في رؤياي أني هززت سيفًا فانقطع صدره، فهذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد، ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا والله خير، فإذا هم المؤمنون يوم أحد) (9). 3 - مظاهرة النبي بين درعين وأخذه بالأسباب: 314 - من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أخذ درعين كأنه ظاهر بينهما" (10). 315 - ومن حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين ذهب لينهض إلى الصخرة وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ظاهر بين درعين فلم يستطع أن ينهض ... وذكر الحديث" (11). 316 - وقد جاء أيضًا من طريق رجل من بني تيم يقال له معاذ: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أحد بين درعين" (12). 4 - رجوع المنافقين وانخذالهم من أول الطريق: 317 - من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين، فرقة تقول نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم. فنزلت {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} وقال: (إنها طيْبَةٌ تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة) (13). 318 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "نزلت هذه الآية فينا {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} (14) بني سلمة وبني حارثة وما أحب أنها لم تنزل والله يقول {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} " (15). 319 - وقد جاء من طريق ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة، وحصين بن عبد الرحمن ... فذكر حديث الرؤيا حتى قال: "حتى خرج في ألف من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين المدينة وأحد، انخذل عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس! فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام يقول: "يا قوم، أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عند من حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف: قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه" (16). .................................................. ............................. (1) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل كعب بن الأشرف رقم: 4037، فتح الباري: 7/ 336 - 337 مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب قتل كعب بن الأشرف حديث رقم: 1801، ص: 1425 - 1426 وأبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في العدو يؤخذ على حين غرة حديث رقم: 2768 والبيهقي في الدلائل: 3/ 195 - 196. ابن هشام في السيرة: 2/ 51 - 58، وابن كثير: 3/ 9 - 17، ابن سعد: 2/ 31 - 34. (2) المطالب العالية: 4312، وقال أخرجه إسحاق بن راهوية وإسناده حسن متصل، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 21/ 49، البزار كما في كشف الأستار: 2/ 330 - 331، والطبراني في الكبير: 11/ 221 برقم: 11554، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 196، رواه أحمد والبزار، والطبراني وفيه ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات، قلت: وحسن إسناده أيضًا الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 338، وقال: وعند ابن إسحاق بسند حسن، وابن هشام في السيرة: 2/ 55 - 56، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فزال التدليس. (3) الآية الكريمة: 186 من سورة آل عمران. (4) الآية الكريمة: 109 من سورة البقرة. (5) أخرجه أبو داود في الخراج والإمارة والفيء (3000)، والهيثمي في المجمع: 6/ 195 - 196، وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، فتح الباري: 7/ 337، وعزاه إلى أبي داود والترمذي. (6) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 124، رواه الطبراني ورجاله ثقات. * البقر المذبوحة: يعني استشهاد أصحابه - صلى الله عليه وسلم -. (7) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 351، الدارمي: 2/ 129 - 130، وعلق البخاري بعضه فتح الباري: 13/ 284، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 107، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وقد جاء من مرسل عروة عند عبد الرزاق في المصنف:5/ 364 ومن مرسل الزهري وموسى بن عقبة في دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 208. * ذا الفقار: سمي بذلك لأنه كانت فيه حفر حسان صغار، والسيف المفقر الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه. الفل: الثلم في السيف. (8) أخرجه الترمذي كتاب السير في النفل ضمن حديث رقم: 1561، وقال حديث حسن غريب، وابن ماجه في الجهاد باب السلاح رقم: 2808، وأحمد في المسند: 1/ 271، والحاكم: 28/ 128 - 221 وصححه ووافقه الذهبي، والبيهقي كما في البداية والنهاية: 4/ 11، بسند حسن، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 17/ 221: وسنده صحيح. (9) أخرجه البخاري في المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد حديث رقم: 4081، ومسلم في كتاب الرؤيا باب رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث رقم: 2272، وابن ماجه في سننه كتاب تعبير الرؤيا باب تعبير الرؤيا حديث رقم: 3921، وقد أورده البخاري مقطعًا أيضًا: في كتاب المناقب -باب علامات النبوة، والتعبير باب إذا رأى بقرًا تنحر، وأخرجه الدارمي: 2/ 129، كتاب الرؤيا باب رؤية الرب، والبيهقي في الدلائل: 3/ 203. * ظاهر: لبسهما فوق بعضهما. (10) أخرجه أبو داود في الجهاد باب لبس الدرع رقم: 2590، وابن ماجه في الجهاد باب في السلاح رقم: 2806 وقال البوصيري في الزوائد وإسناده صحيح على شرط البخاري، قلت: ورجال ابن ماجه كلهم ثقات. (11) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 25، وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي والبيهقي في سننه: 9/ 46. (12) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 108، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. (13) أخرجه البخاري في المغازى باب غزوة أحد رقم: 4050، ومسلم في صحيحه كتاب صفات (14) سورة آل عمران: 22. (15) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4051، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل الأنصار رقم: 2505. (16) ابن هشام: 2/ 60 - 64 وسنده حسن وهو مرسل. |
رد: صحيح السيرة النبوية
5 - إعادة الكتيبة اليهودية التي خرجت لمساعدة المسلمين: 320 - من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حتى إذا خلف ثنية الوداع نظر وراءه فإذا كتيبة خشناء (1) (قال: من هذا؟ قال: هو عبد الله بن أبي بن سلول في مواليه من اليهود من بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام فقال: أوقد أسلموا؟ فقال: إنهم على دينهم قال: قل لهم فليرجعوا، فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) (2). 6 - التنافس في الخروج بين صغار الشباب: استعرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشباب يوم خروجه إلى أحد، فرد من استصغره منهم مثل ابن عمر والبراء وغيرهما، وأجاز من رآه مطيقًا منهم مثل رافع بن خديج وسمرة ابن جندب، وقيل إنما أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجاز لإطاقته، ورد من رد لعدم إطاقته، والصحيح أنه أجاز من أجاز لبلوغه بالسن خمس عشرة سنة، ورد من رد لصغره عن سن البلوغ. 321 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرضني يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشرة سنة فأجازني" (3). 7 - وضع الرماة على الجبل: 322 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشًا من الرماة، وأمر عليهم عبد الله وقال: (لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا)، فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل رفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة فقال: عبد الله عهد إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا تبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم ... فذكر الحديث" وسيأتي بقيته في مواطن أخرى يشار إليها هناك. وقد جاء في لفظ أبي داود عنه "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد -وكانوا خمسين رجلًا- عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعًا، وقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) (4). 8 - من يأخذ هذا السيف بحقه: 323 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ سيفًا يوم أحد، فقال: (من يأخذ مني هذا السيف بحقه؟) فبسطوا أيديهم كل إنسان فيهم يقول: أنا أنا، فقال: (من يأخذه بحقه؟) فأحجم القوم فقال له سماك أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، قال فأخذه ففلق به هام المشركين" (5). 324 - وقد جاء من حديث الزبير رضي الله عنه قال: عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيفًا يوم أحد فقال: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فقمت فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: (من يأخذ هذا السيف بحقه؟) فقمت فقلت: أنا يا رسول الله فأعرض عني ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: أنا آخذه يا رسول الله بحقه؟ قال: (ألا تقتل به مسلمًا ولا تغربه عن كافر)، قال: فدفعه إليه وكان إذا أراد القتال أعلمَ بعصابة، قال: "لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع، قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه، حتى انتهى إلى نسوة في سفح جبل معهن دفوف لهن، فيهن امرأة وهي تقول: نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق ... ونبسط النمارق إن تدبروا نفارق ... فراق غير وامق قال: فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها، فلما انكشف القتال قلت له: كل عملك قد رأيت ما خلا رفعك السيف على المرأة، ثم لم تضربها، قال: أي والله أكرمت سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقتل به امرأة" (6). المبحث الثاني: مشاهد من المعركة 1 - هزيمة المشركين في بداية المعركة: 325 - من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه، وخلوا ظهورنا للخيل، فأتينا من خلفنا، وصرخ صارخ ألا إن محمَّد قتل، فانكفأنا، وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء، حتى ما يدنوا منه أحد من القوم" (7). وقد جاء بزيادة في رواية إسحاق بن راهوية عن الزبير فقال: "والله إني لأنظر يومئذ إلى خدم النساء مشمرات يسعين حين انهزم القوم، وما أرى دون أخذهن شيئًا، وإن لنحسبهم قتلى ما يرجع إلينا منهم أحد، ولقد أصيب أصحاب اللواء، وصبروا عنده حتى صار إلى عبد لهم حبشي يقال له (صواب)، ثم قتل صواب، فطرح اللواء فلم يقربه أحد من خلق الله، حتى وثبت إليه عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته لهم، وثاب إليه الناس، قال: الزبير: فوالله إنا لكذلك قد علوناهم وظهرنا عليهم، إذ خالفت الرماة عن أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فجعلوا يأخذون الأمتعة، فأتتنا الخيل فحطمتنا، وكر الناس منهزمين، فصرخ صارخ يرون أنه الشيطان: ألا إن محمدًا قد قتل. فأعظم الناس وركب بعضهم بعضًا فصاروا أثلاثًا: ثلثًا جريحًا، وثلثًا مقتولًا، وثلثًا منهزمًا، قد بلغت الحرب، وقد كانت الرماة اختلفوا فيما بينهم، فقالت طائفة: روا الناس وقعوا في الغنائم، وقد هزم الله المشركين وأخذ المسلمون الغنائم، فماذا تنتظرون؟ وقالت طائفة: قد تقدم إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهاكم أن تفارقوا مكانكم إن كانت عليه أوله، فتنازعوا في ذلك، ثم إن الطائفة الأولى من الرماة أبت أن تلحق بالعسكر، فتفرق القوم، وتركوا مكانهم، فعند ذلك حملت خيل المشركين" (8). 2 - استشهاد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله: 326 - من حديث وحشي بن حرب الذي رواه عنه: جعفر بن عمرو بن أمية الضمْري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار إلى الشام فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله: هل لك في وحشي نسأله عن قتل حمزة؟ قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمص، قال: فسألنا عنه فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. قال: فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا، فرد السلام، قال: وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله، إني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص، فولدت له غلامًا بمكة فكنت أسترضع له، فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلكأني أنظر إلى قدميك، قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم؟ إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار، فقال لي مولاي جبير ابن مطعم، إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر، قال: فلما أن خرج الناس عام عينين -وعينين جبل بحيال أحد- وبينه وبينه واد -خرجت مع الناس إلى القتال. فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به، فلما رجع الناس رجعت معهم، فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإِسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلًا، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل، قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآني قال: (أنت وحشي)، قلت: نعم، قال: (أنت قتلت حمزة؟) قلت: قد كان من الأمر ما بلغك. قال: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟). قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة، قال: فخرجت مع الناس،فكان من أمره ما كان، قال: فهذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته" (9). قال: قال عبد الله بن الفضل، فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: "فقالت جارية على ظهر بيت، أمير المؤمنين قتله العبد الأسود". :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::: خشناء كثيرة السلاح خشنة. 1-المطالب العالية: 4319، وعزاء الحافظ ابن حجر لإسحاق بن راهويه وحسن إسناده، وقال البوصيري: رواه إسحاق بإسناد حسن. 2-أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4097، مسلم في الإمارة باب بيان سن البلوغ رقم: 1868، أبو داود في سننه رقم: 2957، 4406، الترمذي رقم: 1711، 1361، ابن ماجه رقم: 2543، النسائي: 6/ 155 - 156، أحمد في المسند: 2/ 17، الطحاوي في شرح معاني الآثار: 2/ 125. 3-أخرجه البخاري في المغازي غزوة أحد رقم: 4043، أحمد: 4/ 293 - 294، وأبو داود في الجهاد في الكمناء رقم: 2662، والبيهقي في الدلائل: 2293 - 230 وقد جاء نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند أحمد: 1/ 287 - 288، والحاكم: 2/ 296، 297، وصححه ووافقه الذهبي. 4-أخرجه مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل أبي دجانة حديث رقم: 2470، أحمد في المسند: 3/ 123 والحاكم في المستدرك: 3/ 230، وابن سعد في الطبقات: 3/ 556، والبيهقي في الدلائل: 3/ 232 - 233. 5-أخرجه البيهقي في دلائل النبوة: 3/ 233، والبزار انظر كشف الأستار رقم: 1787، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 109 رواه البزار، ورجاله ثقات. 6-أخرجه ابن إسحاق بإسناد صحيح انظر سيرة ابن هشام: 2/ 77، والبيهقي في الدلائل: 3/ 228، والطبري في تاريخه: 2/ 513 عن طريق ابن إسحاق به. 7-* خدم: الخلاخيل روا: فعل أمر من رأى أي انظروا. 8-أخرجه إسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية رقم: 4313، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله هذا إسناد صحيح له شاهد من حديث البراء في الصحيح. 9-أخرجه البخاري في المغازي باب قتل حمزة بن عبد المطلب رقم: 4072، وأحمد في المسند: 3/ 501، ودلائل النبوة للبيهقي: 3/ 241 أو الطبري في تاريخه مختصرًا: 2/ 516 - 517. |
رد: صحيح السيرة النبوية
سؤال النبي عمن رأى مقتل حمزة: 327 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال يوم أحد: (من رأى مقتل حمزة؟) فقال رجل أعزل: أنا رأيت مقتله، قال: (فانطلق فأرناه) فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حتى وقف على حمزة، فرآه وقد شق بطنه، وقد مثل به، فقال: يا رسول الله، مثل به والله، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينظر إليه، ووقف بين ظهراني القتلى فقال: (أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمى، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد) (1). تألم النبي - صلى الله عليه وسلم - لمقتل حمزة: 328 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل حمزة بكى فلما نظر إليه شهق" (2). تكفين حمزة رضي الله عنه: 329 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل حمزة يوم أحد وقتل رجل من الأنصار، فجاءته صفية بنت عبد المطلب بثوبين ليكفن فيهما حمزة، فلم يكن للأنصاري كفن فأسهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الثوبين، ثم كفن كل واحد منهما في ثوب" (3). 330 - من حديث أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: "أنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر حمزة بن عبد المطلب، فجعلوا يجرون النمرة (4) على وجهه فينكشف قدماه، ويجرونها على قدميه فينكشف وجهه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اجعلوها على وجهه واجعلوا على قدميه من هذا الشجر) قال فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه فإذا أصحابه يبكون فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يصبر على لأوائها (5) وشدتها أحد إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة) (6). صبر صفية: 331 - من حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: "إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى، قال فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تراهم فقال: المرأة المرأة. قال الزبير فتوسمت أنها صفية قال: فخرجت أسعى إليها، قال فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى. قال: فلدمت في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزم عليك. قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني مقتله، فكفنوه فيهما قال فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فعل به كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وخنى أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي طار له" (7). 332 - من حديث ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عنهم قالا: "لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحد سمع نساء الأنصار يبكين فقال: (لكن حمزة لا بواكي له) فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استيقظ وهن يبكين فقال: (يا ويحهن ما زلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم) (8). 333 - من حديث وحشي قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: (وحشي) قلت: نعم، قال: (قتلت حمزة؟)، قلت: نعم، والحمد لله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي، فتفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة وقال: (وحشي أخرج فقاتل في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله) (9). 3 - أنس بن النضر وشجاعته: 334 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " عمي الذي سميت به (10) لم يشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا. قال: فشق عليه. قال: أول مشهد شهده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غُيبت عنه، وإن أراني الله مشهدًا، فيما بعد، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليراني الله ما أصنع، قال: فهاب أن يقول غيرها (11). قال: فشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد قال: فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: يا أبا عمرو أين؟ واهًا لريح الجنة أجده دون أحد. فقاتلهم حتى قتل. قال: فوجد في جسمه بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، قال: فقالت أخته عمتي الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه، ونزلت هذه الآية {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (12). فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه" وهذا لفظ مسلم (13). وفي لفظ البخاري زيادة أذكرها للفائدة: "فلقي يوم أحد فهزم الناس فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به المشركون -فتقدم بسيفه، فلقي سعد بن معاذ فقال: أين يا سعد؟ إني أجد ريح الجنة دون أحد فمضى فقتل، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة -أو ببنانه- وبه بضع وثمانون: من طعنة وضربة ورمية بسهم". 335 - ومن طريق ابن إسحاق قال: وحدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار: "قال انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل) (14). 4 - أبو عامر الفاسق وتحريضه على المسلمين يوم أحد: 336 - من طريق ابن إسحاق قال: وحدثني عاصم بن قتادة: "أن أبا عامر، عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معه خمسون غلامًا من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشرة رجلًا، وكان يعد قريشًا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان، فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق -وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الفاسق- فلما سمع ردهم عليه، قال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ثم قاتلهم قتالًا شديدًا، ثم راضخهم بالحجارة (15). 5 - رجل يستطيل حياته: 337 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رجل يوم أحد: يا رسول الله إن قتلت فأين أنا؟ قال: (في الجنة)، فألقى ثمرات في يده وقاتل حتى قتل (16). قال الحافظ في الفتح "وزعم ابن بشكوال أنه عمير بن الحمام، وسبقه إلى ذلك الخطيب، واحتج بما أخرجه مسلم من حديث أنس (أن عمير بن الحمام أخرج ثمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل ثمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل. قلت: لكن وقع التصريح في حديث أنس أن ذلك كان يوم بدر، والقصة التي في الباب وقع التصريح في حديث جابر أنها كانت يوم أحد، فالذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لرجلين، والله أعلم، وفيه (الحديث) ما كان عليه الصحابة من حب نصر الإِسلام، والرغبة في الشهادة ابتغاء مرضاة الله" (17). 6 - كافر تصيبه دعوته: 338 - من حديث بريدة رضي الله عنه قال: "أن رجلًا قال يوم أحد اللهم إن كان محمدًا على الحق فاخسف بي قال فخسف به" (18). 7 - حنظلة الغسيل: 339 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر بعد أن التقى هو وأبو سفيان حين علاه شداد بن الأسود بالسيف فقتله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن صاحبكم تغسله الملائكة فسألوا صاحبته) فقالت: إنه خرج لما سمع الهائعة وهو جنب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لذلك غسلته الملائكة) (19). 340 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أصيب حمزة بن عبد المطلب، وحنظلة بن الراهب، وهما جنب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (رأيت الملائكة تغسلهما) (20). .................................................. .............................................. (1) المطالب العالية رقم: 4325، ونسبه إلى أبي بكر من أبي شيبة، وقال البوصيري فيه: رواته ثقات كما في التعليق عليه، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 119، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح - ومقطع الحديث (أنا شهيد على هؤلاء) أخرجه البخاري في المغازي باب من قتل من المسلمين بأحد: 4079 وأبو داود في الجنائز باب في الشهيد يغسل: 3138 الترمذي في الجنائز باب ترك الصلاة على الشهيد: 1036، والنسائي في الجنائز باب ترك الصلاة عليهم: 3/ 62، وابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الشهداء: 1514، من حديث جابر به. (2) كشف الأستار: 1794، وقال الهيثمي: 6/ 118، رواه البزار وفيه عبد الله بن محمَّد ابن عقيل وهو حسن الحديث على ضعفه. (3) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 120، رواه الطبراني ورجاله ثقات، انظر الطبراني في المعجم الكبير: 12152. * النمرة الثوب المخطط من مآزر الأعراب. (4) لدمت: ضربت ودفعت. (5) لأوائها: شدتها وضيق المعيشة فيها. (6) المطالب العالية رقم: 4322، وعزاه إلى أبي بكر بن أبي شيبة وسكت عنه البوصيري وقال في المجمع: 6/ 119 رواه الطبراني ورجاله ثقات. (7) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 165، والبزار كما في كشف الأستار رقم: 1797 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 118: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وقد وثق" وأخرجه البيهقي في السنن: 4/ 401 - 402، وفي الدلائل: 3/ 290 وأبو يعلى الموصلي رقم: 686، وإسناد هذا الحديث حسن فابن أبي الزناد قال ابن معين فيه: أثبت الناس في هشام بن عروة، وقال ابن المديني: ما حدث بالمدينة فصحيح وما حدث ببغداد أفسده البغداديون. تهذيب التهذيب: 6/ 171 - 172. (8) أخرجه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في البكاء على الميت: 1591، وأحمد في المسند انظر الفتح الرباني: 7/ 106 - 107 وقال الساعاتي سنده جيد قال الهيثمي في المجمع: 6/ 120 رواه أبو يعلى بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح قلت: وإسناد ابن ماجه على شرط مسلم. (9) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 121: رواه الطبراني وإسناده حسن، انظر الطبراني في الكبير: 22/ 139 رقم: 370. (10) عمي الذي سميت به: أي بإسمه وهو أنس بن النضر. (11) مخافة أن يقول شيئًا يعجز عن فعله. (12) الأحزاب آية: 23. (13) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4048، مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 1903، الترمذي رقم: 3198، 3199، وقال حسن صحيح، وأحمد في المسند: 3/ 194، 201، 253، والطيالسي: 2/ 22، وأبو نعيم في الحلية: 1/ 121، ابن جرير الطبري في التفسير: 21/ 147، وابن كثير في التفسير: 3/ 475. (14) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 83، وصرح ابن إسحاق بالتحديث، والقاسم بن عبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/ 13، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وأخرجه الطبري في تاريخه: 2/ 517 والبيهقي في الدلائل: 3/ 245 من طريق ابن إسحاق به. (15) أخرجه ابن هشام: 2/ 67 والطبري في تاريخه: 2/ 512 وسنده حسن ورجاله ثقات، وصرح ابن إسحاق بالتحديث والحديث مرسل. (16) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4046، مسلم في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 1899، النسائي في الجهاد باب ثواب من قتل في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ: 6/ 33، أحمد في المسند: 3/ 308، الحميدي برقم: 1249، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 243. (17) فتح الباري: 7/ 354. (18) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1799، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 122، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (19) أخرجه الحاكم: 3/ 204 - 205 وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، والبيهقي: 4/ 15 من حديث ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده وسنده صحيح ورواه الطبراني في الكبير وفي لفظه اختلاف انظر مجمع الزوائد: 3/ 23، وقال الهيثمي: وإسناده حسن، وله شاهد من حديث ابن عباس يأتي بعد. (20) قال الهيثمي في المجمع: 3/ 23، رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. |
رد: صحيح السيرة النبوية
8 - جرح الرسول عليه الصلاة والسلام يوم أحد: 341 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيهم -يشير إلى رباعيته-، اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (1). 342 - من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "حين سئل عن جرح الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد -جرح وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته،وهشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تغسل الدم، وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن، فلما رأت فاطمة الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة من حصير فأحرقته حتى صار رمادًا ثم ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم" اللفظ لمسلم (2). 343 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله) فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- (ليس لك من الأمر شيء) (3) (4). وقد جاء أيضًا من حديث ابن عباس عند البخاري رقم: (4074، 4076)، وابن عمر رحمهما الله تعالى عند البخاري رقم: (4069، 4070). حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو يمسح الدم 344 - من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) (5). 9 - شهيد لم يصل لله ركعة: 345 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن عمرو بن أقيش كان له رِباً في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد قال: أين فلان قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه، ثم توجه قبلهم فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحًا، فجاء سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حمية لقومك، أو غضبًا لهم، أم غضبًا لله، قال: بل غضبًا لله -عَزَّ وَجَلَّ- ورسوله، فمات فدخل الجنة وما صلى لله صلاة" (6). 10 - مقتل اليمان والد حذيفة على يد المسلمين خطأ: 346 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما كان يوم أحد هزم المسلمون، فصرخ إبليس لعنة الله عليه: أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله أبي أبي. قال: قالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله" (7). وقد جاء زيادة عند ابن هشام عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد فقال حذيفة: (قتلتم أبي! قتلتم أبي! قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا، فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرًا) (8). 11 - عبد الله بن جحش وسعد ودعوتان مستجابتان: 347 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو، فلقيني رجلًا شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدع أنفك وأذنك، فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت: قال سعد: يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط (9). 12 - عمرو بن الجموح ورجاؤه أن يطأ في الجنة بعرجته: 348 - من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: (أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نعم)، فقتلوا يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة) فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهما وبمولاهما فجعلوا في قبر واحد" (10). وقد جاء بلفظ آخر من طريق ابن إسحاق قال: وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بني سلمة: أن عمرو بن الجموح كان رجلًا أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قد عذرك، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما أنت فقد عذرك الله؛ فلا جهاد عليك) وقال لبنيه: (ما عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة) فخرج معه فقتل يوم أحد" (11). 13 - سعد بن الربيع ووصيته: 349 - من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد لطلب سعد بن الربيع، وقال لي: (إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تجدك؟) قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأصبته، وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم فقلت له: يا سعد! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ عليك السلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ قال: على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيكم شفر (12) يطرف، قال: وفاضت نفسه رحمه الله" (13). 14 - سعد بن أبي وقاص ودفاعه عن النبي يوم أحد: 350 - من حديث أبي عثمان النهدي قال: "لم يبق مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الأيام التي كان يقاتل بها رسول الله غير طلحة وسعد عن حديثهما"( أي انهما حدثاه بذلك ) (14). 351 - من حديث علي رضي الله عنه: قال: "ما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك، فإني سمعته يقول يوم أحد: (يا سعد ارم فداك أبي وأمي) (15). 352 - من حديث سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "نثل لي النبي - صلى الله عليه وسلم - كنانته يوم أحد فقال: (ارم فداك أبي وأمي) (16). 353 - من حديث سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال: "جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد أبويه كليهما -يريد حين قال: (فداك أبي وأمي) - وهو يقاتل" (17). .................................................. ............................. (1) أخرجه البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد رقم: 4073، مسلم في الجهاد والسير باب اشتداد غضب الله تعالي على من قتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقم: 1793، وأحمد في المسند: 2/ 255. (2) أخرجه البخاري في المغازي باب ما أصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجراح يوم أحد رقم: 4075، مسلم في الجهاد والسيرة غزوة أحد رقم: 1790، وأحمد في المسند: 5/ 330، 534، ابن ماجه في سننه كتاب الطب باب دواء الجراحة رقم: 3464. (3) آل عمران: 128. (4) أخرجه البخاري في المغازي باب ليس لك من الأمر شيء في ترجمة الباب معلقًا فتح الباري: 7/ 365، مسلم في الجهاد والسير باب غزوة أحد رقم: 1791، والترمذي في كتاب التفسير باب ومن سورة آل عمران رقم: 3001، 3002 وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه برقم: 4027، وأحمد في المسند: 3/ 99، 178، 201، 206، 253، 288. (5) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 54، باب حديث بينما امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب رقم: 3477، مسلم في الجهاد باب غزوة أحد رقم: 1792، ابن ماجه في الفتن باب الصبر على البلاء رقم: 4025. (6) أخرجه أبو داود في الجهاد باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ رقم: 2537، وأحمد في المسند 5/ 428 - 429 والبيهقي في الدلائل: 3/ 247 - 248وابن هشام: 2/ 90، وسنده حسن، وقد رواه أحمد وابن هشام بسند آخر عن أبي هريرة عن ابن إسحاق قال حدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى أبي أحمد عن أبي هريرة هذا السند رجاله ثقات، وقال الحافظ في الإصابة: 2/ 519: هذا إسناد حسن. (7) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4065، وفي المناقب الأنصار باب ذكر حذيفة بن اليمان رقم: 3724، ابن سعد: 2/ 45، والحاكم في المستدرك: 3/ 379: والبيهقي في الدلائل: 3/ 230 - 231. (8) أخرجه ابن هشام: 2/ 87 - 88 والطبري في تاريخه: 2/ 530 من طريق ابن إسحاق، وسنده حسن رجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث فسنده متصل. (9) أخرجه الحاكم: 3/ 199 - 2، وقال صحيح على شرطهما لولا إرساله، ووافقه الذهبي وقال: صحيح مرسل وابن سعد: 3/ 63، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 301 - 302: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وله شواهد متصلة من طريق إسحاق بن سعد بن أبي وقاص كما في الإصابة ترجمة رقم: 4583، والبيهقي في السنن الكبرى: 6/ 307 - 308 موصولًا من حديث إسحاق بن سعد. (10) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 299 وحسن إسناده الحافظ في الفتح، وقال الهيثمي في المجمع: 9/ 315: رجاله رجال الصحبح غير يحيي بن نصر الأنصاري وهو ثقة. (11) أخرجه ابن هشام في السيرة: 2/ 90 - 19 والبيهقي في الدلائل: 3/ 246، وسنده حسن إن كان الأشياخ من الصحابة وإلا فهو مرسل ورجاله ثقات. (12) شفر: العين. (13) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 201، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي من غير طريق ابن إسحاق، وقد جاء في سيرة ابن هشام: 2/ 94 - 15 والطبري في تاريخه: 2/ 528 والبيهقي في الدلائل:3/ 248، من طريق ابن إسحاق وقال حدثني محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخو بني النجار والإسناد صحيح إلا أنه مرسل، وقد جاء في المطالب العالية رقم: 4317، عن عمرو بن يحيى المازني وعزاه لإسحاق بن راهويه وصحح إسناده البوصيري إلا أنه مرسل وجاء أيضًا من مرسل يحيى بن سعيد أخرجه مالك في الجهاد وباب الترغيب في الجهاد: 2/ 21 بهامش تنوير الحوالك، ومن طريقه أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/ 523 وبهذه الطرق يكون الحديث صحيحًا. (14) أخرجه البخاري في الفضائل: 3723، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4060، 4061، ومسلم في الفضائل رقم: 2414. (15) أخرجه البخاري رقم: 2905، وفي المغازي إذ همت طائقان منكم أن تفشلا أرقام: 4058، 4059، وجاء أيضًا برقم: 6184، مسلم في الفضائل رقم: 2411، الترمذي: 3756، وابن ماجه رقم: 129، المقدمة، وأحمد في المسند: 1/ 29، 124، 136، 137. (16) أخرجه البخاري في المغازي باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا رقم: 4055. نثل: استخرج ما فيها من السهام. الكنانة: جعبة السهام. (17) أخرجه البخاري في الفضائل رقم: 3725، وفي المغازي إذ همت طائفان منكم أن تفشلا رقم: 4055، 4056، 4057، ومسلم في الفضائل رقم: 2412، الترمذي: 3755، وابن ماجه رقم: 130 في المقدمة، وأحمد في المسند: 1/ 174 - 180. |
رد: صحيح السيرة النبوية
15 - طلحة بن عبيد الله ودفاعه عن رسول الله يوم أحد: 354 - من حديث قيس قال: (رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي يوم أحد شلاء" (1). 355 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد، وولى الناس، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناحية في اثنى عشر رجلًا منهم طلحة، فأدركهم المشركون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من للقوم؟) قال: طلحة: أنا، قال: (كما أنت)، فقال رجل: أنا، قال: (أنت)، فقاتل حتى قتل، ثم التفت فإذا المشركون، فقال: (من لهم؟) قال طلحة: أنا، قال: (كما أنت)، فقال رجل من الأنصار: أنا، قال: (أنت) فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى بقي مع نبي الله طلحة، فقال: (من للقوم؟) قال: طلحة: أنا، فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى قطعت أصابعه، فقال: حس، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لو قلت باسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون) ثم رد الله المشركين (2). 356 - من حديث الزبير رضي الله عنه قال: "كان على النبي يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة فلم يستطع، فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، قال الزبير فسمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أوجب طلحة) (3). 16 - أبو طلحة الأنصاري ودفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 357 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد انهزم ناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو طلحة بين يديه مجوب عليه بحجفة، وكان راميًا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل، فيقول: (إنثرها لأبي طلحة). قال: ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: بأبي أنت وأمي، لا تشرف، يصبك سهم من سهام القوم، ، نحري دون نحرك" (4). 17 - مصعب بن عمير رضي الله عنه وعدم توفر كفن لدفنه: 358 - من حديث خباب رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نبتغي وجه الله فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى بسبيله لم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الأذخر)، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" (5). 359 - من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه "أتى بطعام، وكان صائمًا، فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، كفن في بردة، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا -وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام" (6). 360 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه، ودعا له، ثم قرأ هذه الآية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (7). ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه" (8). 18 - عبد الله بن عمرو بن حرام وإظلال الملائكة له: 361 - من حديث جابر بن عبد الله قال: "لما قتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهوني وهو لا ينهاني وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تبكيه، أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه" (9). استخراجه وإعادة دفنه بعد ستة أشهر: 362 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال أبي: (أرجو أن أكون في أول من يصاب غدًا، فأوصيك ببناتي خيرًا، فأصيب، فدفنته مع آخر، فلم تدعني نفسي حتى استخرجته ودفنته وحده بعد ستة أشهر، فإذا الأرض لم تأكل منه شيئًا إلا بعض شحمة أذنه" (10). تكليم الله تعالى لعبد الله بن حرام كفاحًا: 363 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحًا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانيًا، فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون. قال: يا رب! فأبلغ من ورائي، فأنزل الله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (11) (12). 19 - الأنصار السبعة الذين ضحوا بأنفسهم لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم: 364 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه (13)، قال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة)، فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا، فقال: (من يردهم عنا وله الجنة، أو هو رفيقي في الجنة) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك، حتى قتل السبعة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصاحبيه: (ما أنصفنا أصحابنا)) (14). 20 - بطل إلى النار: 365 - من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم -وفي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه- فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما إنه من أهل النار)، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه. قال فخرج معه كلما وقف، وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وما ذاك؟). قال: الرجل الذي ذكرت آنفًا من أهل النار فأعظم الناس ذلك. فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) (15). وقد جاء عند ابن هشام في سيرته التصريح بأن هذا الرجل هو قزمان، وأنه قتل نفسه يوم أحد، كما ورد من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة والإسناد حسن ورجاله ثقات، إلا أنه مرسل وهو يعتد به كشاهد للمتابعة والله أعلم (16). وقال الحافظ في الفتح (جزم ابن الجوزي في مشكلة بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قزمان الظفري، وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول، فكان أول من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار، فمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئا لك الشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حسب قومي، ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه". وعقب الحافظ على ذلك بقوله: "قلت وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقدي، وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف" (17). قلت: وقد سبق من طريق ابن إسحاق عند ابن هشام التصريح بأنه قزمان وبأنه قتل نفسه يوم أحد، وقول الحافظ لا يعارض ذلك المروي خاصة وأنه مرسل وإسناده ثقات، فالظاهر هو كما قال ابن الجوزي وابن إسحاق إمام أهل السير والله أعلم". .................................................. ................................ (1) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب طلحة رقم: 3724، وفي المغازي باب إذ همت طائفان رقم: 4063، وابن ماجه في المقدمة رقم: 128، وأحمد في المسند: 1/ 161. (2) أخرجه النسائي: 6/ 29 - 30 في الجهاد باب ما يقول من يطعنه العدو، ورجاله ثقات كما قال الذهبي وأخرج الحاكم معنا: 3/ 369. (3) أخرجه الترمذي في الجهاد باب ما جاء في الدرع: 1692، وفي المناقب باب مناقب طلحة رقم: 3739، وقال حسن غريب، وأحمد: 1/ 165، وصححه الحاكم: 3/ 374، ووافقه الذهبي وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد، فزالت شبهته تدليسه فالحديث بذلك صحيح والله أعلم. (4) أخرجه البخاري في فضائل الأنصار باب مناقب أبي طلحة رقم: 3811، وفي المغازي باب إذ همت طائفتان أن تفشلا رقم: 4064، مسلم في الجهاد والسير باب غزوة النساء مع الرجال رقم: 1811، وأحمد في المسند: 3/ 105، 256، 286 وعنده قوله أبو طلحة للنبي "إني جلد". (5) أخرجه البخاري في الجنائز باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يوارى رأسه أو قدميه رقم: 1286، في مناقب الأنصار باب هجرة النبي: 3897، 3914، وفي المغازي باب غزوة أحد: 4047، باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4082، وفي الرقاق باب ما يحذر من زهرة الدنيا رقم: 6432، باب فضل الفقر: 6448، مسلم في الجنائز باب كفن الميت رقم: 940، أبو داود: 3155، في الجنائز الترمذي في المناقب: 3852، والنسائي في الجنائز، باب القميص من الكفن: 4/ 28، أحمد في المسند: 5/ 112. (6) أخرجه البخاري في الجنائز باب الكفن من جميع المال رقم: 1274، 1275، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4045. (7) الأحزاب: 23. (8) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 200، وقال هذا حيث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (9) أخرجه البخاري في الجنائز باب الدخول على الميت بعد الموت رقم: 1244، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4080، مسلم في الفضائل باب من فضائل عبد الله بن عمرو بن حرام رقم: 2471، والنسائي في الجنائز باب في البكاء على الميت: 4/ 13، وأحمد في المسند: 3/ 298، 307. (10) أخرجه البخاري في الجنائز باب هل يخرج الميت من القبر وللحد لعلة رقم: 1351، 1352، الحاكم في المستدرك: 3/ 203، وصححه ووافقه الذهبي، وابن سعد: 3/ 2 / 106. (11) آل عمران: 169. (12) أخرجه الترمذي في التفسير باب ومن سورة آل عمران رقم: 3013، وقال حديث حسن، وابن ماجه في المقدمة باب ما أنكرت الجهمية رقم: 190، وفي الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل الله رقم: 2800، والحاكم في المستدرك: 3/ 204 وصححه ووافقه الذهبي وابن جرير بسند صحيح في التفسير: 4/ 173، وفي التاريخ: 3/ 36. (13) رهقوه: نمشوه وقربوا منه. (14) أخرجه مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة أحد رقم: 1789، وقد جاء من حديث جابر رضي الله عنه في قتال طلحة بن عبد الله برقم: 355، فانظره هناك. رهقوه: غشوه وقربوا منه وأدركوه. (15) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة خيبر رقم: 4202، ومسلم في الإيمان باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه رقم: 112 - وفي رواية عند مسلم وقع أن الغزوة "حنين" وفي رواية أخرى أبهمت، وأخرجه أحمد في المسند: 4/ 135، وفيه أن الغزوة هي خيبر. (16) ابن هشام في السيرة: 2/ 88. (17) فتح الباري: 7/ 473، في التعليق على حديثه سهل السابق. |
رد: صحيح السيرة النبوية
21 - تصحيح الشعارات حتى في أحلك المواطن: 366 - من حديث عقبة مولى جابر بن عتيك الأنصاري رضي الله عنه قال: "شهدت أحدًا مع مولاي، فضربت رجلًا من المشركين، فلما قتلته، قلت: خذها مني وأنا الرجل الفارسي، فبلغت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ألا قال: خذها وأنا الرجل الأنصاري، فإن مولى القوم من أنفسهم) " (1). 22 - قتال الملائكة دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 367 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "رأيت رجلين عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويساره يوم أحد عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد" (2). 23 - تغشية النعاس المسلمين يوم أحد: 368 - من حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال: "غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، حدَّث أنه فيمن غشيه النعاس يومئذ قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط من يدي فآخذه، والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه، وأخذله للحق" وهذا اللفظ للترمذي (3). وفي لفظ آخر لأبي طلحة قال: "رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميل تحت حجفته من النعاس، فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} (4) ". 369 - من حديث الزبير رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه -أو قال- ذقنه في صدره، فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير "لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا" فحفظتها، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا}، إلى قوله: {مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} لقول معتب بن قشير، قال: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} حتى بلغ {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (5) ". 24 - الحرب خدعة: 370 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرفته فقلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فأشار إلى بيده أن اسكت، ثم ألبسني لامته، ولبس لأمتي، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة أو قال بضعة وعشرين جرحًا كل من يضربني يحسبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (6). 25 - ظن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رفع: 371 - من حديث علي رضي الله عنه قال: "لما انجلى الناس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد نظرت إلى القتلى فلم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم، فقلت: والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى، ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فما فيَّ خير من أن أقاتل حتى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثم حملته على القوم فأفرجوا لي، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم" (7). 26 - فخر أبي سفيان بعد المعركة: 372 - من حديث البراء رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد وكانوا خمسين رجلًا -عبد الله بن جبير قال: ووضعهم موضعًا، وقال: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، إن رأيتمونا ظهرنا على العدو وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم)، قال: فهزموهم. قال: فأنا والله رأيت النساء يشتددن على الجبل وقد بدت سوقهن وخلاخلهن- رافعات ثيابهن فقال أصحاب عبد الله بن جبير: الغنيمة، أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنظرون؟ قال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: إنا والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين، فذلك الذي يدعوهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أخراهم، فلم يبق مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير اثني عشر رجلًا، فأصابوا منا سبعين رجلًا، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، أصاب من المشركين يوم بدر أربعين ومائة، سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا. فقال أبو سفيان: أفي القوم محمَّد؟ أفي القوم محمَّد؟ أفي القوم محمَّد؟ ثلاثًا، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبوه، ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوءك، فقال: يوم بيوم بدر والحرب سجال، إنكم ستجدون في القوم مثلة لم آمر بها، ولم تسؤني ثم أخذ يرتجز: أعل هبل. أعل هبل. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا تجيبونه؟) قالوا: يا رسول الله ما نقول؟ قال: (قولوا الله أعلى وأجل)، قال: أن العزى لنا ولا عزى لكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ألا تجيبونه؟) قالوا: يا رسول الله وما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا ولا مولى لكم) (8) ". 27 - رواية ابن عباس في أحد: 373 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما نصر الله تبارك وتعالى في موطن كما نصر في يوم أحد فقال (ابن عتبة) فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله تبارك وتعالى، إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ}، يقول ابن عباس والحس القتل {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} -إلى قوله- {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، عني بهذا الرماة، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقامهم في موضع ثم قال: (احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا). فلما غنم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأباحوا عسكر المشركين أكب الرماة جميعًا، فدخلوا العسكر ينتهبون، وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهم كذا وشبك بين أصابع يديه والتبسوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فضرب بعضهم بعضًا والتبسوا، وقتل من المسلمين ناس كثير. وقد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أول النهار، حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة، وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار، وإنما كانوا تحت المهراس (9) وصاح الشيطان: قتل محمَّد فلم يشك فيه أنه حق، فما زلنا كذلك نشك أنه قد قتل حتى طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين السعدين (10) نعرفه بتكفئه إذا مشى، قالوا: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا. قال: فرقى نحونا وهو يقول: (اشتد غضب الله على قوم دمّوا وجه رسوله)، قال ويقول مرة أخرى: (اللهم أنه ليس لهم أن يعلونا) حتى انتهى إلينا فمكث ساعة فهذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعل هبل مرتين يعني آلهته، أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: يا رسول الله ألا أجيبه؟ قال: بلى، قال: فلما قال: اعل هبل، قال عمر: الله أعلى وأجل، قال: فقال أبو سفيان يا ابن الخطاب إنه قد أنعمت عينها فعاد عنها أو فعال عنها، فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قحافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أبو بكر، وهذا أنا عمر. قال: فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دول وإن الحرب سجال (11) قال: فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، قال: إنكم لتزعمون ذلك، لقد خبنا إذا وخسرنا، ثم قال أبو سفيان: أما إنكم سوف تجدون في قتلاكم مثلًا (12) ولم يكن ذاك عن رأي سراتنا (13) قال: ثم أدركته حمية الجاهلية قال: فقال: أما إنه قد كان ذاك ولم نكرهه" (14). .................................................. ......... (1) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 295، أبو داود في الأدب: 5123، باب في العصبية، وابن ماجه في الجهاد باب النية في القتال: 2784، وإسناده حسن وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 115، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وانظر المطالب العالية رقم: 4324. (2) أخرجه البخاري في اللباس باب الثياب البيض رقم: 5826، وفي المغازي باب قوله تعالى {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} رقم: 4054، مسلم في الفضائل باب قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد رقم: 2306، وأحمد في المسند: 1/ 171، 177. (3) أخرجه البخاري في المغازي باب ثم أنزل عليكم من بعد الغم نعاسًا رقم: 4068، والترمذي في سننه كتاب تفسير سورة آل عمران رقم: 3008، وقال حديث حسن صحيح وأحمد في المسند: 4/ 29. (4) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن تفسير آل عمران رقم: 3007، وقال حديث حسن صحيح. (5) المطالب العالية رقم: 4315، ونسبه إلى إسحاق بن راهويه وسكت عليه البوصيري وإسناده جيد، وقال الترمذي معلقًا على إسناده في تخريج الحديث السابق: 3007 وجاء في حديث الزبير وقال حديث حسن صحيح. (6) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 112، رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط ثقات، ورواه أبو نعيم في الدلائل: 2/ 482 من طريق ابن إسحاق وقد صرح عنده بالسماع وسنده متصل، فالحديث صحيح. * لامته: درعه. (7) المطالب العالية: 4323، قال البوصيري رواه أبو يعلى برقم: 546، بإسناد حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 112 فيه محمَّد بن مروان العقيلي وثقه أبو داود وابن حبان وضعفه أبو زرعة وغيره" وإسناده حسن كما قال البوصيري والله أعلم. (8) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة أحد رقم: 4043، وأبو داود في الجهاد باب في الكمناء رقم: 2662، وأحمد في المسند: 4/ 293، أبو داود الطيالسي رقم: 2345، 2/ 98 - 99. (9) المهراس: ماء بجبل أحد دفن بجواره حمزة عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (10) السعدين: مكانان في ذاك الموضع والله أعلم. (11) سجال: أي مرة لنا ومرة علينا. (12) مثل: أنكل بالقتل بجدع الأنف أو قطع الأذن. (13) السراة: الأشراف والكبراء. (14) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 287، 288، 463، والحاكم في المستدرك: 2/ 296، 297 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. |
رد: صحيح السيرة النبوية
28 - دور المسلمات في أحد: وقد سبق من حديث أنس في دفاع أبي طلحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانظره هناك وقد جاء أيضًا: 374 - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال ثعلبة بن أبي مالك: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطًا بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مرط جيد، فقال له بعض من عنده يا أمير المؤمنين: "أعط هذا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي عندك -يريدون أم كلثوم بنت علي، فقال عمر: أم سليط أحق منها، وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عمر: فإنها كانت تزفر لنا القرب يوم أحد" (1). تزفر : تخيط 29 - ثناء النبي على ربه ودعاؤه بعد انتهاء المعركة: 375 - من حديث عبيد الله بن رفاعة الزرقي رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد وانكفأ المشركون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفًا فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت،اللهم ابسط علينا من بركاتك، ورحمتك، وفضلك، ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم الغلبة، والأمن يوم الخوف، اللهم إني عائذ بك من شر ما أعطيتنا، وشر ما منعت منا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم زجرك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتو الكتاب، إله الحق) (2). 376 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول يوم أحد (اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض) " (3). 30 - ردوا القتلى إلى مضاجعهم: 377 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "إن قتلى أحد حملوا من مكانهم فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أن ردوا القتلى إلى مضاجعها) (4) ". 378 - وقد جاء عنه بلفظ آخر فقال: "استشهد أبي بأحد، فأرسلتني أخواتي إليه بناضح (5) لهن، فقلن: اذهب فاحتمل أباك على هذا الجمل فادفنه في مقبرة بني سلمة، قال: فجئته وأعوان لي، فبلغ ذلك نبي الله وهو جالس بأحد فدعاني وقال: (والذي نفسي بيده لا يدفن إلا مع إخوته فدفن مع أصحابه بأحد) (6) ". 31 - صلاة النبي على شهداء أحد: 379 - من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قتلى أحد بعد ثماني سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر فقال: (إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها)، قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (7). قال الحافظ ابن حجر في الفتح (والخلاف في الصلاة على قتيل معركة الكفار مشهور، قال الترمذي: (قال بعضهم يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحق، وقال بعضهم لا يصلى عليه وهو قول المدنيين والشافعي وأحمد، وقال الشافعي في الأم: (جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على قتلى أحد، وما روي أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه" انتهى، ثم إن الخلاف في ذلك في منع الصلاة عليهم على الأصح عند الشافعية، وفي وجه أن الخلاف في الاستحباب وهو المنقول عن الحنابلة. قال الماوردي عن أحمد: الصلاة على الشهيد أجود، وإن لم يصلوا عليه أجزأ، وقال الطحاوي: "معنى صلاته - صلى الله عليه وسلم - عليهم لا يخلو من ثلاثة معان: إما أن يكون ناسخًا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم، أو يكون من سنتهم أن لا يصلي عليهم إلا بعد هذه المدة المذكورة، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة، وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء، ثم كان الكلام بين المختلفين في عصرنا، إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى" انتهى (8). وقد وردت الأحاديث والسنن الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدل على الصلاة على الشهداء، أورد بعضها هنا: 380 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمزة بن عبد المطلب وقد جدع ومثل به، فقال: لولا أن تجد صفية في نفسها تركته حتى تأكله العافية (9)، حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، فكفنه في نمرة، وكانت إذا خمرت رأسه بدت رجلاه، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه، فخمر رأسه، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره" (10). 381 - من حديث عبد الله بن الزبير قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه، فكبر تسع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يصفون، ويصلي عليهم، وعليه معهم" (11). وقد جاء من حديث ابن عباس (12) وغيره انظرها في التعليق، ولا يعارض هذان الحديثان وشواهدهما بحديث جابر بأنه لم يصل على شهداء أحد لأنه ناف، والمثبت مقدم على النافي، نفي هذين الحديثين وشواهدهما ثبتت مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب؛ لأن كثيرًا من الصحابة استشهدوا يوم بدر، ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليهم، ولو فعل ذلك لنقل إلينا، فدل ذلك على أن الصلاة عليهم غير واجبة، ولذلك قال ابن القيم: "والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها، لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين، وهذا إحدى الروايات عن الإِمام أحمد، وهو الأليق بأصوله ومذهبه" (13). 32 - طريقة دفن الشهداء في أحد وتقديم الأحفظ للقرآن: 382 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟) فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد، وقال: (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا" (14). 383 - حديث هشام بن عامر رضي الله عنه قال: "شكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجراحات يوم أحد فقال: (احفروا وأوسعوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآنًا) فمات أبي فقدم بين رجلين" (15). 384 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: " ... وكثرت القتلى وقلت الثياب، قال: وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد، ويسأل أيهم أكثر قرآنًا فيقدم في اللحد، وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد" (16). .................................................. .................................................. ...... (1)أخرجه البخاري في المغازي باب ذكر أم سليط رقم: 4071. (2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 414، والحاكم في المستدرك: 1/ 507، 3/ 23، 24، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين وقد وافق الذهبي الحاكم في موطن على التصحيح، وقال في موطن آخر: والحديث مع نظافة إسناده منكر -والحديث صحيح فقط فيه عبيد بن رفاعة لم يخرج له الشيخان، وليس لقول الذهبي في تعليله وجه. وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 121، 122 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (3) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب استجاب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو رقم: 1743. (4) أخرجه أحمد في المسند 3/ 308، أبو داود في الجنائز باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض: 3165، والنسائي في الجنائز باب أين يدفن الشهيد: 4/ 79، والترمذي في الجهاد باب ما جاء في دفن الشهداء: 1717، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم: 1516، وقال الترمذي حسن صحيح وصححه ابن حبان: 196، وسنده صحيح. (5) الناضح: البعير الذي يحمل الماء يسقي الزرع. (6) انظر التخريج في الحديث السابق، وقال الشيخ الساعاتي: 8/ 150 أخرجه الأربعة وغيرهم وصححه الترمذي. (7) أخرجه البخاري في الجنائز باب الصلاة على الشهيد رقم: 1344، وفي المغازي باب غزوة أحد رقم: 4042، وله أطراف أرقام: 3596، 4085، 6426، 6590، مسلم في صحيحه في الفضائل باب إثبات حوض نبينا - صلى الله عليه وسلم - رقم: 2296، وأبو داود رقم: 3223، 3224، والنسائي: 4/ 61، 62 أحمد: 4/ 149، 153، 154، البيهقي: 4/ 14. (8) فتح الباري على صحيح البخاري: 3/ 210 - 211، في التعليق على حديث عقبة بن عامر المذكور آنفًا، وانظر قول الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 504. (9) العافية: السباع والطير التي تقع على الجيف فتأكلها. (10) أخرجه أبو داود حديث رقم: 3137، وأحمد في المسند: 3/ 128، والبيهقي في السنن: 4/ 10، 11، والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 502 - 503، والحاكم في المستدرك: 1/ 365، وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي ورواه ابن أبي شيبة في المصنف: 14/ 391، 392، وقال النووي في المجموع: 5/ 265، وعزاه لأبي داود وحده وقال: إسناده حسن أو صحيح. (11) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 503، وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث. (12) أخرجه الحاكم: 3/ 198، والحديث حسن الإسناد، وابن ماجه في الجنائز. باب ما جاء في الصلاة على الشهيد رقم: 1513، وهناك شواهد من حديث ابن مسعود، أخرجه أحمد في المسند: 1/ 463، وسنده حسن، ومن حديث شداد بن الهاد وأخرجه النسائي: 4/ 506 والطحاوي في شرح معاني الآثار: 1/ 506 البيهقي: 4/ 15، 16، وسنده صحيح الحاكم: 3/ 595 - 596، وصححه ووافقه الذهبي. (13) تهذيب السنن: 4/ 295. (14) أخرجه البخاري في الجنائز باب الصلاة علي الشهداء رقم: 1343، وفي المغازي باب من قتل من المسلمين يوم أحد رقم: 4079 وجاء بأرقام: 1347،1346،1345، 1348، 1353، الترمذي في الجنائز باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد: 1036، وأبو داود في الجنائز في الشهيد يغسل: 3138 والنسائي في الجنائز باب ترك الصلاة عليهم: 4/ 62، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في الصلاة على الشهيد: 1514، وأحمد في المسند: 5/ 431. (15) أخرجه الترمذي في الجهاد باب دفن الشهيد رقم: 1713 وقال حديث حسن صحيح وأبو داود في الجنائز باب تعميق القبر: 3215، والنسائي في الجنائز باب ما يستحب في توسيع القبر: 4/ 18، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في حفر القبر: 1560 والحديث إسناده صحيح. (16) سبق تخريجه حديث رقم: 389. |
رد: صحيح السيرة النبوية
33 - الشهداء أحياء عند ربهم: 385 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتهوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم، ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات على رسوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (1) ". 386 - ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: أما إنا سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم كطير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، قال: فبينما هم كذلك، إذ اطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: سلوني ما شئتم؟! فقالوا: يا ربنا! وما نسألك، ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا، فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا، قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا، حتى نقتل في سبيلك، قال: فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا) (2). 34 - عدد شهداء المسلمين: 387 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد ... فذكر الحديث إلى أن قال: فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد أصابوا من المشركين، أراه قال: يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا" (3). 387 - من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "إنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، وأصيب من المهاجرين ستة فيهم حمزة، فمثلوا بقتلاهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا من الدهر لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كفوا عن القوم) " (4). 35 - أحد جبل يحبنا ونحبه: 389 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلع له أحد فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت ما بين لابتيها) " (5). 36 - أمنية النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شهداء أحد: 390 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب أحد قال: (والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل) يقول: قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم -" (6). 37 - من أحسن القتال يوم أحد من المسلمين: 391 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء علي رضي الله عنه بسيفه يوم أحد قد انحنى، فقال لفاطمة رضي الله عنها: هاكي السيف حميدًا، فإنها قد شفتني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لئن كنت أجدت الضرب بسيفك، لقد أجاده سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت بن الأقلح، والحارث بن الصمة) " (7). 38 - أسماء من استشهد يوم أحد: ذكر الهيثمي أسماءهم في المجمع: (6/ 123 - 124)، بسند الطبراني إلى ابن شهاب، ورجاله رجال الصحيح، فمن أحب الاستزاده في معرفة أسمائهم فليرجع إلى المجمع. 39 - كل مصيبة بعدك جلل: 392 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟، قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة" (8). الفصل الخامس الأحداث والوقائع بين أحد والخندق المبحث الأول: غزوة حمراء الأسد قال ابن إسحاق: "كان يوم أحد، يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحن به المنافقين، فمن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويومًا أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته" (9). وبعد انتهاء غزوة أحد، ورحيل قريش جاءت الأخبار إلى المدينة بأن قريشًا تريد العودة لتستأصل المسلمين في مدينتهم، فما كان من القائد القدوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلا أن دعا أصحابه للخروج لتعقب قريش، وزرع الخوف في قلب من يفكر بالاعتداء على المدينة الآمنة الطيبة، وشرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يخرج معه إلا من خرج معه لأحد، وهنا وفي هذا المقام تتجلى صور التضحية والبذل، حيث يخرج أصحاب النبي، والكثير منهم قد أصيب بالجراحات المتعددة، ولكن في سبيل الله تهون كل المصاعب، ولندع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروون بعض هذه المشاهد: 392 - من حديث عائشة رضي الله عنها: كما روى عنها عروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (10). وقال ابن كثير عقب ذكر هذا الحديث: "وهذا السياق غريب جدًّا، فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد كل من شهد أحد، وكانوا سبعمائة قتل منهم سبعون وبقي الباقون" (11). وقال الشامي: "والظاهر أنه لا تخالف بين قولي عائشة وأصحاب المغازي؛ لأن معنى قولها فانتدب لها سبعون أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون" (12). 393 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمدًا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة- فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه فلم يجدوا به أحدًا، وتسوقوا فأنزل الله -عز وجل- ذكره {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (13) ". .................................................. ................................. (1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 265، أبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة رقم: 2520، وعبد بن حميد رقم: 667، وابن أبي شيبة: 5/ 294 - 295، والطبري في التفسير: 14/ 113 والآجري في الشريعة: 392، والبيهقي في عذاب القبر رقم: 129، والحاكم في المستدرك: 2/ 88، 297، وقال في الموضعين صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد فزالت شبهة التدليس، فالحديث صحيح. (2) أخرجه مسلم في الإمارة باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم: 1887، الترمذي في التفسير باب ومن تفسير آل عمران رقم: 3011 وقال حسن صحيح، ابن ماجه في الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل الله رقم: 2801، وابن أبي شيبة: 5/ 308، والدرامي: 2/ 206، والطبري في التفسير: 4/ 113 - 114. (3) سبق تخريجه حديث رقم: 372. (4) أخرجه الترمذي في التفسير باب من تفسير سورة النحل رقم: 3129 وقال حديث حسن غريب وأحمد في المسند: 5/ 135، وابن حبان في الموارد رقم: 1695، ص: 411، والطبراني في الكبير: 3/ 157، والحاكم في المستدرك: 2/ 446،359، وقال في الموضعين صحيح الإسناد وأقره الذهبي. (5) أخرجه البخاري في المغازي باب أحد جبل يحبنا ونحبه رقم: 4084، ومسلم في الحج باب فضل المدينة ودعاء النبي فيها بالبركة: 1365. (6) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 375، وفي سيرة ابن كثير: 3/ 89، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع فالحديث بذلك صحيح. (7) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 24، وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (8) ابن هشام في السيرة: 2/ 99 والبيهقي في الدلائل: 3/ 302، والطبري في تاريخه: 2/ 533، بسند ابن إسحاق إلى سعد بن أبي وقاص وسنده حسن وقد صرح بالحديث فزالت شبهة تدليسه. (9) سيرة ابن هشام: 2/ 105. (10) أخرجه البخاري في المغازي باب الذين استجابوا لله والرسول رقم: 4077، مسلم في صحيحه في فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير: 2418، باختصار، وابن ماجه في المقدمة وفي فضائل الزبير رقم: 124، والحاكم في المستدرك: 4/ 298 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. (11) سيرة ابن كثير: 3/ 101. (12) زاد المعاد: 3/ 243. (13) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 121، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن منصور الجواز وهو ثقة وقال السيوطي في لباب النقول (ص: 61) أن سنده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 228: أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه عن ابن عباس، ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره. |
رد: صحيح السيرة النبوية
المبحث الثاني: آثار غزوة أحد طمع الأعراب والمنافقين واليهود في المسلمين لقد كان لغزوة أحد من الآثار الشيء الكثير إذ انتقض على الإِسلام وأهله كثير ممن هادنهم أو مالأهم خوفًا منهم، وعلى الرغم مما فعله النبي - عليه السلام - وأصحابه من الخروج إلى حمراء الأسد وما أظهروه من مظاهر البأس، إلا أن ما حدث في أحد جعل الأعراب يتجرأون ويبدأون بمحاولة مهاجمة المدينة والإغارة عليها ونهب أموالها وخيراتها. ولقد جرأت الحادثة أيضًا اليهود في المدينة ليظهروا حقدهم الدفين على الإِسلام وأهله، ويسخرون من المسلمين علانية، ويكررون محاولاتهم الغادرة للكيد للإسلام وأهله، ولقد جرأت الحادثة أيضًا المنافقين ليظهروا نفاقهم، وينبثوا بين صفوف المسلمين يشيعون الشائعات والدسائس محاولين بذلك تمزيق الصف الإِسلامي. 1 - اغتيال المسلمين لابن سفيان الهذلي لحشده لقتال المسلمين: 394 - من حديث عبد الله بن أنس رضي الله عنه قال: "دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فأته فاقتله)، قال: قلت: يا رسول الله انعته حتى أعرفه، قال: (إذا رأيته وجدت له قشعريرة). قال: فخرجت متوشحًا بسيفي، حتى وقعت عليه بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلًا، وحين كان وقت العصر، فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود. فلما انتهيت إليه قال: من الرجل، قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لهذا، قال: أجل أنا في ذلك، قال: فمشيت معه شيئًا، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآني فقال: (أفلح الوجه)، قال: قلت: قتلته يا رسول الله، قال: (صدقت)، قال: ثم قام معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل في بيته فأعطاني عصا، فقال: (أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أُنيس). قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟، قال: قلت: أعطانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟، قال: (آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المختصرون (1) يومئذ يوم القيامة)، فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها، فضمت معه في كفنه، ثم دفنا جميعًا" (2). 2 - قصة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجيع: 395 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه. فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا أيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم -، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة -يريد القتلى- فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم (فقتلوه)، فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا -وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدبها، فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيرًا، قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق من هم أحدًا، ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف -وكان قتل رجلًا عظيمًا من عظمائهم- فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا" (3). وقد أورد ابن إسحاق رحمه الله في السيرة أن عددهم كان ستة وأن أميرهم كان مرثد بن أبي مرثد الغنوي، والمقدم عندنا ما في الصحيح أن عددهم كان عشرة وأن أميرهم كان عاصم بن ثابت الأنصاري والله أعلم. 3 - قصة أصحاب رسول الله في بئر معونة: أ - سبب خروج القراء من أصحاب رسول الله: 396 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان" (4). ب - جوار ملاعب الأسنة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: 397 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ملاعب الأسنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فعرض عليه الإِسلام فأبى أن يسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أقبل هدية من مشرك، قال: فأبعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار، فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو، وهو الذي يقال له -المعتق ليموت -أو -أعتق عند الموت-، فاستجاش (5) عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فابوا أن يطيعوه، وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة، فاستجاش عليهم بني سليم، فأطاعوه، فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركهم ببئر معونة، فقتلوهم إلا عمرو بن أمية" (6). 398 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرأون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم! بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (7) ". ............................................ (1) المختصرون: أو المتخصرون: المتكئون على المخاصر: جمع مخصرة وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا وغيرها. والمراد هنا: الذين يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال صالحة يتكئون عليها. (2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب صلاة الطالب حديث رقم: 1249، بإختصار أحمد في المسند: 3/ 496 البيهقي في السنن: 3/ 256، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 1/ 295، إسناده جيد، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 2/ 350، إسناده حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 203 - 204رواه الطبراني ورجاله ثقات، واللفظ لأحمد. (3) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3989، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان رقم: 4086، أبو داود في الجهاد باب في الرجل يستأسر رقم: 2660، 2661، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9730، وأحمد في المسند: 2/ 295 - 315 والبيهقي في الدلائل: 3/ 323 - 325 والطبري في تاريخه: 2/ 538 - 541، وأبو داود الطيالسي رقم: 2349، 2/ 101. (4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني الرجيع: 4090، وقد جاء أيضًا في الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده، الجهاد، باب دعاء الإمام على من نكث عهدًا، الدعوات باب الدعاء على المشركين، مسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة رقم: 677، وأحمد في المسند: 3/ 167، 255، ابن سعد في الطبقات: 2/ 51 - 54 والبيهقي في الدلائل: 3/ 338 - 344 والطبراني ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127. (5) استجاش: طلب لهم الجيش وجمعه. (6) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 9741، والطبراني في الكبير: 19/ 70 - 72 رقم: 138، 139، 140، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (7) أخرجه مسلم في صحيحه في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 677، ص: 1511 طبعة فؤاد عبد الباقي، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 347. |
رد: صحيح السيرة النبوية
جـ - قصة عامر بن فهيرة يوم بئر معونة: 399 - من حديث عائشة رضي الله عنها: (... فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فنعاهم فقال: (إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا ورضيت عنا فأخبرهم عنهم) وأصيب يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمرو سمي به منذرًا) (1). د - دعاء النبي على قتلة القراء في دعاء القنوت ثم تركه عندما جاؤوا تائبين مسلمين: 400 - وقد سبق من حديث أنس في سبب خروج القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر تخريجه هناك (2). 401 - وقد جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: (سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية، ويؤُمِّن من خلفه" (3). المبحث الثالث: غزوة بني النضير وقت الغزوة: قال الزهري عن عروة: (كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد (4)، وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد (5)، وقد وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي كما قال الحافظ في الفتح (6). وقد ذهب إلى تأييد الرأي الثاني ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد فقال: "وزعم محمَّد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد، والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية، وكان له مع اليهود أربع غزوات، أولها: غزوة بني قينقاع بعد بدر، والثانية: بني النضير بعد أحد، والثالثة: قريظة بعد الخندق، والرابعة: خيبر بعد الحديبية" انتهى، وقد ذهب ابن حزم في جوامع السير هذا المذهب قبل ابن القيم والله أعلم (7). سبب نزول سورة الحشر: 402 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة التوبة قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل حتى ظنوا أنها لم تبق أحدًا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر قال: سورة الحشر قال: نزلت في بني النضير" (8). قطع الشجر وتحريقه: 403 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وفي لفظ آخر له "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراء بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير قال فأجابه أبو سفيان بن الحارث: أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أي أرضينا تضير (9) 404 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من غزوة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل والأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح -فأنزل الله فيهم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، فقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صالحهم على الجلاء، فأخلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام" (10). والناظر في حديث عائشة رضي الله عنها يرى أنه مؤيد للرأي القائل أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري رحمه الله، وهو في سند حديث عائشة، فالجواب عنه ما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ذلك من الخطأ في النقل عن الزهري، أو هو وهم من الزهري رحمه الله والله أعلم". المبحث الرابع: غزوة بدر الثانية 405 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمَّد قتلتم، ولا الكواكب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}، وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فأتوه فلم يجدوا به أحدًا وتسوقوا فأنزل الله -عز وجلَّ- ذكره. {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} " (11). .................................................. .................... (1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت ونجيب وأصحابه رقم: 4093، وفي مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة رقم: 3900، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 353 وأبو نعيم في الحلية: 1/ 110، وقد سبق جزء منه برقم: 119. (2) انظر حديث رقم: 396. (3) أخرجه أبو داود في الصلاة باب القنوت في الصلوات: 1443، وأحمد في المسند: 1/ 301 وصححه الحاكم في المستدرك: 1/ 225 ووافقه الذهبي، واللفظ لأبي داود. (4) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028، ووصله عبد الرزاق في مصنفه رقم: 9732، عن معمر عن الزهري أتم من هذا، وهو في حديثه عن عروة. (5) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028. (6) فتح الباري: 7/ 330 - 331. (7) زاد المعاد: 3/ 249، جوامع السير ص: 181. (8) أخرجه البخاري في المغازي حديث بني النضير حديث رقم: 4029 مسلم في صحيحه كتاب التفسير باب في سورة براءة والأنفال والحشر حديث رقم: 3031. (9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني النضير رقم: 4031، 4032، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها رقم: 1746، الترمذي في الجهاد والسير باب في التحريق والتخريب رقم: 1552، وفي التفسير باب ومن سورة الحشر رقم: 3302 وقال حسن صحيح، وأبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو رقم: 2615. (10) الحاكم في المستدرك: 2/ 483، وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة: 2/ 444، والحديث صحيح إلا أنه ليس على شرط الشيخين لأنهما لم يخرجا لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور وكلاهما ثقة. (11) قد سبق تخريجه في حديث رقم: 393 في غزوة حمراء الأسد فانظره هناك. |
رد: صحيح السيرة النبوية
المبحث الخامس: غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع 1 - وقت الغزوة: اختلف العلماء في ذلك وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل أنها سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق إمام المغازي، وتبعه على ذلك خليفة بن خياط، وابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن الأثير، وابن خلدون، فقد صرح كل منهم بأن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان من السنة السادسة للهجرة (1). ولابن حزم رأي آخر، وافقه عليه عدد من العلماء، منهم مالك بن أنس وموسى بن عقبة، والبخاري، وابن قتيبة ويعقوب بن سفيان الفسوي والنووي، وابن خلدون أنها كانت في شعبان من العام الرابع للهجرة (2). وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وذهب إلى هذا القول: موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، وابن القيم وابن حجر العسقلاني، وابن كثير رحمهم الله ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي، وأبو شهبة والشيخ الساعاتي، وهذا القول هو الأصح والأظهر، والله أعلم؛ لأن الأدلة كلها متظاهرة ومتفقة على تأييد هذا القول، ومن هذه الأدلة: أ - روى البيهقي عن عروة، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس" (3). ب - قال ابن كثير: قال موسى بن عقبة عن الزهري: "هذه مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي قاتل فيها، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق -وهو يوم الأحزاب وبني قريظة- في شوال أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس". ثم أورد ابن كثير قول البخاري عن موسى بن عقبة "أنها سنة أربع" (4) وعقب عليه بقوله: هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة أنها سنة أربع، والذي حكاه موسى بن عقبة، عن الزهري وعن عروة أنها كانت في شعبان سنة خمس (5). وعقب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على قول البخاري "وقال موسى ابن عقبة سنة أربع" بقوله: "كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس. ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس) ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد (عن ابن عمر أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق في شعبان سنة أربع) ولم يؤذن له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم، وهي بعد شعبان سواء قلنا أنها كانت خمس أو سنة أربع). وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق. قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك: أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكره سعد بن معاذ غلطًا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع. فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان، لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودًا في المريسيع ورُميَ بعد ذلك بسهم ومات من جراحته في قريظة، ويؤيده أيضًا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس" (6). 2 - سبب غزوهم: كان لذلك أسبابًا عدة منها: 1 - تأييد هذه القبيلة لقريش وتكتلها معها في معركة أحد ضد المسلمين، وذلك ضمن كتلة الأحابيش (7) التي كانت في الجيش المكي. 2 - سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة. 3 - من أهم الأسباب في هذه الغزوة أن قبيلة بني المصطلق أخذت تجمع الجموع لغزو المدينة المنورة، وقد أطمعها في التفكير في غزو المدينة والتصميم على ذلك انتصار المشركين في غزوة أحد، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أعد عدته، واتخذ التدابير المناسبة، وباغتهم في مكانهم، وهزمهم شر هزيمة. 406 - قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له ... " فذكر الحديث (8). 407 - من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابن عون قال: كتبت إلى نافع فكتب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار علي بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية، حدثني به ابن عمر وكان في ذلك الجيش" لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم، قال ابن عون: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي سبيهم" الحديث فذكر بقية الحديث" (9). ترك الشيخ محمَّد الغزالي رواية البخاري ومسلم المتفق عليها في طريقة غزوه - صلى الله عليه وسلم - لبني المصطلق وأثبت أثرًا مخالفًا، وعلل ذلك بقوله "وفي الوقت الذي فسحت مكانًا لهذا الأثر -على ما به- صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلًا للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق، فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم دعوة الإِسلام، ولا بدا من جانبهم نكوص، ولا عرف من أحوالهم ما يقلق ... " إلى آخر كلامه (10) وقد جانب الشيخ الصواب لأسباب عدة منها: 1 - صحة حديث ابن عمر وصراحته في ذلك، وهو ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، فلا يرده رأي يراه أي إنسان أو قول يحب أن ينصره. 2 - صرح كثير من العلماء بأن من بلغته الدعوة العامة إلى الإِسلام وقربت داره، أو حاول النيل من المسلمين أنه يجوز مباغتته على غرة (11). 3 - أن المستند الذي استند عليه الشيخ الغزالي حفظه الله لم تثبت صحته، في أثناء ذكره لسياق حديث غزوة بني المصطلق، وهو لا يقاوم الحديث الصحيح المسند المتفق على صحته إن كان صحيحًا فما بالك وهو ضعيف. 4 - ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله أنه "لا يمكن معارضة آية قرآنية، أو حديث صحيح، برواية من كتب التاريخ والأدب. وقال في موطن آخر "ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة؛ لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنًا. وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث، لم تحظ به الكتب التاريخية". - أحداث الغزوة: 408 - وعن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله ابن أبي بكر ومحمد بن يحيى ابن حبان كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق (وقتل الحارث بن أبي ضرار أبا جويرية)، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب منهم سبيًا كثيرًا، قسمه بين المسلمين (وكان فيما أصاب يومئذ جويرية بنت أبي ضرار سيدة قومها). وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ، وقد وفد مقيس بن صبابة من مكة مسلمًا فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلمًا، وجئت أطلب دية أخي، قتل خطأ. فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدًا، وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتلَ علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكًا وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلًا من فرسانهم يقال له: أحمر، أو أحيمر" (12). وليس بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر في الصحيح تعارض، فقد جمع ابن حجر رحمه الله بينهما بقوله: "ويحتمل أن يكون لما دهم المسلمون بني المصطلق وهم على الماء ثبتوا قليلًا وقاتلوا، ولكن وقعت الغلبة عليهم" (13). .................................................. ........................................ (1) تاريخ خليفة ص 80، جوامع السير ابن حزم ص: 206، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر ص: 200 - 202، عارضه الأحوذي لابن العربي: 12/ 49، تاريخ ابن خلدون: 2/ 29، الكامل لابن الأثير: 2/ 192، تاريخ الطبري: 2/ 604. (2) البداية والنهاية ابن كثير: 4/ 93 - 94، وفتح الباري: 7/ 428، والمعرفة والتاريخ للفسوي: 3/ 257، شرح صحيح مسلم للنووي: 4/ 532، وابن خلدون في تاريخه: 2/ 29، المعارف ابن قتيبة ص 70. (3) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156، طبقات ابن سعد: 2/ 63، المعارف لابن قتيبة ص: 70، أنساب الأشراف البلاذري ص: 341، 343، العبر في خبر من غبر: 1/ 7، تاريخ الإِسلام: 2/ 272 وكلاهما للذهبي، ابن القيم رحمه الله (زاد المعاد: 3/ 256، نور اليقين: ص: 152، فقه السيرة الغزالي: 316، فقه السيرة البوطي القسم الثاني: 93، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 196، الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد الشيباني: 14/ 109، فتح الباري: 7/ 430. (4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 54: 130 البخاري في المغازي باب غزوة بني المصطلق فتح الباري: 7/ 428. (5) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156. (6) فتح الباري: 7/ 430، في المغازي باب غزوة بني المصطلق وغزوة أنمار. (7) الأحابيش: هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، وسمو بذلك لأنهم تحالفوا وتعاقدوا مع قريش على أنهم يد على من سواهم، وكان ذلك عند جبل بأسفل مكة يقال له حبشي فنسبوا إليه، وقيل سموا بذلك لتجمعهم والتحبش التجمع، والحباشة الجماعة، لسان العرب ابن منظور: 8/ 166، القاموس المحيط الفيروز آبادي: 2/ 267. (8) قال الهيثمي في المجمع 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر سيرة ابن هشام: 2/ 290، وسنده صحيح. (9) أخرجه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع رقم: 2541، وسلم في كتاب الجهاد باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام رقم:1730، أبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين: 2632، وأحمد في المسند: 2/ 31، 32، 51، شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب السير: 3/ 209، السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 54، 9/ 107، كتاب الأموال لأبي عبيد ص: 175. (10) فقه السيرة محمَّد الغزالي ص: 10 تحت عنوان حول أحاديث هذا الكتاب. (11) صحيح مسلم بشرح النووي: 4/ 343، شرح معاني الآثار للطحاوي: 3/ 207 - 210 المدونة الكبرى لمالك: 2/ 2 تحفة الأحوذي: 5/ 155 - 156، فتح الباري: 6/ 112، 7/ 340،445. (12) ابن هشام في السيرة: 290 - 293، وسنده صحيح إلى ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، ومدار الحديث على ابن إسحاق ورجاله ثقات وهم رجال الصحيح غير أنه مرسل، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر فإنه صريح في وجود القتل والسبي وبذلك يكون الحديث حسنًا لغيره. (13) فتح الباري: 7/ 430 - 431، في التعليق علي حديث غزوة بني المصطلق في المغازي. |
رد: صحيح السيرة النبوية
4 - شعار المسلمين في غزوة بني المصطلق: 409 - من حديث سنان بن وبرة قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق فكان شعارهم: "يا منصور أمت أمت" (1). _5 - قصة جويرية بنت الحارث وزواج النبي - عليه السلام - بها: 410 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، وكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها. قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفته أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابي. قال: (فهل لك خير من ذلك؟) قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: (أقضي كتابتك وأتزوجك)، قالت: نعم يا رسول الله، قال: (قد فعلت). قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما بيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها" (2). 6 - محاولة المنافقين إثارة الفتنة بين المسلمين في هذه الغزوة: 411 - من حديث جابر بن عبد الله قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، قال: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع (3) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما بال دعوى جاهلية؟) قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة). فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم أن المهاجرين كثروا بعدا" (4). قول زعيم المنافقين (لا تنفقوا على من عند رسول الله ...) ونقل زيد بن أرقم ذلك إلى النبي: 412 - من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله". وقال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله, فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي ما قالوا شدة حتى أنزل الله -عزَّ وجلَّ- تصديقي في قوله: {إذا جاءك المنافقون} فبعث إليَّ النبي فقرأ فقال: (إن الله قد صدقك يا زيد) (5). كيف عالج رسول الله عليه الصلاة والسلام: 413 - من طريق محمَّد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني حديث بني المصطلق وساق الحديث، وذكر قصة الأنصار والمهاجرين والخصومة بينهما إلى أن قال: (... فغضب عبد الله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد بن أرقم غلام حدث! فقال: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حصره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم. فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك عند فراغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه! لا, ولكن أذن بالرحيل) وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها، فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله، ما قلت ما قال، ولا تكلمت به -وكان في قومه شريفًا عظيمًا- فقال من حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبًا على ابن أبي بن سلول، ودفعًا عنه. فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوما بلغك ما قال صاحبكم؟) قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: (عبد الله بن أبي)، قال: وما قال: قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله، والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل، وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى إنك قد استلبته ملكًا. ثم مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدد يومهم ذلك، حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نيامًا، وإنما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي" إلى أن قال: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: (كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت (6) له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته). قال: قال عمر: "قد والله علمت لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم بركة من أمري" (7): موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه: 414 - في رواية الترمذي لحديث جابر السابق الذكر عن غزوة بني المصطلق ومحاولة المنافقين إثارة الفتنة زيادة لطيفة ليست عند البخاري ومسلم حيث قال الترمذي بعد قول النبي لعمر: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، وقال غير عمرو (يعني ابن دينار): فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزيز ففعل (8). وقد جاء موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه واستئذانه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربعة أحاديث كلها منقطعة، ولكن رجالها ثقات عند الحميدي (9) من طريق أبي هارون، وعند الطبراني من طريق عروة بن الزبير، قال فيه الهيثمي (10) رجاله رجال الصحيح، ومن طريق عاصم بن عمر بن قتادة عند ابن جرير الطبري وابن هشام في السيرة (11)، ومن طريق عكرمة وابن زيد عند ابن كثير في التفسير والتاريخ (12). ولكن مجموع هذه الطرق يؤيد بعضها بعضًا، وترتقي إلى درجة الحسن لغيره، ويقويها رواية الترمذي السابقة الذكر، وقد جاء أيضًا ما يقويها من حديث أبي هريرة دون ذكر أنها كانت في غزوة بني المصطلق. 415 - من حديث أبي هريرة قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بي أبي وهو في ظل أطم (13) فقال: عبر علينا ابن أبي كبشة (يعني بذلك رسول الله) فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه، فقال: (لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته) " (14). .................................................. ..................... (1) مجمع الزوائد: 6/ 142، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده حسن، وهو كما قال الهيثمي وإن كان فيه الحارث بن رافع الجهني قال فيه في التقريب مقبول عملًا بقاعدة تحسين الحديث للمستور إذا كان من التابعين كما هو مذهب ابن كثير وابن رجب رحمهما الله تعالى. (2) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 277، والحاكم: 4/ 26، وسكت عنه هو والذهبي وأخرجه ابن هشام في السيرة النبوية وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل: 2/ 294 والطبراني في الكبير: 24/ 61 وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 109 - 110 سنده جيد. أبو داود في كتاب العتق باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة: 3931 وسنده حسن- وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل. (3) كسع: ضرب دبره أخرجه بيد أو رجل أو سيف. (4) أخرجه البخاري في التفسير باب قوله {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} رقم: 4905، 4907، مسلم كتاب البر والآداب والصلة باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا رقم: 2584، والترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3315، وقال حسن صحح أحمد في المسند: 3/ 392 - 393، والطيالسي: 2/ 76 رقم: 2272، والحميدي: 1239، واللفظ لأحمد. (5) أخرجه البخاري في التفسير سورة المنافقين باب إذا جاءك المنافقون رقم: 4900، 4901، 4902، 4903، 4904، مسلم أول صفات المنافقين رقم: 2772، الترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3312، وقال حسن صحيح: 3313 وقال حسن صحيح: 3314 وقال حسن صحح، وأحمد في المسند: 4/ 369، 373. (6) لأرعدت له أنف: انتفخت واضطربت أنوفهم حمية وعصبية. (7) سيرة ابن هشام: 2/ 290 - 292 والحديث رجاله ثقات ولكنه مرسل، وابن جرير الطبري في تاريخه: 2/ 605، وله شاهد مرسل من طريق عروة عند ابن أبي حاتم قال فيه ابن حجر، أنه مرسل جيد فتح الباري: 8/ 649، وأصله في الصحيحين كما سبق من حديث زيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله وبهذا يكون الحديث حسنًا لغيره. (8) سبق تخريجه دون هذه الزيادة من حديث جابر رقم: 411، فانظر هناك. (9) مسند الحميدي: 2/ 520. (10) مجمع الزوائد: 9/ 318. (11) سيرة ابن هشام: 2/ 292 - 293، ابن جرير التاريخ: 2/ 608 تفسير: 28/ 116. (12) تفسير ابن كثير: 4/ 372، تاريخ البداية والنهاية: 4/ 158. (13) أطم: بناء مرتفع. (14) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 318، رواه البزار ورجاله ثقات. |
رد: صحيح السيرة النبوية
هبوب ريح شديدة لموت عظيم من المنافقين: 416 - من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من غزوة بني المصطلق سلك بالناس طريق الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء، فلما راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة، وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع، وكان عظيمًا من عظماء يهود، وكهفًا للمنافقين، مات في ذلك اليوم ...) " (1). وقد وصله الإِمام مسلم، وعبد بن حميد، وأحمد من طريق آخر عن جابر دون ذكر أن الريح كانت في غزوة بني المصطلق وسأكتفي هنا بإيراد رواية مسلم. 417 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات) (2). وبهذا الشاهد يعلم أن حديث ابن إسحاق يصبح حسنًا لغيره. المبحث السادس: حادثة الإفك 418 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، (3) فخرج فيها سهمي، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بعد ما أنزل الله الحجاب، فانا أحمل في هودجي، وأنزل فيها مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه، وقفل ودنونا من المدينة آذن (4) ليله بالرحيل". 1 - سبب تأخر عائشة عن الجيش: فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فهذا عقدي من جزع (5) ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي (6)، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه. قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافًا، لم يُهَبَّلنَ (7)، ولم يغشهن اللحم (8)، إنما يأكلن العلقة (9) من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل (10) الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن, فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكراني قد عرس (11) من وراء الجيش فأدلج (12)، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليَّ، فاستيقظت باسترجاعه (13) حين عرفني، فخمرت (14) وجهي بجلبابي، والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقول في الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحو الظهيرة (15)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول. 2 - انتشار الإفك في المدينة: فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون (16) في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني (17) في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف (18) الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (19)، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع (20) هو متبرزنا, ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (21) قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه (22)، وكنا نتأذى (23) بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا. فعثرت أم مسطح في مرطها (24). فقالت: تعس (25) مسطح، فقلت لها: أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا؟! قالت: آي هنتاه (26)؟ ألم تسمعي ما قال: قلت: وماذا قال قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (كيف تيكم؟) قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس، فقالت: يا ابنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة (27)، عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن (28) عليها، قالت: قلت: سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. 3 - استشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه عند تأخر الوحي: ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك في النساء كثيرًا، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟). قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه (29) عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (30) فتأكله، قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فاستعذر (31) من عبد الله بن أبي بن سلول. قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. .................................................. ........................ (1) سيرة ابن هشام: 2/ 292 وهو مرسل رجاله ثقات وصرح ابن إسحاق بالتحديث. (2) أخرجه مسلم في كتاب صفة المنافقين رقم: 2782 أحمد في المسند: 3/ 315، 341، 346 وأبو يعلى في مسنده: 4/ 201، والطبري في تاريخه: 2/ 607 والبيهقي في الدلائل: 4/ 61. (3) غزوة غزاها: هي غزوة بني المصطلق كما هو في رواية أبي يعلى في مسنده عن عائشة: 4/ 450. (4) آذن: اعلم. (5) جزع ظفار: خرز يماني. (6) هودج: مركب النساء. (7) يهبلن: لم يكثر عليهن اللحم والشحم. (8) يغشهن: يغط اللحم بعضه بعضًا. (9) العلقة: القليل من الطعام. (10) في رواية الليث عن يونس (فلم يستنكر القوم خفة الهودج). (11) عرس: التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة. (12) أدلج: صار آخر الليل. (13) الاسترجاع: قوله إنا لله وإنا إليه راجعون. (14) خمرت: غطيت. (15) موغرين: النازل في وقت الوغرة وهو شدة الحر. (16) يفيضون: يخوضون. (17) يربيني: أوهمه وشكله. (18) اللطف: البر والرفق. (19) نقهت: برأت وافقت. (20) المناصع: مواضع قضاء الحاجة. (21) الكنف: جمع كنيف المكان الساتر المعد لقضاء الحاجة. (22) التنزه: البعد لقضاء لحاجة. (23) نتأذى: نتقذر (24) عثرت في مرطها: وطئته برجلها فسقطت. (25) تعس: إذا أعثر وانكب لوجهه وهو دعاء عليه بالهلاك. (26) هنتاه: يا بلهاء كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم. (27) وضيئة: حسنة مبهجة جميلة. (28) كثرن عليها: القول في عيبها. (29) أغمصه: أعيبها به وأطعن فيها به. (30) الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم. (31) استعذر أي قال من يقوم بعذري إن كافأت على سوء صنيعه فلا يلومني. |
رد: صحيح السيرة النبوية
4 - آثار فتنة الإفك: قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتهلته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تفتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا، وسكت. قالت وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل. 5 - مفاتحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وجوابها له: وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا (1). فإن كنت بريثة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه). قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته، قلص دمعي (2) حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم، وصدقتم به، فإن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني بريئة- لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}. قالت: ثم تحولت فاضجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرائتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها. 6 - نزول الوحي ببراءة عائشة: قالت: فوالله ما رام (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (4) عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان (5) من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى (6) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكان أول كملة تكلم بها أن قال: (أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله هو الذي برأني. قالت: فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} عشر آيات فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات ببراءتي، قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} ... إلى قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ". قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله. "فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال لا أنزعها منهُ إبدًا. قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمري (ما علمت؟ وما رأيت؟) فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، (7) والله ما علمت إلا خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني (8) من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك، قال الزهريّ: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط" (9). وهذا اللفظ لمسلم. 7 - الذي تولى كبر الإفك: 419 - من حديث عائشة: قالت: "وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه (10) وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة" (11). 8 - إقامة الحد على القاذفين: 420 - من حديث عائشة قالت: "لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم" (12). 421 - من حديث أبي هريرة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق ... " الحديث (13). وفيه "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيء فيقوم على الباب فيقول: (كيف تيكم؟) حتى جاء يومًا فقال: (أبشري يا عائشة فقد أنزل الله عذرك، فقالت: بحمد الله لا بحمدك، وأنزل الله -عزَّ وجلَّ- في ذلك عشر آيات {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} قال: فحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسطحًا وحمنة وحسان". وكذا جاء من حديث عائشة عن ابن إسحاق في السيرة وسنده في ذلك صحيح، وقد صرح بالتحديث كما جاء في سيرة ابن هشام (14). 9 - موقف صفوان بن المعطل من حسان بن ثابت: 422 - قال ابن إسحاق: حدثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن ثابت ابن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل، حين ضرب حسان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج: فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف! والله ما أراه إلا قد قتلته، قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء مما صنعت؟ قال: لا والله، قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا ذلك له، فدعا حسان وصفوان بن المعطل، فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب، فضربته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان: (أحسن يا حسان، أتشوفت على قومي، أن هداهم الله للإسلام)، ثم قال: (أحسن يا حسان في الذي أصابك) قال: هي لك يا رسول الله" (15). .................................................. .............................. (1) كذا وكذا: كناية عما رميت به من الإفك. (2) قلص دمعي: ارتفع وذهب. (3) ما رام: ما برح وما فارق مجلسه. (4) البرحاء: شدة الكرب من ثقل الوحي. (5) الجمان: هو اللؤلؤ الصغار. (6) سرى: انكشف عنه ما يجده من الهم والقتل. (7) أحمي سمعي وبصري: أي أمنعهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه، ومن العذاب لو كذبت عليهما. (8) تساميني: تعاليني وتفاخرني تطاولني عنده - صلى الله عليه وسلم -. (9) أخرجه البخاري في المغازي باب حديث الإفك رقم: 4141، مسلم في صحيحه كتاب التوبة باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف رقم: 2770، الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3180، وأبو يعلى في منده: 4397، 4927، أحمد في المسند: 6/ 59، وانظر الفتح الرباني: 21/ 73 - 75 وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 410 - 419. (10) يستوشيه: يستخرجه الحديث .. والسؤال والبحث عه. (11) أخرجه البخاري في تفسير سورة النور باب قوله {إن الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} رقم: 4757، مسلم في كتاب التوبة باب حديث الإفك رقم: 2770 الترمذي تفسير سورة النور حديث رقم:3180. (12) أخرجه الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3181 وقال حسن غريب ابن ماجه كتاب الحدود باب حد القذف حديث رقم: 2765، أبو داود حديث رقم: مصنف عبد الرزاق: 5/ 19، وأحمد: 6/ 61. (13) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 230 رواه البزار وفيه محمَّد بن عمرو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات. (14) سيرة ابن هشام: 2/ 297 - 300. (15) سيرة ابن هشام: 2/ 305، ابن جرير: 2/ 618 البيهقي في الدلائل: 4/ 74 - 75 وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة: ص 128 سنده صحيح وقد وصلها موسى بن عقبة في مغازيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وانظر مجمع الزوائد: 9/ 234 - 236. وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. |
رد: صحيح السيرة النبوية
الفصل السادس غزوة الأحزاب المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة 1 - وقت الغزوة وسببها: اختلف في وقتها وتاريخها على قولين أحدهما قول ابن إسحاق أنها في سنة خمس: 423 - عن محمَّد بن إسحاق قال: كانت الخندق في شوال سنة خمس وفيها مات سعد بن معاذ رضي الله عنه (1) قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين إذ لا خلاف أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل وهو سنة أربع ثم أخلفوه، لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي (2). وذهب إلى هذا القول ابن سعد في الطبقات, والبيهقي في السنن وقطع به الذهبي، واعتمده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأبي عبيد في كتاب الأموال (3). وقال ابن كثير: وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفًا وخلفًا، وقد صرح الزهريّ بأن الخندق قد كانت بعد أحد بسنتين،ولا خلاف أن أحدًا في شوال سنة ثلاث" (4). والقول الآخر: أنها كانت في شوال سنة أربع للهجرة، قال بذلك موسى بن عقبة في مغازيه، وتابعه على ذلك مالك بن أنس، ومال البخاري إلى ذلك، وقد رد ابن حجر في فتح الباري على القائلين بهذا القول، وبين ضعفه، وبأنه غير معتمد، وناقش ذلك حجة بحجة ودليلًا بدليل فانظره (5). 424 - قال ابن إسحاق حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق قالوا: "إنه كان الذين حزبوا الأحزاب نفرًا من اليهود، وكان منهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، فلما قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا يختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (6) (7). 2 - حفر الخندق: 425 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فأغفر للأنصار والمهاجرة) فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا وفي لفظ آخر قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإِسلام ما بقينا أبدًا قال يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يجيبهم (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة) قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة (8) سنخ توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن" (9). 426 - من حديث البراء بن عازب قال: "لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عن التراب جلدة بطنه -وكان كثير الشعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزل سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا قال: ثم يمد صوته بآخرها" (10). 3 - معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب: أ - إبصاره قصور الملوك وإعطاؤهُ مفاتيح ملكهم: 427 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لما كان حين أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءنا فأخذ المعول فقال: (بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) " (11). ب - تكثيره الطعام: 428 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة) قال رجل: نعم، قال: (أما لا فتقدم فدلنا عليه). فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه فيه، فأرسلت إليه امرأته أن جيء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتانا فجاء الرجل يسعى. فقال: بأبي وأمي، وله معزة وجديها فوثب إليها, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الجدي من ورائنا) فذبح الجدي، وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، وأدركت وتردت، فقربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبعه فيها فقال: (بسم الله، اللهم بارك فيها، اللهم بارك فيها اطعموا) فأكلوا منه حتى صدروا, ولم يأكلوا إلا ثلثها وبقى ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا، وسرحوا إلينا نغديكم، فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه، فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم قام ودعا لربة البيت وسمَّت عليها وعلى أهلها، ثم مشوا إلى الخندق فقالوا: اذهبوا بنا إلى سلمان، وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النبي لأصحابه: (دعونى فأكون أول من ضربها فقال: بسم الله) فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة)، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: (الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة)، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم (12). 429 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا (13) فانكفأت (14) إلى امرأتي، فقلت لها: هل عندك شيء؛ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا، فأخرجت لي جرابًا (15) فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة (16) داجن (17)، قال: فذبحتها وطحنت، ففزعت إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، قال: فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر معك، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (18) فحيهلا بكم). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجيء) فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس، حتى جئت امرأتي. فقالت: بك وبك (19)، فقلت: قد فعلت الذي قلت لي. فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيه وبارك، ثم قال: (ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي في برمتكم (20) ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم بالله إلا أكلوا حتى تركوه وانحرفوا (21)، وإن برمتنا لتغط (22) كما هي، وإن عجينتنا -أو كما قال الضحاك- لتخبز كما هو" (23). .................................................. .................. (1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، سيرة ابن هشام: 2/ 214. (2) زاد المعاد: 3/ 269. (3) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214، طبقات ابن سعد: 2/ 65، المغازي النبوية ص: 79، كتاب الأموال ص: 135، فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 393 - 397. (4) سيرة ابن كثير: 3/ 180 وانظر الرد على القائلين بغير القول عند ابن إسحاق. (5) فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب. (6) الآيات من سورة النساء: 51 - 54. (7) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214 - 215 بإسناده ورجاله ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، وقد وصله السيوطي من رواية ابن إسحاق عن ابن عباس في لباب النقول، لأسباب النزول ص: 17، رواه الطبراني في الكبير: 11/ 251، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 6 وفيه يونس بن سليمان الجمال ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. (8) الإهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتًا أو سمنًا أو شحمًا. (9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4099 - 4100، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب وهي الخندق حديث رقم: 1805، الفتح الرباني: 21/ 77. (10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4106، 4104، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1803، الفتح الرباني: 21/ 77، وكذلك جاء شبيهًا بالحديثين من حديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4098، ومسلم رقم:1804. (11) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 303 والنسائي في الجهاد باب غزوة الترك: 6/ 43 - 44، والبيهقي في الدلائل: 3/ 417 - 418 ,وحسن إسناده الحافظ في الفتح 7/ 397، حيث قال ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن عن البراء فذكر الحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 130 - 131 رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. وللحديث شواهد من حديث ابن عباس عند الطبراني كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132، سنورد تخريجه في الحديث التالي برقم: 428، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما حيي بن عبد الله وثقه ابن معين وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث جابر في الصحيحين سيأتي ذكره وبهذا يكون الحديث كما قال الحافظ أو أكثر. * السمت: الدعاء. (12) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل ونعيم العنبري وهما ثقتان. (13) خمصًا: خلاء البطن من الطعام. (14) انكفأت: فرجعت وانقلبت. (15) الجراب: الوعاء من الجلد. (16) البهيمة: السخلة الصغيرة من ولاد المعز. (17) داجن: ما ألف البيوت. (18) السور: الطعام الذي يدعى إليه. (19) بك وبك: ذمته ودعت عليه. (20) اقدحي في برمتكم: أي اغرفي. (21) تركوا، وانحرفوا: شبعوا وانصرفوا. (22) لتغط: تغلي ويسمع غلبانها. (23) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4102 ورقم: 4101، مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه حديث رقم: 2039، الفتح الرباني: 22/ 60، والحاكم في المستدرك: 3/ 30 - 31، وأحمد في المسند: 3/ 30 مختصرًا والدارمي في المقدمة باب ما أكرم به النبي في بركة طعامه: 1/ 19 - 12 والطبراني في الأحاديث الطوال برقم: 51، 25/ 302. |
رد: صحيح السيرة النبوية
4 - منزل المشركين في الخندق: 430 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} قالت: كان ذاك يوم الخندق" (1). وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه كما قال الحافظ في الفتح تفسير آخر قال: "وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما {إذ جاءوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن {ومن أسفل منكم} أبو سفيان بن حرب" (2). وقد بين ابن إسحاق بسنده الذي ذكره في بداية غزوة الخندق ورجاله ثقات، وقد صرح هو بالتحديث، لكن الحديث مرسل ولذا فإنه يستأنس به تحديد الموقع الذي نزل فيه المشركون قال: (نزلت قريش بمجمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة، ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، والخندق بينهم وبين القوم، وجعل النساء والذراري في الأطام" (3). وقد جاء تحديد موضع الخندق من حديث عمرو بن عوف المزني: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة عام حرب الأحزاب، حتى بلغ المداحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا" (4). والحديث يستأنس به في هذا الموطن لأنه ليس فيه إثبات حكم شرعي أو غير ذلك، وإنما هو تحديد مكان تاريخي ألا وهو مكان الخندق. 5 - شعار المسلمين يوم الخندق: 431 - عن المهلب بن أبي صفرة قال: سمعت من يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وهو يخاف أن يبيته أبو سفيان فقال: (إن بيتم فادعو حم لا ينصرون) (5). المبحث الثاني: من مشاهد المعركة 1 - رجل المهمات الصعبة: 432 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم (6) الذي فيه نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أطم حسان، فكان يرفعني وأرفعه، فهذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، وكان يقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق فقال: (من يأتي بني قريظة فيقاتلهم؟) فقلت له حين رجع: يا أبت تالله إن كنت لأعرفك حين تمر ذاهبًا إلى بني قريظة فقال: "يا بني أما والله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجمع لي أبويه جميعًا يفديني بهما، يقول: (فداك أبي وأمى) (7). 433 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: "اشتد الأمر يوم الخندق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا رجل يأتينا بخبر بني قريظة؟ فانطلق الزبير فجاء بخبرهم، ثم اشتد الأمر أيضًا فذكر ثلاث مرات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل نبي حواري والزبير حواري) (8). 2 - إشغال المشركين المسلمين عن الصلاة: لقد ضيق أهل الكفر حصارهم على رسول الله وأصحابه في المدينة المنورة يوم الخندق حتى شغلوهم عن الصلاة، واستبسل الصحابة وأبدوا من ضروب الشجاعة الشيء الكثير أيضًا، وقد جاءت قصة إشغال المشركين النبي وأصحابه عن الصلاة من رواية عدة من الصحابة، وأجمع الروايات ما ثبت من: 434 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل "وفي رواية -قبل أن ينزل صلاة الخوف فرجالًا أو ركبانًا" فلما كفينا القتال وذلك قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام الظهر فصلاها كما يصليها في وقتها" (9). 435 - من حديث علي رضي الله عنه: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق: (ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) (10). 436 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "إن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله ما صليتها)، فنزلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بطحان، فتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" (11). 3 - مفاوضة الرسول زعيم بني غطفان لتخفيف الحصار: 437 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد شاطرنا تمر المدينة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (حتى أستأمر السعود) فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن مسعود، وسعد بن خيثمة، فقال: (إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث سألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في أمركم بعد) فقالوا: يا رسول الله أوحي من السماء، فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك وهواك فرأينا نتبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هوذا تسمعون ما يقولون)، قالوا: غدرت يا محمَّد، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه: يا جار من يغدر بذمة جاره ..... منكم فإن محمدًا لا يغدر وأمانة المري حين لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبر إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبر (12) 4 - قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود العامري: 438 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أعطوه الدية، وقتل من بني عامر بن لؤي عمرو بن عبدود، قتله علي بن أبي طالب مبارزة" (13). وقد جاءت قصة مبارزة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبدود العامري مفصلة عند ابن إسحاق في السيرة مستقصاة ومستوفاة، إلا أنها مرسلة، ولم يصل بها ابن إسحاق إلى صحابي روى هذا الحديث، ولذلك لم أورد التفاصيل هنا، واقتصرت على ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، من أن قاتل عمرو بن عبد ود العامري هو علي بن أبي طالب كما مر في الحديث السابق، الذي أوردناه. هذا ما وصلت إليه بعد بذل الجهد فقد بحثت عن إسناد لهذا الحديث مفصلًا فلم أصل إلى ذلك، فاقتصرت على ما مضى، والله تعالى أعلم، فليس كل ما أورده أهل السير وأخذ مأخذ المسلمات ثبت عند أهل الحديث والمحدثين، فاعلم هذا أخي القارئ بارك الله فيك. 5 - سعد بن أبي وقاص يرمي رجلًا فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم: 439 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لما كان يوم الخندق ورجل يتترس جعل يقول بالترس هكذا، فوضعه فوق أنفه، ثم يقول هكذا يسفله، بعد قال: فأهويت إلى كنانتي، فأخرجت منها سهمًا مدمى، فوضعته في كبد القوس، فلما قال هكذا تسفل الترس رميت، فما نسيت وقع القدح على كذا وكذا من الترس، مال وسقط فقال برجله هكذا، فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال حتى بدت نواجذه، قال قالت: لم فعل، قال كفعل الرجل" (14). .................................................. ........ (1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4103. (2) فتح الباري على صحيح البخاري في التعليق على الحديث السابق: 7/ 440. (3) انظر تخريج السند أولًا في حديث رقم: 424 والحديث في السيرة لابن هشام: 2/ 315 - 316. وانظر فتح الباري: 7/ 400. (4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 130، رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله المزني وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه وبقية رجال ثقات. (5) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 65، 289، 5/ 377، الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الشعار حديث رقم: 1682 أبو داود في الجهاد باب في الرجل ينادي بالثمار وصححه الحاكم: 2/ 107، وقد وصله من حديث البراء حيث قال في هذه الرواية: صحيح الإسناد على شرط الشيخين إلا أنه فيه إرسال فهذا الرجل الذي لم يسمه المهلب بن أبي صفرة البراء بن عازب" وقد أخرجه الحاكم أيضًا في نفس الصفحة عن البراء بن عازب بإسناد المهلب وصرح فيه باسم البراء. (6) الأطم: بناء مرتفع كالحصن. (7) أخرجه البخاري في مناقب الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3720، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير رقم: 2416، أحمد فى المسند: 1/ 164، 166. (8) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3719، مسلم في الفضائل باب فضائل طلحة والزبير حديث رقم: 2415، الترمذي في المناقب باب مناقب الزبير: 3745، ابن ماجه في المقدمة باب فضائل الزبير: 122، الحميدي رقم: 1231، أحمد في المسند: 3/ 307 ,314 ,338 ,365. (9) أخرجه النسائي في كتاب الأذان باب الأذان للفائت من الصلوات: 2/ 17، أحمد في المسند: 3/ 25، 49، 67، البيهقي في السنن: 1/ 402، والشافعي في الأم: 1/ 75، الدرامي في السنن: 1/ 358 وصححه ابن حبان: 285، وغير ابن حبان وإسناده صحيح، وقال ابن سيد الناس (هذا إسناد صحيح جليل)، ورواه الطيالسي برقم: 2231، وصححه ابن السكن كما قال ابن حجر في التلخيص ص: 73. (10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4111، مسلم في المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر رقم: 627، أبو داود في الصلاة باب في وقت الصلاة حديث رقم: 409، النسائي كتاب الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر: 1/ 236، ابن ماجه في الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر حديث رقم: 684، أحمد: 1/ 79، 81، 113، 122، 126، 135، 137، 146 ,150، 152. (11) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4112، مسلم في المساجد باب الدليل لمن قال أن الصلاة الوسطى صلاة العصر حديث رقم: 631، الترمذي الصلاة باب في الرجل إذا فاته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 180، وقد جاء شبيها بما سبق من حديث ابن مسعود عند مسلم برقم: 628 المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، الترمذي الصلاة باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 179، ابن ماجه الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر رقم: 686، أحمد في المسند: 1/ 404، 456. (12) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1803 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 132 رواه البزار والطبراني ورجال البزار والطبراني فيهما محمَّد بن عمرو وحدثه حن وبقية رجاله ثقات، والسخبر: شجر تألفه الحيات فتسكن في أصوله. (13) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 32 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقد جاء أيضًا من حديث ابن شهاب الزهري وهو مرسل عند الحاكم: 3/ 32 وقال إسناد هذا المغازي صحيح على شرط الشيخين، قد أورد الآثار عن ابن إسحاق الحاكم: 3/ 23 - 34، فانظر هناك إن أحببت الاستزادة. (14) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 135 - 136، رواه أحمد والبزار إلا أنه قال كان رجل معه ترسان وكان سعد راميًا فكان يقول كذا وكذا بالترسين يغطي جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه فلم يخط هذه منه يعني جبهته والباقي بنحوه ورجالهما رجال الصحيح غير محمَّد بن محمَّد بن الأسود وهو ثقة، وانظر كشف الأستار: 1808. |
رد: صحيح السيرة النبوية
6 - إصابة سعد بن معاذ رضي الله عنه: 440 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس قالت: فسمعت وئيد (1) الأرض ورائي يعني حس الأرض، قالت: فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة (2) قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول: لبث قليلًا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة يعني له مغفرًا (3). فقال عمر: ما جاء بك، لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز (4)، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم: وأين التحور أو الفرار إلا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، قالت: ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له فقال له: "خذها وأنا ابن العرقة" فأصاب أكحله (5) فقطعه فدعا الله -عَزَّ وَجَلَّ- سعد فقال: "اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة" قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه (6) وبعث الله -عَزَّ وَجَلَّ- الريح على المشركين فكفى الله -عَزَّ وَجَلَّ- المؤمنين القتال، وكان الله قويًّا عزيزًا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن حصن ومن معه بنجد (7). 7 - محاولة فاشلة عند حصون النساء: 441 - من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "لم يكن حصن أحصن من حصن بني حارثة، فجعل النبي في النساء والصبيان والذراري فيه، وقال: (إن ألم بكن أحد فألمعن بالسيف) فجاءهن رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له نجدان أحد بني حشاش على فرس، حتى كان في أصل الحصين ثم جعل يقول للنساء: انزلن إلى خير لكن، فحركن السيف فأبصره أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فابتدر الحصين قوم فيهم رجل من بني الحارثة يقال له: ظهير بن رافع، فقال: يا نجدان ابرز، فبرز إليه، فحمل على فرسه، فقتله وأخذ رأسه فذهب به إلى الني - صلى الله عليه وسلم -" (8). 442 - من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) (9). 443 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده) (10). 8 - عدم صحة ما يروى من جبن حسان: من حديث ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: "كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان حين خندق النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة أو قطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آت، فقلت لحسان بن ثابت إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: فلما قال ذلك، احتجزت عمودًا ثم نزلت من الحصين إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصين، فقلت يا حسان أنزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني أن أستلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب" (11). وهذا الخبر لا يصح لأمرين: الأول: من حيث الإسناد، فالخبر ليس مسندًا، وقد علمنا علماؤنا أنه لا يؤخذ من الأخبار إلا إذا كان له إسناد، ولا يؤخذ الخبر المسند إلا إذا كان إسناده صحيحًا. وهذا الخبر ساقط لا يصح ولا يجوز أن يروى، فيساء إلى صحابي من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان ينافح عن الدعوة الإِسلامية، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمره كله. الثاني: لو كان حسان بن ثابت رضي الله عنه معروفًا بالجبن الذي ذكر عنه لهجاه أعداؤه ومبغضوه بهذه الخصلة الذميمة لا سيما الذين كان يهاجيهم، فلم يسلم من هجاته أحد من زعماء الجاهلية". والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يؤيده ويدعو له، ويشجعه على هجاء زعماء المشركين (12). 9 - تحسس الأخبار عن المشركين: 444 - من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: فعن محمَّد بن كعب القرظي قال: "قال فتى منا من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله لقد رأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد (13). قال: والله لو أدركنا ما تركناه يمشي على الأرض، ولجعلناه على أعناقنا، قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل هويًا (14)، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، يشترط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يرجع، أدخله الله الجنة)، فما قام رجل، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويًا، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، يشرط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة)، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد. فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد في القيام حين دعاني فقال: (يا حذيفة فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا)، قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل ما تفعل، لا تقر لهم قدر، ولا نار، ولا بناء، فقام أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ إلى جليسه، فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع (15) وأخلفتنا بنو قريظة، بلغنا منهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث، فما أطلق عقله، إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله لا تحدث شيئًا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم. قال حذيفة، ثم رجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مرط (16) لبعض نسائه مرجل (17)، فلما رآني أدخلني إلى رحله، وطرح عليه طرف المرط، ثم ركع وسجد وإنه لفيه، فلمّا سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش وانشمروا إلى بلادهم). هذا اللفظ لأحمد وفي لفظ مسلم بعض الزيادة أذكرها هنا لاكتمال المعنى والفائدة فبعد أن ذكر حذيفة استنفار الرسول - عليه السلام - للصحابة ثلاثًا ثم قوله قم يا حذيفة قال: (... فمضيت كأنما أمشي في حمام (18) حتى أتيتهم، فهذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد قوسي (19) وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته، قال: فرجعت كأنما أمشي في مثل الحمام، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت (20). فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا نومان) " (21). .................................................. .......................... (1) وئيد: صوت شدة الوطء على الأرض سمع كالدوي من بعد. (2) المجنة: الترس. (3) مغفر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد. (4) تحوز: حرب أو أسر. (5) الأكحل: عرق في وسط الذراع في كل عضو منه شعبة إذا قطع لم يرقأ الدم. (6) الكلم: الجرح والكليم: الجريح. (7) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 136 - 138رواه أحمد وفيه محمَّد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 81 - 83 أورده الحافظ ابن كثير في تاريخه ثم قال هذا الحديث إسناده جيد، وله شواهد من وجوه كثير سيرة ابن كثير: 3/ 238. (8) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 133، رواه الطبراني ورجاله ثقات. (9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4115 مسلم في الجهاد والسير استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو حديث رقم: 1742/ 21، الترمذي كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الدعاء عند القتال: 1678، أبو داود الجهاد باب فى كراهية تمني لقاء العدو رقم: 2631. (10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4114 مسلم في الذكر والدعاء باب التحوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل حديث رقم: 2724. (11) ابن هشام في السيرة: 2/ 228، وقد جاء من طريق الزبير بن العوام وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 133 - 134، وقال: رواه البزار وأبو يعلى باختصار وإسنادهما ضعيف، ومن حديث عروة وقال: 6/ 134، رواه الطبراى ورجاله إلى عروة رجال الصحيح، ولكنه مرسل فالحديث ضعيف. (12) غزوة الأحزاب الدكتور أبو فارس ص: 197 - 198. (13) نجهد: في مشقة شديدة. (14) هويًا: الحين الطويل من الزمان. (15) الكهل: اسم لجميع الخيل. (16) مرط: كساء من صوف أو خز يؤتزر به وتتلفع به المرأة. (17) مرجل: فيه خطوط وأرقام. (18) كأنما أمشي في حمام: أي أنه لم يجد من البرد ما يجد الناس. (19) كبد القوس: مقبضه. (20) قررت: بردت. (21) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 392 - 393، مسلم في كتاب الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1788، الحاكم في المستدرك: 3/ 31، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن: 9/ 159 والدلائل: 3/ 449 - 454، وأبو نعيم في الدلائل: 2/ 500 - 501، وقد جاء في المطالب العالية برقم: 4329، ونسبه إلى أبي بكر بن أبي شيية وحسن إسناده، وقال الهيثمي: 6/ 136 ورواه البزار ورجاله ثقات، وقال البوصيري: رواه ابن أبي شيبة والبزار وأصله في الصحيح وفي هذا زيادة ظاهرة، قلت: وفي لفظه اختلاف عما في الصحيح فالمقدم ما في الصحيح والله أعلم. |
رد: صحيح السيرة النبوية
10 - نصر الله رسوله بريح الصبا: 445 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أتت الصبا الشمال ليلة الأحزاب، فقالت: مري حتى ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل، فكانت الريح التي نصر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبا" (1). 446 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور) (2). 11 - تحول ميزان القوة بعد معركة الأحزاب: 447 - من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول حين جلى الأحزاب عنه: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم) (3). 448 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم الأحزاب وقد جمعوا له جموعًا كثيرة فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يغزوكم بعدها أبدًا ولكن نغزوهم) (4). 12 - وضع النبي صلى الله عليه وسلم السلاح بعد رحيل المشركين: 449 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من طلب الأحزاب، فنزل المدينة وضع لامته، واغتسل، واستجمر (5) ". 13 - من استشهد من المسلمين يوم الخندق: 450 - من حديث ابن شهاب الزهريّ قال: "استشهد يوم الخندق من الأنصار أنس بن معاذ بن أوس بن عبد عمرو، ومن الأنصار ثم من بني سلمة: ثعلبة بن عثمة" (6). الفصل السابع غزوة بني قريظة وما بعدها من أحداث حتى الحديبية المبحث الأول: غزوة بني قريظة 1 - أمر جبريل النبي عليهما السلام بالخروج إلى بني قريظة: 451 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، ووضع السلاح، واغتسل أتاه جبريل - عليه السلام -، فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: (فإلي أين؟) قال: ها هنا، وأشار إلى قريظة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم" (7). 452 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من طلب الأحزاب رجع، فوضع لامته، واستجمر "زاد دحيم في حديثه" قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فنزل جبريل - عليه السلام - فقال: عذيرك من محارب، ألا أراك قد وضعت اللأمة، وما وضعناها بعد)، فوثب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزعًا، فعزم على الناس ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فلبسوا السلاح، وخرجوا فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس، واختصم الناس في صلاة العصر فقال بعضهم: صلوا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرد أن تتركوا الصلاة، وقال بعضهم: عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليس علينا إثم، فصلت طائفة العصر إيمانًا واحنسابًا، وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بني قريظة بعد ما غربت الشمس فصلوها إيمانًا واحتسابًا، فلم يعنف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدة من الطائفتين" (8). 2 - مشاركة جبريل - عليه السلام - في محاربة بني قريظة: 453 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بني قريظة" (9). 3 - حث النبي الصحابة على المسير إلى بني قريظة: 454 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة)، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتينهم، وقال بعضهم: بل نصلي، فلم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يعنف أحدًا منهم" (10). 4 - سبب الغزوة: 455 - من حديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه "في سياق قصة الأحزاب": فبينما هم كذلك إذ جاءهم نعيم بن مسعود الأشجعي، وكان يأمنه الفريقان، كان موادعًا لهما، فقال: إني كنت عند عيينة (بن حصن) وأبي سفيان إذ جاءهم رسول بني قريظة: أن اثبتوا فإنا سنخالف المسلمين إلى بيضتهم ... ، إلى أن قال: ... فناداهم: (يا إخوة القردة والخنازير!) فقالوا: يا أبا القاسم! ما كنت فاحشًا ... " وذكر الحديث (11). فسبب غزوهم إذن هو نقضهم للعهد الذي كان بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، في أحلك الظروف وأصعبها على المسلمين، في أثناء حصار الأحزاب للمدينة، وهذا السبب قد ثبت بطرق قابلة بمجموعها للاحتجاج بها، وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرسل الزبير بن العوام لاستطلاع خبرهم كما جاء ذلك في الصحيح (12). 5 - حامل راية المسلمين يوم بني قريظة: 456 - من حديث عروة قال: "وبعث عليًّا على المقدمة، ودفع إليه اللواء، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إثره" (13). 6 - مدة الحصار وكم استمرت: 457 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: في حديث طويل سبق ذكر جزء منه في إصابة سعد بن معاذ " .... قالت: فلبس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته (14)، وأذن في الناس بالرحيل أي يخرجوا، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمر على بني غنم، وهي جيران المسجد حوله فقال: من مر بكم؟ فقالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل - عليه السلام -، فقالت: فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة ... " (15). 7 - قصة أبي لبابة: 458 - من حديث عائشة السابق قولها: " ... فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء، قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر، فأشار إليهم أنه الذبح" (16). 8 - حكم سعد بن معاذ في بني قريظة: 459 - من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: (قوموا إلى سيدكم -أو خيركم- فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك)، فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم قال: (قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك" (17). 460 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخندق، وضع السلاح، واغتسل، فأتاه جبريل - عليه السلام -، وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: قد وضعت السلاح والله ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي: (فأين؟) فأشار إلى بني قريظة، فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد. قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم، قال هشام: فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدًا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب، فافجرها، واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته، فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار -إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دمًا، فمات منها رضي الله عنه" (18). 461 - من حديث عائشة قالت: في الحديث الطويل الذي اجتزأنا منه أجزاء سابقة " ... قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أنزلوا على حكم سعد بن معاذ)، فنزلوا، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سعد بن معاذ، فأتى به على حمار عليه إكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه، فقالوا: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية، ومن قد علمت قالت: وأني (19) لا يرجع إليهم شيئًا، ولا يلتفت إليهم حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد أنى (20) لي أن لا أبالي في الله لومة لائم. قال: قال أبو سعيد: فلما طلع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه) فقال عمر: سيدنا الله عَزَّ وَجَلَّ، قال: (أنزلوه)، فأنزلوه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (احكم فيهم) فقال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد حكمت فيهم بحكم الله عَزَّ وَجَلَّ وحكم رسوله ...) (21). وقد جاءت قصة نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه من حديث جابر بن عبد الله، وسيأتي بلفظه في بيان عدد المقتولين من بني قريظة فانظر تخريجه هناك. .................................................. .......... (1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 1349 - 140: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، كشف الأستار: 1811 وقال البزار: رواه جماعة عن داود عن عكرمة مرسلًا، ولا نعلم أحدًا وصله إلا حفص ورجل من أهل البصرة وكان ثقة يقال له: خلف بن عمرو. (2) أخرجه البخاري في كتاب الاستسقاء باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - نصرت بالصبا حديث رقم: 1035، مسلم في كتاب صلاة الاستسقاء باب في ريح الصبا والدبور حديث رقم: 900، وقد جاء من حديث أنس عند الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات كما قال الهيثمي: 6/ 65. (3) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4109، 4110، وأحمد: 4/ 262. (4) كشف الأستار: 1810، وقال الهيثمي: 6/ 139: رواه البزار ورجاله ثقات، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 405 إسناده حسن. (5) المطالب العالية رقم: 4328، ونسبه لإسحاق بن راهويه، وقال ابن حجر: هذا إسناد حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 140: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات". (6) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح قلت: وهو من مرسلات ابن شهاب الزهريّ رحمه الله تعالى. (7) أخرجه البخاري في المغازي، باب مرجع النبي من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة رقم: 4117، مسلم في الجهاد والسير باب جواز قتال من نقض العهد حديث رقم: 1769، أحمد في المسند: 6/ 56، 131، 141، 280 البيهقي في الدلائل: 4/ 5 وابن سعد في الطبقات: 2/ 76. (8) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 140: رواه الطبراني: 19/ 79 - 80 رقم: 160، ورجاله رجال الصحيح غير ابن أبي الهذيل، وهو ثقة. (9) أخرجه البخارى في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب حديث رقم: 4118. (10) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب حديث رقم: 4119، مسلم في الجهاد والسير باب المبادرة بالغزو حديث رقم: 1770، وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 369 - 370، وابن سعد في الطبقات: 2/ 74، والبيهقي في الدلائل: 4/ 6 - 7. وقد جاء من حديث عائشة رضي الله عنها عند الحاكم في المستدرك: 3/ 34 - 35، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمري في الشواهد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي. (11) انظر مصنف عبد الرزاق رقم: 9737, 5/ 368، من مرسل سعيد بن المسيب، مراسيله أصح المراسيل، والرواية صالحة للاحتجاج بها مع المتابعة، وأبو نعيم من مراسيل سعيد دلائل النبوة: 2/ 504 - 505، وقد ذكر ابن إسحاق وموسى بن عقبة سبب نقضهم بدون إسناد فانظره في سيرة ابن هشام: 3/ 325، وقد جاء من حديث عائشة، وأخرجه البيهقي في الدلائل: 4/ 1008، والحاكم في المستدرك: 3/ 34 - 35، وقال صحيح على شرط الشيخين فإنهما قد احتجا بعبد الله بن عمر العمرى في الشواهد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي وقال ابن كثير في البداية: 4/ 8 - 10، ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها، وبهذا يكون الحديث حسنًا. (12) انظر حديث رقم: 434، وتخريجه هناك من حديث عبد الله بن الزبير. (13) البيهقي في الدلائل: 3/ 14 ونسبه الحافظ في الفتح: 7/ 413 إلى الحاكم والبيهقي، وقال الدكتور أكرم العمري في المجتمع المدني ص: 154: وقد وردت آثار مرسلة تتقوى ببعضها إلى رتبة الحسن لغيره تفيد أنه بعث علي على المقدمة برايته. (14) لامته: آلة الحرب من السلاح. (15) سبق تخريجه حديث رقم: 440. (16) انظر تخريج الحديث السابق. (17) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأحزاب، ومخرجه إلى بني قريظة حديث رقم: 4121، وقد جاء بأرقام عدة عنده: 3043، 3804، 6262، ومسلم في الجهاد والسير باب الحكم فيمن حارب ونقض العهد رقم: 1768 , أبو داود في الأدب باب ما جاء في القيام: 5215، 5216، وأبو يعلى: 1188، أحمد في المسند: 3/ 22، 71 والبيهقي في الدلائل: 4/ 18، وابن سعد في الطبقات: 2/ 75، وأبو نعيم في الحلية: 3/ 171، الطبراني في الكبير رقم: 5323. (18) أخرجه البخاري في المغازي باب مرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غزوة الأحزاب رقم: 4122، وقد جاء بأرقام عدة: 463، 3901، 4117، مسلم في الجهاد باب جواز قتال من نقض العهد رقم: 1769، الترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1582 وجاء مختصرًا عند أحمد: 6/ 56، أبو داود في الجنائز باب في العياده مرارًا رقم: 3101، النسائي: 2/ 45، في المساجد، باب ضرب الخباء في المساجد. (19) وأنى: أبطأ في الجواب وسكت عنهم، فلم يرد عليهم. (20) أنى: آن لي أن لا أبالي فيهم. (21) انظر تخريج الحديث رقم: 440، فإن هذا الحديث جزء منه. |
رد: صحيح السيرة النبوية
- كيف ميز النبي بين الصغار والبالغين من بني قريظة: 462 - من حديث عطية القرظي، قال: (كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت" وفي رواية أخرى زاد (فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي" (1). 10 - عدد بني قريظة الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: 463 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالنار، فانتفخت يده، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فنزفه، فلما رأى ذلك، قال: اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فاستمسك عرقه، فنما قطرة قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه، فحكم أن تقتل رجالهم، ويستحيى نساؤهم وذراريهم، يستعين بهم المسلمون، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أصبت حكم الله فيهم)، وكانوا أربعمائة، فلما فرغ من قتلهم، انفتق عرقه فمات" (2). وقال الحافظ في الفتح " واختلف في عدتهم، فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة، وبه جزم أبو عمرو في ترجمة سعد بن معاذ، وعند ابن عائذ من مرسل قتادة وكانوا سبعمائة، وقال السهيلي: المكثر يقول إنهم ما بين الثمانمائة إلى التسعمائة، وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل، فيحتمل في طريق الجمع أن يقال إن الباقين كانوا أتباعًا، وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل: إنهم كانوا تسعمائة" (3). 11 - قصة المرأة التي قتلت من بني قريظة: 464 - من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: قالت: "لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت: والله إنها لعندي تتحدث معي تضحك ظهرًا وبطنًا (4) ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقتل رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ قالت: أنا والله، قالت: قلت: ويلك وما لك؟ قالت: أقتل، قالت: قلت: ولم؟ قالت: حدثًا أحدثته (5)، قالت: فانطلق بها، فضربت عنقها، وكانت عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها تقول: والله ما أنسى عجبي من طيب نفسها، وكثرة ضحكها، وقد عرفت أنها تقتل" (6). 12 - إسلام بعض يهود بني قريظة وتقسيم أموال بني قريظة بين المسلمين: 465 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حاربت قريظة والنضير، فأجلى بني النضير، وأقر قريظة، ومن عليهم حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي فأمنهم، وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام، ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة" (7). 13 - موت سعد بن معاذ رضي الله عنه: 466 - من حديث عائشة الطويل الذي سبق ذكر أجزاء متفرقة منه قالت: " ... ثم دعا سعد قال: "اللهم إن كنت أبقيت على نبيك - صلى الله عليه وسلم - من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قالت: فانفجر كلمه (8) وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص (9) ورجع إلى قبتة التي ضرب عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قالت عائشة: فحضره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفس محمَّد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {رحماء بينهم} قال علقمة: قلت: أي أمه، فكيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد، ولكنه كان إذا وجد (10) فإنما هو آخذ بلحيته" (11). 14 - مشاركة الملائكة في حمله: 467 - من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: "لما أصيب أكحل سعد، فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة تداوي الجرحى، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذا مر به يقول: (كيف أمسيت، وكيف أصبحت؟) فيخبره حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها وثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله فقيل: انطلقوا به، فخرج وخرجنا معه، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالنا، وسقطت أرديتنا، فشكا ذلك إليه أصحابه، فقال: (إني أخاف أن تسبقنا إليه الملائكة، فتغسله كما غسلت حنظلة) فانتهى إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول: ويل أم سعد سعدًا ... حزامة وجدًا فقال: (كل باكية تكذب إلا أم سعد) "ثم خرج به، قال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتًا أخف علينا منه، قال: (ما يمنعه أن يخف، وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم، قد حملوه معكم) (12). 15 - شهادة الرسول - عليه السلام - لسعد بالخير: 468 - من حديث عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: "دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سعد وهو يكيد نفسه فقال: (جزاك الله خيرًا من سيد قوم، فقد أنجزت ما وعدته، ولينجزنك الله ما وعدك) (13). 16 - القبر ضم سعد بن معاذ: 469 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا منها سعد) (14). 17 - اهتزاز العرش لموت سعد: 470 - من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اهتز عرش الرحمن لموت سعد) (15). 18 - مناديل سعد في الجنة: 471 - من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس، وكان ينهى عن الحرير، فعجب الناس منها فقال: (والذي نفس محمَّد بيده، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا) (16). .................................................. ....................... (1) أخرجه أبو داود في الحدود باب في الغلام يصيب الحد رقم: 4404، 4405، الترمذي في الجهاد والسير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1584 وقال: حسن صحيح، النسائي في الطلاق باب متى يقع الطلاق: 6/ 155، وابن ماجه في الحدود باب من لا يجب عليه الحد رقم: 2541، وأحمد في المسند: 4/ 310، 383، 5/ 311، 312 والحديث سنده حسن. (2) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 350، الدارمي كتاب السير باب نزول أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ: 2/ 238، الترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم رقم: 1582، وقال: حديث حسن صحيح، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح: 7/ 414. (3) فتح الباري: 7/ 414. (4) ظهرًا وبطنًا: لا يبدو على ملامحها أثر الحزن. (5) الحدث الذي أحدثته، طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلها رسول الله به. (6) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 277، أبو داود في السنن رقم: 2671، والبيهقي في السنن: 9/ 82، وابن هشام في السيرة: 2/ 242، والحاكم في المستدرك: 3/ 35 - 36، وقال: صحيح على شرط مسلم: ولم يخرجاه، والطبري في التاريخ: 2/ 589، جميعًا من طريق ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع فسنده صحيح، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 85، سنده صحيح ورجاله ثقات. (7) أخرجه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير رقم: 4028، مسلم في الجهاد باب إجلاء اليهود من الحجاز رقم: 1766، أبو داود في سننه كتاب الخراج والإمارة .. باب في خبر النفير حديث رقم:3005. (8) كلمه: جرحه. (9) الخرص: الحلقة الصغيرة من الحلية, وهو حلي الأذن والمعنى أنه لم يبق من جرح سعد إلا مثل حلقة الخرص في قلة ما بقي منه. (10) وجد: حزن. (11) انظر تخريجه حديث: 440. (12) أخرجه ابن سعد: 3/ 2 / 7 - 8 من طريق الفضل بن دكين قال: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان الغسيل عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد، وإسناده حسن، وقد جاء حمل الملائكة لجنازته من حديث أنس، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم: 20414، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد بن معاذ رقم: 3938، وقال صحيح غريب، والحاكم في المستدرك: 7/ 203، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي، والطبراني في الكبير: 6/ 12 - 13، رقم: 5345، وهو صحيح. (13) أخرجه ابن سعد في الطبقات: 3/ 2 / 9 ورجاله ثقات. (14) أخرجه أحمد في المسند: (6/ 55، 98) والبيهقي في إثبات عذاب القبر: من 82، والطحاوي في مشكل الآثار: 1/ 107. وللحديث شواهد من حديث ابن عمر عند ابن سعد في الطبقات: 3/ 430، والحاكم: 3/ 206، وصححه ووافقه الذهبي، والنسائي: 4/ 100 - 101، وسنده صحيح، ومن حديث ابن عباس؛ أخرجه الطبراني في الكبير رقم: 10827، 12975، وقال الهيثمي في المجمع: 3/ 46 - 47، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون". قلت: فيكون إسناده صحيح لغيره. (15) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب مناقب سعد رقم: 3803، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل سعد بن معاذ رقم: 2466، والترمذي في المناقب باب مناقب سعد رقم: 3748 وابن ماجه في المقدمة باب مناقب سعد رقم: 158، وأحمد: 3/ 327، وابن سعد في الطبقات: 3/ 430، والنسائي في فضائل الصحابة: ص: 36، والبيهقي في الدلائل: 4/ 29. والحديث متواتر جاء عن عشرة من الصحابة. انظر نظم المتناثر في الحديث المتواتر ص: 126. (16) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنة رقم: 3248، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل سعد بن معاذ رقم: 2469، والترمذي رقم: 1777، والنسائي: 8/ 199، أحمد فى المسند: 3/ 111، 121، 206، 209، 229، 234، 238، 251، 277. |
رد: صحيح السيرة النبوية
المبحث الثاني: زواجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش 1 - إرسال زيد بن حارثة لخطبتها للرسول عليه الصلاة والسلام: 472 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "لما انقضت عدة زينب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد (فاذكرها علي) قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها (1) قال: فلما رأيتها عظمت في صدري (2) حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، فقلت: يا زينب! أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليها بغير إذن. قال: فقال: ولقد رأيتنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطعمنا الخبز واللحم حين امتد النهار، فخرج الناس، وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتبعته، فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن، ويقلن: يا رسول الله! كيف وجدت أهلك، قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أو أخبرني. قال: فانطلق حتى دخل البيت فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب. قال: ووعظ القوم بما وعظوا به" لفظ مسلم (3). وفي لفظ آخر عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: "أن أم سليم أهدت إلى رسول الله طعامًا يوم زواج زينب فيقول: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أم سليم حيسًا، فجعلته في تور (4) فقالت: يا أنس، اذهب بهذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقل: بعثت بهذا إليك أمي، وهي تقرئك السلام. وتقول: إن هذا لك منا قليل، يا رسول الله! قال؛ فذهبت بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: إن أمي تقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله! فقال: (ضعه)، ثم قال: (اذهب، فادع لي فلانًا وفلانًا وفلانًا، ومن لقيت) وسمى رجالًا قال: فدعوت من سمى، ومن لقيت". قال: قلت لأنس: عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة. وقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يا أنس! هات التور) قال: فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه) قال: فأكلوا حتى شبعوا. قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، فقال لي: (يا أنس! ارفع). قال: فرفعت، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت. قال: وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم على نسائه، ثم رجع، فلما رأوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه، قال: فابتدروا الباب، فخرجوا كلهم، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أرخى الستر، ودخل، وأنا جالس في الحجرة، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى خرج عليَّ، وأنزلت هذه الآية. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرأهن على الناس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إلى آخر الآية. قال الجعد: قال أنس بن مالك: أنا أحدث الناس عهدًا بهذه الآيات وحجبن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -". 2 - نزول الحجاب: 473 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "أنا أعلم الناس بالحجاب، لقد كان أبي بن كعب يسألني عنه قال أنس: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عروسًا بزينب بنت جحش. قال: وكان تزوجها بالمدينة، فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجلس معه رجال بعد ما قام القوم، حتى قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمشى، فمشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا، فرجع ورجعت معه، فإذا هم جلوس مكانهم، فرجع فرجعت الثانية، حتى بلغ حجرة عائشة، فرجع فرجعت، فإذا هم قد قاموا فضرب بيني وبينه بالستر، وأنزل الله آية الحجاب" (5). 3 - مفاخرة السيدة زينب: 474 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "نزلت آية الحجاب في زينب بنت جحش، وأطعم عليها يومئذ خبزًا ولحمًا، وكانت تفخر على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت تقول: إن الله أنكحني في السماء" (6). 4 - شكوى زيد بن حارثة ومقالة رسول الله له قبل طلاقها منه: 475 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (اتق الله، وأمسك عليك زوجك) قال أنس: لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتمًا شيئًا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات" (7). المبحث الثالث: مقتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق 476 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رهطًا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلًا، وهو نائم فقتله" (8). 477 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي رافع اليهودي رجالًا من الأنصار، فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه، وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، فقال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من البواب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت، فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق (9) على عود. قال: فقمت إلى الأقاليد (10) فأخذتها، ففتحت الباب، وكان أبو رافع يُسْمَرُ عنده، وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل سمره، صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقت علي من داخل، قلت: إن القوم نذروا لي لم يخلصوا إلى حتى أقتله، فانتهيت إليه، فهذا هو في بيت مظلم وسط عياله، لا أدري أين هو من البيت، فقلت: أبا رافع؟ قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش فما أغنيت شيئًا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلًا في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته، ولم أقتله، ثم وضعت خبيب السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي، وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة، فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا، فلما صاح الديك قام الناعي على السور، فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثته، فقال لي: (ابسط رجلك)، فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط" (11). الفوائد المأخوذة من هذا الحديث: 2 - قتل من أعان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده أو ماله أو لسانه. 3 - جواز التجسس على أهل الحرب وتطلب غرتهم. 4 - الأخذ بالشدة في محاربة المشركين. 5 - جواز إبهام القول للمصلحة. 6 - جواز تعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين. 7 - الحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن أبي عتيك على أبي رافع بصوته، واعتماده على صوت الناس بموته (12). .................................................. ............ (1) تخمر عجينها: تجعل منها الخمر. (2) عظمت في صدري: هبتها من أجل إرادة رسول الله الزواج منها. (3) أخرجه مسلم في النكاح باب زوج زينب بنت جحش رقم: 1428 - 89 والنسائي في النكاح باب صلاة المرأة إذا خطبت واستخارتها ربها: 6/ 79 - 80، الفتح الرباني للساعاتي: 21/ 87 - 88. وأما اللفظ الثاني فقد أخرجه البخاري في النكاح باب الهدية للعروس رقم: 5163، ومسلم في النكاح باب زواج زينب بنت جحش رقم: 1428/ 94. (4) التور: الإناء. (5) أخرجه البخاري في الأطعمة باب قوله تعالى {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} حديث رقم: 5466، مسلم في النكاح باب زواج زينب بنت جحش رقم: 1428/ 93. (6) أخرجه البخاري في التوحيد باب وكان عرشه على الماء رقم: 7421، النسائي في النكاح باب صلاة المرأة واستخارتها ربها إذا خطبت: 6/ 79 - 80. (7) أخرجه البخاري في التوحيد باب وكان عرشه على الماء رقم: 7420. (8) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق، ويقال سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر ويقال في حصن له بأرض الحجاز حديث رقم: 4038. (9) الأغاليق: جمع غلق ما يغلق به الباب وهو المفتاح. (10) الأقاليد: جمع إقليد وهو المفتاح. (11) أخرجه البخاري في المغازي باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق حديث رقم: 4039. (12) فتح الباري: 7/ 345. |
رد: صحيح السيرة النبوية
المبحث الرابع: قصة ثمامة بن أثال الحنفي 478 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ماذا عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي يا محمَّد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم، تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان من الغد، فقال: (ما عندك يا ثمامة؟) قال: ما قلت لك. إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت". فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بعد الغد فقال: (ماذا عندك! يا ثمامة؟) فقال: عندي ما قلت لك، إن تنعم، تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال، فسل تعط منه ما شئت. فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أطلقوا ثمامة) فانطلق إلى نخيل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، يا محمَّد! والله! ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله! ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا، والله! لا يأتيكم من اليمامة حبَّة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (1). واللفظ لمسلم. فوائد من قصة ثمامة: 1 - جواز ربط الكافر في المسجد. 2 - جواز المن على الأسير الكافر، وتعظيم أمر العفو عن المسيء, لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة لما أسداه النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه من العفو والمن بغير مقابل. 3 - الاغتسال عند الإِسلام كما فعل ثمامة حين أسلم. 4 - الإحسان يزيل البغض وينبت الحب. 5 - يشرع للكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم أن يستمر في عمل ذلك الخير. 6 - الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه" (2). 7 - الإِسلام يغير سلوك المؤمن حي يضع المسلم قدراته تحت تصرف الإِسلام والمسلمين كما فعل ثمامة بعدم إرساله القمح لأهل مكة إلا بإذن من الرسول - عليه السلام -. 8 - ينبغي أن يخلع المؤمن على عتبة الإيمان وعند تركه للكفر كل علاقاته السابقة، والتزامه بأوامر رب العالمين بعد إيمانه. المبحث الخامس: غزوة بني لحيان كانت في أوائل السنة السادسة للهجرة على الصحيح كما قاله ابن كثير (3). وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه صلاة الخوف لأول مرة بعسفان كما جاء في: 479 - حديث أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآيات بين الظهر والعصر {وإذا كنت فيه فأقمت لهم الصلاة} قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذوا السلاح، قال: فصففنا صفين، قال: ثم ركع، فركعنا جميعًا، ثم رفع، فرفعنا جميعًا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء قال: ثم ركع فركعوا جميعًا، ثم رفع فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلس، جلس الآخرون فسجدوا فسلم عليهم ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين، مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم" (4). 480 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: إن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم، فميلوا عليهم ميلة واحدة، وإن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي ببعضهم، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم ليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم تأتي الأخرى فيصلون معه، ويأخذ هؤلاء حذرههم وأسلحتهم، لتكون لهم ركعة ركعة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتان) (5). المبحث السادس: قصة العرنيين 481 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن ناسًا من عكل وعرينة قدموا المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلموا بالإِسلام فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذود وراع, وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا، حتى إذا كانوا ناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا الذود، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم، فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم). واللفظ للبخاري. وأما رواية مسلم "أن نفرًا من عكل، ثمانية، قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبايعوه على الإِسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؛ فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبعث في آثارهم، فأدركوا فجيء بهم، فأمر فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا) (6). .................................................. ........................ (1) أخرجه البخاري في المغازي باب وفد بني حنيفة، حديث ثمامة بن أثال: رقم: 4372، مسلم في الجهاد والسير باب ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه رقم: 1764، أبو داود في السنن الجهاد باب في الأسير يوثقه رقم: 2679، النسائي في الطهارة باب تقديم غسل الكافر إذا أراد أن يسلم: 1/ 109 - 110 باختصار، وأحمد في المسند كما في الفتح الرباني: 21/ 88 - 89. (2) فتح الباري: 8/ 88 - 89. (3) السيرة النبوية ابن كثير: 3/ 285. (4) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 59 - 60، أبو داود في الصلاة باب صلاة الخوف رقم: 1236، النسائي في الصلاة صلاة الخوف: 3/ 176 - 178، والحاكم في المستدرك: 1/ 337 - 338 وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (5) أخرجه أحمد في المسند: 2/ 522، الترمذي في التفسير سورة النساء حديث رقم: 3038، وقال الترمذي حسن صحيح، النسائي: 3/ 174 كتاب صلاة الخوف. (6) أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة حديث رقم: 4192، وقد أورده في مواطن أخرى كثيرة تبلغ أربعة عشر موضعًا، مسلم في صحيحه في القسامة باب حكم المحاربين والمرتدين حديث رقم: 1671، أبو داود في الحدود باب ما جاء في المحاربة حديث رقم: 4364، والترمذي في الطهارة باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه حديث رقم: 72، والنسائي في كتاب التحريم: 7/ 94، 95، 97، 98، وابن ماجه في الحدود حديث رقم: 2578، وأحمد في المسند: 3/ 107، 163، 170، 177، 198، 205، 233. |
الساعة الآن 05:54 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©