![]() |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
اقتباس:
بارك الله فيكم |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب التاسع: في صلاة أهل الأعذار أهل الأعذار: هم المرضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة، على الصفة التي يؤديها غير المعذور، فقد خفف الشارع عنهم، فيصلون حسب استطاعتهم. قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]. وقال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]. وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]. فكلما وُجدت المشقة وُجد التيسير. أ- كيفية صلاة المريض والمريض: هو الذي اعتلت صحة بدنه، سواء كان ذلك كلياً أو جزئياً. ويلزم المريض أن يصلي المكتوبة قائماً على أيّ صفة كان، ولو على هيئة الراكع لمن بظهره مرض لا يستطيع أن يمد ظهره، أو مستنداً إلى جدار أو عمود أو على عصا؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم (متفق عليه). فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمران بن حصين: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) (رواه البخاري). فإن عجز عن ذلك كله صلى على حسب حاله لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]. ولا تسقط الصلاة عن المريض ما دام عقله ثابتاً، حتى لو صَلَّاها بالإيماء؛ لقدرته على ذلك مع النية. ويومئ المريض المصلي جالساً في الركوع والسجود برأسه إيماءً، ويجعل السجود أخفض من الركوع، فإذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بعينه. ب- صلاة المسافر وتشتمل على: أولاً: قصر الصلاة الرباعية، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في حكم القصر: لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قصر الصلاة الرباعية للمسافر، ودليل ذلك: القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن: فقوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء: 101]. والقصر جائز في السفر في حال الخوف وغيره، فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما سئل عن القصر وقد أمن الناس: (صدقة تصدَّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته) (رواه مسلم)، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفاءه داوموا عليه. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إني صحبت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ... ) (رواه مسلم). ثم ذكر عمر وعثمان رضي الله عنهم. وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً: (إن الله يحب أن تُؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته) (صححه الشيخ الألباني). وأما الإجماع: فالقصر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وقد أجمعت عليه الأمة. وعلى هذا: فالمحافظة على هذه السنة والأخذ بهذه الرخصة أولى وأفضل من تركها، بل كره بعض أهل العلم الإتمام في السفر؛ وذلك لشدة مداومة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه على هذه السنة، وأن ذلك كان هديه المستمر الدائم. المسألة الثانية: في تحديد الصلاة التي يجوز فيها القصر: الصلاة التي يجوز فيها القصر هي الصلاة الرباعية، وهي صلاة الظهر والعصر والعشاء، ولا تقصر صلاة الصبح ولا المغرب إجماعاً؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه من بعده، ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين ... ) (أخرجه مسلم). فدلَّ على أن الرباعية هي المقصودة. المسألة الثالثة: في حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ونوعه: حد السفر الذي تقصر فيه الصلاة ستة عشر فرسخاً تقريباً، وهي أربعة بُرُد، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وهو ما يقارب ثمانين كيلو متراً. وهي يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام. وسمى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوماً وليلة سفراً (وذلك في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة).(البخاري ومسلم واللفظ للبخاري). وكان ابن عباس وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً. وأما نوعه: فهو السفر المباح؛ كالسفر للتجارة والنزهة، والسفر الواجب؛ كالسفر للحج والجهاد، والسفر المسنون المستحب؛ كالسفر للزيارة، والسفر للمرة الثانية في الحج، وعلى هذا فالسفر المحرم لا يجوز فيه القصر، على رأي كثير من العلماء. المسألة الرابعة: هل يقصر من نوى الإقامة؟ من نوى الإقامة يحتاج إلى تفصيل، وبيان ذلك: أنه إن نوى الإقامة المطلقة لم يقصر؛ لانعدام السبب المبيح للقصر في حقه. كذلك إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام، أو أقام لحاجة وظن ألَّا تنقضي إلا بعد الأربعة؛ (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام بمكة فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح، ثم خرج). فمن أقام أربعة أيام أو أقل مثل إقامته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصر ومن زاد أتم. ذكره الإمام أحمد (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز). قال أنس: (أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة). ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وما بعده من العشر. ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام، ولا يدري: متى تنقضي؛ أو حبس ظلماً أو بمطر ولو أقام سنين. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يُجْمع إقامة. ولصلاة أهل الأعذار بقية |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الخامسة: الحالات التي يجب على المسافر فيها إتمام الصلاة: هناك صور وحالات تستثنى من جواز القصر في السفر، منها: 1 - إذا ائتم المسافر بمقيم: فيلزمه الإتمام، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما جعل الإمام ليؤتم به) (متفق عليه)، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما لما سئل عن الإتمام خلف المقيم: (تلك سُنَّة أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (صححه الألباني). 2 - إذا ائتم بمن يشك فيه هل هو مسافر أو مقيم: فإذا دخل في الصلاة خلف إمام ولا يدري أهو مسافر أم مقيم -كأن يكون في الطار ونحوه- فإنه يلزمه الإتمام؛ لأن القصر لابد له من نية جازمة، أما مع التردد فإنه يتم. 3 - إذا ذكر صلاة حضر في السفر: كرجل مسافر، وفي أثناء سفره تذكر أنه صلى الظهر في بلده بغير وضوء أو تذكر صلاة فائتة في الحضر، هنا يلزمه أن يصليها تامة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) (متفق عليه). يعني: يصليها كما هي؛ ولأن هذه الصلاة لزمته تامة فيجب عليه قضاؤها تامة. 4 - إذا أحرم المسافر بصلاة يلزمه إتمامها ففسدت وأعادها: كأن يصلي المسافر خلف مقيم فيلزمه في هذه الحالة الإتمام، فإذا فسدت عليه هذه الصلاة، ثم أعادها، لزمه إعادتها تامة؛ لأنها إعادة لصلاة واجبة الإتمام. 5 - إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة أو الاستيطان: إذا نوى المسافر الإقامة المطلقة في البلد الذي سافر إليه دون أن يقيد ذلك بزمن معين أو عمل معين، وكذلك إذا نوى اتخاذ هذه البلد وطناً له، فإنه يلزمه إتمام الصلاة؛ لأنه قد انقطع حكم السفر في حقه. فإذا قيد السفر بزمن معين ينتهي، أو عمل ينقضي، فإنه مسافر يقصر الصلاة. ثانياً: الجمع بين الصلاتين، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في مشروعية الجمع بين الصلاتين، ومن يباح له ذلك: يباح بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في وقت إحداهما؛ لحديث معاذ: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أَخَّرَ الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار. وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء) (صححه الألباني). وسواء أكان سائراً أم نازلاً؛ لأنها رخصة من رخص السفر فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه. إلا أن الأفضل للنازل عدم الجمع؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يجمع بمنى وقد كان نازلاً. ويباح الجمع لمقيم مريض يلحقه بتركه مشقة؛ لقول ابن عباس: (جمع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر) وفي رواية (من غير خوف ولا سفر) (رواهما مسلم) فلم يبق إلا عذر المرض، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين). والاستحاضة نوع من المرض، وقد قيل لابن عباس في الحديث الماضي: لمَ فعل ذلك؟ قال: (كي لا يُحرِجَ أمَّتَه). فمتى لحق الإنسان مشقة وحرج بترك الجمع جاز له الجمع، مريضاً كان أو معذوراً بغير المرض، مقيماً كان أو مسافراً. فمن الأعذار التي تبيح الجمع أيضاً غير السفر والمرض: 1 - المطر الكثير الغزير الذي يبل الثياب، ويلحق المكلف بسببه مشقة. 2 - الوحل والطين، وذلك إذا كان يشق على الناس بسببه المشي. 3 - الريح الشديدة الباردة التي تخرج عن العادة، وغير ذلك من الأعذار التي يلحق بالمكلف مشقة إذا ترك الجمع معها. المسألة الثانية: في حد الجمع المشروع: وحدّ الجمع المشروع هو الجمع بين صلاة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالنسبة للمسافر ومن في حكمه، وكذا الجمع في الحضر بسبب المطر وما في حكمه، فيجوز بين العشاءين والظهرين ؛ لحديث ابن عباس الماضي قبل قليل، وقد فعله أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولأن العلة من الجمع بين العشاءين وجود المشقة، وهي في الظهرين أيضاً. (العشاءان: المغرب والعشاء، والظهران: الظهر والعصر، وقد أطلق اسم أحدهما على الآخر تغليبا) |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب العاشر: في صلاة الجمعة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: حكمها ودليل ذلك: الجمعة فرض عين على الرجال، لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9]. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم) (صححه الألباني). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لينتهين أقوام عن وَدْعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين) (أخرجه مسلم). قال النووي رحمه الله: "فيه أن الجمعة فرض عين" (شرح النووي على مسلم). وللحديث الآتي بعد قليل، وفيه: (الجمعة حق واجب على كل مسلم ... ). المسألة الثانية: على من تجب؟ تجب الجمعة على كل مسلم ذكر حر بالغ عاقل، قادر على إتيانها، مقيم، فلا تجب على: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مجنون أو مريض أو مسافر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض) (صححه الألباني). وأما المسافر فلا تلزمه الجمعة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يصليها في أسفاره، وقد وافق يوم عرفة في حجته جمعة، ومع ذلك صلاها ظهراً وجمع العصر معها. أما المسافر الذي ينزل بلداً تقام فيه الجمعة فإنه يصليها مع المسلمين. وإذا حضرها العبد أو المرأة أو الصبي أو المريض أو المسافر صحت منه، وأجزأته عن صلاة الظهر. المسألة الثالثة: وقتها: وقت الجمعة هو وقت الظهر، من بعد الزوال إلى أن يصير ظل الشيء كطوله؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس (رواه البخاري). وهو المروي عن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من فعلهم (انظر: فتح الباري). وعلى هذا فمن أدرك ركعة منها قبل خروج وقتها فقد أدركها، وإلا صلاها ظهراً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة). وقد تقدم. المسألة الرابعة: الخطبة: الخطبة ركن من أركان الجمعة لا تصح إلا بها؛ لمواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها وعدم تركه لها أبداً، وهما خطبتان، يشترط لصحة صلاة الجمعة أن يتقدما على الصلاة. المسألة الخامسة: في سنن الخطبة: ويسن الدعاء للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم، مع الدعاء لولاة أمور المسلمين بالصلاح والتوفيق؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان إذا خطب يوم الجمعة دعا، وأشار بأصبعه، وأَمَّنَ الناس)، وأن يتولاهما مع الصلاة واحد _يعني الذي يخطب الخطبتين هو الذي يصلي_، ويرفع صوته بهما حسب الطاقة، وأن يخطب قائماً لقوله تعالى: (وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) [الجمعة: 11]. وقال جابر ابن سمرة - رضي الله عنه -: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم فيخطب، فمن حدثك أنه يخطب جالساً فقد كذب) (رواه مسلم)، وأن يكون على منبر أو مكان مرتفع؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان يخطب على منبره). وهو مرتفع، ولأن ذلك أبلغ في الإعلام، وأبلغ في الوعظ. وأن يجلس بين الخطبتين قليلاً؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس) (متفق عليه). ويسن قصر الخطبتين، والثانية أقصر من الأولى؛ لحديث عمار مرفوعاً: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة) (رواه مسلم) والمئنة: العلامة. ويسن أن يسلم الخطيب على المأمومين إذا أقبل عليهم؛ لقول جابر - رضي الله عنه -: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا صعد المنبر سلم). ويسن أن يجلس على المنبر إلى فراغ المؤذن؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب). ويسن أن يعتمد الخطيب على عصا ونحوها، ويسن للخطيب أن يقصد تلقاء وجهه لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك. المسألة السادسة: ما يحرم فعله في الجمعة: يحرم الكلام والإمام يخطب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفاراً ... ) (قال ابن حجر في بلوغ المرام: "إسناده لا بأس به)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لَغَوت) (متفق عليه) أي: تكلمت باللغو، وهو الكلام الباطل المردود. ويحرم تخطي رقاب الناس أثناء الخطبة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرجل رآه يتخطى الرقاب: (اجلس فقد آذيت) (صححه الألباني)، ففيه أذية للمصلين، وإشغال لهم عن سماع الخطبة، أما الإمام فلا بأس بتخطيه الرقاب إن لم يمكنه الوصول إلى مكانه إلا بذلك. ويكره التفريق بين اثنين لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من اغتسل يوم الجمعة ... ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلَّى ما كتب له ... غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) (أخرجه البخاري). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السابعة: بم تدرك الجمعة؟ تدرك الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام؛ فعن أبي هريرة مرفوعاً: (من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة) (صححه الألباني). وإن أدرك أقل من ركعة صلى ظهراً. المسألة الثامنة: في نافلة الجمعة: ليس لصلاة الجمعة سنة قبلها، ولكن من صلى قبلها نافلة مطلقة قبل دخول وقتها فلا بأس به؛ لترغيب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، كما في حديث سلمان الماضي قبل قليل: (من اغتسل يوم الجمعة ... ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له)، ولفعل الصحابة رضي الله عنهم، ولأفضلية صلاة النافلة. ولا يُنْكر عليه إذا ترك؛ لأن السنة الراتبة تكون بعد الجمعة بركعتين أو أربع ركعات أو ست ركعات؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأمره، فقد (كان يصلي بعد الجمعة ركعتين) (متفق عليه). وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات) (رواه مسلم). وفي رواية: (من كان منكم مصلياً، بعد الجمعة فليصل أربعاً) (صحيح مسلم). وأما الست: فلأنه ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي بعد الجمعة ستاً) (الشرح الممتع (4/ 102)). وكان ابن عمر يفعله (أخرجه أبو داود برقم (1130). فتبين من ذلك أن أقل الراتبة بعد الجمعة ركعتان، وأكثرها ست. ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الراتبة إن صليت في المسجد صليت أربعاً، وإن صليت في البيت صليت ركعتين (زاد المعاد (1/ 440)، فتكون صلاتها على أحوال متنوعة. المسألة التاسعة: كيفية صلاة الجمعة: صلاة الجمعة ركعتان يجهر فيهما بالقراءة؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، وفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من سنته، وقد أجمع أهل العلم على ذلك. ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى بسورة الجمعة بعد الفاتحة، وفي الثانية بسورة المنافقون (أخرجه مسلم)، أو يقرأ في الأولى بسورة الأعلى، وفي الثانية بسورة الغاشية (أخرجه مسلم)؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. المسألة العاشرة: في سنن الجمعة: 1 - يسن التبكير إلى الصلاة للحصول على الأجر الكبير؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قَرَّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قَرَّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قَرَّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قَرَّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة، يستمعون الذكر) (متفق عليه). وقال أيضاً: (من غَسَّلَ يوم الجمعة واغتسل، وبَكَّر وابتكر، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها) (حسنه الترمذي). 2 - ويسن الاغتسال في يومها؛ لحديث أبي هريرة الماضي: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ... ) وينبغي الحرص عليه وعدم تركه، وبخاصة لأصحاب الروائح الكريهة. ومن العلماء مَنْ أوجبه؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعاً: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) (متفق عليه). ولعل القول بوجوبه أقوى وأحوط، وأنه لا يسقط إلا لعذر. 3 - ويسن التطيب والتنظف، وإزالة ما ينبغي إزالته من الجسم؛ كتقليم الأظافر وغيره. والتنظف أمر زائد على الاغتسال، ويكون ذلك بقطع الروائح الكريهة وأسبابها، كالشعور التي أمر الشارع بإزالتها، والأظافر، ويسن حلق العانة، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وحف الشارب، مع التطيب، لحديث سلمان - رضي الله عنه - مرفوعاً: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ... ). قال ابن حجر: "من طهر: المراد به المبالغة في التنظيف، ويؤخذ من عطفه على الغسل ... أن المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة" (أخرجه البخاري برقم (883). 4 - ويسن له أن يلبس أحسن الثياب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه، فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك). فقد استدل به البخاري -رحمه الله- على لبس أحسن الثياب للجمعة، فقال: (باب: يلبس أحسن ما يجد). قال الحافظ ابن حجر: "ووجه الاستدلال به: من جهة تقريره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمر على أصل التجمل للجمعة" (فتح الباري (2/ 434)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مِهْنَتِه) (صححه الألباني). أي: ثوب خدمته وشغله. 5 - ويسن في يومها وليلتها الإكثار من الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة) (صححه الألباني). 6 - ويسن أن يقرأ في فجرها في الصلاة بسورتي السجدة، والإنسان؛ لمواظبته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك (صحيح البخاري (رقم 891). وفي يومها بسورة الكهف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغُفر له ما بين الجمعتين) (صححه الألباني). 7 - ويسن لمن دخل المسجد يوم الجمعة ألا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك (صحيح البخاري برقم (930)، ويوجز فيهما إذا كان الإمام يخطب. 8 - ويسن أن يكثر من الدعاء، ويتحرى ساعة الإجابة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي، يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه) (متفق عليه). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الحادي عشر: في صلاة الخوف، وفيه مسائل: هذا هو العذر الثالث من الأعذار التي تختلف بها الصلاة في هيئتها، أو عددها، وقد تقدم الكلام على عذر المرض والسفر. المسألة الأولى: حكمها، ودليل مشروعيتها، وشروطها: 1 - حكمها: صلاة الخوف تشرِع في كل قتال مباح، كقتال الكفار والبغاة والمحاربين؛ لقوله تعالى: (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء: 101]. وقيس عليه الباقي، ممن يجوز قتاله. فتشرع عند الخوف من هجوم العدو، أو الهرب من عدو إن كان الهرب مباحاً. ويدخل في العدو كل عدو -آدمياً أو سبعاً- مما يخاف الإنسان على نفسه منه، كالصائل الذي يريد أهله أو ماله، والغريم الظالم وغير ذلك. 2 - دليل مشروعيتها: والدليل على مشروعيتها: الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب: فقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء: 102]. وصلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأجمع الصحابة على فعلها. 3 - شروطها: وتشرع صلاة الخوف بشرطين: الشرط الأول: أن يكون العدو ممن يحل قتاله، كقتال الكفار، والبغاة، والمحاربين، كما سبق. والشرط الثاني: أن يُخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة. المسألة الثانية: كيفية صلاة الخوف: جاءت صلاة الخوف على عدة صفات، ومنها الصفة الواردة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث سهل بن أبي حثمة الأنصاري - رضي الله عنه -، وهي أشبه بالصفة المذكورة في القرآن الكريم، وفيها احتياط للصلاة، واحتياط للحرب، وفيها نكاية بالعدو. وقد فعل -عليه الصلاة والسلام- هذه الصلاة في غزوة ذات الرقاع، وصفتها كما رواها سهل: أن طائفة صفَّت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وطائفة وجاه العدو، فصلَّى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم، ثم سَلَّم بهم (رواه مسلم برقم (841). الباب الثاني عشر: في صلاة العيدين، وفيه مسائل: والعيدان هما: عيد الأضحى وعيد الفطر، وكلاهما له مناسبة شرعية، فعيد الفطر بمناسبة انتهاء المسلمين من صيام شهر رمضان، والأضحى بمناسبة اختتام عشر ذي الحجة، وسُمِّي عيداً؛ لأنه يعود، ويتكرر في وقته. المسألة الأولى: حكمها، ودليل ذلك: صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركت من الكل أثم الجميع؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - داوم عليها، وكذلك أصحابه من بعده. وقد أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بها حتى النساء، إلا أنه أمر الحُيَّض باعتزال المصلى، وهذا مما يدلُّ على أهميتها، وعظيم فضلها؛ لأنه إذا أمر بها النساء مع أنهن لسن من أهل الاجتماع فالرجال من باب أولى. ومن أهل العلم مَنْ يُقَوِّي كونها فرض عين. المسألة الثانية: شروطها: ومن أهم شروطها: دخول الوقت، ووجود العدد المعتبر، والاستيطان. فلا تجوز قبل وقتها، ولا تجوز في أقل من ثلاثة أشخاص، ولا تجب على المسافر غير المستوطن. المسألة الثالثة: المواضع التي تصلى فيها: يسن أن تصلى في الصحراء خارج البنيان؛ لحديث أبي سعيد: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى) (متقق عليه)، والقصد من ذلك -والله أعلم- إظهار هذه الشعيرة، وإبرازها. ويجوز صلاتها في المسجد الجامع، مِنْ عذر كالمطر والريح الشديدة، ونحو ذلك. المسألة الرابعة: وقتها: ووقتها كصلاة الضحى بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى وقت الزوال؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وخلفاءه كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس، ولأن ما قبل ارتفاع الشمس وقت نهي (انظر: المغني (2/ 232 - 233). ويسن تعجيل الأضحى فى أول وقتها، وتأخير الفطر؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأن الناس في حاجة إلى تعجيل الأضحى لذبح الأضاحي، وهم في حاجة إلى امتداد وقت صلاة الفطر ليتسع لأداء زكاة الفطر. المسألة الخامسة: صفتها وما يقرأ فيها: وصفتها: ركعتان قبل الخطبة لقول عمر: (صلاة الفطر والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم. وقد خاب من افترى) (صحيح انظر إرواء الغليل (3/ 106).). يكبِّر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح، وقبل التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة خمساً، غير تكبيرة القيام. لحديث عائشة مرفوعاً: (التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع) (صحيح انظر إرواء الغليل (3/ 286). ويرفع يديه مع كل تكبيرة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (كان يرفع يديه مع التكبير) (حسنه الألباني)، ثم يقرأ بعد الاستعاذة جهراً بغير خلاف، ويقرأ الفاتحة، وفي الأولى بسبح اسم ربك الأعلى. وفي الثانية بالغاشية لقول سمرة: (كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرأ في العيدين (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) و (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)) (صححه الألباني)، وصحَّ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقرأ في الأولى بـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وفي الثانية (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (أخرجه مسلم برقم (891)، فيراعى الإتيان بهذا مرة، وهذا مرة، عملاً بالسنة، مع مراعاة ظروف المصلين، فيأخذهم بالأرفق. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السادسة: موضع الخطبة: موضع الخطبة في صلاة العيد بعد الصلاة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة) (متفق عليه). المسألة السابعة: قضاء العيد: لا يسن لمن فاتته صلاة العيد قضاؤها؛ لعدم ورود الدليل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، ولأنها صلاة ذات اجتماع معين، فلا تشرع إلا على هذا الوجه. المسألة الثامنة: سننها: 1 - يسن أن تؤدى صلاة العيد في مكان بارز وواسع، خارج البلد، يجتمع فيه المسلمون لإظهار هذه الشعيرة، وإذا صليت في المسجد لعذر فلا بأس بذلك. 2 - ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر، كما تقدَّم بيان ذلك عند الكلام على وقتها. 3 - وأن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات، وألا يطعم يوم النحر حتى يصلي، لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر على تمرات يأكلهن وتراً (أخرجه البخاري برقم (953). ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي (صححه الألباني). 4 - ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد بعد صلاة الصبح ماشياً؛ ليتمكن من الدنو من الإمام، وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة. 5 - ويسن أن يتجمل المسلم، ويغتسل، ويلبس أحسن الثياب، ويتطيب. 6 - ويسن أن يخطب في صلاة العيد بخطبة جامعة شاملة لجميع أمور الدين، ويحثهم على زكاة الفطر، ويبين لهم ما يخرجون، ويرغبهم في الأضحية، ويبين لهم أحكامها، وتكون للنساء فيها نصيب؛ لأنهن في حاجة لذلك واقتداء بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد أتى النساء بعد فراغه من الصلاة والخطبة فوعظهن وَذَكرَهُن (أخرجه البخاري برقم (978). وتكون بعد الصلاة كما سبق. 7 - ويسن كثرة الذكر بالتكبير والتهليل لقوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، ويجهر به الرجال في البيوت والمساجد والأسواق، ويُسِرُّ به النساء. 8 - مخالفة الطريق، فيذهب إلى العيد من طريق، ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه -: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا كان يوم عيد خالف الطريق) (أخرجه البخاري برقم (986). وقيل في الحكمة من ذلك: ليشهد له الطريقان جميعاً، وقيل: لإظهار شعيرة الإسلام فيهما، وقيل غير ذلك. ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضاً يوم العيد، بأن يقول لغيره: تَقَبَّلَ الله منا ومنك صالح الأعمال، فكان يفعله أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مع إظهار البشاشة والفرح في وجه من يلقاه. الباب الثالث عشر: في صلاة الاستسقاء، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريفها، وحكمها ودليل ذلك: 1 - تعريفها: الاستسقاء هو طلب السقي من الله تعالى عند حاجة العباد إليه، على صفة مخصوصة؛ وذلك إذا أجدبت الأرض، وقحط المطر؛ لأنه لا يسقي ولا ينزل الغيث إلا الله وحده. 2 - حكمها: حكم صلاة الاستسقاء أنها سنة مؤكدة؛ لقول عبد الله بن زيد: (خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يستسقي فتوجَّه إلى القبلة، يدعو وحَوَّل رداءه، وصلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة) (متفق عليه). المسألة الثانية: سببها: وسببها القحط، وهو انحباس المطر؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعلها لذلك. المسألة الثالثة: وقتها وكيفيتها: وقت صلاة الاستسقاء وصفتها كصلاة العيد، لقول ابن عباس: (صلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين كما يصلي في العيدين) (حديث حسن ، انظر إرواء الغليل (13/ 33). فيستحب فعلها في المصلى، كصلاة العيد، وتصلى ركعتين، ويجهر بالقراءة فيهما كصلاة العيد، وتكون قبل الخطبة، وكذلك في عدد التكبيرات وما يقرأ فيها. ويجوز الاستسقاء على أي صفة كانت، فيدعو الإنسان، ويستسقي في صلاته إذا سجد، ويستسقي الإمام على المنبر في صلاة الجمعة، فقد استسقى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المنبر يوم الجمعة (متفق عليه). المسألة الرابعة: الخروج إليها: إذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس، وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التباغض والتشاحن؛ لأنه سبب في منع الخير من الله سبحانه، ولأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات. قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]. ويتنظف لها، ولا يتطيب، ولا يلبس الزينة؛ لأنه يوم استكانة وخشوع، ويخرج متواضعاً، متخشعاً، متذللاً، متضرعاً؛ لقول ابن عباس: (خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للاستسقاء متذللاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً) (حديث حسن، انظر: إرواء الغليل (3/ 133). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الخامسة: الخطبة فيها: يسن أن يخطب الإمام في صلاة الاستسقاء بخطبة واحدة بعد الصلاة، تكون جامعة وشاملة، يأمر فيها بالتوبة، وكثرة الصدقة، والرجوع إلى الله، وترك المعاصي. وينبغي أن يكثر في الخطبة من الاستغفار، وقراءة الآيات التي تأمر به، ويكثر من الدعاء بطلب الغيث من الله تعالى كقوله: (اللهم أغثنا) (متفق عليه ضمن حديث الاستسقاء الطويل)، وقوله: (اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً، مَرِيئاً مَرِيعاً، عاجلاً غير آجل، نافعاً غير ضار) (صحح الشيخ الألباني إسناده). ومعنى مريئاً: سهلاً طيباً، ومريعاً: مخصباً. وقوله: (اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين) (حسَّن الشيخ الألباني إسناده). ونحو ذلك، ويرفع يديه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يفعل ذلك، حتى كان يرى بياض إبطه، ويرفع الناس أيديهم؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رفع يديه يستسقي في صلاة الجمعة، رفع الناس أيديهم. ويكثر من الصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لأن ذلك من أسباب الإجابة. المسألة السادسة: السنن التي ينبغي فعلها فيها: 1 - أن يكثر من الدعاء المأثور عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، ويستقبل القبلة في آخر الدعاء، ويحوِّل رداءه، فيجعل اليمين على الشمال والشمال على اليمين، وكذلك ما شابه الرداء كالعباءة ونحوها. فقد ثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوَّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حوَّل رداءه (متفق عليه). وقيل: الحكمة من تحويل الرداء التفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه. 2 - يسن أن يخرج إلى صلاة الاستسقاء جميع المسلمين، حتى النساء والصبيان. 3 - يسن الخروج إليها بخضوع، وخشوع، وتذلل، فقد خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للاستسقاء متذللاً، متواضعاً، متخشعاً، متضرعاً (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح). 4 - يسن عند نزول المطر أن يقف في أوله ليصيبه منه ويقول: (اللهم صَيِّباً نافعاً). والصيِّب: المنهمر المتدفق. ويقول: (مُطرنا بفضل الله ورحمته). 5 - وإذا كثر المطر، وخيف من الضرر، يسن أن يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) (البخارى ومسلم واللفظ لمسلم). والظراب: الجبال الصغار. والآكام: جمع أَكَمة، وهي التلّ، وهو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد. الباب الرابع عشر: في صلاة الكسوف، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف الكسوف، والحكمة منه: الكسوف: هو انحجاب ضوء أحد النَّيِّرين -الشمس والقمر- بسبب غير معتاد، والكسوف والخسوف بمعنى واحد. ويحدث الله -عز وجل- ذلك تخويفاً لعباده حتى يرجعوا إليه سبحانه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يُخَوِّف الله بهما عباده) (متفق عليه). المسألة الثانية: حكم صلاة الكسوف ودليلها: وصلاة الكسوف واجبة على ما صرح به أبو عوانة في صحيحه، وَحُكي عن أبي حنيفة، وأجراها مالك مجرى الجمعة، وقَوَّى ابن القيم رحمه الله القول بوجوبها، وأيده الشيخ ابن عثيمين؛ وذلك لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بها، وخرج فزعاً إليها، وأخبر أنها تخويف للعباد (انظر: فتح الباري (2/ 612). المسألة الثالثة: وقتها: وقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي) (رواه مسلم برقم (915). المسألة الرابعة: كيفيتها وما يقرأ فيها: وكيفيتها: ركعتان. يقرأ في الأولى جهراً -ليلاً كانت أو نهاراً- الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد. بل يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين، ثم يصلى الثانية كالأولى، لكن دونها في كل ما يفعل، ثم يتشهد ويسلم. لقول جابر: (كسفت الشمس على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في يوم شديد الحر، فصلى بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام، فصنع نحو ذلك، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات) (رواه مسلم برقم (904). ويسن أن يعظ الإمام الناس بعد صلاة الكسوف ويحذِّرهم من الغفلة والاغترار بالدنيا ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار؛ لفعل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقد خطب الناس بعد الصلاة وقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكَبِّروا، وصلوا وتصدقوا) (أخرجه البخاري برقم (1044). فإذا انتهت الصلاة قبل الانجلاء فلا تعاد، بل يذكر الله، ويكثر من دعائه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم). فدلَّ على أنه إنْ سَلَّمَ من الصلاة قبل الانجلاء تشاغل بالدعاء. وإذا تم الانجلاء وهو في الصلاة أتمها خفيفة، ولا يقطعها. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
|
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الرابعة: الصلاة على الميت، حكمها ودليل ذلك: الصلاة على الميت فرض كفاية، إذا فعلها البعض سقط الإثم عن الباقين. ودليلها: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيمن مات وعليه دين: (صَلُّوا على صاحبكم) (رواه مسلم برقم (1619). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم موت النجاشي: (إن أخاً لكم قد مات، فقوموا، فصَلُّوا عليه) (رواه مسلم برقم (952) - 64). المسألة الخامسة: شروط الصلاة على الميت وأركانها وسننها: 1 - شروطها: وشروطها كالآتي: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة؛ لأنها من الصلوات، وحضور الميت بين يدي المصلي إن كان بالبلد، وإسلام المصلي والمصلَّى عليه، وطهارتهما ولو بتراب لعذر. 2 - أركانها: وأركانها كالآتي: القيام مِنْ قادر في فرضها؛ لأنها صلاة وجب القيام فيها كالمفروضة. والتكبيرات الأربع. (لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّر على النجاشي أربعاً). وقراءة الفاتحة لعموم حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) (رواه مسلم برقم (394)، والصلاة على النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والدعاء للميت؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) (حديث حسن. انظر: إرواء الغليل (3/ 179)، والسلام لعموم حديث (وتحليلها التسليم)، والترتيب بين الأركان فلا يُقَدِّم ركناً على الآخر. 3 - سننها: ومن سننها: رفع اليدين مع كل تكبيرة، والاستعاذة قبل القراءة، وأن يدعو لنفسه وللمسلمين، والإسرار بالقراءة. المسألة السادسة: وقت الصلاة على الميت وفضلها وكيفيتها: 1 - وقتها: وقت الصلاة على الميت يبدأ بعد تغسيله، وتكفينه، وتجهيزه، إن كان حاضراً، أو بلوغ خبر وفاته إن كان غائباً. 2 - فضلها: قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من شهد الجنازة حتى يُصَلَّى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيل: وما القيراطان؟ قال: (مثل الجبلين العظيمين) (متفق عليه). 3 - كيفيتها: يقوم الإمام والمنفرد عند رأس الرجل، ووسط المرأة، لثبوت ذلك من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه عنه أنس - رضي الله عنه - (صححه الألباني)، ثم يكبر للإحرام، ويتعوذ بعد التكبير، ثم يسمي، ثم يقرأ الفاتحة سراً، ولو كان ذلك بالليل، ثم يكبر ويصلي على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما يصلي في التشهد، ثم يكِّبر، ويدعو للميت بالدعاء الوارد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومنه قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأَحْيِه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّه على الإيمان) (قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"). (اللهم اغفر له، وارحمه وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونَقِّهِ من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، أو عذاب النار) (أخرجه مسلم برقم (963). وإن كان الميت صغيراً قال: (اللهم اجعله سلفاً لوالديه، وفرطاً، وأجراً) (أخرجه عبد الرازق في مصنفه)، ثم يكبر، ويقف بعدها قليلاً. وإن دعا بما تيسر فحسن كأن يقول: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده) (أخرجه ابن حبان، كما في الإحسان (7/ 342) برقم 3073. وقال محققه: "إسناده صحيح على شرط مسلم". ). ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، وإن سلم تسليمتين فلا بأس به. ومن فاته بعض الصلاة دخل مع الإمام، وإذا سلم قضى ما فاته على صفته، ومن فاتته الصلاة قبل الدفن فله أن يصلي على القبر؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك في قصة المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد (متفق عليه). ويصلى على الغائب عن البلد عند العلم بوفاته ولو بشهر أو أكثر. ويصلى على السقط إذا تم له أربعة أشهر فأكثر، وإن كان أقل من ذلك فلا يصلى عليه. المسألة السابعة: حمل الجنازة والسير بها: يسن اتباع الجنازة وتشييعها إلى القبر، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) (متفق عليه). وينبغي للمسلم إذا علم بوفاة أحد من المسلمين أن يخرج لحمل جنازته والصلاة عليه ودفنه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز ... ) (أخرجه البخاري). ويتأكد ذلك إذا لم يخرج أحد في جنازته. ولا بأس بحملها في سيارة أو على دابة، ولاسيما إذا كانت المقبرة بعيدة، وعلى التابع لها المشاركة في الحمل. ويشرع دفن الميت في مقبرة خاصة بالموتى؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة. ويسن الإسراع بالجنازة، في غسلها، وتكفينها، والصلاة عليها، ودفنها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره) (حسنه ابن حجر (الفتح 3/ 219). وما يفعله بعض الناس من تأخيرها ونقلها من مكان إلى آخر أو اختيار يوم من الأسبوع تدفن فيه، فهذا كله خلاف السنة. كما يسنُّ الإسراع في المشي بها أثناء حملها لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) (متفق عليه)، لكن لا يكون إسراعاً شديداً، بل دون الخَبَبِ كما اختاره بعض العلماء. وعلى الحاملين للجنازة السكينة والوقار، وعدم رفع الصوت، لا بقراءة ولا بغيرها؛ لأنه لم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيء في ذلك، ومن فعله فقد خالف السنة. ولا يجوز للنساء الخروج مع الجنازة؛ لحديث أم عطية: (نهينا عن اتباع الجنائز) (البخارى ومسلم واللفظ لمسلم)، فحمل الجنازة وتشييعها خاص بالرجال، ويكره للمشيع الجلوس حتى توضع الجنازة على الأرض، لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الجلوس حتى توضع (متفق عليه). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثامنة: دفن الميت وصفة القبر وما يسن فيه: ويسن أن يعمق القبر، وأن يوسع، وأن يُلْحَدَ له فيه، وهو: أن يحفر في قاع القبر حفرة في جانبه إلى جهة القبلة، فإن تعذر اللحد فلا بأس بالشق، وهو: أن يحفر للميت في وسط القبر، لكن اللحد أفضل، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللحد لنا، والشق لغيرنا) (صححه الألباني). ويوضع الميت في لحده على شقه الأيمن مستقبل القبلة، وتسد فتحة اللحد باللبن والطين، ثم يهال عليه التراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنماً -أي على هيئة السنام- لثبوت ذلك في صفة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبيه (انظر: الشرح الممتع (4/ 458)، ليعلم أنه قبر فلا يهان، ولا بأس بوضع أحجار أو غيرها على أطرافه لبيان حدوده ومعرفته، ويحرم البناء على القبور وتجصيصها والجلوس عليها، كما يكره الكتابة عليها، إلا بقدر الحاجة للإعلام؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يُجَصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه) (رواه مسلم برقم (970) (يجصص أي: يطلى بالجص، وهو الكلس أو الكج الذي تطلى به البيوت). زاد الترمذي: (وأن يكتب عليها). ولأن هذا من وسائل الشرك والتعلق بالأضرحة، وهذا مما يغترُّ به الجُهَّال ويتعلقون به. ويحرم أيضاً إسراج القبور أي إضاءتها؛ لما فيه من التشبه بالكفار، وإضاعة المال، وبناء المساجد عليها، والصلاة عندها أو إليها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) (متفق عليه). وتحرم إهانتها بالمشي عليها أو وطئها بالنعال أو الجلوس عليها وغير ذلك؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير من أن يجلس على قبر) (رواه مسلم برقم (971)، ولنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الوطء على القبور (أخرجه الترمذي برقم (1064) وقال: حسن صحيح). ويستحب عند الفراغ من الدفن الدعاء للميت؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فإنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل) (صححه الحاكم في المستدرك (1/ 370)، ووافقه الذهبي). وأما قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن عند القبر فإنه بدعة منكرة؛ لأنه لم يفعله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا صحابته الكرام، وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (متفق عليه). المسألة التاسعة: التعزية، حكمها، وكيفيتها: والتعزية: هي تسلية المصاب وتقويته على تحمل مصيبته، فتذكر له الأدعية والأذكار الواردة في فضيلة الصبر والاحتساب. وتشرع تعزية أهل الميت بما يخفف عنهم من مصابهم، ويحملهم على الرضا والصبر، بما ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كان يعلمه، ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض، ولا يخالف الشرع. فعن أسامة بن زيد قال: كنا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبياً لها أو ابناً لها في الموت، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ارجع إليها فأخبرها: أن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمُرْها فلتصبر، ولتحتسب) (متفق عليه) وهذا من أحسن الألفاظ الواردة في التعزية. وينبغي عند العزاء تجنُّب بعض الأمور التي انتشرت بين الناس، وليس لها أصل في الشرع، منها: 1 - الاجتماع للتعزية في مكان خاص بجلب الكراسي والإضاءة والقراء. 2 - عمل الطعام خلال أيام العزاء من قبل أهل الميت لضيافة الواردين للعزاء. لحديث جرير البجلي - رضي الله عنه - قال: (كنا نعدُّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة) (صححه الألباني). 3 - تكرار التعزية، فبعض الناس يذهب إلى أهل الميت أكثر من مرة ويعزيهم، والأصل أن تكون التعزية مرة واحدة، ولكن إذا كان القصد من تكرارها التذكير والأمر بالصبر، والرضا بقضاء الله وقدره، فلا بأس. وأما إن كان تكرارها لغير هذا القصد فلا ينبغي؛ لعدم ثبوت ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه. والسنة أن يعمل أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاماً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم أمر يشغلهم -أو أتاهم ما يشغلهم-) (حسَّنه الألباني). وأما البكاء والحزن على الميت فلا بأس به ويحصل في الغالب، وهو الذي تمليه الطبيعة دون تكلف، فقد بكى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ابنه إبراهيم حين مات، وقال: (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ... ) (أخرجه البخاري برقم (1303). لكن لا يكون ذلك على وجه التسخط والجزع والتشكي. ويحرم الندب، والنياحة، وضرب الخدود، وشق الجيوب؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) (متفق عليه)، كقوله: يا ويلاه، يا ثبوراه وما أشبه ذلك، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران، ودرع من جَرَب) (أخرجه مسلم برقم (934). والجرب: مرض معروف، وهو بثور تعلو الجلد، ويكون معها حكة). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
ثالثاً: كتاب الزكاة ويشتمل على ستة أبواب: الباب الأول: في مقدمات الزكاة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في تعريف الزكاة: الزكاة في اللغة: النماء والزيادة. يقال: زكا الزرع إذا نما. وشرعاً: عبارة عن حق يجب في المال الذي بلغ نصاباً معيناً بشروط مخصوصة، لطائفة مخصوصة. وهي طهرة للعبد، وتزكية لنفسه، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]، وهي سبب من أسباب إشاعة الألفة، والمحبة، والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم. المسألة الثانية: حكم الزكاة ودليل ذلك: الزكاة فريضة من فرائض الإسلام، وركن من أركانه الخمسة، وهي أهم أركانه بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة: 43]، وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: 103]. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (متفق عليه)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في وصيته لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - لما بعثه إلى اليمن: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم) (متفق عليه). وقد أجمع المسلمون في جميع الأمصار على وجوبها، واتفق الصحابة على قتال مانعيها. فثبت بذلك فرضية الزكاة بالكتاب، والسنة، والإجماع. المسألة الثالثة: حكم من أنكرها: من أنكر وجوب الزكاة جهلاً بها، وكان ممن يجهل مثله ذلك: إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لكونه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، عُرِّف وجوبها، ولم يحكم بكفره، لأنه معذور. وإن كان منكرها مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام وبين أهل العلم، فهو مُرْتَدٌّ تجري عليه أحكام الردة، ويستتاب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قُتل؛ لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذا حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة، وكفره بهما. المسألة الرابعة: حكم مانعها بخلاً: من منع أداء الزكاة بخلاً بها مع اعتقاده بوجوبها، فهو آثم بامتناعه ولا يُخرجه ذلك عن الإسلام؛ لأن الزكاة فرع من فروع الدين، فلم يكفر تاركه بمجرد تركه، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مانع الزكاة: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) (أخرجه مسلم في صحيحه برقم (987) ولو كان كافراً لما كان له سبيل إلى الجنة، وهذا تؤخذ منه الزكاة قهراً مع التعزير، فإن قاتل دونها قوتل حتى يخضع لأمر الله تعالى، ويؤدي الزكاة؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة: 5]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله) (متفق عليه). ولقول أبي بكر الصديق: (لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها) (متفق عليه). والعَنَاقُ: الأنثى من ولد المعز، ما لم تستكمل سنة. وكان معه في رأيه الخلفاء الثلاثة وسائر الصحابة، فكان ذلك إجماعاً منهم على قتال مانعي الزكاة، ومانعها بخلاً يدخل تحت هذه النصوص. المسألة الخامسة: في الأموال التي تجب فيها الزكاة: تجب الزكاة في خمسة أجناس من الأموال وهي: 1 - بهيمة الأنعام: وهي الإبل، والبقر، والغنم، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يُقضى بين الناس) (أخرجه مسلم برقم (987) 2 - النقدان: وهما الذهب والفضة، وكذلك ما يقوم مقامهما من العملات الورقية المتداولة اليوم، لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة: 34]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحمِيَ عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت رُدَّت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (أخرجه مسلم برقم (987). 3 - عروض التجارة: وهي كل ما أعدَّ للبيع والشراء لأجل الربح؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة: 267]، فقد ذكر عامة أهل العلم أن المراد بهذه الآية زكاة عروض التجارة. 4 - الحبوب والثمار: الحبوب: هي كل حب مدخر مقتات من شعير وقمح وغيرهما. والثمار: هي التمر والزبيب؛ لقوله تعالى: (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة: 267]. وقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 141]. وقولى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريّاً العشر، وفيما سُقِي بالنَّضْحِ نصف العشر) (أخرجه البخاري برقم ). عَثَريّاً : وهو الذي يشرب بعروقه من غير سقي، كأن يكون فى بركة ونحوها يصب إليه من ماء المطر في سواق تشق له، أو يكون الماء قريباً منه فيشرب بعروقه، كالذي يكون قريبا من الأنهار. بالنَّضْحِ : يعني بالإبل التي يحمل عليها الماء لسقي الزرع، وتسمى: ناضح، والأنثى: ناضحة 5 - المعادن والرِّكاز: المعادن: هي كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها، من غير وضع واضع مما له قيمة؛ كالذهب، والفضة، والنحاس، وغير ذلك. والرِّكاز: هو ما يوجد في الأرض من دفائن الجاهلية، ودليل وجوب الزكاة في المعادن والركاز عموم قوله تعالى: (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة: 267]. قال الإمام القرطبي في تفسيره: يعني النبات والمعادن والركاز، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي الركاز الخمس) (متفق عليه). وأجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعادن. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السادسة: في الحكمة من إيجاب الزكاة، وعلى مَنْ تجب (شروط وجوبها): أ- الحكمة في إيجاب الزكاة: شرعت الزكاة لحكم سامية، وأهداف نبيلة، لا تحصى كثرة، منها: 1 - تطهير المال وتنميته، وإحلال البركة فيه، وذهاب شره ووبائه، ووقايته من الآفات والفساد. 2 - تطهير المزكِّي من الشح والبخل، وأرجاس الذنوب والخطايا، وتدريبه على البذل والإنفاق في سبيل الله. 3 - مواساة الفقير وسد حاجة المعوزين والبائسين والمحرومين. 4 - تحقيق التكافل والتعاون والمحبة بين أفراد المجتمع، فحينما يعطي الغني أخاه الفقير زكاة ماله يستلُّ بها ما عسى أن يكون في قلبه من حقد وتمنٍّ لزوال ما هو فيه من نعمة الغنى، وبذلك تزول الأحقاد ويعم الأمن. 5 - إن في أدائها شكراً لله تعالى على ما أسبغ على المسلم من نعمة المال، وطاعة لله سبحانه وتعالى في تنفيذ أمره. 6 - أنها تدل على صدق إيمان المزكي؛ لأن المال المحبوب لا يخرج إلا لمحبوب أكثر محبة، ولهذا سميت صدقة؛ لصدق طلب صاحبها لمحبة الله، ورضاه. 7 - أنها سبب لرضا الرب، ونزول الخيرات، وتكفير الخطايا، وغيرها. ب- على من تجب الزكاة (شروط وجوبها): تجب الزكاة على من توافرت فيه الشروط الآتية: 1 - الإسلام: فلا تجب الزكاة على الكافر؛ لأنها عبادة مالية يتقرب بها المسلم إلى الله، والكافر لا تقبل منه العبادة حتى يدخل في الإسلام، لقوله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ) [التوبة: 54] فإذا كانت لا تقبل منهم فلا فائدة في إلزامهم بها، ولمفهوم قول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على المسلمين) (أخرجه البخاري برقم (1454)، لكنه مع ذلك محاسب عليها، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح. 2 - الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد والمُكَاتَب؛ لأن العبد لا يملك شيئاً، والمكاتب ملكه ضعيف، وأن العبد وما في يده ملك لسيده، فتجب زكاته عليه. 3 - ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً (ومعنى كونه مستقراً: أي أنه ليس بعرضة للتلف، فإن كان عرضة للتلف وعدم التمكن فلا زكاة فيه): وكونه فاضلاً عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس، والمسكن؛ لأن الزكاة تجب مواساة للفقراء، فوجب أن يعتبر ملك النصاب الذي يحصل به الغنى المعتبر، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة) (متفق عليه). 4 - حولان الحول على المال: وذلك بأن يمر على النصاب في حوزة مالكه اثنا عشر شهراً قمرياً؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (صححه الألباني). وهذا الشرط خاص ببهيمة الأنعام والنقدين وعروض التجارة، أما الزروع والثمار والمعادن والركاز فلا يشترط لها الحول؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 141]، ولأن المعادن والركاز مال مستفاد من الأرض، فلا يعتبر في وجوب زكاته حول، كالزروع والثمار. المسألة السابعة: في أقسامها: الزكاة قسمان: 1 - زكاة الأموال: وهي التي تتعلق بالمال. 2 - زكاة الأبدان: وهي التي تتعلق بالبدن، وهي زكاة الفطر. المسألة الثامنة: زكاة الدَّيْن: الدين إذا كان على معسر فإن صاحب الدين يزكيه إذا قبضه لعام واحد في سنة قبضه، وإن كان على مليء قادر فإنه يزكيه لكل عام؛ لأنه في حكم الموجود عنده. الباب الثاني: في زكاة الذهب والفضة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: حكم الزكاة فيهما، وأدلة ذلك: تجب الزكاة في الذهب والفضة لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة: 34] ولا يُتَوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما مِن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحَت له صفائح من نار، فأُحْمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد) (أخرجه مسلم برقم (987). ولإجماع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً، وقيمته مائتا درهم، تجب الزكاة فيه. المسألة الثانية: مقدارها: مقدار الزكاة الواجبة في الذهب والفضة ربع العشر، أي في كل عشرين ديناراً من الذهب نصف دينار، وما زاد فبحسابه قل أو كثر، وفي كل مائتي درهم من الفضة خمسة دراهم، وما زاد فبحسابه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتاب الصدقة: (وفي الرِّقَةِ كل مائتي درهم ربع العشر) (أخرجه البخاري برقم (1454). (الرِّقَةُ: -بتخفيف القاف- الفضة والدراهم المضروبة منها، وأصله (الوَرق) فحذفت الواو وعوض منها الهاء ) ولحديث: ( ... وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً. فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليه الحول، ففيها نصف مثقال) (حديث صحيح كما قال الإمام النووي). ولما جاء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنَّه (كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال) (حديث صحيح. انظر إرواء الغليل). المسألة الثالثة: شروطها: يشترط لوجوب الزكاة في الذهب والفضة الشروط التالية: 1 - بلوغ النصاب، وهو عشرون مثقالاً من الذهب؛ لحديث علي: ( ... وليس عليك شيء -يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليه الحول ففيها نصف مثقال) ويساوي بالجرامات (85) جراماً. ونصاب الفضة مائتا درهم من الفضة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة). والأوقية أربعون درهماً، فخمس أواق تساوي مائتي درهم، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي الرَّقَة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائةً فليس فيها شيء، إلا أن يشاء رَبُّها) (أخرجه البخاري برقم (1454). وقد أجمع العلماء على أن نصاب الفضة خمس أواق، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً (شرح صحيح مسلم (7/ 48). 2 - بقية الشروط العامة التي سبقت فيمن تجب عليه الزكاة، وهي: الإسلام، والحرية، والملك التام، وحَوَلان الحول، وقد سبق الكلام عليها. المسألة الرابعة: في ضم أحدهما -الذهب والفضة- إلى الآخر: لا يضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب على القول الراجح؛ لأنهما جنسان مختلفان، فلم يضم أحدهما إلى الآخر، كالإبل والبقر، والشعير والقمح، مع أن المقصود منها واحد، وهو التنمية في الإبل والبقر، والقوت في الشعير والقمح، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وليس فيما دون خمس أواق صدقة). ويلزم من القول بضم أحدهما إلى الآخر في إكمال النصاب وجوب الزكاة في أقل من خمس أواق من الفضة، إذا كان عنده ما يكمل به من الذهب. ويشمل الحديث ما إذا كان عنده من الذهب ما يكمل به خمس أواق، أو لا. وعلى هذا إذا كان عنده عشرة دنانير ومائة درهم، فلا زكاة عليه؛ لأن الذهب يزكى وحده، وكذلك الفضة. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الخامسة: في زكاة الحُلِيّ: لا خلاف بين أهل العلم في وجوب الزكاة في الحلي المعدّ للادخار والكراء، وفي الحلي المُحَرَّم؛ كالرجل يتخذ خاتماً من ذهب، أو المرأة تتخذ حلياً صنع على صورة حيوان، أو فيه صورة حيوان، أما الحلي المعدّ للاستعمال المباح والعارية، فالصحيح من قولي أهل العلم وجوب الزكاة فيه؛ وذلك لما يلي: 1 - عموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وهذا العموم يشمل الحلي وغيره. 2 - ما رواه أهل السنن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت إلى رسول الله ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مَسَكَتانِ غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسوِّرك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) (حسنه الألباني). وهذا الحديث نص في الموضوع، وله شاهد في الصحيح وغيره. (مَسَكَتانِ : بفتحات، أي: سواران، والواحدة: مَسَكَة) 3 - ولأن هذا القول أحوط، وأبرأ للذمة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). المسألة السادسة: في زكاة عُرُوض التجارة: العروض: جمع عَرْض وعَرَض، وهو ما أعده المسلم للتجارة من أي صنف كان، وهو أعم أموال الزكاة وأشملها. وسُمِّي بذلك: لأنه لا يستقر، بل يعرِض ثم يزول، فإن التاجر لا يريد هذه السلعة بعينها، وإنما يريد ربحها من النقدين. والزكاة واجبة فيه لعموم قوله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)) [الذاريات: 19]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة: 267]. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم) (متفق عليه)، ولا شك أن عروض التجارة مال. وشروط وجوب الزكاة فيها: 1 - أن يملكها بفعله كالشراء، وقبول الهدية، فلا يدخل في ذلك الإرث ونحوه، مما يدخل قهراً. 2 - أن يملكها بنية التجارة. 3 - أن تبلغ قيمتها نصاباً، بالإضافة إلى الشروط الخمسة السابقة في أول الزكاة. فإذا حال عليها الحول قُوِّمت بأحد النقدين الذهب أو الفضة، فإذا بلغت القيمة نصاباً وجب فيها ربع العشر. ولا اعتبار في التقويم لما اشتريت به العروض؛ لأن قيمتها تختلف ارتفاعاً ونزولاً، وإنما العبرة بقيمتها وقت تمام الحول. الباب الثالث: في زكاة الخارج من الأرض، وفيه مسائل: المسألة الأولى: متى تجب؟ ودليل ذلك: الأصل في وجوبها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة: 267]. وتجب الزكاة في الحبوب إذا اشتد الحَبُّ، وصار فريكاً، وتجب في الثمار عند بدو صلاحها، بحيث تصبح ثمراً طيباً يؤكل، ولا يشترط له الحول؛ لقوله تعالى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) [الأنعام: 141]. فتجب الزكاة في كل مكيل مدخر من الحبوب والثمار، كالحنطة، والشعير والذرة، والأرز، والتمر، والزبيب. ولا تجب في الفواكه، والخضروات. فالمكيل: لكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعتبر التوسيق فيه، وهو التحميل. والمدَّخر: لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه. وعلى هذا، فما لم يكن مكيلاً ولا مدخراً من الحبوب والثمار، فلا زكاة فيه. المسألة الثانية: شروطها: يشترط لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان: 1 - بلوغ النصاب، وهو خمسة أوسق؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) (متفق عليه). والوسق حمل البعير، وهو ستون صاعاً بصاع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وخمسة الأوسق ثلاثمائة صاع، فيكون زنة النصاب بالبرّ الجيِّد ما يقارب ستمائة واثني عشر كيلو جراماً، على اعتبار أن وزن الصاع 2.40 كيلو جراماً. 2 - أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة. المسألة الثالثة: في مقدار الواجب: والواجب في الحبوب والثمار: العشر فيما سقي بلا كلفة، بأن كانت عثرية، أو تسقى بماء العيون، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة، بأن كانت تسقى بالدلاء والسواني ونحوها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بَعْلاً، العشر، وفيما سقي بالسواني، أو النضح، نصف العشر) (أخرجه البخاري برقم (1483) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأبو داود برقم (1596) واللفظ له الدِّلاء: جمع دلو، وهو ما يستقى به من البئر ونحوه. والسواني: جمع سانية، وهي الناقة التي يستقى عليها، وهي النواضح أيضاً، كما مضى البَعل: النخل يشرب بعروقه فلا يحتاج إلى سقي. المسألة الرابعة: في زكاة العسل: حكى ابن عبد البر -رحمه الله- عن الجمهور أنه لا زكاة فيه، وهو الأظهر؛ لأنه ليس في الكتاب، ولا في السنة، دليل صحيح صريح على وجوبها، والأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب. قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "الحديث (في أن في العسل العشر) ضعيف، وفي (ألا يؤخذ منه) ضعيف، إلا عن عمر بن عبد العزيز، واختياري أنه لا يؤخذ منه؛ لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه، وليست فيه ثابتة فكأنه عفو". وقال ابن المنذر: "ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت". المسألة الخامسة: في الرِّكاز: الرِّكاز: هو ما وُجد من دفائن الجاهلية ذهباً أو فضة أو غيرهما مما عليه علامة الكفر، ولم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة وكبير عمل، وأما ما طلب بمال وتطلَّب كبير عمل، فليس بركاز، ويجب فيه الخمس في قليله وكثيره، ولا يُشترط له الحول ولا النصاب؛ لعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي الركاز الخمس) (متفق عليه)، وهو فيء يصرف في مصالح المسلمين العامة، ولا يشترط أن يكون من مال معين، فسواء كان من الذهب أو الفضة أو غيرهما. ويعرف كونه من دفائن الجاهلية: بوجود علامات الكفر عليه، ككتابة أسمائهم، ونقش صورهم، ونحو ذلك من العلامات. وأما المَعْدِن: فهو كل ما تولَّد من الأرض من غير جنسها، ليس نباتاً، سواء أكان جارياً، كالنِّفط والقار، أم جامداً؛ كالحديد والنحاس والذهب والفضة والزئبق. فتجب فيه الزكاة بالإجماع كما سبق، لعموم النصوص الواردة في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض، كقوله تعالى: (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) [البقرة: 267]. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الرابع: في زكاة بهيمة الأنعام، وفيه مسائل: وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، والبقر يشمل الجاموس أيضاً، فهو نوع من البقر. والغنم يشمل الماعز، والضأن. وسُمِّيت بهيمة الأنعام؛ لأنها لا تتكلم، من الإبهام وهو الإخفاء، وعدم الإيضاح. المسألة الأولى: شروط وجوبها: يشترط لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام الشروط التالية: 1 - أن تبلغ الأنعام النصاب الشرعي، وهو في الإبل خمس، وفي البقر ثلاثون، وفي الغنم أربعون؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس فيما دون خمس ذود صدقة) (متفق عليه ، والذَّوْدُ من الإبل: من الثلاثة إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، فقوله: (خمس ذود) كقوله: (خمسة أبعرة، وخمسة جمال، وخمس نوق).)، ولحديث معاذ: (بعثنى رسول الله أصدق أهل اليمن، فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة) (صححه الألباني)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة، فليس فيها صدقة ... ) (أخرجه البخاري برقم (1454). 2 - أن يحول على الأنعام حول كامل عند مالكها وهي نصاب؛ لحديث: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) (صححه الألباني). 3 - أن تكون سائمة، وهي التي ترعى الكلأ المباح -وهو الذي نبت بفعل الله سبحانه دون أن يزرعه أحد- في الحول أو أكثره؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي صدقة الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين، شاة) (أخرجه البخاري برقم (1454)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي كل إبل سائمة في أربعين بنت لبون)، فإن كانت ترعى أقل الحول ويعلفها أكثره، فليست سائمة، ولا زكاة فيها. 4 - أن لا تكون عاملة، وهي التي يستخدمها صاحبها في حرث الأرض، أو نقل المتاع، أو حمل الأثقال؛ لأنها تدخل في حاجات الإنسان الأصلية كالثياب. أما إذا أُعِدَّت للكراء فإن الزكاة تكون فيما يحصل من أجرتها، إذا حال عليه الحول. المسألة الثانية: في قدر الواجب: 1 - قدر الواجب في الإبل: ومقدار الزكاة الواجبة: في الخمس من الإبل شاة جذعة من الضأن (الجذع: الصغير السن، وهو من الغنم ما تم له سنة ودخل في الثانية)، أو ثَنِيَّة من المعز (الثنية: ما تم له سنتان ودخل في الثالثة)، وفي العشر شاتان، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض من الإبل، وهي ما تَمَّ لها سنة، ودخلت في الثانية. وسُمِّيت بذلك لأن الغالب أن أمَّها قد حملت، فهي ماخض أي: حامل، فإن لم يجدها أجزأه ابن لبون ذكر، وهو ما تَمَّ له سنتان ودخل في الثالثة، وسُمِّي بذلك؛ لأن أمه وضعت الحمل الثاني في الغالب فهي ذات لبن. وفي ست وثلاثين إلى خمس وأربعين بنت لبون، لها سنتان. وفي ست وأربعين إلى ستين حِقَّةٌ، وهي ما تَمَّ لها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة. وسميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها الفحل. وقيل: لأنها استحقت الركوب، والتحميل. وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة، وهي ما تَمَّ لها أربع سنين ودخلت في الخامسة، وسميت بذلك لأنها جذعت مقدم أسنانها أي: أسقطته. وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتا لبون. وفي إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين حقتان. فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة؛ وذلك لحديث أنس في كتاب الصدقة وفيه: (في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى .. ) الحديث. (أخرجه البخاري برقم (1454) وهذا جدول يبين كيفية الزكاة في الإبل: العدد [من - إلى] ... المقدار الواجب [5 - 9] ... شاة [10 - 14] ... شاتان [15 - 9] ... ثلاث شياه [20 - 24] ... أربع شياه [25 - 35] ... بنت مخاض [36 - 45] ... بنت لبون [46 - 60] ... حقة [61 - 75] ... جذعة [76 - 90] ... بنتا لبون [91 - 120] ... حقتان فما زاد على 120 فالواجب في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. - قدر الواجب في البقر: يجب في ثلاثين بقرة إلى تسع وثلاثين تبيع، وهو ما تم له سنة، وسُمِّي بذلك لأنه يتبع أمه، وفي أربعين إلى تسع وخمسين مسنة، وهي ما تَمَّ لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأنها طلعت لها أسنان. وفي ستين إلى تسع وستين تبيعان. ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، وهكذا مهما بلغت. وذلك لحديث معاذ - رضي الله عنه - وفيه: (فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة). وهذا جدول يبين كيفية الزكاة في البقر: العدد [من - إلى] ... المقدار الواجب [30 - 39] ... تبيع [40 - 59] ... مسنة [60 - 69] ... تبيعان [70 - 79] ... تبيع ومسنة فما زاد ففي كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة. 3 - قدر الواجب في الغنم: ويجب في أربعين من الغنم إلى مائة وعشرين، شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين، شاتان، وفي مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة، ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة فيها بعد هذا المقدار، فيكون في كل مائة شاةٌ، مهما بلغت. وذلك لما جاء في حديث أنس في كتاب الصدقة وفيه: (وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على مائة وعشرين إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة) (أخرجه البخاري برقم (1454). وهذا جدول يبين كيفية زكاة الغنم: العدد [من - إلى] ... المقدار الواجب [40 - 120] ... شاة [121 - 200] ... شاتان [201 - 300] ... ثلاث شياة فما زاد على ذلك ففي كل مائة شاة. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثالثة: في صفة الواجب: وازن الإسلام بتشريعه العادل بين المصالح للفقراء والأغنياء، فندب إلى أخذ الفقير حقوقه كاملة، غير منقوصة، وندب إلى مراعاة حقوق الأغنياء في أموالهم، ولذلك حدد الواجب في الزكاة بأن يكون من وسط المال، لا من خياره، ولا من شراره، فيجب على الساعي مراعاة السن الواجبة، إذ لا يجزئ أقلّ منها؛ لأنه إضرار بالفقراء، ولا يأخذ أعلى منها؛ لأنه إجحاف بالأغنياء. ولا يأخذ المريضة، والمعيبة، والكبيرة الهرمة؛ لأنها لا تنفع الفقير، وبالمقابل لا يأخذ الأكولة، وهي السمينة المعدّة للأكل، ولا الرُّبى، وهي التي تربي ولدها، ولا الماخض وهي الحامل، ولا الفحل المعد للضراب، ولا حرزات المال، وهي خيارها التي تحرزها العين؛ لأنها من كرائم الأموال، وأخذها إضرار بالغني لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( ... وإياك وكرائم أموالهم) (متفق عليه). ولما روي عن عمر أنه قال لعامله سفيان: (قل لقومك: إنا ندع لكم الرُّبى، والماخض، وذات اللحم، وفحل الغنم، ونأخذ الجذع والثني، وذلك وسط بيننا وبينكم في المال). المسألة الرابعة: في الخلطة في بهيمة الأنعام: وهي على نوعين: النوع الأول: خلطة أعيان، وهي: أن يكون المال مشتركاً بين اثنين في المِلك، مشاعاً بينهما، لم يتميز نصيب أحدهما عن الآخر، وتكون خلطة الأعيان بالإرث، وتكون بالشراء. النوع الثاني: خلطة أوصاف، وهي أن يكون نصيب كل منهما متميزاً معروفا، ويجمع بينهما الجوار فقط. وهي بنوعيها تُصَيِّر المالين المختلطين كالمال الواحد إذا كان مجموع المالين نصاباً، وأن يكون الخليطان من أهل وجوب الزكاة. فلو كان أحدهما كافراً لا تصح الخلطة، ولا تؤثر، وأن يشترك المالان المختلطان في المراح، وهو المبيت والمأوى، ويشتركا في المسرح فيسرحن جميعاً، ويرجعن جميعاً، والمحلب والمرعى، والفحل، فيكون فحل الضراب واحداً مشتركاً لها جميعاً. فإذا توافرت هذه الشروط أصبح المالان كالمال الواحد بتأثير الخلطة. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) (صححه الألباني). فالخلطة تؤثر في إيجاب الزكاة وفي إسقاطها، وذلك في بهيمة الأنعام خاصة دون غيرها. ومثال الجمع بين المتفرق: أشخاص ثلاثة كل واحد منهم يملك أربعين من الغنم، فجميعها مائة وعشرون، فلو اعتبرنا كل واحد لوحده لوجب عليهم ثلاث شياه، لكن إذا جمعنا الغنم كلها فلا يكون فيها إلا شاة واحدة. فهنا: جمعوا بين متفرق؛ لئلا يجب عليهم ثلاث شياه، بل واحدة. ومثال التفريق بين مجتمع: شخص عنده أربعون شاة، فإذا علم بمجيء العامل فرق بينها فجعل عشرين منها في مكان وعشرين في مكان آخر، فلا يؤخذ عليها زكاة لعدم بلوغها النصاب متفرقة. الباب الخامس: في زكاة الفطر، ويقال لها: صدقة الفطر. وفيه مسائل: وسميت بذلك: لأنها تجب بالفطر من رمضان، ولا تعلق لها بالمال، وإنما هي متعلقة بالذمة، فهي زكاة عن النفس والبدن. المسألة الأولى: في حكمها ودليل ذلك: زكاة الفطر واجبة على كل مسلم؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين) (متفق عليه). المسألة الثانية: شروطها وعلى من تجب: تجب زكاة الفطر على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق. ويستحب إخراجها عن الجنين إذا نفخت فيه الروح، وهو ما صار له أربعة أشهر؛ فقد كان السلف يخرجونها عنه، كما ثبت عن عثمان وغيره. ويجب أن يُخرجها عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، من زوجة أو قريب، وكذا العبد، فإن صدقة الفطر تجب على سيده؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس في العبد صدقة، إلا صدقة الفطر) (أخرجه مسلم برقم (982) - 10). ولا تجب إلا على مَنْ فضل عن قوته، وقوت من تلزمه نفقته وحوائجه الضرورية في يوم العيد وليلته ما يؤدي به الفطرة. فزكاة الفطر لا تجب إلا بشرطين: 1 - الإسلام، فلا تجب على الكافر. 2 - وجود ما يفضل عن قوته، وقوت عياله، وحوائجه الأصلية في يوم العيد وليلته. المسألة الثالثة: في حكمة وجوبها: من الحكم في وجوب زكاة الفطر ما يلي: 1 - تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه في صيامه، من اللغو والرفث. 2 - إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) (حسنه الألباني). 3 - وفيها إظهار شكر نعمة الله على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك. المسألة الرابعة: مقدار الواجب، ومِمَّ يخرج؟ الواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت، أهل البلد من بر، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أَقط (الأَقِط: هو لبن مجفف يابس مستحجر، يتخذ من اللبن المخيض.)، أو أرز، أو ذرة، أو غير ذلك؛ لثبوت ذلك عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأحاديث الصحيحة، كحديث ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم. ويجوز أن تعطي الجماعة زكاة فطرها لشخص واحد، وأن يعطي الواحد زكاته لجماعة. ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام؛ لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولأنه مخالف لعمل الصحابة، فقد كانوا يخرجونها صاعاً من طعام، ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين وهو الطعام، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين. المسألة الخامسة: في وقت وجوبها وإخراجها: تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من ليلة العيد؛ لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان. ولإخراجها وقتان: وقت فضيلة وأداء، ووقت جواز. فأما وقت الفضيلة: فهو من طلوع فجر يوم العيد إلى قبيل أداء صلاة العيد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة) (متفق عليه). وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ لفعل ابن عمر وغيره من الصحابة لذلك. ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها فهي صدقة من الصدقات، ويأثم على هذا التأخير؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) (حسَّنه الألباني). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب السادس: في أهل الزكاة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: من هم أهل الزكاة؟ ودليل ذلك: أهل الزكاة هم المستحقون لها، وهم الأصناف الثمانية الذين حصرهم الله عز وجل في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]. وإيضاح هذه الأصناف كما يلي: 1 - الفقراء: جمع فقير، وهو من ليس لديه ما يسد حاجته، وحاجة من يعول، من طعام وشراب وملبس ومسكن، بألا يجد شيئاً، أو يجد أقلّ من نصف الكفاية، ويعطى من الزكاة ما يكفيه سنة كاملة. 2 - المساكين: جمع مسكين، وهو من يجد نصف كفايته أو أكثر من النصف، كمن معه مائة ويحتاج إلى مائتين، ويعطى من الزكاة ما يكفيه لمدة عام. 3 - العاملون عليها: جمع عامل، وهو من يبعثه الإمام لجباية الصدقات، فيعطيه الإمام ما يكفيه مدة ذهابه وإيابه ولو كان غنياً؛ لأن العامل قد فَرَّغ نفسه لهذا العمل، والعاملون هم كل من يعمل في جبايتها، وكتابتها، وحراستها، وتفريقها على مستحقيها. 4 - المؤلفة قلوبهم: وهم قوم يعْطَوْن الزكاة؛ تأليفاً لقلوبهم على الإسلام إن كانوا كفاراً، وتثبيتاً لإيمانهم، إن كانوا من ضعاف الإيمان المتهاونين في عباداتهم، أو لترغيب ذويهم في الإسلام، أو طلباً لمعونتهم أو كف أذاهم. 5 - في الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها العبد المسلم أو الأمة يُشْتَرى من مال الزكاة وَيُعتق، أو يكون مُكَاتَباً فيعطى من الزكاة ما يسدد به نجوم كتابته؛ ليصبح حراً نافذ التصرف، وعضواً نافعاً في المجتمع، ويتمكن من عبادة الله تعالى على الوجه الأكمل، وكذا الأسير المسلم يفك من الأعداء من مال الزكاة. 6 - الغارمون: جمع غارم، وهو المدين الذي تَحَملَ ديناً في غير معصية الله، سواء لنفسه في أمر مباح، أو لغيره كإصلاح ذات البين، فهذا يعطى من الزكاة ما يسدد به دينه، والغارم للإصلاح بين الناس يعطى من الزكاة، وإن كان غنياً. 7 - في سبيل الله: المراد به الغزاة في سبيل الله المتطوعون الذين ليس لهم راتب في بيت المال، فيعطون من الزكاة، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء. 8 - ابن السبيل: وهو المسافر المنقطع عن بلده الذي يحتاج إلى مال؛ ليواصل السفر إلى بلده، إذا لم يجد من يقرضه. المسألة الثانية: في حد الذين لا تدفع لهم الزكاة: الأصناف الذين لا يجوز صرف الزكاة لهم هم: 1 - الأغنياء، والأقوياء المكتسبون، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا حظ فيها لغني، ولا لقويٍ مُكْتَسِب) (صححه الألباني)، لكن يُعطى العامل عليها والغارم وإن كانوا أغنياء، كما تقدم. والقادر على الكسب إذا كان متفرغاً لطلب العلم الشرعي، وليس له مال، فإنه يعطى من الزكاة؛ لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله، وأما إن كان القادر على الكسب عابداً ترك العمل للتفرغ لنوافل العبادات فلا يعطى؛ لأن العبادة نفعها قاصر على العابد بخلاف العلم. 2 - الأصول والفروع والزوجة الذين تجب نفقتهم عليه، فلا يجوز دفع الزكاة إلى من تجب على المسلم نفقتهم كالآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأولاد، وأولاد الأولاد؛ لأن دفع الزكاة إلى هؤلاء يغنيهم عن النفقة الواجبة عليه، ويسقطها عنه، ومن ثَم يعود نفع الزكاة إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه. 3 - الكفار غير المؤلَّفين، فلا يجوز دفع الزكاة إلى الكفار؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم) أي أغنياء المسلمين وفقرائهم دون غيرهم، ولأن من مقاصد الزكاة إغناء فقراء المسلمين، وتوطيد دعائم المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك لا يجوز مع الكفار. 4 - آل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا تحل الزكاة لآل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إكراماً لهم لشرفهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنها لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس) (أخرجه مسلم برقم (1072)). وآل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قيل: هم بنو هاشم، وبنو المطلب؛ وقيل: هم بنو هاشم فقط، وهو الصحيح. وعليه يصح دفع الزكاة إلى بني المطلب؛ لأنهم ليسوا من آل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولعموم الآية: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) [التوبة: 60]، فيدخل فيهم بنو المطلب. 5 - وكذلك لا يجوز دفع الزكاة لموالى آل النبي؛ لحديث: (إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم) (صححه الألباني). وموالي القوم: عتقاؤهم. ومعنى (من أنفسهم): أي: فحكمهم كحكمهم، فتحرم الزكاة على موالي آل بني هاشم. 6 - العبد: لا تدفع الزكاة إلى العبد؛ لأن مال العبد ملك لسيده، فإذا أعطي الزكاة انتقلت إلى ملك سيده، ولأن نفقته تلزم سيده. ويستثنى من ذلك: المكاتب فإنه يعطى من الزكاة ما يقضي به دين كتابته، والعامل على الزكاة، فإذا كان العبد عاملاً على الزكاة أعطي منها لأنه كالأجير، والعبد يجوز أن يستأجر بإذن سيده. فمن دفعها لهذه الأصناف مع علمه بأنه لا يجوز دفعها لهم، فهو آثم. المسألة الثالثة: هل يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة؟ لا يشترط استيعاب الأصناف الثمانية المذكورة عند تفريق الزكاة على القول الصحيح، بل يجزئ دفعها لأي صنف من الأصناف الثمانية، لقوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 271]. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) متفق عليه، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقبيصة: (أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) (رواه مسلم برقم (1044). فهذه الأدلة تدل على أن المراد بقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) الآية [التوبة: 60]، بيان المستحقين للزكاة لا تعميم المستحقين عند تفريقها. المسألة الرابعة: في نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر: يجوز نقل الزكاة من بلدها إلى بلد آخر قريب أو بعيد للحاجة، مثل أن يكون البلد البعيد أشد فقراً، أو يكون لصاحب الزكاة أقارب فقراء في بلد بعيد مثل فقراء بلده، فإن في دفعها إلى أقاربه تحصيل المصلحة، وهي الصدقة والصلة. وهذا القول بجواز نقل الزكاة هو الصحيح؛ لعموم قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ) [التوبة: 60] أي: الفقراء والمساكين في كل مكان. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
رابعاً: كتاب الصيام ويشتمل على خمسة أبواب: الباب الأول: في مقدمات الصيام، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف الصيام، وبيان أركانه: 1 - تعريفه: الصيام في اللغة: الإمساك عن الشيء. وفي الشرع: الإمساك عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، مع النية، من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس. 2 - أركانه: من خلال تعريف الصيام في الاصطلاح، يتضح أن له ركنين أساسين، هما: الأول: الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. ودليل هذا الركن قوله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]. والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود: بياض النهار وسواد الليل. الثاني: النية، بأن يقصد الصائم بهذا الإمساك عن المفطرات عبادة الله عز وجل، فبالنية تتميز الأعمال المقصودة للعبادة عن غيرها من الأعمال، وبالنية تتميز العبادات بعضها عن بعض، فيقصد الصائم بهذا الصيام: إما صيام رمضان، أو غيره من أنواع الصيام. ودليل هذا الركن قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) (متفق عليه). المسألة الثانية: حكم صيام رمضان ودليل ذلك: فرض الله عز وجل صيام شهر رمضان، وجعله أحد أركان الإسلام الخمسة؛ وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. وقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185]. ولما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلاً) (متفق عليه). ولما رواه طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصيام؟، قال: (شهر رمضان)، قال: هل عليَّ غيره؟ قال: (لا، إلا أن تطوع شيئاً ... ) الحديث (متفق عليه). وقد أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان، وأنه أحد أركان الإسلام التي عُلمت من الدين بالضرورة، وأن منكره كافر، مرتد عن الإسلام. فثبت بذلك فرضية الصوم بالكتاب والسنة والإجماع، وأجمع المسلمون على كفر من أنكره. المسألة الثالثة: أقسام الصيام: الصيام قسمان: واجب، وتطوع؛ والواجب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: 1 - صوم رمضان. 2 - صوم الكفارات. 3 - صوم النذر. والكلام هنا ينحصر في صوم رمضان، وفي صوم التطوع، أما بقية الأقسام فتأتي في مواضعها، إن شاء الله تعالى. المسألة الرابعة: فضل صيام شهر رمضان، والحكمة من مشروعية صومه: 1 - فضله: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه). وعنه - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (رواه مسلم برقم (233). هذا بعض ما ورد في فضل صيام شهر رمضان، وفضائله كثيرة. 2 - الحكمة من مشروعية صومه: شرع الله سبحانه الصوم لحكم عديدة وفوائد كثيرة، فمن ذلك: 1 - تزكية النفس، وتطهيرها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة؛ لأن الصوم يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان. 2 - في الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها، وترغيب في الآخرة ونعيمها. 3 - الصوم يبعث على العطف على المساكين، والشعور بآلامهم؛ لأن الصائم يذوق ألم الجوع والعطش. إلى غير ذلك من الحكم البليغة، والفوائد العديدة. المسألة الخامسة: شروط وجوب صيام رمضان: يجب صيام رمضان على من توافرت فيه الشروط التالية: 1 - الإسلام: فلا يجب، ولا يصح الصيام من الكافر؛ لأن الصيام عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر، فإذا أسلم لا يلزم بقضاء ما فاته. 2 - البلوغ: فلا يجب الصيام على من لم يبلغ حد التكليف؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة) (صححه الألباني) فذكر منهم الصبي حتى يحتلم، ولكنه يصح الصيام من غير البالغ لو صام، إذا كان مميزاً، وينبغي لولي أمره أن يأمره بالصيام؛ ليعتاده ويألفه. 3 - العقل: فلا يجب الصيام على المجنون والمعتوه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة) فذكر منهم المجنون حتى يفيق. 4 - الصحة: فمن كان مريضاً لا يطيق الصيام لم يجب عليه، وإن صام صح صيامه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]. فإن زال المرض وجب عليه قضاء ما أفطره من أيام. 5 - الإقامة: فلا يجب الصوم على المسافر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) الآية؛ فلو صام المسافر صَحَّ صيامه، ويجب عليه قضاء ما أفطره في السفر. 6 - الخلو من الحيض والنفاس: فالحائض والنفساء لا يجب عليهما الصيام، بل يحرم عليهما؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ، ولم تصم؟، فذلك من نقصان دينها) (رواه البخاري برقم (304). ويجب القضاء عليهما؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة). (رواه مسلم برقم (335) |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السادسة: ثبوت دخول شهر رمضان وانقضائه: يثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال، بنفسه أو بشهادة غيره على رؤيته، أو إخباره بذلك؛ فإذا شهد مسلم عدل برؤية هلال رمضان ثبت بهذه الشهادة دخول شهر رمضان؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185]، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا رأيتموه فصوموا) (البخاري ومسلم)، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أخبرت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - برؤية رمضان فصامه، وأمر الناس بصيامه). (صححه الحاكم) فإن لم يرَ الهلال، أو لم يشهد مسلم عدل برؤيته، وجب إكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً. ولا يثبت دخول الشهر بغير هذين الأمرين -رؤية الهلال، أو إتمام شعبان ثلاثين يوما- لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) (البخاري ومسلم). وفي بعض الروايات: (غُمِّي) وبعضها (غُمَّ) والمعنى: غطي وخفي ولم يظهر. ويثبت انقضاء رمضان برؤية هلال شهر شوال بشهادة مسلمين عدلين، فإن لم يشهد مسلمان عدلان برؤية الهلال، وجب إكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً. المسألة السابعة: وقت النية في الصوم وحكمها: يجب على الصائم أن ينوي الصيام، وهي ركن من أركانه كما مضى؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). وينويها من الليل في الصيام الواجب؛ كصوم رمضان والكفارة والقضاء والنذر، ولو قبل الفجر بدقيقة واحدة؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له) (صححه الألباني). فمن نوى صوماً في النهار، ولم يطعم شيئاً، لم يجزئه إلا في صيام التطوع، فيجوز بنية من النهار، إذا لم يطعم شيئاً من أكل أو شرب؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم فقال: (هل عندكم من شيء؟) فقلنا: لا، قال: (فإني إذنْ صائم) (أخرجه مسلم برقم (1154) - 170). أما صيام الواجب فلا ينعقد بنية من النهار، ولابد فيه من نية الليل. وتكفي نية واحدة في بداية رمضان لجميع الشهر، ويُستحب تجديدها في كل يوم. الباب الثاني: في الأعذار المبيحة للفطر ومفطرات الصائم، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الأعذار المبيحة للفطر في رمضان: يباح الفطر في رمضان لأحد الأعذار التالية: الأول: المرض والكبر، فيجوز للمريض الذي يُرجى برؤه الفطرُ، فإذا برئ وجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها؛ لقوله تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]، وقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]. والمرض الذي يرخص معه في الفطر هو المرض الذي يشق على المريض الصيام بسببه. أما المريض الذي لا يرجى برؤه، أو العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالكبير: فإنه يفطر، ولا يجب عليه القضاء، وإنما تلزمه فدية، بأن يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لأن الله -عز وجل- جعل الإطعام معادلاً للصيام حين كان التخيير بينهما في أول ما فرض الصيام، فتعيَّن أن يكون بدلاً عنه عند العذر. يقول الإمام البخاري -رحمه الله-: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام، فقد أطعم أنس بعدما كبر عاماً أو عامين عن كل يوم مسكيناً. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما: فليطعما مكان كل يوم مسكيناً". (صحيح البخاري برقم (4505) فيطعم العاجز عن الصيام عجزاً لا يرجى زواله، بمرض كان أو كبر، عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من بر، أو تمر، أو أرز، أو نحوها من قوت البلد، ومقدار الصاع كيلوان وربع تقريباً (2.25) فيكون الإطعام عن كل يوم: كيلو جرام ومائة وخمسة وعشرين جراماً (1125 جرام) تقريباً. هذا وإن صام المريض صح صيامه وأجزأه. الثاني: السفر؛ فيباح للمسافر الفطر في رمضان، ويجب عليه القضاء؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184]. وقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]. ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمن سأله عن الصيام في السفر: (إن شئت فصم، وان شئت فأفطر) (صحيح البخاري برقم (1943). وخرج إلى مكة صائماً في رمضان، فلما بلغ الكَدِيد أفطر، فأفطر الناس (أخرجه البخاري برقم (1944). ويباح الفطر في السفر الطويل الذي يباح فيه قصر الصلاة (انظر: المغني (3/ 34)، وهو ما يقدر بثمانية وأربعين ميلاً، أي: حوالي ثمانين كيلو متراً. والسفر المبيح للفطر في رمضان هو السفر المباح، فإن كان سفر معصية أو سفراً يُراد به التحايل على الفطر، لم يبح له الفطر بهذا السفر. وإن صام المسافر صَحَّ صومه وأجزأه، لحديث أنس - رضي الله عنه -: (كنا نسافر مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) (أخرجه البخاري برقم (1947). ولكن بشرط ألا يشق عليه الصوم في السفر، فإن شقَّ عليه، أو أضَرَّ به، فالفطر في حقه أفضل؛ أخذاً بالرخصة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى في السفر رجلاً صائماً قد ظُلِّلَ عليه من شدة الحر، وتجمع الناس حوله، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ليس من البرِّ الصيام في السفر) (رواه البخاري برقم (1946). الثالث: الحيض والنفاس، فالمرأة التي أتاها الحيض أو النفاس تفطر في رمضان وجوباً، ويحرم عليها الصوم، ولو صامت لم يصح منها؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ فذلك من نقصان دينها) (رواه البخاري برقم (304). ويجب عليهما القضاء؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة. (رواه مسلم برقم (335) الرابع: الحمل والرضاع؛ فالمرأة إذا كانت حاملاً أو مرضعاً، وخافت على نفسها أو ولدها بسبب الصوم جاز لها الفطر، لما رواه أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع الصوم) (حسَّنه الألباني)، وتقضي الحامل والمرضع مكان الأيام التي أفطرتاها، وذلك إن خافتا على نفسيهما، فإن خافت الحامل مع ذلك على جنينها، أو المرضع على رضيعها؛ أطعمت مع القضاء عن كل يوم مسكيناً؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (والمرضع والحبلى إذا خافتا على أولادهما أفطرتا، وأطعمتا) (صححه الألباني). فتلخَّص من ذلك أن الأسباب المبيحة للفطر أربعة: السفر، والمرض، والحيض والنفاس، والخوف من الهلاك، كما في الحامل والمرضع. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثانية: مفطرات الصائم: وهي الأشياء التي تفسد على الصائم صومه وتفطره. ويفطر الصائم بفعل أحد الأمور التالية: الأول: الأكل أو الشرب عمداً؛ لقولى تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]. فقد بينت الآية أنه لا يباح للصائم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر حتى الليل -غروب الشمس-. أما من أكل أو شرب ناسياً فصيامه صحيح، ويجب عليه الإمساك إذا تذكَّر، أو ذكر أنه صائم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتمَّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه) (البخاري ومسلم). ويفسد الصوم بالسَّعُوط (وهو دواء يُصَبُّ في الأنف)، وبكل ما يصل إلى الجوف، ولو من غير الفم مما هو في حكم الأكل والشرب كالإبر المغذية. الثاني: الجماع، يبطل الصيام بالجماع، فمَنْ جامع وهو صائم بطل صيامه، وعليه التوبة والاستغفار، وقضاء اليوم الذي جامع فيه، وعليه مع القضاء كفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكيناً، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هلكت، فقال: (مالك؟)، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (هل تجد رقبة تعتقها؟)، قال: لا. قال: (هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)، قال: لا، قال: (هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟)، قال: لا، قال: فمكث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبينما نحن على ذلك أُتي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَق فيه تمر -والعَرَقُ المكتل- قال: (أين السائل؟)، فقال: أنا، قال: (خذ هذا فتصدق به)، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابَتَيْها -يريد الحرَّتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى بدت أنيابه، ثم قال: (أطعمه أهلك) (البخاري ومسلم). وفي معنى الجماع: إنزال المني اختيارا؛ فإذا أنزل الصائم مختاراً بتقبيل، أو لمس، أو استمناء، أو غير ذلك فسد صومه؛ لأن ذلك من الشهوة التي تناقض الصوم، وعليه القضاء دون الكفارة؛ لأن الكفارة لا تلزم إلا بالجماع فقط، لورود النص خاصاً به. أما إذا نام الصائم فاحتلم، أو أنزل من غير شهوة كمن به مرض، فلا يبطل صيامه؛ لأنه لا اختيار له في ذلك. الثالث: التقيؤ عمداً، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم عمداً، أما إذا غلبه القيء وخرج منه بغير اختياره، فلا يؤثر في صيامه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ذَرَعَهُ القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) (ذَرَعَهُ أي: سبقه وغلبه في الخروج) (صححه الألباني). الرابع: الحجامة، وهي إخراج الدم من الجلد دون العروق، فمتى احتجم الصائم فقد أفسد صومه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أفطر الحاجم والمحجوم) (صحح الألباني إسناده)، وكذا يفسد صوم الحاجم أيضاً، إلا إذا حجمه بآلات منفصلة، ولم يحتج إلى مص الدم، فإنه -والله أعلم- لا يفطر. وفي معنى الحجامة: إخراج الدم بالفَصْد (الفصد: شق العِرْق)، وإخراجه من أجل التبرع به. أما خروج الدم بالجرح، أو قلع الضرس، أو الرعاف فلا يضر؛ لأنه ليس بحجامة، ولا في معناها. الخامس: خروج دم الحيض والنفاس، فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس أفطرت، ووجب عليها القضاء؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصلِّ، ولم تصم) (رواه البخاري برقم (304). السادس: نية الفطر، فمن نوى الفطر قبل وقت الإفطار وهو صائم، بطل صومه، وإن لم يتناول مفطراً، فإن النية أحد ركني الصيام، فإذا نقضها قاصداً الفطر، ومتعمداً له، انتقض صيامه. السابع: الرِّدة، لمنافاتها للعبادة، ولقوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر: 65]. الباب الثالث: مستحبات الصيام ومكروهاته، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: مستحبات الصيام: يستحب للصائم أن يراعي في صيامه الأمور التالية: 1 - السُّحُور: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تسحروا فإن في السحور بركة) (البخاري ومسلم). ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله، ولو بجرعة ماء. ووقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر. 2 - تأخير السُّحُور: لحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: تسحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية. (البخاري ومسلم واللفظ لمسلم) 3 - تعجيل الفطر: فيستحب للصائم تعجيل الفطر متى تحقق غروب الشمس، فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر) (البخاري ومسلم). 4 - الإفطار على رُطَبَات: فإن لم يجد فتمرات، وأن تكون وتراً، فإن لم يجد فعلى جرعات من ماء؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يفطر على رُطَبَاتٍ قبل أن يصلِّي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حَسا حسوات من ماء) (صححه الألباني) فإن لم يجد شيئاً نوى الفطر بقلبه، ويكفيه ذلك. 5 - الدعاء عند الفطر، وأثناء الصيام: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم) (صححه الألباني). 6- الإكثار من الصدقة، وتلاوة القرآن، وتفطير الصائمين، وسائر أعمال البر: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) (البخاري ومسلم). 7 - الاجتهاد في صلاة الليل: وبالأخص في العشر الأواخر من رمضان؛ فعن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) (البخاري ومسلم)، ولعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدَّم من ذنبه) (أخرجه مسلم برقم (759). 8 - الاعتمار: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عمرة في رمضان تعدل حجة) (البخاري ومسلم). 9 - قول: "إني صائم" لمن شتمه: وذلك لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد، أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم) (البخاري ومسلم واللفظ للبخاري). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثانية: مكروهات الصيام: يكره في حق الصائم بعض الأمور التي قد تؤدي إلى جرح صومه، ونقص أجره، وهي: 1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق: وذلك خشية أن يذهب الماء إلى جوفه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) (صححه الألباني). 2 - القُبْلَة لمن تحرك شهوته، وكان ممن لا يأمن على نفسه: فيكره للصائم أن يقبل زوجته، أو أمته؛ لأنها قد تؤدي إلى إثارة الشهوة التي تجر إلى فساد الصوم بالإمناء أو الجماع، فإن أمن على نفسه من فساد صومه فلا بأس؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقبِّل وهو صائم، قالت عائشة رضي الله عنها: (وكان أملككم لأَرَبِه) (البخاري ومسلم) -أي: حاجته-. وكذلك عليه تجنب كل ما من شأنه إثارة شهوته وتحريكها؛ كإدامة النظر إلى الزوجة، أو الأمة، أو التفكر في شأن الجماع؛ لأنه قد يؤدي إلى الإمناء، أو الجماع. 3 - بلع النخامة: لأن ذلك يصل إلى الجوف، ويتقوى به، إلى جانب الاستقذار والضرر الذي يحصل من هذا الفعل. 4 - ذوق الطعام لغير الحاجة: فإن كان محتاجاً إلى ذلك -كأن يكون طبَّاخاً يحتاج لذوق ملحه وما أشبهه- فلا بأس، مع الحذر من وصول شيء من ذلك إلى حلقه. الباب الرابع: في القضاء، والصيام المستحب، وما يكره ويحرم من الصيام، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قضاء الصيام: إذا أفطر المسلم يوماً من رمضان بغير عذر، وجب عليه أن يتوب إلى الله، ويستغفره؛ لأن ذلك جرم عظيم، ومنكر كبير، ويجب عليه مع التوبة والاستغفار القضاء بقدر ما أفطر بعد رمضان، ووجوب القضاء هنا على الفور على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأنه غير مرخَّص له في الفطر، والأصل أن يؤديه في وقته. أما إذا أفطر بعذر كحيض أو نفاس أو مرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر فإنه يجب عليه القضاء، غير أنه لا يجب على الفور، بل على التراخي إلى رمضان الآخر، لكن يندب له، ويستحب التعجيل بالقضاء، لأن فيه إسراعاً في إبراء الذمة، ولأنه أحوط للعبد؛ فقد يطرأ له ما يمنعه من الصوم كمرض ونحوه. فإن أخَّره حتى رمضان الثاني، وكان له عذر في تأخيره، كأن استمر عذره، فعليه القضاء بعد رمضان الثاني. أما إن أخَّره إلى رمضان الثاني بغير عذر، فعليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم. ولا يشترط في القضاء التتابع، بل يصح متتابعاً ومتفرقاً، لقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184] فلم يشترط سبحانه في هذه الأيام التتابع، ولو كان شرطاً لبيَّنه سبحانه وتعالى. المسألة الثانية: الصيام المستحب: من حكمة الله عز وجل ورحمته بعباده: أن جعل لهم من التطوع ما يماثل الفرائض، وذلك زيادة في الأجر والثواب للعاملين، وجبراً للنقص والخلل الذي قد يطرأ على الفريضة، فقد سبق معنا: أن الفرائض تكمل من النوافل يوم القيامة. والأيام التي يستحب صيامها هي: 1 - صيام ستة أيام من شوال: لحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر) (رواه مسلم برقم (1164). 2 - صيام يوم عرفة لغير الحاج: لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله، والسنة التي بعده) (رواه مسلم برقم (1162). أما الحاجُّ فلا يسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفطر في ذلك اليوم والناس ينظرون إليه، ولأنه أقوى للحاج على العبادة والدعاء في ذلك اليوم. 3 - صيام يوم عاشوراء: فقد سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم عاشوراء؟ فقال: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) (أخرجه مسلم برقم (1162). وهو جزء من حديث طويل). ويستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) (أخرجه مسلم برقم (1133) - 134)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، خالفوا اليهود) (أخرجه أحمد (1/ 241)، وابن خزيمة برقم (2095) وفي سنده ضعف، لكنه صح عن ابن عباس بنحوه موقوفاً من قوله). 4 - صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع: لحديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يتحرى صيام الاثنين والخميس) (صححه الألباني)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) (صححه الألباني). 5 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد الله بن عمرو: (صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر) (أخرجه البخاري برقم (1976). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أوصاني خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام) (أخرجه البخاري برقم (1981). ويستحب أن تكون الأيام البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من كان منكم صائماً من الشهر فليصم الثلاث البيض) (حسنه الألباني). 6 - صوم يوم وإفطار يوم: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) (رواه البخاري برقم (1976). وهذا من أفضل أنواع التطوع. 7 - صيام شهر الله المحرم: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) (رواه مسلم برقم (1163). 8 - صيام تسع ذي الحجة: وتبدأ من أول يوم من شهر ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في فضل العمل فيها؛ فقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر) (أخرجه البخاري برقم (969). والصوم من العمل الصالح. المسألة الثالثة: ما يكره ويحرم من الصيام: 1 - يكره إفراد شهر رجب بالصيام؛ لأن ذلك من شعائر الجاهلية، وقد كانوا يعظمون هذا الشهر، فلو صامه مع غيره لم يكره؛ لأنه لا يكون حينئذ مُخَصِّصاً له بالصيام. روى أحمد بن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف المترجِّبين، حتى يضعوها في الطعام، ويقول: (كلوا، فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية) (عزاه الألباني لابن أبي شيبة، وقال: صحيح). 2 - يكره إفراد يوم الجمعة بصيام؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تصوموا يوم الجمعة، إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده) (البخاري ومسلم). فإن صامه مع غيره فلا بأس بذلك، للحديث الماضي. 3 - يكره إفراد يوم السبت بصيام؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم) (صححه الألباني). والمقصود: النهي عن إفراده، وتخصيصه بالصيام، أما إذا ضُمَّ إلى غيره فلا بأس، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأم المؤمنين جويرية وقد دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة: (أصمتِ أمس؟) قالت: لا. قال: (تريدين أن تصومي غداً؟) قالت: لا. قال: (فأفطري) (البخاري). فدل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (تريدين أن تصومي غداً) على جواز صيام يوم السبت مع غيره. قال الإمام الترمذي -رحمه الله- عقب إخراجه حديث النهي الماضي: (ومعنى الكراهية فى هذا: أن يختص الرجل يوم السبت بصيام؛ لأن اليهود يعظِّمون يوم السبت). 4 - تحريم صيام يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال، فإن كانت السماء صحواً فلا شك. ودليل تحريمه: حديث عمار - رضي الله عنه - قال: (من صام اليوم الذي يشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم) (صححه الألباني). ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يتقدمَن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم) (البخاري). والمعنى: لا يتقدم أحد رمضان بصوم يوم يُعَدُّ منه بقصد الاحتياط، فإن صومه مرتبط بالرؤية، فلا حاجة إلى التكلف، أما من كان له ورد يصومه فلا شيء عليه؛ لأن ذلك ليس من استقبال رمضان. ويستثنى من ذلك أيضاً: القضاء والنذر لوجوبهما. 5 - يحرم صوم يومي العيدين، لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: (نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صوم يوم الفطر والنحر) (البخاري)، ولحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: (هذان يومان نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم) (البخاري). 6 - يكره صوم أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنها: (أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) (مسلم). ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) (صححه الألباني). ورُخِّص في صيامها للمتمتع والقارن إذا لم يجدا ثمن الهدي؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، قالا: (لم يُرَخَّص في أيام التشريق أن يُصَمن إلا لمن لم يجد الهدي) (البخاري). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الخامس: في الاعتكاف، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف الاعتكاف وحكمه: 1 - تعريفه: الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه. وفي الشرع: لزوم المسلم المميز مسجداً لطاعة الله عز وجل. 2 - حكمه: وهو سنة وقربة إلى الله تعالى؛ لقوله عز وجل: (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة: 125]. وهذه الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة. وقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة: 187]. وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) (البخاري ومسلم). وأجمع المسلمون على مشروعيته، وأنه سنة، لا يجب على المرء إلا أن يوجبه على نفسه كأن ينذره. فثبتت سُنيَّة الاعتكاف ومشروعيته، بالكتاب، والسنة، والإجماع. المسألة الثانية: شروط الاعتكاف: الاعتكاف عبادة لها شروط لا تصح إلا بها، وهي: 1 - أن يكون المعتكف مسلماً مميزاً عاقلاً: فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا المجنون، ولا الصبي غير المميز؛ أما البلوغ والذكورية فلا يشترطان، فيصح الاعتكاف من غير البالغ إذا كان مميزاً، وكذلك من الأنثى. 2 - النية: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات) (البخاري ومسلم). فينوي المعتكف لزوم معتكفه؛ قربةً وتعبداً لله عز وجل. 3 - أن يكون الاعتكاف في مسجد: لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد) ِ [البقرة: 187]. ولفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث كان يعتكف في المسجد، ولم ينقل عنه أنه اعتكف في غيره. 4 - أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه صلاة الجماعة: وذلك إذا كانت مدة الاعتكاف تتخللها صلاة مفروضة، وكان المعتكف ممن تجب عليه الجماعة، لأن الاعتكاف. في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة يقتضي ترك الجماعة وهي واجبة عليه، أو تكرار خروج المعتكف كل وقت، وهذا ينافي المقصود من الاعتكاف، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد سواء أقيمت فيه الجماعة أم لا. هذا إذا لم يترتب على اعتكافها فتنة، فإن ترتب على ذلك فتنة منعت. والأفضل أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه تقام فيه الجمعة، لكن ذلك ليس شرطاً للاعتكاف. 5 - الطهارة من الحدث الأكبر: فلا يصح اعتكاف الجنب، ولا الحائض، ولا النفساء؛ لعدم جواز مكث هؤلاء في المسجد. أما الصيام فليس بشرط في الاعتكاف؛ لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال: (أوف بنذرك) (البخاري ومسلم). فلو كان الصوم شرطاً لما صح اعتكافه في الليل، لأنه لا صيام فيه. ولأنهما عبادتان منفصلتان، فلا يشترط لإحداهما وجود الأخرى. المسألة الثالثة: زمان الاعتكاف ومستحباته وما يباح للمعتكف: 1 - زمن الاعتكاف ووقته: المكث في المسجد مقداراً من الزمن هو ركن الاعتكاف، فلو لم يقع المكث في المسجد لم ينعقد الاعتكاف، وفي أقل مدة الاعتكاف خلاف بين أهل العلم. والصحيح -إن شاء الله- أن وقت الاعتكاف ليس لأقله حد، فيصح الاعتكاف مقداراً من الزمن، وإن قل، إلا أن الأفضل ألا يقل الاعتكاف عن يوم أو ليلة؛ لأنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من أصحابه الاعتكاف فيما دون ذلك. وأفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ لحديث عائشة رضي الله عنها السابق: "أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله" (البخاري ومسلم). فإن اعتكف في غير هذا الوقت، جاز ذلك لكنه خلاف الأولى والأفضل. ومن نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان صلى الفجر من صبيحة اليوم الحادي والعشرين في المسجد الذي ينوي الاعتكاف فيه، ثم يدخل في اعتكافه، وينتهي بغروب شمس آخر يوم من رمضان. 2 - مستحباته: والاعتكاف عبادة يخلو فيها العبد بخالقه، ويقطع العلائق عما سواه، فيستحب للمعتكف أن يتفرغ للعبادة، فيكثر من الصلاة، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن، والتوبة، والاستغفار، ونحو ذلك من الطاعات التي تقربه إلى الله تعالى. 3 - ما يباح للمعتكف: ويباح للمعتكف الخروج من المسجد لما لابد منه؛ كالخروج للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يحضرهما، والخروج لقضاء الحاجة، والوضوء من الحدث، والاغتسال من الجنابة. ويباح له التحدث إلى الناس فيما يفيد، والسؤال عن أحوالهم، أما التحدث فيما لا يفيد، وفيما لا ضرورة فيه، فإنه ينافي مقصود الاعتكاف وما شرع من أجله. ويباح له أن يزوره بعض أهله وأقاربه، وأن يتحدث إليه ساعة من زمان، والخروج من معتكفه لتوديعهم؛ لحديث صفية رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معتكفاً فأتيت ليلاً، فحدَّثته، ثم قمت، فانقلبت، فقام معي ليَقْلِبَني ... ) (البخاري ومسلم) الحديث. ومعنى ليقلبني: يردني إلى بيتي. وللمعتكف أن يأكل، ويشرب، وينام في المسجد، مع المحافظة على نظافة المسجد، وصيانته. المسألة الرابعة: مبطلات الاعتكاف: يبطل الاعتكاف بما يلي: 1 - الخروج من المسجد لغير حاجة عمداً، وإن قلَّ وقت الخروج؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً) (البخاري)، ولأن الخروج يفوت المكث في المعتكف، وهو ركن الاعتكاف. 2 - الجماع، ولو كان ذلك ليلاً، أو كان الجماع خارج المسجد؛ لقوله تعالى: (وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) [البقرة: 187]. وفي حكمه الإنزال بشهوة بدون جماع كالاستمناء، ومباشرة الزوجة في غير الفرج. 3 - ذهاب العقل، فيفسد الاعتكاف بالجنون والسكر، لخروج المجنون والسكران عن كونهما من أهل العبادة. 4 - الحيض والنفاس؛ لعدم جواز مكث الحائض والنفساء في المسجد. 5 - الردة؛ لمنافاتها العبادة، ولقوله تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر: 65]. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
خامسا كتاب الحج ويشتمل على سبعة أبواب: الباب الأول: في مقدمات الحج، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في تعريف الحج: الحَجُّ في اللغة: القصد. وفي الشرع: التعبد لله بأداء المناسك في مكان مخصوص في وقت مخصوص، على ما جاء في سنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. المسألة الثانية: حكم الحج وفضله: 1 - حكم الحج: الحج أحد أركان الإسلام وفروضه العظام، لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران: 97]. ولقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة: 196]. ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: (بني الإسلام على خمس ... )، وذكر منها الحج. وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع مرة واحدة في العمر. 2 - فضله: ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة، منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (أخرجه مسلم برقم (1349). وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من حج لله، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه) (متفق عليه). إلى غير ذلك من الأحاديث. المسألة الثالثة: هل يجب الحج في العمر أكثر من مرة؟ لا يجب الحج في العمر إلا مرة واحدة وما زاد على ذلك فهو تطوع؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا)، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فقال: (لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم) (رواه مسلم برقم (1337)، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يحج بعد هجرته إلى المدينة إلا حجة واحدة. وقد أجمع العلماء على أن الحج لا يجب على المستطيع إلا مرة واحدة. وعليه أن يبادر بأدائه إذا تحققت شروطه، ويأثم بتأخيره لغير عذر؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (تعجلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِضُ له) (حسنه الألباني). وقد رُوي مرفوعاً وموقوفاً، من طرق يقوّي بعضها بعضاً: (من استطاع الحج فلم يحج، فليمت إن شاء يهودياً، وإن شاء نصرانياً) (انظر: نيل الأوطار (4/ 337). المسألة الرابعة: شروط الحج: يشترط لوجوب الحج خمسة شروط: 1 - الإسلام: فلا يجب الحج على الكافر ولا يصح منه؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادة. 2 - العقل: فلا يجب الحج على المجنون ولا يصح منه في حال جنونه؛ لأن العقل شرط للتكليف، والمجنون ليس من أهل التكليف، ومرفوع عنه القلم، حتى يفيق، كما في حديث علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) (صححه الألباني). 3 - البلوغ: فلا يجب الحج على الصبي؛ لأنه ليس من أهل التكليف ومرفوع عنه القلم حتى يبلغ للحديث الماضي: (رفع القلم عن ثلاثة ... )، لكن لو حج فحجه صحيح، وينوي له وليه إذا لم يكن مميزاً، ولا يكفيه عن حجة الإسلام، بلا خلاف بين أهل العلم؛ لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: (نعم ولك أجر) (رواه مسلم برقم (1336). ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أيما صبيٍّ حج ثم بلغ، فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق، فعليه حجة أخرى) (صححه الشيخ الألباني). 4 - الحرية: فلا يجب الحج على العبد؛ لأنه مملوك لا يملك شيئاً، لكن لو حج صحَّ حجه إن كان بإذن سيده. وقد أجمع أهل العلم على أن المملوك إذا حج في حال رقه، ثم أعتق، فعليه حجة الإسلام، إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، ولا يجزئ عنه ما حَجَّ في حال رقه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث الماضي ذكره: (وأيما عبد حج ثم عتق، فعليه حجة أخرى). 5 - الاستطاعة: لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران: 97]. فغير المستطيع مالياً، بأن كان لا يملك زاداً يكفيه ويكفي من يعوله، أو كان لا يملك راحلة توصله إلى مكة وترده. أو بدنياً بأن كان شيخاً كبيراً، أو مريضاً ولا يتمكن من الركوب وتحمل مشاق السفر، أو كان الطريق إلى الحج غير آمن، كأن يكون به قطاع طرق، أو وباء، أو غير ذلك مما يخاف الحاج معه على نفسه وماله، فإنه لا يجب عليه الحج حتى يستطيع، وقد قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286] والاستطاعة من الوسع الذي ذكره الله، ومن الاستطاعة في حج المرأة: وجود المحرم الذي يرافقها في سفر الحج؛ لأنه لا يجوز لها السفر للحج ولا لغيره بدون محرم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها) (رواه مسلم برقم (1340)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل الذي قال: إن امرأتي خرجت حاجَّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا: (انطلق فحج معها) (متفق عليه). فإذا حجت بدون محرم فحجها صحيح، وتكون آثمة. المسألة الخامسة: حكم العمرة وأدلة ذلك: تجب العمرة على المستطيع مرة واحدة في العمر؛ لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة: 196]، ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعائشة لما سألته: هل على النساء جهاد؟ قال: (نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) (صححه الألباني)، ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي رزين لما سأله أن أباه لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن. قال: (حج عن أبيك واعتمر) (صححه الألباني). وأركانها ثلاثة: الإحرام، والطواف، والسعي. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السادسة: مواقيت الحج والعمرة: الميقات لغة: هو الحد. وشرعاً: هو موضع العبادة أو زمنها، فتنقسم المواقيت إلى: زمانية ومكانية. أما المواقيت الزمانية للحج والعمرة: فالعمرة يجوز أداؤها في جميع أوقات السنة. وأما الحج فله أشهر معلومات لا يصح شيء من أعمال الحج إلا فيها؛ لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [البقرة: 197]، وهي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. وأما المواقيت المكانية للحج والعمرة: فهي الحدود التي لا يجوز للحاج والمعتمر أن يتجاوزها إلا بإحرام. وقد بيَّنها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (وَقَّتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة) (متفق عليه وفي لفظ: (ومهل أهل العراق ذات عرق). فمن تعدى هذه المواقيت بدون إحرام وجب عليه الرجوع إليها إن أمكن، وإن لم يتمكن من الرجوع فعليه فدية، وهي شاة يذبحها في مكة، ويوزِّعها على مساكين الحرم. أما من كانت منازلهم دون المواقيت، فإنهم يُحرمون من أماكنهم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث السابق: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ). الباب الثاني: في أركان، الحج وواجباته، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في أركان الحج: أركان الحج أربعة، هي: 1 - الإحرام: وهو نية الحج وقصده؛ لأن الحج عبادة محضة فلا يصح بغير نية بإجماع المسلمين، والأصل في ذلك قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إنما الأعمال بالنيات) (متفق عليه)، والنية محلها القلب، لكن الأفضل في الحج النطق بها، مُعَيِّناً النسك الذي نواه، لثبوت ذلك من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. 2 - الوقوف بعرفة: وهو ركن بالإجماع، ودليله قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الحج عرفة) (صححه الألباني)، ووقت الوقوف: من بعد الزوال يوم عرفة، إلى طلوع فجر يوم النحر. 3 - طواف الزيارة: ويسمى طواف الإفاضة، لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفة، ويسمى طواف الفرض، وهو ركن بالإجماع؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29]. 4 - السعي بين الصفا والمروة: وهو ركن؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة (صححه الألباني)، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي) (صححه الألباني). وهذه الأركان لا يتم الحج إلا بها، فمن ترك ركناً منها لم يتم حجه، حتى يأتي به. المسألة الثانية: واجبات الحج: 1 - الإحرام من الميقات المعتبر له شرعاً. 2 - الوقوف بعرفة إلى الليل لمن أتاها نهاراً؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقف إلى الغروب -كما سيأتي في صفة حجته-، وقال: (خذوا عني مناسككم). 3 - المبيت بمزدلفة ليلة النحر إلى منتصف الليل، إن وافاها قبله؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك. 4 - المبيت بمنى ليالي أيام التشريق. 5 - رمي الجمرات مرتباً. 6 - الحلق أو التقصير، لقوله تعالى: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) [الفتح: 27]، ولفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأمره بذلك. 7 - طواف الوداع لغير الحائض والنفساء؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض) (متفق عليه). فمن ترك واجباً من هذه الواجبات عامداً أو ناسياً جبره بدم وصح حجه، لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه فليرق دماً) (هو ثابت عن ابن عباس من قوله، كما قال ابن عبد البر (الاستذكار 12/ 184) والألباني (الإرواء 4/ 299). وما سوى ما ذكر من الأعمال فهو سنة. ومن أهم هذه السنن: 1 - الاغتسال للإحرام والتطيب ولبس ثوبين أبيضين. 2 - تقليم الأظافر وأخذ شعر العانة والإبط وقص الشارب وما يلزم أخذه. 3 - طواف القدوم للمفرد والقارن. 4 - الرَّمَل في الثلاثة الأشواط الأولى من طواف القدوم. 5 - الاضطباع في طواف القدوم، وهو: أن يجعل وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر. 6 - المبيت بمنى ليلة عرفة. 7 - التلبية من حين الإحرام إلى رمي جمرة العقبة. 8 - الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة تقديماً. 9 - الوقوف بمزدلفة عند المشعر الحرام من الفجر إلى الشروق إن تيسر، وإلا فمزدلفة كلها موقف. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الثالث: في المحظورات والفدية والهدي، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في محظورات الإحرام: وهي ما يمتنع على المحرم فعله شرعاً، وهي تسعة: 1 - لبس المخيط، وهو المفصَّل على قدر البدن أو العضو من السراويل والثياب وغيرهما، إلا لمن لم يجد إزاراً فيجوز له لبس السراويل. وهذا المحظور خاص بالرجال، أما المرأة فتلبس ما شاءت من الثياب إلا النقاب والقفازين، كما سيأتي. 2 - استعمال الطيب في بدنه أو ثيابه، وكذلك تعمد شمه، ويجوز له شم ما له رائحة طيبة من نبات الأرض، وله الاكتحال بما لا طيب فيه. 3 - إزالة الشعر والظفر، ذكراً كان أو أنثى، ويجوز له غسل رأسه برفق، وإن انكسر ظفره جاز له رميه. 4 - تغطية رأس الرجل بملاصق له، وله الاستظلال بالخيمة ونحوها كشجرة. ويجوز للمحرم أن يستظل بالشمسية عند الحاجة، والمرأة ممنوعة من تغطية وجهها بما عمل على قدره كالنقاب والبرقع، ويجب عليها تغطية وجهها بالخمار عند وجود الرجال الأجانب، وممنوعة من لبس القفازين، وتلبس ما شاءت من الثياب مما يناسبها. فمن تطيب، أو غطَّى رأسه، أو لبس مخيطاً، جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً، فلا شيء عليه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). فمتى علم الجاهل، أو ذكر الناسي، أو زال الإكراه، فعليه منع استدامة هذا المحظور. 5 - عقد النكاح له ولغيره. 6 - الوطء في الفرج، وهو مفسد للحج قبل التحلل الأول، ولو بعد الوقوف بعرفة. 7 - المباشرة فيما دون الفرج، ولا تفسد النسك، وكذا القُبلة واللمس والنظر بشهوة. 8- قتل صيد البر واصطياده، ويجوز له قتل الفواسق التي أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتلها في الحل والحرم، للمحرم وغيره، وهي: الغراب والفأرة والعقرب والحِدأة والحية والكلب العقور. ولا يجوز له الإعانة على قتل صيد البر، لا بالإشارة ولا بغيرها، ولا يجوز أكل ما صيد من أجله. 9 - لا يجوز للمحرم ولا غيره قطع شجر الحرم أو نباته الرطب غير المؤذي، ويجوز قطع الأوصال المؤذية في الطريق، ويستثنى من شجر الحرم الإذخر، وما أنبته الآدميون بالإجماع. المسألة الثانية: فدية المحظورات: - بالنسبة لحلق الشعر، وتقليم الأظافر، ولبس المخيط، والطيب، وتغطية الرأس، والإمناء بنظرة، والمباشرة بغير إنزال المني: الفدية فيها على التخيير بين أصناف ثلاثة: 1 - صيام ثلاثة أيام. 2 - أو إطعام ستة مساكين. 3 - أو ذبح شاة. لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لكعب بن عجرة حين آذاه هوام رأسه: (احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة) (متفق عليه). وقيست عليه بقية الأفعال، لأنها محرمة بالإحرام، ولا تفسد الحج. - وأما بالنسبة لقتل الصيد: فيخير قاتل الصيد بين ذبح المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف، ويشتري بقيمته طعاماً يجزئ في الفطرة، فيطعم كل مسكين مدّ بُرٍّ، أو نصف صاع من غيره، كتمر أو شعير، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) [المائدة: 95]. - وأما بالنسبة للوطء في الحج قبل التحلل الأول، وإنزال المني بمباشرة، أو استمناء، أو تقبيل، أو لمس بشهوة، أو تكرار نظر: فإنه يفسد الحج، حتى وإن كان المجامع ساهياً أو جاهلاً أو مكرهاً. ويجب في ذلك بدنة، وقضاء الحج، والتوبة. وأما بعد التحلل الأول، فإنه لا يفسد الحج، ويجب في ذلك شاة. - وأما بالنسبة لعقد النكاح: فلا يجب في ذلك فدية، وإنما يكون العقد فاسداً. - وأما بالنسبة لقطع شجر الحرم ونباته الذي لم يزرعه الآدمي: فتضمن الشجرة الصغيرة عرفاً بشاة وما فوقها ببقرة، ويضمن النبات والورق بقيمته لأنه متقوم. هذا إذا كان مرتكب المحظور متعمداً، أما الجاهل والناسي فلا شيء عليهما. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثالثة: في الهدي وأحكامه: الهدي: ما يهدى إلى البيت الحرام من بهيمة الأنعام -الإبل والبقر والغنم- تقرباً إلى الله تعالى. أنواع الهدي: 1 - هدي التمتع والقِران: وهو واجب على من لم يكن حاضر المسجد الحرام، وهو دم نسك لا جبران؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196]. فإن عدم الهدي أو ثمنه صام ثلاثة أيام في الحج، ويجوز صيامها في أيام التشريق، وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) [البقرة: 196] ويستحب للحاج أن يأكل من هدي التمتع والقران لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج: 36]. 2 - هدي الجبران: وهو الفدية الواجبة لترك واجب، أو ارتكاب محظور من محظورات الإحرام، أو بسبب الإحصار عند وجود سببه؛ لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196]، ولقول ابن عباس: (من نسي من نسكه شيئاً أو تركه، فليرق دماً) (هو ثابت عن ابن عباس من قوله، كما قال ابن عبد البر (الاستذكار 12/ 184) والألباني (الإرواء 4/ 299). وهذا النوع لا يجوز الأكل منه، بل يتصدق به على فقراء الحرم. 3 - هدي التطوع: وهو مستحب لكل حاج ولكل معتمر؛ اقتداء بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد أهدى مائة بدنة في حجة الوداع. ويستحب الأكل منه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر من كل جزور بِبَضْعَةٍ، فطبخت، وأكل منها، وشرب من مرقها. (رواه مسلم برقم (1218) والبَضعة: القطعة من اللحم. ويجوز لغير المحرم أن يبعث هدايا إلى مكة لتذبح بها؛ تقرباً إلى الله تعالى، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم. 4 - هدي النذر: وهو ما ينذره الحاج تقرباً إلى الله عند البيت الحرام، ويجب الوفاء بهذا النذر؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) [الحج: 29]. ولا يجوز الأكل من هذا الهدي. وقت ذبح الهدي: هدي التمتع والقران يبدأ وقته من بعد صلاة العيد يوم النحر، إلى آخر أيام التشريق. أما ذبح فدية الأذى واللبس فحين فعله، وكذلك الفدية الواجبة لترك واجب. وأما دم الإحصار فعند وجود سببه، وهو شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة، لقوله تعالى: (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196]. مكان الذبح: هدي التمتع والقران: السنة أن يذبحه بمنى، وإن ذبحه في أي جزء من أجزاء الحرم جاز. وكذلك فدية ترك الواجب وفعل المحظور فلا تذبح إلا في الحرم، عدا هدي الإحصار، فيذبحه في موضعه. أما الصيام فيجزئه في كل مكان. والمستحب أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله؛ لقوله تعالى: (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) [البقرة: 196]. ويستحب أن يذبح الحاج بنفسه، وإن أناب غيره فلا بأس بذلك، ويستحب أن يقول عند الذبح: بسم الله، اللهم هذا منك ولك. أما شروط الهدي: فهي شروط الأضحية نفسها: 1 - أن يكون من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم). 2 - أن يكون خالياً من العيوب التي تمنع الإجزاء، كالمرض والعور والعرج والهزال. 3 - أن تتوافر فيه السن المشروعة: فالإبل خمس سنوات، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن ستة أشهر. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الرابع: في صفة الحج والعمرة: الأصل عند أهل العلم في صفة الحج حديث جابر المشهور. (رواه مسلم) وقد تتبعنا الروايات الصحيحة الثابتة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فتلخص لنا من مجموعها الصفة التالية: إذا وصل مريد النسك إلى الميقات فإنه يستحب له أن يغتسل، ويأخذ ما يحتاج إلى أخذه من شعر، يحل أخذه، كشعر الإبط والعانة والشارب، ويقلم أظافره، ويتجرد الرجل من المخيط، ويتطيب في بدنه قبل نية الدخول في النسك، ويلبس الرجل إزاراً ورداء نظيفين أبيضين. وتحرم المرأة فيما شاءت من ثياب. ويغطي الرجل كتفيه بردائه، ويهل بنسكه الذي يريد. والأفضل أن يكون إهلاله إذا استوى على دابته، وإن كان المحرم يخاف من عائق يمنعه من إتمام نسكه كمرض أو قطع طريق أو نحو ذلك فإنه يَشْتَرِط أن مَحِلِّي حيث حبستني. ويستحب أن يكون عند إهلاله مستقبلاً القبلة ويقول: اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة، ويَشْرَعُ في التلبية: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. وكان الصحابة يزيدون: لبيك ذا المعارج، لبيك ذا الفواضل. ويسن أن يرفع صوته بالتلبية، فإذا وصل مكة استحب له أن يغتسل، فإذا أراد أن يطوف اضطبع الرجل بأن يكشف عن كتفه الأيمن، ويغطي كتفه الأيسر بردائه. ويشترط أن يكون حال الطواف متوضئاً، ويستحب أن يستلم الحجر الأسود ويقبِّله، فإن لم يمكنه ذلك استلمه بيده، وقَبَّل يده، فإن لم يمكنه ذلك يشير إليه بيده، ولا يقبِّلها، ويفعل ذلك عند كل شوط، ويبدأ كل شوط بالتكبير، وإن ابتدأ الطواف ببسم الله والله أكبر فحسن، وإذا أتى الركن اليماني استلمه ولم يقبِّله، فإن لم يمكنه استلامه فإنه لا يشير إليه، ولا يكبر، ويقول بين الركنين -وهما: الركن اليماني والحجر الأسود-: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. ويدعو في بقية الطواف بما شاء، ويستحب أن يَرْمُل في الأشواط الثلاثة الأولى -والرَّمَل فوق المشي ودون العدو- ويمشي في الأربعة، فإذا أتم سبعة أشواط غطى كتفيه بردائه، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم فقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) [البقرة: 125] ويصلي ركعتين خلف المقام يقرأ في الأولى بسورة (الكافرون) وفي الثانية بسورة (الإخلاص) فإن لم يتمكن من الصلاة خلف المقام لزحام ونحوه، صلى في أي مكان من المسجد، وهذا الطواف هو طواف القدوم للمفرد والقارن وطواف العمرة للمتمتع، ثم يشرع له أن يشرب من زمزم، ويصب على رأسه، ثم يرجع إلى الحجر الأسود، فيستلمه إن تيسر، ثم يخرج إلى الصفا، ويقرأ قول الله عز وجل: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) [البقرة: 158] ثم يرقى الصفا حتى يرى البيت، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه، ويقول: الله أكبر ثلاثاً، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يفعل ذلك ثلاث مرات ويدعو بينها طويلاً، ثم ينزل ماشياً إلى المروة، ويسعى بين الميلين الأخضرين سعياً شديداً، وذلك للرجال دون النساء، ثم يمشي حتى يرقى المروة، فيصنع عليها مثل ما صنع على الصفا، وهذا شوط، ثم من المروة إلى الصفا شوط آخر حتى يتم السعي سبعة أشواط. وهذا سعي الحج للمفرد والقارن، ولا يتحللان بعده، بل يبقيان بإحرامهما، وهو سعي العمرة للمتمتع. ويتحلل المتمتع من عمرته بتقصير شعره ثم يلبس ملابسه، حتى إذا كان يوم التروية -وهو يوم الثامن من ذي الحجة- أحرم المتمتع بالحج من مكانه، وكذا غيره من المحلين بمكة وقربها. ويستحب له أن يفعل ما فعله عند الميقات من الاغتسال والتطيب والتنظف. ويتوجه جميع الحجاج إلى منى ملبِّين، ويصلُّون في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر بقصر الرباعية من غير جمع، ثم في صبيحة اليوم التاسع يسير الحاج إلى عرفة. فإنْ تيسَّر له أن ينزل بنمرة إلى الزوال فحسن. وإذا زالت الشمس خطب الإمام أو نائبه خطبة قصيرة، ثم يصلي الظهر والعصر قصراً وجمعاً في وقت الظهر، ثم يدخل عرفة. ويجب على الحاج أن يتيقن أنه في داخل حدود عرفة، ويستقبل القبلة، ويرفع يديه يدعو ويلبي، ويحمد الله، ويجتهد في التضرع والذكر والدعاء في ذلك اليوم العظيم. وأفضل ما يقال في ذلك اليوم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويكون في ذلك اليوم مفطراً؛ لأنه أقوى له على العبادة، ولا يزال واقفاً متضرعاً متذللاً، إلى أن تغرب الشمس، فإذا غربت أفاض من عرفة بسكينة، ويسير ملبِّياً حتى يأتي مزدلفة فيصلي بها المغرب والعشاء جمعاً ويقصر العشاء، ورخص للضعفة أن يخرجوا من مزدلفة بليل، ويبقى القوي في مزدلفة حتى يصلي الفجر، ثم يستقبل القبلة ويحمد الله ويكبره ويهلله حتى يسفر جداً، ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس، وعليه السكينة، ملبياً، ويلتقط سبع حصيات من الطريق، حتى إذا أتى جمرة العقبة رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقطع التلبية، ثم ينحر هديه، ويستحب أن يأكل منه، ثم يحلق رأسه، ثم يطوف طواف الإفاضة، ويسعى سعي الحج إن كان متمتعاً، أو كان مفرداً أو قارناً ولم يسع مع طواف القدوم. والسنة ترتيب هذه الأعمال: الرمي، فالذبح، فالحلق، أو التقصير، فإن قدَّم واحداً منها على آخر فلا حرج، وإذا فعل اثنين من ثلاثة أعمال -رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، والطواف مع السعي، إن كان عليه سعي- تحلل التحلل الأول وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء. فإذا فعل الثلاثة تحلل التحلل الأكبر فيحل له كل شيء حتى النساء، ويبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر وجوباً، ويرمي الجمرات الثلاث يوم الحادي عشر بادئاً بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى وكذلك في اليوم الثاني عشر، ويبدأ وقت الرمي من الزوال إلى طلوع الفجر، وإذا رمى الجمرة الصغرى سُنَّ له أن يتقدم قليلاً عن يمينه، ويقوم مستقبلاً القبلة رافعاً يديه يدعو. وإذا رمى الجمرة الوسطى سُنَّ له أن يتقدم، ويأخذ ذات الشمال ويستقبل القبلة، ويقوم طويلاً يدعو رافعاً يديه، ولا يقف بعد جمرة العقبة، فإن أراد أن يتعجل فإنه يجب عليه أن يخرج من منى يوم الثاني عشر قبل غروب الشمس، فإن غربت عليه الشمس في منى مختاراً، وجب عليه مبيت ليلة الثالث عشر. ثم إذا أراد أن يخرج من مكة وجب عليه أن يطوف طواف الوداع، ويجعل آخر عهده بالبيت الطواف، ويسقط هذا الطواف عن الحائض والنفساء. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الخامس: في الأماكن التي تشرع زيارتها في المدينة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم: تسن زيارة مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وشدُّ الرحل إليه في أي وقت من أيام السنة، سواء أكان ذلك قبل الحج أم بعده، وليس لها وقت خاص، ولا دخل لها في الحج، وليست من شروطه ولا من واجباته، لكن ينبغي لمن قدم إلى الحج أن يزور مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل أداء فريضة الحج أو بعدها، وبخاصة من يشق عليه السفر إلى هذه الأماكن. فلو مر الحجاج بالمسجد النبوي وصلوا فيه، لكان أرفق بهم وأعظم لأجرهم ولجمعوا بين الحسنيين: أداء فريضة الحج، وزيارة المسجد النبوي للصلاة فيه، مع العلم -كما سبق- بأن هذه الزيارة ليست من مكملات الحج، ولا دَخْلَ لها فيه، فالحج كامل وتام بدون هذه الزيارة، ولا ارتباط بينها وبين الحج ألبتة. والأدلة على مشروعية شدِّ الرحال لمسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والصلاة فيه كثيرة منها: 1 - قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسجد الأقصى) (متفق عليه). 2 - وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام) (متفق عليه). فهذه النصوص تدل على مشروعية زيارة مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة فيه لفضلها ومضاعفة أجرها، وتدل أيضاً على أنه يحرم شد الرحال لغير هذه المساجد الثلاثة لقصد العبادة، فلا تشرع الزيارة والسفر لأي مكان في أنحاء المعمورة، إلا إلى هذه المساجد الثلاثة. وقَصْدُ المدينة للصلاة في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشروع في حق الرجال والنساء؛ لما تقدم من عموم الأدلة السابقة. أما كيفية الزيارة: فإذا وصل المسافر إلى المسجد استحب له أن يقدم رجله اليمنى حال دخوله المسجد، ويقول الدعاء المشروع عند دخول أي مسجد: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك. وليس لمسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكر مخصوص، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين في أي مكان من المسجد، وإن صلاها في الروضة فهو أفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) (متفق عليه). ومن زار مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينبغي له أن يحافظ على أداء الصلوات الخمس فيه، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء وصلاة النافلة في الروضة الشريفة؛ احتساباً للأجر والثواب الجزيل، أمَّا صلاة الفريضة فالأولى للزائر وغيره أن يتقدم إليها، ويحرص على الصفوف الأول المرغب فيها ما استطاع؛ لأنها مقدمة على الروضة. المسألة الثانية: زيارة قبره صلى الله عليه وسلم: إذا زار المسلم المسجد النبوي استحب له زيارة قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأنها تابعة لزيارة مسجده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وليست هي أصل القصد. وهذه هي الزيارة المشروعة، ولا يشرع شد الرحل إليها، بل شدُّ الرحل لزيارة قبور الأنبياء والصالحين والأماكن الأخرى غير المساجد الثلاثة -المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى- انعقد الإجماع على تحريمه، ومن فعله فهو عاص بنيَّته، آثم بقصده؛ لمخالفته لمفهوم الحديث الوارد في شد الرحال إلى المساجد الثلاثة. أما كيفية الزيارة: فعلى الزائر أن يقف تجاه قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأدب وخفض صوت، ثم يسلم عليه قائلاً: (السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته)؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام) (حسَّنه الألباني). وإن قال الزائر: السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، أشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، اللهم اجزه عن أمته خير الجزاء، فلا بأس. ثم بعد ذلك يسلِّم على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- ويدعو لهما، ويترحم عليهما؛ لما أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا سلم على الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبيه، لا يزيد على قوله: (السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه) ثم ينصرف. ويحرم على الزائر وغيره التمسح بالحجرة أو تقبيلها أو الطواف بها، أو استقبالها حال الدعاء، أو سؤال الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وشفاء المرض ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لله، ولا يطلب إلا منه. وليست زيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقبري صاحبيه واجبة، ولا شرطاً في الحج كما يظن بعض الجهال من العامة، بل هي مستحبة في حق من زار مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا ارتباط بينها وبين الحج بتاتاً، وما ورد في هذا الباب من الأحاديث التي يحتج بها من يقول بمشروعية شدِّ الرحل إلى قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنها من مكملات الحج فهي أحاديث ساقطة، لا أصل لها، إما ضعيفة أو موضوعة، كحديث: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، وحديث: (من زار قبري وجبت له شفاعتي)، وغيرهما كثير، وكلها لم يثبت منها حديث واحد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل جزم بعض أهل العلم بأنها كلها موضوعة مكذوبة. المسألة الثالثة: الأماكن الأخرى التي تشرع زيارتها في المدينة النبوية: يستحب لزائر المدينة -رجلاً كان أو امرأة- أن يخرج متطهراً إلى مسجد قباء ويصلي فيه؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث كان يزور مسجد قباء راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين (متفق عليه). وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة، كان له كأجر عمرة) (صححه الألباني). ويسن للرجال فقط زيارة قبور البقيع وقبور الشهداء في أُحُد كقبر حمزة - رضي الله عنه - وغيره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم؛ لفعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ كان يزورهم ويدعو لهم، ولعموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) (رواه مسلم). وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية) (رواه مسلم). هذه هي الأماكن التي تشرع زيارتها في المدينة. أما الأماكن الأخرى التي يظن بعض العامة أن زيارتها مشروعة: كمبرك الناقة، ومسجد الجمعة، وبئر الخاتم، وبئر عثمان، والمساجد السبعة، ومسجد القبلتين، فهذه لا أصل لها، ولم يثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه زار هذه الأماكن أو أمر بزيارتها، ولم يَرِدْ عن أحد من السلف الصالح أنه زارها. وليس لأي مسجد في المدينة فضلٌ خاص، إلا مسجد الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومسجد قباء. وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (رواه مسلم)، فينبغي للمسلم إذا زار المدينة أن يتقيد بالأماكن التي تشرع زيارتها، ويتجنب الأماكن التي لا تشرع زيارتها. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب السادس: في الأضحية، وفيه مسائل: المسألة الأولى:تعريف الأضحية وحكمها وأدلة مشروعيتها وشروطها: 1 - تعريف الأضحية: الأضحية لغة: هي ذبح الأضحية وقت الضحى. وشرعاً: هي ما يذبح من الإبل أو البقر أو الغنم أو المعز تقرباً إلى الله تعالى يوم العيد. 2 - حكمها وأدلة مشروعيتها: الأضحية سنة مؤكدة؛ لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر: 2]. ولحديث أنس - رضي الله عنه -: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحى بكبشين أملحين أقرنين (الأملح ما فيه سواد وبياض، والأقرن ما له قرن) ذبحهما بيده، وسمّى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما) (متفق عليه). 3 - شروط مشروعية الأضحية: تسن الأضحية في حق مَنْ وجدت فيه الشروط الآتية: 1 - الإسلام: فلا يخاطب بها غير المسلم. 2 - البلوغ والعقل: فمن لم يكن بالغاً عاقلاً فلا يكلف بها. 3 - الاستطاعة: وتتحقق بأن يملك قيمة الأضحية زائدة عن نفقته ونفقة من تلزمه نفقته، خلال يوم العيد وأيام التشريق. المسألة الثانية:ما تجوز الأضحية به: لا تصح الأضحية إلا أن تكون من: 1 - الإبل. 2 - البقر. 3 - الغنم ومنه الماعز. لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) [الحج: 34]. والأنعام لا تخرج عن هذه الأصناف الثلاثة. ولأنه لم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من الصحابة التضحية بغيرها. وتجزئ الشاة في الأضحية عن الواحد وأهل بيته؛ ففي حديث أبي أيوب - رضي الله عنه -: (كان الرجل في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون) (صححه الألباني). ويجوز التضحية بالبعير والبقرة الواحدة عن سبعة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: (نحرنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة) (رواه مسلم برقم (1318). المسألة الثالثة:الشروط المعتبرة في الأضحية: 1 - السن: أ) الإبل: ويشترط أن يكون قد أكمل خمس سنين. ب) البقر: ويشترط أن يكون قد أكمل سنتين. ج) المعز: ويشترط أن يكون قد أكمل سنة. لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تذبحوا إلا مُسِنَّة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن) (رواه مسلم برقم (1963). والمسنة من الإبل ما لها خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة، وتسمى المسنة بالثنية. د) الضأن: ويشترط فيه الجذع، وهو ما أكمل سنة، وقيل: ستة أشهر؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله: أصابني جذع. قال: (ضحِّ به) (رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم)، ولحديث عقبة بن عامر أيضاً: (ضحَّينا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجذع من الضأن) (صححه الشيخ الألباني). 2 - السلامة. يشترط في الإبل والبقر والغنم أن تكون سالمة من العيوب التي من شأنها أن تسبب نقصاناً في اللحم، فلا تجزئ العجفاء، والعرجاء، والعوراء، والمريضة؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البيِّنُ عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تُنْقِي) (صححه الألباني). والعجفاء: الهزيله، ومعنى (لا تنقي): أي لا مُخَّ لها لهزالها. ويقاس على هذه العيوب الأربعة ما في معناها: كالهتماء التي ذهبت ثناياها، والعضباء التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، ونحو ذلك من العيوب. المسألة الرابعة:وقت ذبح الأضحية: يبتدئ وقتها من بعد صلاة العيد لمن صلاها، ومن بعد طلوع شمس يوم عيد الأضحى بمقدار ما يتسع لركعتين وخطبتين لمن لم يصلها، لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى) (متفق عليه). ويستمر وقتها إلى غروب آخر أيام التشريق؛ لحديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل أيام التشريق ذبح) (رواه احمد والبيهقي وابن حبان والدارقطني ، قال الهيثمي: "ورجال أحمد وغيره ثقات" (مجمع الزوائد 3/ 25). والأفضل ذبحها بعد الفراغ من صلاة العيد؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (أول ما نبدأ به يومنا هذا نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) (متفق عليه). المسألة الخامسة:ما يصنع بالأضحية، وما يلزم المضحي إذا دخلت العشر: 1 - ما يصنع بالأضحية: يسن للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي للأقارب والجيران والأصدقاء، ويتصدق على الفقراء؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28]. ويستحب أن يجعلها أثلاثاً: ثلث لأهل بيته، وثلث يطعمه فقراء جيرانه، ويهدي الثلث، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدَّق على السُّؤَّال بالثلث) (أخرجه الحافظ أبو موسى في الوظائف وحسنه (انظر: المغني 8/ 632). ويجوز ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام؛ لحديث بريدة - رضي الله عنه -، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فأمسكوا ما بدا لكم) (أخرجه مسلم). 2 - ما يلزم مريد التضحية إذا دخلت عشر ذي الحجة: إذا دخلت عشر ذي الحجة، حرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره، أو أظفاره شيئاً، حتى يضحِّي؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً: (إذا دخل العشر، وعنده أضحية يريد أن يضحي، فلا يأخذن شعراً، ولا يقلمن ظفراً). وفي رواية: (فلا يمس من شعره وبشره شيئاً) (أخرجه مسلم). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب السابع: في العقيقة، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف العقيقة وحكمها ووقتها: 1 - تعريف العقيقة: العقيقة لغة: مشتقة من العق وهو القطع، وهي تطلق في الأصل على الشعر الذي يكون على رأس المولود حين الولادة. وشرعاً: ما يذبح للمولود يوم سابعه عند حلق شعره. وهي من حق الولد على والده. 2 - حكم العقيقة: العقيقة سنة مؤكدة، لحديث سلمان بن عامر الضبي - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى) (أخرجه البخاري)، ولحديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه ويسمى ويحلق رأسه) (صححه الألباني)، ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (من وُلد له ولد، فأحب أن يَنْسُكَ عنه فَلْيَنْسُك) (صححه الألباني). ومعنى ينسك. يذبح. 3 - وقت العقيقة: يدخل وقت جواز ذبح العقيقة بانفصال جميع المولود من بطن أمه، ويستمر وقت الاستحباب إلى البلوغ، إلا أنه يسن أن يعقَّ عنه يوم السابع من ولادته؛ لحديث سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع، ويسمى ويحلق رأسه) (صححه الألباني). المسألة الثانية: مقدار ما يذبح في العقيقة: يسن أن يذبح عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة، لحديث أم كرز الكعبية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: (عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة) (صححه الألباني). المسألة الثالثة: تسمية المولود، وحلق رأسه، وتحنيكه، والأذان في أذنه: 1 - تسمية المولود: يسن تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته، لحديث سمرة - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى، ويحلق رأسه) (صححه الألباني). ويسن أن يختار له من الأسماء ما كان حسناً؛ فقد غيَّر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأسماء القبيحة، وأمر بذلك (انظر: (فتح الباري). وأحسنها: عبد الله وعبد الرحمن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) (أخرجه مسلم). 2 - حلق رأس المولود: ويسن حلق رأسه -ذكراً كان أو أنثى- يوم سابعه بعد ذبح العقيقة، ويتصدق بزنة شعره فضة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: عقَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الحسن بشاة، وقال: (يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة) (حسنه الشيخ الألباني). 3 - تحنيك المولود: ويسن تحنيك المولود بتمر سواء أكان ذكراً أم أنثى. والتحنيك: هو مضغ التمر ودلك حنك المولود به حتى ينزل شيء منه إلى جوفه؛ لحديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسماه إبراهيم وحَنَّكه بتمر (البخاري ومسلم)، وحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يؤتى بالصبيان ويحنكهم (مسلم). 4 - الأذان في أذن المولود: يسن الأذان في أُذن المولود حين ولادته، وقيل: يؤذَّن في أذنه اليمنى، وتقام الصلاة في أذنه اليسرى، لحديث أبي رافع - رضي الله عنه - قال: (رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذَّنَ في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة، بالصلاة) (حسنه الشيخ الألباني). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
سادساً: كتاب الجهاد ويشتمل على ثلاثة أبواب: الباب الأول: تعريف الجهاد وفضله وحكمه وشروطه ومسقطاته، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريفه، وفضله، والحكمة منه، وحكمه، ومتى يتعين؟ أ- تعريفه: الجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة والوسع. وفي الاصطلاح: بذل الجهد والوسع في قتال الأعداء من الكفار ومدافعتهم. ب- فضله والحكمة منه: الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما سماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صححه الألباني)، أي: أعلاه، وسمي بذلك؛ لأنه يعلو به الإسلام ويرتفع ويظهر، وقد فضّل الله المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم، ووعدهم الجنة، كما سيأتي في آية سورة النساء بعد قليل، والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين كثيرة. أما الحكمة من مشروعية الجهاد: فقد شرعه الله سبحانه لأهداف سامية وغايات نبيلة، من ذلك: 1 - شرع الجهاد لتخليص الناس من عبادة الأوثان والطواغيت وإخراجهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال: 39]. 2 - كما شرع لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39]. 3 - كما شرع الجهاد؛ لإذلال الكفار، وإرغام أنوفهم، والانتقام منهم، قال سبحانه: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14]. ج- حكمه ودليل ذلك: الجهاد بمعناه الخاص -وهو جهاد الكفار فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وصار في حقهم سنة؛ لقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 95]. فقد دلت هذه الآية على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين؛ لأن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد بدون عذر، وكلاً وعد الحسنى وهي الجنة. ولو كان الجهاد فرض عين لاستحق القاعدون الوعيد لا الوعد. ولقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة: 122]. وهذا مشروط بما إذا كان للمسلمين قوة وقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم -والحالة هذه- إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة. د- متى يتعين؟ لكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم وهي: الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حصروها، تعين قتالهم، ودفع ضررهم، على جميع أفراد المسلمين. الحالة الثانية: إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفَّان، تعين الجهاد، وحرم على من حضر القتال الانصراف، والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) [الأنفال: 15]، ولعدِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات (البخاري). ولكن يستثنى من التولي المتوعد عليه حالتان: الأولى: إذا كان المتولي متحرفاً لقتال، أي: يذهب لكي يأتي بقوة أكثر. والثانية: أن يكون متحيزاً إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها. الحالة الثالثة: إذا عينهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [التوبة: 38 - 39]، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإذا استنفرتم فانفروا) (متفق عليه). الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه، فإنه يتعيَّن عليه الجهاد. المسألة الثانية: شروط الجهاد: يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والاستطاعة المالية والبدنية، والسلامة من الأمراض والأضرار. - فلا يجب الجهاد على الكافر؛ لأنه عبادة والعبادة لا تجب عليه، ولا تصح منه، ولأنه لا يتوافر فيه الإخلاص والأمانة والطاعة، فلا يؤذن له بالخروج مع جيش المسلمين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل المشرك الذي تبعه في بدر: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك) (مسلم). - وكذلك لا يجب على الصبي غير البالغ؛ لأنه غير مكلف، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عرض نفسه على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه في المقاتلة (متفق عليه). - وكذلك المجنون لا يجب عليه الجهاد؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وليس من أهل التكليف. - ولا يجب على العبد؛ لأنه مملوك لسيده، ولا المرأة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: (جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) (صححه الألباني). وفي لفظ: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) (البخاري). - وغير المستطيع، وهو الذي لا يستطيع حمل السلاح لضعف أو كبر، وكذلك الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليهم الجهاد؛ لقوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) [التوبة: 91]. وكذلك من به ضرر أو مرض أو غير ذلك من الأعذار لا يجب عليه الجهاد؛ لأن العجز ينفي الوجوب، ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [الفتح: 17]. وقؤله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة: 91]. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثالثة: مسقطات الجهاد: هناك أعذار تسقط عن صاحبها الجهاد إذا كان فرض عين أو فرض كفاية وهي: 1 - 2 - الجنون والصِّبا: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) (صححه الألباني). 3 - الأنوثة: فلا يجب الجهاد على الأنثى. وقد سبق ذكره. 4 - الرق: لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك) (رواه البخاري برقم (2548)، وقوله: (والذي نفسي بيده) الصحيح أنه مدرج من كلام أبي هريرة). 5 - 6 - الضعف البدني، والعجز المالي، والمرض، وعدم سلامة بعض الأعضاء كالعمى والعرج الشديد، وقد سبق ذكرها. 7 - عدم إذن الأبوين أو أحدهما، إذا كان الجهاد تطوعاً؛ لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحيُّ والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) (البخاري ومسلم)، فبر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدَّم فرض العين. فإذا تعيَّن الجهاد فليس لهما منعه، ولا إذن لهما. 8 - الدَّيْن الذي لا يجد له وفاءً إذا لم يأذن صاحبه، وكان الجهاد تطوعاً، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) (مسلم)، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن لغريمه. 9 - العَالِم الذي لا يوجد غيره في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه؛ إذ لا يمكن لأحد أن يحل محله، فإذا كان لا يوجد من هو أفقه منه يسقط عنه الخروج للجهاد نظراً لحاجة المسلمين له. الباب الثاني: في الأسرى والغنائم، وفيه مسائل: المسألة الأولى: حكم أسرى الكفار: ذهب أكثر أهل العلم -وهو الصحيح-: أن أسرى الكفار من الرجال أمرهم إلى الإمام، فَيُخَيَّرُ فيهم بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين بين: القتل، والاسترقاق، والمنّ بغير عوض، والفداء إما بمال أو منفعة أو أسير مسلم، أما النساء والصبيان فإنهم يسترقون بمجرد السبي، ويصيرون كجملة المال يضمون إلى الغنيمة، ولا يخير فيهم الإمام، ولا يجوز قتلهم، لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك. - والدليل على القتل: قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: 5]. وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال: 67]. فأخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفدائهم. ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: (اقتلوه) (البخاري ومسلم)، وقتل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجال بني قريظة. - والدليل على الاسترقاق: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في قصة بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، فحكم أن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية (البخاري). - والدليل على المنّ والفداء قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد: 4]. وينبغي للإمام أن يفعل الأصلح للمسلمين من هذه الخصال؛ لأن تصرفه لغيره، فلزم أن يكون تخييره للمصلحة. المسألة الثانية: تقسيم الغنيمة بين الغانمين: الغنيمة: اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة قهراً بقتال، على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى، وتسمى أيضاً: الأنفال -جمع نفل- لأنها زيادة في أموال المسلمين. والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنفال: 69]. وقد أحل الله الغنائم لأمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون الأمم السابقة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وأحلت لي الغنائم، ولم تحلَّ لأحد قبلي) (مسلم). وتشمل الغنائم: الأموال المنقولة، والأسرى، والأرض. وذهب جمهور العلماء إلى أن الغنيمة تقسم على خمسة أسهم: السهم الأول: سهم الإمام، وهو خمس الغنيمة يخرجه الإمام أو نائبه. ويقسم هذا الخمس على ما بيَّن الله في قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال: 41] فيقسم هذا الخمس خمسة أقسام: 1 - الله ورسوله: ويكون هذا القسم فيئاً يدخل في بيت المال وينفق في مصالح المسلمين، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والذي نفسي بيده، مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) (صححه الألباني). فجعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجميع المسلمين. 2 - ذوي القربى: وهم قرابة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، ويقسم هذا الخمس بينهم حسب الحاجة. 3 - اليتامى: وهو من مات أبوه قبل أن يبلغ، ذكراً كان أم أنثى، ويعم ذلك الغني منهم والفقير. 4 - المساكين: ويدخل فيهم الفقراء هنا. 5 - ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطعت به السبيل، فيعطى ما يبلغه إلى مقصده. وأما باقي السهام الأربعة -أربعة أخماس- فتكون لكل من شهد الوقعة: من الرجال البالغين، الأحرار، العقلاء، ممن استعد للقتال سواء باشر القتال أو لم يباشر، قوياً كان أو ضعيفاً، لقول عمر - رضي الله عنه -: (الغنيمة لمن شهد الوقعة) (رواه البيهقي بإسناد صحيح). وكيفية التقسيم: أن يعطى الراجل -الذي يقاتل على رجله- سهماً واحداً، ويعطى الفارس -الذي يقاتل على فرسه- ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم في النفل: للفرس سهمين، وللراجل سهماً (البخاري ومسلم)، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك في خيبر (جعل للراجل سهماً واحداً، وللفارس ثلاثة أسهم) (البخاري)؛ وذلك لأن غناء الفارس ونفعه أكثر من غناء الراجل. وأما النساء والعبيد والصبيان إذا حضروا الوقعة، فالصحيح أنه يُرْضَخ (الرَّضْخ: إعطاء الشيء ليس بالكثير) لهم ولا يقسم لهم؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما لمن سأله: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يُحْذَيا (رواه مسلم برقم (1812). ويُحذيا: يعني يُعطيا). وفي لفظ: وأما المملوك فكان يُحذى (رواه أبو داود). وإذا كانت الغنيمة أرضاً خُيِّر الإمام بين قسمتها بين الغانمين، ووقفها لمصالح المسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، سواء أكان مسلماً أم ذميّاً، فيؤخذ منه ذلك كل عام، وهذا التخيير يكون تخيير مصلحة. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثالثة: مصرف الفيء: الفيء: ما أخذ من أموال أهل الحرب بحق من غير قتال، كالأموال التي يهرب الكفار ويتركونها فزعاً عند علمهم بقدوم المسلمين. أما مصرفه: فهو في مصالح المسلمين بحسب ما يراه الإمام كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين وغير ذلك من مصالح المسلمين؛ لما ثبت عن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ( الإيجاف: الإسراع، أي: لم يعدوا في تحصيله خيلاً ولا إبلاً، وانما حصل بغير قتال)، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في الكُرَاع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل. (رواه البخاري ومسلم . و الكُرَاع : الخيل) ولهذا ذكر الله تعالى كل فئات المسلمين في معرض بيان مصارف الفيء فقال سبحانه وتعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر: 7]، فيأخذ منه الإمام من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. الباب الثالث: في الهدنة والذمة والأمان، وفيه مسائل: المسألة الأولى: عقد الهدنة مع الكفار: 1 - تعريفها: الهدنة لغة: السكون. وشرعاً: عقد الإمام أو نائبه لأهل الحرب على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة وإن طالت، وتسمى: مهادنة، وموادعة، ومعاهدة. 2 - مشروعيتها ودليل ذلك: يجوز لإمام السلمين عقد الهدنة مع الكفار على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة، إذا كان في عقدها مصلحة للمسلمين، كضعفهم أو عدم استعدادهم، أو غير ذلك من المصالح، كطمع في إسلام الكفار ونحوه، لقوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [الأنفال: 61]. وقد عقد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدنة مع الكفار في صلح الحديبية عشر سنين، وصالح اليهود في المدينة. 3 - لزوم الهدنة: - تكون الهدنة التي عقدها الإمام أو نائبه لازمة، لا يجوز نقضها ولا إبطالها، ما استقاموا لنا، ولم يخونوا، ولم نخش منهم خيانة؛ لقوله تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة: 7] وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]. - فإن نقضوا العهد: بقتال، أو مظاهرة عدونا علينا، أو قتل مسلم، أو أخذ مال، انتقض العهد الذي بيننا وبينهم وجاز قتالهم؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) [التوبة: 12]. - وإن خيف منهم نقض العهد بأمارة تدل على ذلك، جاز أن ننبذ إليهم عهدهم ولا يلزم البقاء على عهدهم، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) [الأنفال: 58]. أي: أعلمهم بنقض عهدهم، حتى تكون أنت وهم سواء في العلم، ولا يجوز قتالهم قبل إعلامهم بنقض العهد. المسألة الثانية: عقد الذمة، ودفع الجزية: 1 - تعريفه: الذمة لغة: العهد، وهو الأمان والضمان. وعقد الذمة اصطلاحاً: هو إقرار بعض الكفار على كفرهم، بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة التي حكمت بها الشريعة الإسلامية عليهم. 2 - مشروعيته: الأصل في مشروعية عقد الذمة قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بريدة: (ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية) (مسلم). 3 - من تؤخذ منه الجزية؟ تؤخذ الجزية من الرجال، المكلفين، الأحرار، الأغنياء القادرين على الأداء، فلا تؤخذ من العبد؛ لأنه لا يملك فكان بمنزلة الفقير، ولا تؤخذ من المرأة والصبي والمجنون؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، ولا تؤخذ من المريض المزمن، والشيخ الكبير؛ لأن دماءهم محقونة، فأشبهوا النساء. 4 - موجب عقد الذمة: يوجب هذا العقد مع الكفار: حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حريتهم، وعدم إيذائهم، ومعاقبة من قصدهم بأذى، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم) (مسلم). المسألة الثالثة: عقد الأمان: 1 - تعريفه: الأمان لغة: ضد الخوف. واصطلاحاً: هو عبارة عن تأمين الكافر على ماله ودمه مدة محدودة. 2 - مشروعيته وأدلة ذلك: الأصل في مشروعية عقد الأمان قوله تعالى: (إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة: 6]. 3 - ممن يصح وشروطه: يصح عقد الأمان من كل أحد من المسلمين، بشرط أن يكون: - عاقلاً بالغاً: فلا يصح من المجنون والطفل. - مختاراً: فلا يصحُّ من المكره، ولا السكران، ولا المغمى عليه. فيصح من المرأة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) (مسلم). ويصح من العبد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم) (البخاري ومسلم). ويكون الأمان عاماً: من الإمام لجميع المشركين، أو من الأمير لأهل بلده، وخاصاً: من آحاد الرعية المسلمين لواحد من الأعداء. والأمان العام من تصرفات إمام المسلمين؛ لأن ولايته عامة، وليس لأحد أن يفعل ذلك إلا بموافقته. ويقع الأمان بكل ما يدل عليه من قول مثل: (أنت آمن)، أو: (أجرتك)، أو (لا بأس عليك)، أو إشارة مفهمة. والمستأمن: هو الذي يطلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام، فتلزم إجابته للآية السابقة، ثم يرد إلى مأمنه. 4 - حكم الأمان وما يلزم به: يلزم الوفاء بعقد الأمان، فيحرم قتل المستأمن أو أسره أو استرقاقه، وكذا الالتزام بسائر الأمور المتفق عليها في عقد الأمان. ويجوز نبذ الأمان إلى الأعداء، إن خيف شرهم وخيانتهم. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
إنتهينا بحمد الله عز وجل من العبادات ونبدأ اللقاء القادم مع المعاملات نسأل الله التوفيق |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
سابعاً: كتاب المعاملات ويشتمل على ثلاثة وعشرين باباً: الباب الأول: في البيوع، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف البيع وحكمه: أ- تعريفه: البيع في اللغة: أخذ شيء، وإعطاء شيء. وفي الشرع: مبادلة مال بمال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة على التأبيد، غير ربا وقرض. ب- حكمه: البيع جائز. لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275]. ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً) (متفق عليه). وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة. وحاجة الناس داعية إلى وجوده؛ لأن الإنسان يحتاج إلى ما في يد غيره، وتتعلق به مصلحته، ولا وسيلة له إلى الوصول إليه وتحصيله بطريق صحيح، إلا بالبيع، فاقتضت الحكمة جوازه، ومشروعيته؛ للوصول إلى الغرض المطلوب. المسألة الثانية: أركان البيع: أركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. فالعاقد يشمل البائع والمشتري، والمعقود عليه المبيع، والصيغة هي الإيجاب والقبول. والإيجاب: اللفظ الصادر من البائع، كأن يقول: بعتُ. والقبول: اللفظ الصادر من المشتري، كأن يقول: اشتريتُ. وهذه هي الصيغة القولية. أما الصيغة الفعلية فهي المعاطاة، وهي الأخذ والإعطاء، كأن يدفع المشتري ثمن السلعة إلى البائع، فيعطيه إياها بدون قول. المسألة الثالثة: الإشهاد على البيع: الإشهاد على البيع مستحب وليس بواجب، لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة: 282]، فأمر الله تعالى بالإشهاد عند البيع، غير أن هذا الأمر للاستحباب، بدليل قوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283]، فدلَّ على أن الأمر إنما هو أمر إرشادٍ؛ للتوثيق والمصلحة. وعن عمارة بن خزيمة، أن عمّه حدَّثه -وهو من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه عليه الصلاة والسلام ابتاع فرساً من أعرابي، واستتبعه ليقبض ثمن فرسِه، فأسرع النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبطأ الأعرابي، وطفق الرجال يتعرضون للأعرابي فَيَسُومُونَه بالفرس، وهم لا يشعرون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابتاعه. (صححه الشيخ الألباني) ومعنى "يسومونه": يطلبون شراءه منه. ووجه الدلالة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى الفرس من الأعرابي، ولم يكن بينهما بَيِّنة، ولو كانت واجبة في البيع لم يشتر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بعد الإشهاد. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتبايعون في عصره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأسواق، ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإشهاد، ولا نُقِل عنهم فعله. ولأن الشراء والبيع من الأمور التي تكثر بين الناس في الأسواق في حياتهم اليومية، فلو أشهدوا على كل شيء، لأدَّى إلى الحرج والمشقة. لكن إن كان المعقود عليه من الصفقات الكبيرة المؤجلة الثمن، مما يحتاج إلى توثيق، فينبغي كتابة ذلك، والإشهاد عليه؛ للرجوع إلى الوثيقة إذا وقع خلاف بين الطرفين. المسألة الرابعة: الخيار في البيع: الخيار: أن يكون لكل من البائع والمشتري الحقُّ في إمضاء عقد البيع، أو فسخه. فالأصل في عقد البيع أن يكون لازماً، متى انعقد مستوفياً أركانه وشروطه، ولا يحق لأي من المتعاقدين الرجوع عنه. إلا أنَّ الدين الإسلامي دينُ السماحة واليسر، يراعي المصالح والظروفَ لجميع أفراده. ومن ذلك أنَّ المسلم إذا اشترى سلعة أو باعها لسبب ما، ثم ندم على ذلك، فقد أباح له الشرع الخيار حتى يفكر في أمره، وينظر في مصلحته، فيقدم على البيع أو يتراجع عنه، على ما يراه مناسباً له. أقسام الخيار: للخيار أقسام، أهمها: أولاً: خيار المجلس: وهو المكان الذي يجري فيه التبايع، فيكون لكل واحدٍ من العاقدين الخيار ما داما في مجلس العقد ولم يتفرقا منه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) (متفق عليه). ثانياً: خيار الشرط: وهو أن يشترط المتعاقدان، أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة، لإمضاء العقد أو فسخه، فإذا انتهت المدة المحددة بينهما من بداية العقد، ولم يُفسخ صار لازماً. مثاله: أن يشتري رجل من آخر سيارة، ويقول المشتري: لي الخيار مدة شهر كامل، فإن تراجع عن الشراء خلال الشهر فله ذلك، وإلا لزمه شراء السيارة بمجرد انتهاء الشهر. ثالثاً: خيار العيب، وهو الذي يَثْبُت للمشتري إذا وجد عيباً في السلعة، لم يخبره به البائع، أو لم يَعْلم البائعُ به، وتنقص بسبب هذا العيب قيمة السلعة، ويُرجع في معرفة ذلك إلى أهل الخبرة من التجار المعتبرين، فما عدّوه عيباً ثبت به الخيار، وإلا فلا. ويثبت هذا الخيار للمشتري، فإن شاء أمضى البيع، وأخذ عِوض العيب، وهو الفرق بين قيمة السلعة صحيحة وقيمتها وهي معيبة، وإن شاء ردَّ السلعة، واسترد الثمن الذي دفعه إلى البائع. رابعاً: خيار التدليس، وهو: أن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن، وهذا الفعل محرم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من غَشَّنا فليس منَّا) (رواه مسلم). مثاله: أن يكون عنده سيارة، فيها عيوبٌ كثيرة في داخلها، فيعمد إلى إظهارها بلون جميل، ويجعل مظهرها الخارجي براقاً حتى يخدع المشتري بأنها سليمة فيشتريها. ففي هذه الحالة يكون للمشتري الحق في رد السلعة على البائع واسترجاع الثمن. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الخامسة: شروط البيع: يشترط لصحة البيع الشروط الآتية: أولاً: التراضي بين البائع والمشتري. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: 29]. وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنما البيع عن تراض) (صححه الألباني). فلا يصح البيع إذا أكره أحدهما بغير حق، فإن كان الإكراه بحق، كأن يكره الحاكم شخصاً على بيع شيء لسداد دينه، صح. ثانيا: كون العاقد جائز التصرف، بأن يكون بالغاً عاقلاً حراً رشيداً. ثالثاً: أن يكون البائع مالكاً للمبيع، أو قائماً مقام مالكه، كالوكيل والوصيّ والولي والناظر. فلا يصح أن يبيع شخصٌ شيئاً لا يملكه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحكيم بن حزام - رضي الله عنه -: (لا تبع ما ليس عندك) (صححه الألباني). رابعاً: أن يكون المباع مما يباح الانتفاع به من غير حاجة، كالمأكول، والمشروب، والملبوس، والمركوب، والعقار، ونحو ذلك، فلا يصح بيع ما يحرم الانتفاع به، كالخمر، والخنزير، والميتة، وآلات اللهو، والمعازف. لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام) (متفق عليه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله إذا حَرَّم على قوم أكل شيء حرَّم ثمنه) (صححه الأرناؤوط). ولا يجوز بيع الكلب، لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب ... ) (متفق عليه). خامساً: أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه؛ لأنَّ غير المقدور عليه كالمعدوم، فلا يصح بيعه؛ إذ هو داخل في بيع الغَرَرِ (بيع الغرر: ما كان له ظاهر يَغُرُّ المشتري، وباطن مجهول)، فإن المشتري قد يدفع الثمن ولا يحصل على المبيع، فلا يجوز بيع السمك في الماء، ولا النوى في التمر، ولا الطير في الهواء، ولا اللبن في الضرع، ولا الحمل الذي في بطن أمه، ولا الحيوان الشارد. لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر) (رواه مسلم). سادساً: أن يكون المعقود عليه معلوماً لكل منهما برؤيته ومشاهدته عند العقد، أو وصفه وصفاً يميزه عن غيره؛ لأن الجهالة غرر، والغرر منهي عنه، فلا يصح أن يشتري شيئاً لم يره، أو رآه وجهله، وهو غائب عن مجلس العقد. سابعاً: أن يكون الثمن معلوماً، بتحديد سعر السلعة المبيعة، ومعرفة قيمتها. المسألة السادسة: البيوع المنهي عنها: نهى الشارع الحكيم عن بعض البيوع إذا ترتب عليها تضييع لما هو أهم؛ كأن تشغل عن أداء عبادة واجبة، أو يترتب عليها إضرار بالآخرين. ومن هذه البيوع المنهيِّ عنها: 1 - البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة. لا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9]. فقد نهى الله تعالى عن البيع في هذا الوقت، والنهي يقتضي التحريم، وعدم صحة البيع. 2 - بيع الأشياء لمن يستعين بها على معصية الله، أويستخدمها في المحرمات. فلا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا الأواني لمن يشرب بها الخمر، ولا بيع السلاح في وقت الفتنة بين المسلمين. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2]. 3 - بيع المسلم على بيع أخيه. مثاله أن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أبيعك مثله بأرخص منه، أو أبيعك أحسن منه بنفس الثمن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) (البخاري ومسلم). 4 - الشراء على الشراء. مثاله: أن يقول لمن باع شيئاً: اِفْسَخ البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر، بعد أن اتفق البائع والمشتري على الثمن. وهذه الصورة داخلة في النهي الوارد في الحديث السابق. 5- بيع العِينَة. وصورته: أن يبيع شخصٌ سلعةً لآخر بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها منه البائع بثمن حاضرٍ أقل، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثمن الأول. كأن يبيع أرضاً بخمسين ألفاً يدفعها بعد سنة، ثم يشتريها البائع منه بأربعين ألفاً نقدا، ويبقى في ذمته الخمسون ألفاً يدفعها المشتري على رأس السنة. وسُميت عِينَة: لأن المشتري يأخذ مكان السلعة عيناً، أي: نقداً حاضراً. وحُرِّم هذا البيع، لأنه حيلةٌ يتوصل بها إلى الربا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى ترجعوا إلى دينكم) (صححه الشيخ الألباني). 6 - بيع المبيع قبل قبضه. مثاله: أن يشتري سلعة من شخص، ثم يبيعها قبل أن يقبضها ويحوزها. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) (متفق عليه)، وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) (صحح الإمام النووي إسناده). فلا يجوز لمن اشترى شيئاً أن يبيعه حتى يقبضه قبضاً تاماً. 7 - بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها. لا يجوز بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها؛ خوفاً من تلفها أو حدوثِ عيب بها قبل أخذها، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أرأيتَ إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) (متفق عليه). وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع) (متفق عليه). ويعرف بدو صلاحها: باحمرار ثمار النخيل أو اصفرارها، وفي العنب أن يَسْوَدَّ وتبدو الحلاوة فيه، وفي الحب أن ييبس ويشتد، ونحو ذلك في بقية الثمار. 8 - النَّجْشُ. وهو أن يزيد شخصٌ في ثمن السلعة المعروضة للبيع، ولا يريد شراءها، وإنما لِيغرَّ غيره بها، ويرغبه فيها، ويرفع سعرها. عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النجش) (متفق عليه). |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة السابعة: الإقالة في البيع: الإقالة: رفع العقد الذي وقع بين المتعاقدين وفسخه برضاهما. وتحصل بسبب ندم أحد العاقدين على العقد، أو يتبيَّن للمشتري أنه ليس محتاجاً للسلعة، أو لم يستطع دفع ثمنها، فيرجع كلٌّ من البائع والمشتري بما كان له من غير زيادة ولا نقص. والإقالة مشروعة، وحثَّ عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) (صححه الألباني). المسألة الثامنة: عقد المرابحة: المرابحة: بيع السلعة بثمنها المعلوم بين المتعاقدين، بربح معلوم بينهما. مثالها: يقول صاحب السلعة: رأسُ مالي فيها مائة ريال، أبيعك إياها بالمائة، وربح عشرة ريالات. فالبيع على هذه الصورة صحيح، إذا علم البائع والمشتري مقدار الثمن، ومقدار الربح. قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275]، وقال جلَّ شأنه: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: 29]. والمرابحة بيعٌ تحقَّق فيه رضا المتعاقدين، والحاجة ماسّةٌ إلى جوازه؛ لأن بعض الناس لا يحسن الشراء ابتداءً، فيعتمد على غيره في الشراء، ويزيده ربحاً محدداً معلوماً بينهما. المسألة التاسعة: البيع بالتقسيط: هو بيع السلعة إلى أجل محدد، يُقَسَّط فيه الثمن أقساطاً متعددة، كلُّ قسط له أجل معلوم يدفعه المشتري. مثاله: أن تكون عند البائع سيارة، قيمتها نقداً أربعون ألف ريال، ومؤجلة ستون ألف ريال، فيتفق مع المشتري على أن يسدده المبلغ على اثني عشر قسطاً، يدفع في نهاية كل شهر خمسة آلاف ريال. حكمه: الجواز، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشترى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يهودي طعاماً بنسيئة -أي بالأجل- ورهنه درعاً له من حديد) (متفق عليه). والبيع بهذه الطريقة فيه فائدة لكلٍ من البائع والمشتري، فإنَّ البائع يزيد في مبيعاته، ويعدد من أساليبه في تسويق بضاعته، فيبيع نقداً وتقسيطاً، ويستفيد في حال التقسيط من زيادة الثمن مقابل الأجل. كما أنَّ المشتري يحصل على السلعة وإن لم تكن عنده قيمتها، ويسدد ثمنها فيما بعدُ أقساطاً. شروط صحة بيع التقسيط: يشترط لصحة بيع التقسيط إضافة إلى شروط البيع المتقدمة ما يلي: 1 - أن تكون السلعة بحوزة البائع وتحت تصرفه عند العقد، فلا يجوز لهما الاتفاق على ثمنها، وتحديد مواعيد السداد والأقساط، ثم بعد ذلك يشتريها البائع ويسلمها للمشتري، فإن هذا محرم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبع ما ليس عندك) (صححه الألباني). 2- لا يجوز إلزام المشتري -عند العقد أو فيما بعد- بدفع مبلغ زائدٍ على ما اتفقا عليه عند العقد في حال تأخره عن دفع الأقساط؛ لأن ذلك رباً محرم. 3 - يحرم على المشتري المليء المماطلة في سداد ما حَلَّ من الأقساط. 4 - لا حقَّ للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز له أن يشترط على المشتري رهنَ المبيع عنده؛ لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. الباب الثاني: في الربا، وفيه مسائل: المسألة الأولى: تعريف الربا وحكمه: 1 - تعريفه: الربا في اللغة: الزيادة. وشرعاً: زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض. 2 - حكمه: الربا محرم في كتاب الله تعالى، قال جلّ شأنُه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة: 278]. وتوعَّد سبحانه وتعالى المتعامل بالربا بأشد الوعيد، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]، أي: لا يقومون من قبورهم عند البعث، إلا كقيام المصروع حالة صرعه؛ وذلك لتضخم بطونهم بسبب أكلهم الربا في الدنيا. وعدَّه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الكبائر، ولعن كلَّ المتعاملين بالربا، على أيِّ حالٍ كانوا، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: (هم سواء) (رواه مسلم). وقد أجمعت الأمة على تحريمه. المسألة الثانية: الحكمة في تحريمه: التعامل بالربا يحمل على حبِّ الذات، والتكالب على جمع الأموال وتحصيلها من غير الطرق المشروعة، وتحريمه رحمة بالعباد، فإن فيه أخذاً لأموال الآخرين بغير عوض؛ إذ المرابي يأكل أموال الناس دون أن يستفيدوا شيئاً في مقابله، كما أنه يؤدي إلى تضخم الأموال وزيادتها على حساب سلب أموال الفقراء، ويعوّد المرابي الكسل والخمول، والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة. كما أنَّ فيه قطعاً للمعروف بين الناس، وسداً لباب القرض الحسن، وتحكم طبقةٍ من المرابين بأموال الأمة واقتصاد البلاد، وهو معصية عظيمة لله تعالى، وهو وإن زاد مال المرابي فإن الله تعالى يمحق بركته، ولا يبارك فيه. قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276]. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
المسألة الثالثة: أنواع الربا: أولاً: ربا الفضل: هو الزيادة في أحد البدلين الربويين المتفقين جنساً. مثاله: أن يشتري شخص من آخر ألف صاع من القمح بألفٍ ومائتي صاعٍ من القمح، ويتقابض المتعاقدان العوضين في مجلس العقد. فهذه الزيادة، وهي مائتا صاع من القمح، لا مقابل لها، وإنما هي فضل. حكمه: حرَّمت الشريعة الإسلامية ربا الفضل في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. فإذا بيع واحدٌ من هذه الأشياء الستة بجنسه حرمت الزيادة والتفاضل بينهما؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء) (متفق عليه). ويقاس على هذه الأشياء الستة ما شاركها في العلة، فيحرم فيه التفاضل. فَعِلَّة الربا في هذه الأشياء: الكيل والوزن، فيحرم التفاضل في كل مكيل وموزون. ثانياً: ربا النسيئة: هو الزيادةُ في أحد العوضين مقابل تأخير الدفع، أو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ليس أحدهما نقداً. مثاله: أن يبيع شخصٌ ألف صاع من القمح، بألف ومائتي صاع من القمح لمدة سنة، فتكون الزيادة مقابل امتداد الأجل، أو يبيع كيلو شعير بكيلو بر ولا يتقابضان. حكمه: التحريم، فإن النصوص الواردة في القرآن والسنة المحرمة للربا والمحذرة من التعامل به، يدخل فيها هذا النوع من الربا دخولاً أولياً، وهذا هو الذي كان معروفاً في الجاهلية، وهو الذي تتعامل به البنوك الربوية في هذا العصر. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بعد أن ذكر الذهب والفضة-: (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) والناجز: الحاضر. وفي لفظٍ: (ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا) (رواه مسلم). المسألة الرابعة: صور لبعض المسائل الربوية: يتبين لنا من خلال تطبيق القاعدة الآتية وما اشتملت عليه، معرفة إن كانت المسألة من مسائل الربا، أو هي من الصور المباحة. وهذه القاعدة هي: إذا بيع الربوي (المراد به: إن كان واحداً من الأصناف الستة المتقدم ذكرها ، أو ما في معناها.) بجنسه، اشترط فيه شرطان: 1 - التقابض من الطرفين في مجلس العقد قبل أن يفترقا. 2 - التساوي بينهما بالمعيار الشرعي، المكيل بالمكيل، والموزون بالموزون. أما إذا بيع الربوي بربوي من غير جنسه فليس بشرط، وإذا بيع الربوي بغير ربوي جاز التفاضل والتفرق قبل القبض. وفيما يلي بعض الصور وأحكامها: 1) باع مائة جرام من الذهب، بمائة جرام من الذهب بعد شهر. هذا محرَّم، وهو من الربا؛ لأنهما لم يتقابضا في المجلس. ) اشترى كيلو جراماً من الشعير بكيلو جرام من البر، جاز لاختلاف الجنس، ويشترط التقابض في المجلس. 3) إذا باع خمسين كيلو جراماً من البر بشاة جاز مطلقاً، سواء تقابضا في المجلس أو لا. 4) باع مائة دولار، بمائة وعشرة دولارات. لا يجوز. 5) اقترض ألف دولار على أن يعيدها بعد شهر أو أكثر بألف ومائتي دولار. لا يجوز. 6) باع مائة درهم من الفضة بعشرة جنيهات من الذهب، يدفعها بعد سنة. لا يجوز؛ إذ لابد من التقابض يداً بيد. 7) لا يجوز بيع أو شراء أسهم البنوك الربوية، لأنها من باب بيع النقد بالنقد بغير تساوٍ ولا تقابض. الباب الثالث: في القرض، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في تعريفه، وأدلة مشروعيته: القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويَرُدًّ بدله. وهو مشروع، ويدل عليه عموم الآيات القرآنية والأحاديث الدالة على فضل المعاونة، وقضاء حاجة المسلم، وتفريج كربته، وسد فاقته، وأجمع المسلمون على جوازه. روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استلف من رجلٍ بَكْراً (البَكْر: الفتيُّ من الإبل)، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَه، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً (هو ما استكمل ست سنوات ودخل في السابعة)، فقال: (أعطه إياه، إنَّ خيار الناس أحسنهم قضاء) (رواه البخاري ومسلم واللفط لمسلم). ومن الأدلة على فضله: حديث ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة) (حديث حسن. انظر إرواء الغليل). المسألة الثانية: في شروطه وبعض الأحكام المتعلقة به: 1 - لا يجوز للمسلم أن يقرض أخاه بشرط أن يقرضه بعد ذلك إذا ردَّ عليه قرضه؛ لأن المقرض اشترط نفعاً، وكل قرض جرّ منفعة فهو ربا، كأن يسكنه داره مجاناً أو رخيصة، أو يعيره دابته، أو أي شيء آخر، أو غير ذلك من المنافع. فإنَّ جماعةً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتوا بما يدل على عدم جواز ذلك، وأجمع الفقهاء على منعه. 2 - أن يكون المقرِض جائز التصرف، بالغاً عاقلاً رشيداً، يصح تبرعه. 3 - ليس للمقرضِ أن يشترط زيادةً في ماله الذي أقرضه؛ لأن ذلك من الربا، فلا يجوز له أخذها، بل يقتصر على المبلغ الذي دفعه للمقترض أولاً. 4 - إذا ردَّ المقترض على المقرِضِ أحسن مما أخذ منه، أو أعطاه زيادةً دون شرطٍ أو قصد، صحّ ذلك؛ لأنه تبرع من المقترض وحسن قضاء، ويدل عليه حديث أبي رافع السابق. 5 - أن يكون المقرض مالكاً لما يقرضه، ولا يجوز له أن يقرض ما لا يملك. 6 - من المعاملات الربوية المحرمة: ما تقوم به البنوك في وقتنا الحاضر من عقد قروض بينها وبين ذوي الحاجات، فتدفع لهم مبالغ من المال نظير فائدة محددة تأخذها زيادة على مبلغ القرض، أو يتفق البنك مع المقترض على قيمة القرض، ثم يدفع له البنك أقل من القيمة المتفق عليها، على أن يردها المقترض كاملة، فمثلاً: يطلب المقترض من البنك مبلغ مائة ألف، فيعطي له البنك ثمانين ألفاً، ويشترط عليه أن يردها مائة. وهذا من الربا المحرم أيضاً. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب الرابع: في الرهن، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: معناه وأدلة مشروعيته: الرهن: جَعْلُ عينٍ مالية، وثيقة بدين؛ ليُسْتَوفى منها أو من ثمنها، إذا تعذَّر الوفاء. والأصل في مشروعية الرهن، قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة: 283]. والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له؛ لدلالة السنة على مشروعيته في الحضر. فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعاً من حديد). (متفق عليه) المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة به: 1 - لا يصح رهن ما لا يجوز بيعه كالوقف والكلب؛ لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه، ولا رهن مالا يملك. 2 - ويشترط معرفة قدر الرهن وجنسه وصفته. 3 - أن يكون الراهن جائز التصرف، مالكاً للمرهون أو مأذوناً له فيه. 4 - ليس للراهن التصرف في الرهن بغير رضى المرتهن، ولا يملك المرتهن ذلك بغير رضى الراهن. 5 - لا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن، إلا أن يكون الرهن مركوباً أو محلوباً فيجوز له أن يركب المركوب أو يحلب المحلوب إذا أنفق عليه. 6 - المرهون أمانةٌ في يد المرتهن، لا يضمنه إلا بالتعدي، فإذا حلَّ الدين الذي به رهن، وجب على المدين سداده، فإن امتنع أجبره الحاكم، فإن امتنع حبسه، وعزَّره، حتى يوفي ما عليه من الدين، أو يبيع الرهن، ويسدد من قيمته. الباب الخامس: في السلم، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في معناه وأدلة مشروعيته والحكمة من ذلك: تعريفه: السَّلَمُ والسلفُ بمعنى واحد، وهو: بيعُ سلعةٍ آجلة موصوفة في الذمة بثمن مُقَدَّم. دليل مشروعيته: وهو مشروع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: (من أسلف، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) (متفق عليه). الحكمة من مشروعيته: وأجازته الشريعة الإسلامية توسيعاً على أفرادها، فالمزارع مثلاً قد لا يملك نقداً ينفقه في إصلاح أرضه وزراعته، ولا يجد من يقرضه، فأبيح له السَّلَم حتى لا تفوته مصلحة استثمار أرضه. المسألة الثانية: في شروطه: السلم نوعٌ من أنواع البيع؛ ولذلك يشترط لصحته الشروط المتقدمة في عقد البيع، ويضاف عليها الآتي: 1) أن يكون المسلَم فيه مما يمكن انضباط صفاته بكيلٍ أو وزنٍ أو ذرع، حتى لا يؤدي إلى التنازع. 2) معرفةُ قدرِ المسلَم فيه بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيلٍ وزناً، ولا في موزون كيلاً. 3) أن يذكر جنس المسلم فيه، ونوعه، بصفاته المميزة له. 4) أن يكون ديناً في الذمة. 5) أن يكون مؤجلاً. 6) أن يكون الأجل معلوماً ومحدداً من الطرفين. _7) أن يقبض الثمن كاملاً معلوماً في مجلس العقد قبل تفرقهما. 8) كون المسلَم فيه مما يغلب وجوده عند حلول الأجل، حتى يُسَلِّمه له في وقته، فإن لم يكن موجوداً -كالرطب في الشتاء- لم يصح؛ لأنه غرر. الباب السادس: في الحوالة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها: الحوالة: نقل الدين من ذمةِ المُحِيلِ إلى ذمةِ المُحَالِ عليه. وهي مشروعة لما فيها من الإرفاق، وتبادل المصالح بين أفراد الأمة، والتسامح وتسهيل المعاملات. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا أتْبعِ أحدكم على مليءٍ فليتبع) (متفق عليه). ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له، على موسر فليحتل، وليقبل الحوالة. فإذا أحال المَدين دائنه على مفلس رجع بحقه على مَنْ أحاله؛ لأنَّ الفَلَس عيب ولم يرض به، فله حق الرجوع. المسألة الثانية: في شروط صحتها: يشترط لصحتها الآتي: 1 - رضا المُحيل؛ لأنه مُخَيَّر في جهات قضاء الدين، فلا تتعيَّن عليه جهةٌ قهراً. 2 - كون المالين المحال به وعليه، متفقين قدراً وجنساً وصفة. 3 - أن يكون المحال به ديناً مستقراً في ذمة المحال عليه. ويترتب على انعقاد الحوالة الصحيحة حسب ما ذكر انتقال الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. ومن الصور المعاصرة للحوالة: - الحوالة المصرفية: وهي وسيلة لسداد مبالغ نقدية مقابل تسديد مقابلها في جهة أخرى. وصورتها: أن يقوم الشخص بدفع مبلغ نقدي إلى بنك من البنوك، طالباً منه سداد قيمة هذا المبلغ لشخص آخر في بلد آخر نظير عمولة يتقاضاها البنك. - السُّفْتَجَة: وهي مما يلحق بالحوالة أيضاً، وهي عبارة عن كتاب أو رقعة يكتبها المستقرضُ للمقرض أو نائِبه إلى نائبه في بلد آخر ليوفيه المقرضَ، أو أن يقرض إنسانٌ آخر قرضاً في بلد؛ ليوفيه المقترض أو نائبه إلى المقرضِ أو نائبهِ في بلد آخر. فالورقة التي يكتبها المقترض بذلك تسمى سفتجة -وهي كلمة فارسية معربة-. وقد منعها قوم، والصحيح جوازها؛ إذ فيها مصلحة للطرفين، من غير ضرر على واحد منهما، ولا محظور شرعي. |
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر
الباب السابع: في الوكالة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تعريفها، وحكمها، وأدلة مشروعيتها: 1 - تعريفها: الوكالة تفويض شخصٍ غيرَه؛ ليقوم مقامه فيما تدخله النيابة. 2 - حكمها وأدلة مشروعيتها: وهي مشروعة، قال تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) [الكهف: 19]، وقال جل شأنه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) [التوبة: 60]. فجوَّز سبحانه العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أردت الخروج إلى خيبر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً …) (رواه أبو داود برقم (3632)، والدارقطني (4/ 155). وعن عروة بن الجعد قال: عرض للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلَبٌ، فأعطاني ديناراً فقال: (يا عروة، ائت الجلب فاشتر لنا شاة …) الحديث (أخرجه البخاري برقم (3642). وأجمع المسلمون على جواز الوكالة في الجملة؛ لأنَّ الحاجة داعية إليها، فإنه لما كان لا يمكن لكل واحدٍ فِعْلُ كل ما يحتاج إليه بنفسه، دعت الحاجة إلى مشروعيتها. المسألة الثانية: شروطها، والأحكام المتعلقة بها: 1 - يشترط في كل من الوكيل والموكل أن يكون جائز التصرف، بالغاً، عاقلاً، رشيداً. 2 - تصح الوكالة في كل ما تدخله النيابة، كالبيع والشراء وسائر العقود، والفسوخ كالطلاق والخلع، وكذلك تصح في كل ما تدخله النيابة من العبادات، كإخراج الزكاة، والكفارة، والنذر، والحج، ونحو ذلك. 3 - لا تصح الوكالة فيما لا تدخله النيابة من حقوق الله تعالى، كالطهارة والصلاة. 4 - يملك الوكيل من التصرف ما يقتضيه إذن الموكِّل، أو ما تعارف عليه الناس، بشرط ألَّا يترتب على هذا الإذن ضررٌ بالموكل. 5 - لا يصح للوكيل أن يوكل غيره، إلا إذا أجاز له الموكِّلُ ذلك، أو عجز الوكيل عن العمل، أو كان لا يحسنه، فيوكل أميناً يقوم مقامه فيما وكل فيه. 6 - الوكيل أمين فيما وكل فيه، لا يضمن، إلا إذا فرَّط أو تعدى. 7 - الوكالة عقد جائز، لكلٍ من الطرفين فسخه. 8 - تبطل الوكالة بموت أحد الطرفين، أو جنونه، أو فسخه لها، أو عزله مِنْ قِبَل المِوكل، أو الحجر عليه لسفهه. الباب الثامن: في الكفالة والضمان، وفيه مسائل: المسألة الأولى: في معنى الكفالة وأدلة مشروعيتها: 1 - تعريفها: الكفالة هي التزام إحضار مَنْ عليه حق مالي لربه، إلى مجلس الحكم. 2 - أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب قوله تعالى: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72] أي كفيل ضامن، وقوله تعالى: (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ) [القلم: 40] أي كفيل. ومن السنة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العارية مؤداة، والزعيم غارم، والدين مقضي) (صححه الألباني). فالزعيم هو الكفيل، والزعامة الكفالة (معالم السنن (3/ 177)). وقد أجمع العلماء على جواز الكفالة لحاجة الناس إليها ودفع الضرر عن المدين. المسألة الثانية: أركان الكفالة وشروطها: أركان الكفالة خمسة: الصيغة، والكفيل، والمكفول له، والمكفول عنه، والمكفول به. وصيغتها تتم بإيجاب الكفيل وحده، ولا تتوقف على قبول المكفول له. أما الكفيل: فيشترط فيه أن يكون أهلاً للتبرع سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لأن الكفالة من التبرعات. وعلى ذلك لا تصح الكفالة من المجنون أو المعتوه أو الصبي، وكذلك المحجور عليه لسفه، فلا تصح كفالته، ولا ضمانه. وأما المكفول عنه: فلا يشترط رضاه لصحة الكفالة، بخلاف الكفيل فإن رضاه شرط لصحة الكفالة. أما محل الكفالة: فقد تكون الكفالة بالمال، ويطلق عليها الضمان، وقد تكون بالنفس، ويطلق عليها كفالة البدن والوجه. المسألة الثالثة: في بعض أحكام الكفالة: 1 - تصح الكفالة ببدن كل إنسان عليه حق مالي. 2 - لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد. 3 - لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص. 4 - يبرأ الكفيل بموت المكفول المتعذر إحضاره. 5 - الكفيل الغارم ضامن إذا ماطل الأصيل، ولم يسدد، أو أفلس. 6 - الكفيل غير الغارم -الحضوري- لا يضمن؛ لأن كفالته كفالة تعريف وإحضار للمكفول أو للكفيل الغارم. 7 - تصح الكفالة بالنفس، وهي التزام الكفيل بإحضار المكفول إلى المكفول له، أو إلى مجلس الحكم، أو نحو ذلك. المسألة الرابعة: في الضمان: الضمان: هو التزام ما وجب على غيره، وهو جائز؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72] أي ضامن. وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الزعيم غارم) (تقدم تخريجه). وقد أجمع العلماء على جوازه؛ لأن الحاجة تدعو إليه، وهو من باب قضاء الحاجات والتعاون المأمور به شرعاً. أحكام الضمان وشروطه: 1 - لا يجوز أخذ العوض عليه. 2 - يجوز تعدد الضامنين، فيجوز أن يضمن الحق اثنان فأكثر. 3 - لا يشترط في صحته معرفة الضامن للمضمون عنه. 4 - يصح ضمان المعلوم والمجهول إذا كان يؤول إلى العلم، وكذلك يصح ضمان عهدة المبيع. 5 - يصح الضمان بكل لفظ يؤدي معناه: كأنا ضامن، أو ضمين، أو زعيم أو نحو ذلك. 6 - لا تبرأ ذمة الضامن، إلا إذا برئت ذمة المضمون عنه من الدين، بإبراء أو قضاء. 7 - يشترط لصحته: رضا الضامن، فإن أكره على الضمان لم يصح، ولا يشترط رضا المضمون عنه، ولا رضا المضمون له. كما يشترط لصحته: أن يكون الضامن جائز التصرف، بأن يكون: بالغاً عاقلاً رشيداً. |
الساعة الآن 05:04 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©