منتدى عالم الأسرة والمجتمع

منتدى عالم الأسرة والمجتمع (http://www.66n.com/forums/index.php)
-   الثقافة الاسلامية (http://www.66n.com/forums/forumdisplay.php?f=2)
-   -   التفسير الميسر لكتاب الله (http://www.66n.com/forums/showthread.php?t=264232)

صاحب فكرة 16-01-2017 08:21 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السادس والستون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 11 من سورة فاطر
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، خالق السموات والأرض ومبدعهما, جاعل الملائكة رسلا إلى مَن يشاء من عباده, وفيما شاء من أمره ونهيه, ومِن عظيم قدرة الله أن جعل الملائكة أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع تطير بها؛ لتبليغ ما أمر الله به, يزيد الله في خلقه ما يشاء. إن الله على كل شيء قدير, لا يستعصي عليه شيء.
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
ما يفتح الله للناس من رزق ومطر وصحة وعلم وغير ذلك من النعم, فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة, وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها بعده سبحانه وتعالى. وهو العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم الذي يرسل الرحمة ويمسكها وَفْق حكمته.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم, فلا خالق لكم غير الله يرزقكم من السماء بالمطر, ومن الأرض بالماء والمعادن وغير ذلك. لا إله إلا هو وحده لا شريك له, فكيف تُصْرَفون عن توحيده وعبادته؟
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (4)
وإن يكذبك قومك -أيها الرسول- فقد كُذِّب رسل مِن قبلك, وإلى الله تصير الأمور في الآخرة, فيجازي كلا بما يستحق. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
يا أيها الناس إن وعد الله بالبعث والثواب والعقاب حق ثابت, فلا تخدعنَّكم الحياة الدنيا بشهواتها ومطالبها, ولا يخدعنَّكم بالله الشيطان. إن الشيطان لبني آدم عدو, فاتخذوه عدوًّا ولا تطيعوه, إنما يدعو أتباعه إلى الضلال؛ ليكونوا من أصحاب النار الموقدة.
(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
الذين جحدوا أن الله هو وحده الإله الحق وجحدوا ما جاءت به رسله لهم عذاب شديد في الآخرة, والذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الصالحات لهم عفو من ربهم وتجاوز عن ذنوبهم بعد سترها عليهم، ولهم أجر كبير, وهو الجنة.
(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر وعبادة ما دونه من الآلهة والأوثان فرآه حسنًا جميلا كمَن هداه الله تعالى, فرأى الحسن حسنًا والسيئ سيئًا؟ فإن الله يضل من يشاء من عباده, ويهدي من يشاء, فلا تُهْلك نفسك حزنًا على كفر هؤلاء الضالين, إن الله عليم بقبائحهم وسيجازيهم عليها أسوأ الجزاء.
(وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
واللهُ هو الذي أرسل الرياح فتحرك سحابًا, فسقناه إلى بلد جدب, فينـزل الماء فأحيينا به الأرض بعد يُبْسها فتخضر بالنبات, مثل ذلك الإحياء يحيي الله الموتى يوم القيامة.
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
من كان يطلب عزة في الدنيا أو الآخرة فليطلبها من الله, ولا تُنال إلا بطاعته, فلله العزة جميعًا, فمن اعتز بالمخلوق أذلَّه الله, ومن اعتز بالخالق أعزه الله, إليه سبحانه يصعد ذكره والعمل الصالح يرفعه. والذين يكتسبون السيئات لهم عذاب شديد, ومكر أولئك يَهْلك ويَفْسُد, ولا يفيدهم شيئًا.
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
واللهُ خلق أباكم آدم من تراب, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, ثم جعلكم رجالا ونساءً. وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه, وما يعمَّر من مُعَمَّر, فيطول عمره, ولا يُنْقَص من عمره إلا في كتاب عنده, وهو اللوح المحفوظ, قبل أن تحمل به أمُّه وقبل أن تضعه. قد أحصى الله ذلك كله, وعلمه قبل أن يخلقه, لا يُزاد فيما كتب له ولا يُنْقَص. إن خَلْقكم وعِلْم أحوالكم وكتابتها في اللوح المحفوظ سهل يسير على الله.


صاحب فكرة 18-01-2017 10:38 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السابع والستون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 12 الى الآية 24 من سورة فاطر
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
وما يستوي البحران: هذا عذب شديد العذوبة, سَهْلٌ مروره في الحلق يزيل العطش, وهذا ملح شديد الملوحة, ومن كل من البحرين تأكلون سمكًا طريًّا شهيَّ الطَّعم, وتستخرجون زينة هي اللؤلؤ والمَرْجان تَلْبَسونها, وترى السفن فيه شاقات المياه؛ لتبتغوا من فضله من التجارة وغيرها. وفي هذا دلالة على قدرة الله ووحدانيته; ولعلكم تشكرون لله على هذه النعم التي أنعم بها عليكم.
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
واللهُ يدخل من ساعات الليل في النهار, فيزيد النهار بقَدْر ما نقص من الليل, ويُدخل من ساعات النهار في الليل, فيزيد الليل بقَدْر ما نقص من النهار, وذلل الشمس والقمر, يجريان لوقت معلوم, ذلكم الذي فعل هذا هو الله ربكم له الملك كله, والذين تعبدون من دون الله ما يملكون مِن قطمير, وهي القشرة الرقيقة البيضاء تكون على النَّواة.
(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
إن تدعوا -أيها الناس- هذه المعبودات من دون الله لا يسمعوا دعاءكم, ولو سمعوا على سبيل الفرض ما أجابوكم, ويوم القيامة يتبرؤون منكم, ولا أحد يخبرك -أيها الرسول- أصدق من الله العليم الخبير.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
يا أيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله في كل شيء, لا تستغنون عنه طرفة عين, وهو سبحانه الغنيُّ عن الناس وعن كل شيء من مخلوقاته, الحميد في ذاته وأسمائه وصفاته، المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بالناس فمنه، فله الحمد والشكر على كلِّ حال.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
إن يشأ الله يهلكُّم أيها الناس, ويأت بقوم آخرين يطيعونه ويعبدونه وحده.
(وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
وما إهلاككم والإتيان بخلق سواكم على الله بممتنع, بل ذلك على الله سهل يسير.
(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى, وإن تَسْأل نفسٌ مثقَلَة بالخطايا مَن يحمل عنها من ذنوبها لم تجد من يَحمل عنها شيئًا, ولو كان الذي سألتْه ذا قرابة منها من أب أو أخ ونحوهما. إنما تحذِّر -أيها الرسول- الذين يخافون عذاب ربهم بالغيب, وأدَّوا الصلاة حق أدائها. ومن تطهر من الشرك وغيره من المعاصي فإنما يتطهر لنفسه. وإلى الله سبحانه مآل الخلائق ومصيرهم, فيجازي كلا بما يستحق.
(وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ (20) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الأحْيَاءُ وَلا الأمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
وما يستوي الأعمى عن دين الله, والبصير الذي أبصر طريق الحق واتبعه, وما تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان, ولا الظل ولا الريح الحارة, وما يستوي أحياء القلوب بالإيمان, وأموات القلوب بالكفر. إن الله يسمع مَن يشاء سماع فَهْم وقَبول, وما أنت -أيها الرسول- بمسمع مَن في القبور, فكما لا تُسمع الموتى في قبورهم فكذلك لا تُسمع هؤلاء الكفار لموت قلوبهم, إن أنت إلا نذير لهم غضب الله وعقابه. إنا أرسلناك بالحق, وهو الإيمان بالله وشرائع الدين, مبشرًا بالجنة مَن صدَّقك وعمل بهديك, ومحذرًا مَن كذَّبك وعصاك النار. وما من أمة من الأمم إلا جاءها نذير يحذرها عاقبة كفرها وضلالها.


صاحب فكرة 19-01-2017 09:37 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثامن والستون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 25 الى الآية 35 من سورة فاطر
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
وإن يكذبك هؤلاء المشركون فقد كذَّب الذين مِن قبلهم رسلهم الذين جاؤوهم بالمعجزات الواضحات الدالة على نبوتهم, وجاؤوهم بالكتب المجموع فيها كثير من الأحكام, وبالكتاب المنير الموضح لطريق الخير والشر.
(ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
ثم أخَذْت الذين كفروا بأنواع العذاب, فانظر كيف كان إنكاري لعملهم وحلول عقوبتي بهم؟
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
ألم تر أن الله أنـزل من السماء ماء, فسقينا به أشجارًا في الأرض, فأخرجنا من تلك الأشجار ثمرات مختلفًا ألوانها, منها الأحمر ومنها الأسود والأصفر وغير ذلك؟ وخَلَقْنا من الجبال طرائق بيضًا وحمرًا مختلفًا ألوانها, وخلقنا من الجبال جبالا شديدة السواد.
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
وخلقنا من الناس والدواب والإبل والبقر والغنم ما هو مختلف ألوانه كذلك, فمن ذلك الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك كاختلاف ألوان الثمار والجبال. إنما يخشى اللهَ ويتقي عقابه بطاعته واجتناب معصيته العلماءُ به سبحانه, وبصفاته, وبشرعه, وقدرته على كل شيء, ومنها اختلاف هذه المخلوقات مع اتحاد سببها, ويتدبرون ما فيها من عظات وعبر. إن الله عزيز قويٌّ لا يغالَب, غفور يثيب أهل الطاعة, ويعفو عنهم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
إن الذين يقرؤون القرآن, ويعملون به, وداوموا على الصلاة في أوقاتها, وأنفقوا مما رزقناهم من أنواع النفقات الواجبة والمستحبة سرًّا وجهرًا, هؤلاء يرجون بذلك تجارة لن تكسد ولن تهلك, ألا وهي رضا ربهم, والفوز بجزيل ثوابه؛ ليوفيهم الله تعالى ثواب أعمالهم كاملا غير منقوص, ويضاعف لهم الحسنات من فضله, إن الله غفور لسيئاتهم, شكور لحسناتهم, يثيبهم عليها الجزيل من الثواب.
(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)

والذي أنـزلناه إليك -أيها الرسول- من القرآن هو الحق المصدِّق للكتب التي أنـزلها الله على رسله قبلك. إن الله لخبير بشؤون عباده، بصير بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
ثم أعطينا -بعد هلاك الأمم- القرآن مَن اخترناهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي, ومنهم مقتصد, وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات, ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله, أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة, فَرْضِها ونفلها, ذلك الإعطاء للكتاب واصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
جنات إقامة دائمة للذين أورثهم الله كتابه يُحلَّون فيها الأساور من الذهب واللؤلؤ, ولباسهم المعتاد في الجنة حرير أي: ثياب رقيقة. وقالوا حين دخلوا الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا كل حَزَن, إن ربنا لغفور; حيث غفر لنا الزلات, شكور; حيث قبل منا الحسنات وضاعفها. وهو الذي أنـزلَنا دار الجنة من فضله, لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء.


صاحب فكرة 21-01-2017 12:25 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء التاسع والستون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 36 الى الآية 45 من سورة فاطر
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
والذين كفروا بالله ورسوله لهم نار جهنم الموقدة, لا يُقْضى عليهم بالموت, فيموتوا ويستريحوا, ولا يُخَفَّف عنهم مِن عذابها, ومثل ذلك الجزاء يجزي الله كلَّ متمادٍ في الكفر مُصِرٍّ عليه.
(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
وهؤلاء الكفار يَصْرُخون من شدة العذاب في نار جهنم مستغيثين: ربنا أخرجنا من نار جهنم, وردَّنا إلى الدنيا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمله في حياتنا الدنيا, فنؤمن بدل الكفر, فيقول لهم: أولم نُمْهلكم في الحياة قَدْرًا وافيًا من العُمُر, يتعظ فيه من اتعظ, وجاءكم النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم تتذكروا ولم تتعظوا؟ فذوقوا عذاب جهنم, فليس للكافرين من ناصر ينصرهم من عذاب الله.
(إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
إن الله مطَّلع على كل غائب في السموات والأرض, وإنه عليم بخفايا الصدور, فاتقوه أن يطَّلع عليكم, وأنتم تُضْمِرون الشك أو الشرك في وحدانيته, أو في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو أن تَعْصوه بما دون ذلك.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا (39)
الله هو الذي جعلكم -أيها الناس- يَخْلُف بعضكم بعضًا في الأرض, فمن جحد وحدانية الله منكم فعلى نفسه ضرره وكفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا بغضًا وغضبًا, ولا يزيدهم كفرهم بالله إلا ضلالا وهلاكًا.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا (40)
قل -أيها الرسول- للمشركين: أخبروني أيَّ شيء خَلَق شركاؤكم من الأرض, أم أن لشركائكم الذين تعبدونهم من دون الله شركًا مع الله في خلق السموات, أم أعطيناهم كتابًا فهم على حجة منه؟ بل ما يَعِدُ الكافرون بعضهم بعضًا إلا غرورًا وخداعًا.
(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا عن مكانهما, ولئن زالت السموات والأرض عن مكانهما ما يمسكهما من أحد من بعده. إن الله كان حليمًا في تأخير العقوبة عن الكافرين والعصاة, غفورًا لمن تاب من ذنبه ورجع إليه.
(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا (42)
وأقسم كفار قريش بالله أشد الأَيْمان: لئن جاءهم رسول من عند الله يخوِّفهم عقاب الله ليكونُنَّ أكثر استقامة واتباعًا للحق من اليهود والنصارى وغيرهم, فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم ذلك إلا بُعْدًا عن الحق ونفورًا منه.
(اسْتِكْبَارًا فِي الأرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا (43 )
ليس إقسامهم لقَصْد حسن وطلبًا للحق, وإنما هو استكبار في الأرض على الخلق, يريدون به المكر السيِّئ والخداع والباطل, ولا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله, فهل ينتظر المستكبرون الماكرون إلا العذاب الذي نـزل بأمثالهم الذين سبقوهم, فلن تجد لطريقة الله تبديلا ولا تحويلا فلا يستطيع أحد أن يُبَدِّل, ولا أن يُحَوِّل العذاب عن نفسه أو غيره.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44 )
أولم يَسِرْ كفار "مكة" في الأرض, فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كعاد وثمود وأمثالهم, وما حلَّ بهم من الدمار, وبديارهم من الخراب, حين كذبوا الرسل, وكان أولئك الكفرة أشد قوة وبطشًا من كفار "مكة"؟ وما كان الله تعالى ليعجزه ويفوته من شيء في السموات ولا في الأرض, إنه كان عليمًا بأفعالهم, قديرًا على إهلاكهم.
(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
ولو يعاقب الله الناس بما عملوا من الذنوب والمعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة تَدِبُّ عليها, ولكن يُمْهلهم ويؤخر عقابهم إلى وقت معلوم عنده, فإذا جاء وقت عقابهم فإن الله كان بعباده بصيرًا, لا يخفى عليه أحد منهم, ولا يعزب عنه علم شيء من أمورهم, وسيجازيهم بما عملوا من خير أو شر.
إنتهينا بحمد الله من سورة فاطر ونبدأ اللقاء القادم بمشيئة الله مع سورة يس


صاحب فكرة 22-01-2017 09:40 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 15 من سورة يس
(يس (1)
سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
(وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
يقسم الله تعالى بالقرآن المحكم بما فيه من الأحكام والحكم والحجج, إنك -أيها الرسول- لمن المرسلين بوحي الله إلى عباده, على طريق مستقيم معتدل, وهو الإسلام.
(تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
هذا القرآن تنـزيل العزيز في انتقامه من أهل الكفر والمعاصي, الرحيم بمن تاب من عباده وعمل صالحًا.
(لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
أنـزلناه عليك -أيها الرسول- لتحذر به قومًا لم يُنْذَرْ آباؤهم من قبلك, وهم العرب, فهؤلاء القوم ساهون عن الإيمان والاستقامة على العمل الصالح. وكل أمة ينقطع عنها الإنذار تقع في الغفلة, وفي هذا دليل على وجوب الدعوة والتذكير على العلماء بالله وشرعه; لإيقاظ المسلمين من غفلتهم.
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7)
لقد وجب العذاب على أكثر هؤلاء الكافرين, بعد أن عُرِض عليهم الحق فرفضوه, فهم لا يصدقون بالله ولا برسوله, ولا يعملون بشرعه.
(إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
إنا جعلنا هؤلاء الكفار الذين عُرض عليهم الحق فردُّوه, وأصرُّوا على الكفر وعدم الإيمان, كمن جُعِل في أعناقهم أغلال, فجمعت أيديهم مع أعناقهم تحت أذقانهم, فاضطروا إلى رفع رؤوسهم إلى السماء, فهم مغلولون عن كل خير, لا يبصرون الحق ولا يهتدون إليه.
(وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9)
وجعلنا من أمام الكافرين سدًّا ومن ورائهم سدًّا, فهم بمنـزلة من سُدَّ طريقه من بين يديه ومن خلفه, فأعمينا أبصارهم; بسبب كفرهم واستكبارهم, فهم لا يبصرون رشدًا, ولا يهتدون. وكل من قابل دعوة الإسلام بالإعراض والعناد, فهو حقيق بهذا العقاب.
(وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10)
يستوي عند هؤلاء الكفار المعاندين تحذيرك لهم -أيها الرسول- وعدم تحذيرك, فهم لا يصدِّقون ولا يعملون.
(إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
إنما ينفع تحذيرك مَن آمن بالقرآن, واتبع ما فيه من أحكام الله, وخاف الرحمن, حيث لا يراه أحد إلا الله, فبشِّره بمغفرة من الله لذنوبه, وثواب منه في الآخرة على أعماله الصالحة, وهو دخوله الجنة.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
إنا نحن نحيي الأموات جميعًا ببعثهم يوم القيامة, ونكتب ما عملوا من الخير والشر, وآثارهم التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير, كالولد الصالح, والعلم النافع, والصدقة الجارية, ومن شر, كالشرك والعصيان, وكلَّ شيء أحصيناه في كتاب واضح هو أمُّ الكتب, وإليه مرجعها, وهو اللوح المحفوظ. فعلى العاقل محاسبة نفسه; ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)

واضرب -أيها الرسول- لمشركي قومك الرادِّين لدعوتك مثلا يعتبرون به, وهو قصة أهل القرية, حين ذهب إليهم المرسلون, إذ أرسلنا إليهم رسولين لدعوتهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة غيره, فكذَّب أهل القرية الرسولين, فعزَّزناهما وقويناهما برسول ثالث, فقال الثلاثة لأهل القرية: إنا إليكم -أيها القوم-مرسلون.
(قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (15 )
قال أهل القرية للمرسلين: ما أنتم إلا أناس مثلنا، وما أنـزل الرحمن شيئًا من الوحي, وما أنتم -أيها الرسل- إلا تكذبون.


صاحب فكرة 25-01-2017 10:28 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الحادي والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 16 الى الآية 30 من سورة يس
(قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17)
قال المرسلون مؤكدين: ربُّنا الذي أرسلنا يعلم إنا إليكم لمرسلون, وما علينا إلا تبليغ الرسالة بوضوح, ولا نملك هدايتكم, فالهداية بيد الله وحده.
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
قال أهل القرية: إنا تَشَاءَمْنا بكم, لئن لم تكُفُّوا عن دعوتكم لنا لنقتلنكم رميًا بالحجارة, وليصيبنكم منَّا عذاب أليم موجع.
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
قال المرسلون: شؤمكم وأعمالكم من الشرك والشر معكم ومردودة عليكم, أإن وُعظتم بما فيه خيركم تشاءمتم وتوعدتمونا بالرجم والتعذيب؟ بل أنتم قوم عادتكم الإسراف في العصيان والتكذيب.
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
وجاء من مكان بعيد في المدينة رجل مسرع (وذلك حين علم أن أهل القرية هَمُّوا بقتل الرسل أو تعذيبهم), قال: يا قوم اتبعوا المرسلين إليكم من الله, اتبعوا الذين لا يطلبون منكم أموالا على إبلاغ الرسالة, وهم مهتدون فيما يدعونكم إليه من عبادة الله وحده. وفي هذا بيان فضل مَن سعى إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
وأيُّ شيء يمنعني مِن أن أعبد الله الذي خلقني, وإليه تصيرون جميعًا؟
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
أأعبد من دون الله آلهة أخرى لا تملك من الأمر شيئًا, إن يردني الرحمن بسوء فهذه الآلهة لا تملك دفع ذلك ولا منعه, ولا تستطيع إنقاذي مما أنا فيه؟ إني إن فعلت ذلك لفي خطأ واضح ظاهر. إني آمنت بربكم فاستمعوا إلى ما قُلْته لكم, وأطيعوني بالإيمان. فلما قال ذلك وثب إليه قومه وقتلوه, فأدخله الله الجنة.
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
قيل له بعد قتله: ادخل الجنة, إكرامًا له.
(بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
قال وهو في النعيم والكرامة: يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي وإكرامه إياي; بسبب إيماني بالله وصبري على طاعته, واتباع رسله حتى قُتِلت, فيؤمنوا بالله فيدخلوا الجنة مثلي.
(وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
وما احتاج الأمر إلى إنـزال جند من السماء لعذابهم بعد قتلهم الرجل الناصح لهم وتكذيبهم رسلهم, فهم أضعف من ذلك وأهون, وما كنا منـزلين الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم, بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.
(إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
ما كان هلاكهم إلا بصيحة واحدة, فإذا هم ميتون لم تَبْقَ منهم باقية.
(يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
يا حسرة العباد وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب, ما يأتيهم من رسول من الله تعالى إلا كانوا به يستهزئون ويسخرون.


صاحب فكرة 26-01-2017 09:10 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثاني والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 31 الى الآية 45 من سورة يس
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31)
ألم ير هؤلاء المستهزئون ويعتبروا بمن قبلهم من القرون التي أهلكناها أنهم لا يرجعون إلى هذه الدينا؟
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
وما كل هذه القرون التي أهلكناها وغيرهم, إلا محضرون جميعًا عندنا يوم القيامة للحساب والجزاء.
(وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
ودلالة لهؤلاء المشركين على قدرة الله على البعث والنشور: هذه الأرض الميتة التي لا نبات فيها, أحييناها بإنـزال الماء, وأخرجنا منها أنواع النبات مما يأكل الناس والأنعام, ومن أحيا الأرض بالنبات أحيا الخلق بعد الممات.
(وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
وجعلنا في هذه الأرض بساتين من نخيل وأعناب, وفجَّرنا فيها من عيون المياه ما يسقيها.
(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35)
كل ذلك; ليأكل العباد من ثمره, وما ذلك إلا من رحمة الله بهم لا بسعيهم ولا بكدِّهم, ولا بحولهم وبقوتهم, أفلا يشكرون الله على ما أنعم به عليهم من هذه النعم التي لا تعدُّ ولا تحصى؟
(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36)
تنـزَّه الله العظيم الذي خلق الأصناف جميعها من أنواع نبات الأرض, ومن أنفسهم ذكورًا وإناثًا, ومما لا يعلمون من مخلوقات الله الأخرى. قد انفرد سبحانه بالخلق, فلا ينبغي أن يُشْرَك به غيره.
(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
وعلامة لهم دالة على توحيد الله وكمال قدرته: هذا الليل ننـزع منه النهار, فإذا الناس مظلمون.
(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها, قدَّره الله لها لا تتعداه ولا تقصر عنه, ذلك تقدير العزيز الذي لا يغالَب, العليم الذي لا يغيب عن علمه شيء.
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
والقمرَ آية في خلقه, قدَّرناه منازل كل ليلة, يبدأ هلالا ضئيلا حتى يكمل قمرًا مستديرًا, ثم يرجع ضئيلا مثل عِذْق النخلة المتقوس في الرقة والانحناء والصفرة؛ لقدمه ويُبْسه.
(لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
لكل من الشمس والقمر والليل والنهار وقت قدَّره الله له لا يتعدَّاه, فلا يمكن للشمس أن تلحق القمر فتمحو نوره, أو تغير مجراه, ولا يمكن للَّيل أن يسبق النهار, فيدخل عليه قبل انقضاء وقته, وكل من الشمس والقمر والكواكب في فلك يَجْرون.
(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
ودليل لهم وبرهان على أن الله وحده المستحق للعبادة, المنعم بالنعم, أنَّا حملنا مَن نجا مِن ولد آدم في سفينة نوح المملوءة بأجناس المخلوقات; لاستمرار الحياة بعد الطوفان.
(وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
وخلقنا لهؤلاء المشركين وغيرهم مثل سفينة نوح من السفن وغيرها من المراكب التي يركبونها وتبلِّغهم أوطانهم.
(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
وإن نشأ نغرقهم, فلا يجدون مغيثًا لهم مِن غرقهم, ولا هم يخلصون من الغرق.
(إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
إلا أن نرحمهم فننجيهم ونمتعهم إلى أجل؛ لعلهم يرجعون ويستدركون ما فرَّطوا فيه.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
وإذا قيل للمشركين: احذروا أمر الآخرة وأهوالها وأحوال الدنيا وعقابها; رجاء رحمة الله لكم, أعرضوا, ولم يجيبوا إلى ذلك.


صاحب فكرة 28-01-2017 09:34 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثالث والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 46 الى الآية 65 من سورة يس


(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
وما تجيء هؤلاء المشركين من علامة واضحة من عند ربهم؛ لتهديهم للحق, وتبيِّن لهم صدق الرسول, إلا أعرضوا عنها, ولم ينتفعوا بها.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47)
وإذا قيل للكافرين: أنفقوا من الرزق الذي مَنَّ به الله عليكم, قالوا للمؤمنين مُحْتجِّين: أنطعم من لو شاء الله أطعمه؟ ما أنتم -أيها المؤمنون- إلا في بُعْدٍ واضح عن الحق, إذ تأمروننا بذلك.
(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
ويقول هؤلاء الكفار على وجه التكذيب والاستعجال: متى يكون البعث إن كنتم صادقين فيما تقولونه عنه؟
(مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون بوعيد الله إياهم إلا نفخة الفَزَع عند قيام الساعة, تأخذهم فجأة, وهم يختصمون في شؤون حياتهم.
(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
فلا يستطيع هؤلاء المشركون عند النفخ في "القرن" أن يوصوا أحدًا بشيء, ولا يستطيعون الرجوع إلى أهلهم, بل يموتون في أسواقهم ومواضعهم.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
ونُفِخ في "القرن" النفخةُ الثانية, فتُرَدُّ أرواحهم إلى أجسادهم, فإذا هم من قبورهم يخرجون إلى ربهم سراعًا.
(قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
قال المكذبون بالبعث نادمين: يا هلاكنا مَن أخرجنا مِن قبورنا؟ فيجابون ويقال لهم: هذا ما وعد به الرحمن, وأخبر عنه المرسلون الصادقون.
(إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
ما كان البعث من القبور إلا نتيجة نفخة واحدة في "القرن", فإذا جميع الخلق لدينا ماثلون للحساب والجزاء.
(فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
في ذلك اليوم يتم الحساب بالعدل, فلا تُظْلم نفس شيئًا بنقص حسناتها أو زيادة سيئاتها, ولا تُجْزون إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا.
(إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
إن أهل الجنة في ذلك اليوم مشغولون عن غيرهم بأنواع النعيم التي يتفكهون بها.
(هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
هم وأزواجهم متنعمون بالجلوس على الأسرَّة المزيَّنة, تحت الظلال الوارفة.
(لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
لهم في الجنة أنواع الفواكه اللذيذة, ولهم كل ما يطلبون من أنواع النعيم.
(سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
ولهم نعيم آخر أكبر حين يكلمهم ربهم, الرحيم بهم بالسلام عليهم. وعند ذلك تحصل لهم السلامة التامة من جميع الوجوه.
(وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
ويقال للكفار في ذلك اليوم: تميَّزوا عن المؤمنين, وانفصلوا عنهم.
(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
ويقول الله لهم توبيخًا وتذكيرًا: ألم أوصكم على ألسنة رسلي أن لا تعبدوا الشيطان ولا تطيعوه؟ إنه لكم عدو ظاهر العداوة.
(وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
وأمرتكم بعبادتي وحدي, فعبادتي وطاعتي ومعصية الشيطان هي الدين القويم الموصل لمرضاتي وجنَّاتي.
(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
ولقد أضلَّ الشيطان عن الحق منكم خلقًا كثيرًا, أفما كان لكم عقل -أيها المشركون- ينهاكم عن اتباعه؟
(هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
هذه جهنم التي كنتم توعدون بها في الدنيا على كفركم بالله وتكذيبكم رسله.
(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
ادخلوها اليوم وقاسوا حرَّها; بسبب كفركم.
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
اليوم نطبع على أفواه المشركين فلا ينطقون, وتُكلِّمنا أيديهم بما بطشت به, وتشهد أرجلهم بما سعت إليه في الدنيا، وكسبت من الآثام.


صاحب فكرة 29-01-2017 09:58 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الرابع والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 66 الى الآية 83 من سورة يس

(وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
ولو نشاء لطمسنا على أعينهم بأن نُذْهب أبصارهم, كما ختمنا على أفواههم, فبادَروا إلى الصراط ليجوزوه, فكيف يتحقق لهم ذلك وقد طُمِست أبصارهم؟
(وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67)
ولو شئنا لَغَيَّرنا خلقهم وأقعدناهم في أماكنهم, فلا يستطيعون أن يَمْضوا أمامهم, ولا يرجعوا وراءهم.
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68)
ومن نُطِلْ عمره حتى يهرم نُعِدْه إلى الحالة التي ابتدأ منها حالة ضعف العقل وضعف الجسد, أفلا يعقلون أنَّ مَن فعل مثل هذا بهم قادر على بعثهم؟
(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
وما علَّمنا رسولنا محمدًا الشعر, وما ينبغي له أن يكون شاعرًا, ما هذا الذي جاء به إلا ذكر يتذكر به أولو الألباب, وقرآن بيِّن الدلالة على الحق والباطل، واضحة أحكامه وحِكَمه ومواعظه; لينذر مَن كان حيَّ القلب مستنير البصيرة, ويحق العذاب على الكافرين بالله; لأنهم قامت عليهم بالقرآن حجة الله البالغة.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
أولم ير الخلق أنا خلقنا لأجلهم أنعامًا ذللناها لهم, فهم مالكون أمرها؟
(وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
وسخَّرناها لهم, فمنها ما يركبون في الأسفار, ويحملون عليها الأثقال, ومنها ما يأكلون.
(وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)
ولهم فيها منافع أخرى ينتفعون بها, كالانتفاع بأصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ولباسًا, وغير ذلك, ويشربون ألبانها, أفلا يشكرون الله الذي أنعم عليهم بهذه النعم, ويخلصون له العبادة؟
(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
واتخذ المشركون من دون الله آلهة يعبدونها; طمعًا في نصرها لهم وإنقاذهم من عذاب الله.
(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
لا تستطيع تلك الآلهة نصر عابديها ولا أنفسهم ينصرون, والمشركون وآلهتهم جميعًا محضرون في العذاب, متبرئ بعضهم من بعض.
(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
فلا يَحْزُنك -أيها الرسول- كفرهم بالله وتكذيبهم لك واستهزاؤهم بك; إنا نعلم ما يخفون, وما يظهرون, وسنجازيهم على ذلك.
(أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
أولم ير الإنسان المنكر للبعث ابتداء خلقه فيستدل به على معاده, أنا خلقناه من نطفة مرَّت بأطوار حتى كَبِر, فإذا هو كثير الخصام واضح الجدال؟
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
وضرب لنا المنكر للبعث مثلا لا ينبغي ضربه, وهو قياس قدرة الخالق بقدرة المخلوق, ونسي ابتداء خلقه, قال: مَن يحيي العظام البالية المتفتتة؟
(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
قل له: يحييها الذي خلقها أول مرة, وهو بجميع خلقه عليم, لا يخفى عليه شيء.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
الذي أخرج لكم من الشجر الأخضر الرطب نارًا محرقة, فإذا أنتم من الشجر توقدون النار, فهو القادر على إخراج الضد من الضد. وفي ذلك دليل على وحدانية الله وكمال قدرته, ومن ذلك إخراج الموتى من قبورهم أحياء.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (81)
أوليس الذي خلق السموات والأرض وما فيهما بقادر على أن يخلق مثلهم, فيعيدهم كما بدأهم؟ بلى, إنه قادر على ذلك, وهو الخلاق لجميع المخلوقات, العليم بكل ما خلق ويَخْلُقُ, لا يخفى عليه شيء.
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
إنما أمره سبحانه وتعالى إذا أراد شيئًا أن يقول له: "كن" فيكون, ومن ذلك الإماتة والإحياء, والبعث والنشور.
(فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
فتنـزه الله تعالى وتقدس عن العجز والشرك, فهو المالك لكل شيء, المتصرف في شؤون خلقه بلا منازع أو ممانع, وقد ظهرت دلائل قدرته, وتمام نعمته, وإليه تُرجعون للحساب والجزاء.
انتهينا بحمد الله من سورة يس واللقاء القادم بعون الله مع سورة الصافات


صاحب فكرة 30-01-2017 02:52 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الخامس والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 26 من سورة الصافات
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)
أقسم الله تعالى بالملائكة تصف في عبادتها صفوفًا متراصة, وبالملائكة تزجر السحاب وتسوقه بأمر الله, وبالملائكة تتلو ذكر الله وكلامه تعالى. إن معبودكم -أيها الناس- لواحد لا شريك له, فأخلصوا له العبادة والطاعة. ويقسم الله بما شاء مِن خلقه, أما المخلوق فلا يجوز له القسم إلا بالله, فالحلف بغير الله شرك.
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
هو خالق السموات والأرض وما بينهما, ومدبِّر الشمس في مطالعها ومغاربها.
(إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
إنَّا زينَّا السماء الدنيا بزينة هي النجوم.
(وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
وحفظنا السماء بالنجوم مِن كل شيطان متمرِّد عاتٍ رجيم.
(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
لا تستطيع الشياطين أن تصل إلى الملأ الأعلى, وهي السموات ومَن فيها مِن الملائكة, فتستمع إليهم إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى مِن شرعه وقدره, ويُرْجَمون بالشهب من كل جهة; طردًا لهم عن الاستماع, ولهم في الدار الآخرة عذاب دائم موجع.
(إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
إلا مَنِ اختطف من الشياطين الخطفة, وهي الكلمة يسمعها من السماء بسرعة, فيلقيها إلى الذي تحته, ويلقيها الآخر إلى الذي تحته, فربما أدركه الشهاب المضيء قبل أن يلقيها, وربما ألقاها بقَدَر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب, فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكهنة, فيكذبون معها مائة كذبة.
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11)
فاسأل -أيها الرسول- منكري البعث أَهُم أشد خلقًا أم من خلقنا من هذه المخلوقات؟ إنا خلقنا أباهم آدم من طين لزج, يلتصق بعضه ببعض.
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
بل عجبتَ -أيها الرسول- من تكذيبهم وإنكارهم البعث, وأعجب من إنكارهم وأبلغ أنهم يستهزئون بك, ويسخرون من قولك.
(وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (13)
وإذا ذكِّروا بما نسوه أو غَفَلوا عنه لا ينتفعون بهذا الذكر ولا يتدبَّرون.
(وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
وإذا رأوا معجزة دالَّة على نبوَّتك يسخرون منها ويعجبون.
(وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ (17)
وقالوا: ما هذا الذي جئت به إلا سحر ظاهر بيِّن. أإذا متنا وصِرْنا ترابًا وعظامًا بالية أإنا لمبعوثون من قبورنا أحياء, أو يُبعث آباؤنا الذين مضوا من قبلنا؟
(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
قل لهم -أيها الرسول-: نعم سوف تُبعثون, وأنتم أذلاء صاغرون.
(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
فإنما هي نفخة واحدة, فإذا هم قائمون من قبورهم ينظرون أهوال يوم القيامة.
(وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
وقالوا: يا هلاكنا هذا يوم الحساب والجزاء.
(هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
فيقال لهم: هذا يوم القضاء بين الخلق بالعدل الذي كنتم تكذبون به في الدنيا وتنكرونه.
(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
ويقال للملائكة: اجمَعُوا الذين كفروا بالله ونظراءهم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله, فسوقوهم سوقًا عنيفًا إلى جهنم.
(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
واحبسوهم قبل أن يصلوا إلى جهنم؛ إنهم مسؤولون عن أعمالهم وأقوالهم التي صدرت عنهم في الدنيا, مساءلة إنكار عليهم وتبكيت لهم.
(مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25)
ويقال لهم توبيخًا: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضًا؟
(بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
بل هم اليوم منقادون لأمر الله, لا يخالفونه ولا يحيدون عنه, غير منتصرين لأنفسهم.


صاحب فكرة 31-01-2017 09:21 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السادس والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 27 الى الآية 49 من سورة الصافات
(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
وأقبل بعض الكفار على بعض يتلاومون ويتخاصمون.
(قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
قال الأتباع للمتبوعين: إنكم كنتم تأتوننا من قِبَل الدين والحق, فتهوِّنون علينا أمر الشريعة, وتُنَفِّروننا عنها, وتزينون لنا الضلال.
(قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
قال المتبوعون للتابعين: ما الأمر كما تزعمون, بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان, قابلة للكفر والعصيان.
(وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
وما كان لنا عليكم من حجة أو قوَّة, فنصدكم بها عن الإيمان, بل كنتم -أيها المشركون- قومًا طاغين متجاوزين للحق.
(فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
فلزِمَنا جميعًا وعيد ربنا, إنا لذائقو العذاب, نحن وأنتم, بما قدمنا من ذنوبنا ومعاصينا في الدنيا.
(فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به, إنا كنا ضالين من قبلكم, فهلكنا; بسبب كفرنا, وأهلكناكم معنا.
(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
فإن الأتباع والمتبوعين مشتركون يوم القيامة في العذاب, كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله.
(إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على طاعته, فنذيقهم العذاب الأليم.
(إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
إن أولئك المشركين كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله, ودعوا إليها, وأُمروا بترك ما ينافيها, يستكبرون عنها وعلى من جاء بها.
(وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
ويقولون: أنترك عبادة آلهتنا لقول رجل شاعر مجنون؟ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
كذَبوا, ما محمد كما وصفوه به, بل جاء بالقرآن والتوحيد, وصدَّق المرسلين فيما أخبروا به عنه من شرع الله وتوحيده.
(إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الألِيمِ (38)
إنكم -أيها المشركون- بقولكم وكفركم وتكذيبكم لذائقو العذاب الأليم الموجع.
(وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
وما تجزون في الآخرة إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا من المعاصي.
(إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
إلا عباد الله تعالى الذين أخلصوا له في عبادته, فأخلصهم واختصهم برحمته؛ فإنهم ناجون من العذاب الأليم.
(أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41)
أولئك المخلصون لهم في الجنة رزق معلوم لا ينقطع.
(فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
ذلك الرزق فواكه متنوعة, وهم مكرمون بكرامة الله لهم في جنات النعيم الدائم.
(عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
ومن كرامتهم عند ربهم وإكرام بعضهم بعضًا أنهم على سرر متقابلين فيما بينهم.
(يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية, لا يخافون انقطاعها, بيضاء في لونها, لذيذة في شربها, ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل.
(وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات, لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين, كأنهن بَيْض مصون لم تمسه الأيدي.


صاحب فكرة 01-02-2017 12:25 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السابع والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 50 الى الآية 82 من سورة الصافات

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها, وما أنعم الله به عليهم في الجنة, وهذا من تمام الأنس.
(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
قال قائل من أهل الجنة: لقد كان لي في الدنيا صاحب ملازم لي.
(يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
يقول: كيف تصدِّق بالبعث الذي هو في غاية الاستغراب؟ أإذا متنا وتمزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا, نُبعث ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا؟
(قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
قال هذا المؤمن الذي أُدخل الجنة لأصحابه: هل أنتم مُطَّلعون لنرى مصير ذلك القرين؟ فاطلع فرأى قرينه في وسط النار.
(قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
قال المؤمن لقرينه المنكر للبعث: لقد قاربت أن تهلكني بصدك إياي عن الإيمان لو أطعتك. ولولا فضل ربي بهدايتي إلى الإيمان وتثبيتي عليه, لكنت من المحضرين في العذاب معك.
(أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
أحقًا أننا مخلَّدون منعَّمون, فما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى في الدنيا, وما نحن بمعذَّبين بعد دخولنا الجنة؟ إنَّ ما نحن فيه من نعيم لهُوَ الظَّفَر العظيم.
(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
لمثل هذا النعيم الكامل, والخلود الدائم, والفوز العظيم, فليعمل العاملون في الدنيا; ليصيروا إليه في الآخرة.
(أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
أذلك الذي سبق وصفه مِن نعيم الجنة خير ضيافة وعطاء من الله, أم شجرة الزقوم الخبيثة الملعونة, طعام أهل النار؟
(إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إنا جعلناها فتنة افتتن بها الظالمون لأنفسهم بالكفر والمعاصي, وقالوا مستنكرين: إن صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة, والنار تأكل الشجر.
(إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ (68)
إنها شجرة تنبت في قعر جهنم, ثمرها قبيح المنظر كأنه رؤوس الشياطين, فإذا كانت كذلك فلا تَسْألْ بعد هذا عن طعمها, فإن المشركين لآكلون من تلك الشجرة فمالئون منها بطونهم. ثم إنهم بعد الأكل منها لشاربون شرابًا خليطًا قبيحًا حارًّا, ثم إن مردَّهم بعد هذا العذاب إلى عذاب النار.
(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
إنهم وجدوا آباءهم على الشرك والضلال, فسارعوا إلى متابعتهم على ذلك.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوَّلِينَ (71)
ولقد ضلَّ عن الحق قبل قومك -أيها الرسول- أكثر الأمم السابقة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
ولقد أرسلنا في تلك الأمم مرسلين أنذروهم بالعذاب فكفروا.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
فتأمَّل كيف كانت نهاية تلك الأمم التي أنذرت, فكفرت؟ فقد عُذِّبت, وصارت للناس عبرة.
(إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
إلا عباد الله الذين أخلصهم الله, وخصَّهم برحمته لإخلاصهم له.
(وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
ولقد نادانا نبينا نوح; لننصره على قومه, فلنعم المجيبون له نحن.
(وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
ونجيناه وأهله والمؤمنين معه مِن أذى المشركين, ومن الغرق بالطوفان العظيم.
(وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
وجعلنا ذرية نوح هم الباقين بعد غرق قومه.
(وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (78)
وأبقينا له ذِكْرًا جميلا وثناءً حسنًا فيمن جاء بعده من الناس يذكرونه به.
(سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
أمان لنوح وسلامة له من أن يُذْكر بسوء في الآخِرين, بل تُثني عليه الأجيال من بعده.
(إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
مثل جزاء نوح نجزي كلَّ مَن أحسن من العباد في طاعة الله.
(إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)
إن نوحًا من عبادنا المصدقين المخلصين العاملين بأوامر الله.
(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (82)
ثم أغرقنا الآخرين المكذبين من قومه بالطوفان, فلم تبق منهم عين تَطْرِف.


صاحب فكرة 02-02-2017 09:39 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثامن والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 83 الى الآية 113 من سورة الصافات
(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
وإنَّ من أشياع نوح على منهاجه وملَّته نبيَّ الله إبراهيم, حين جاء ربه بقلب بريء من كل اعتقاد باطل وخُلُق ذميم, حين قال لأبيه وقومه منكرًا عليهم: ما الذي تعبدونه من دون الله؟ أتريدون آلهة مختلَقَة تعبدونها, وتتركون عبادة الله المستحق للعبادة وحده؟ فما ظنكم برب العالمين أنه فاعل بكم إذا أشركتم به وعبدتم معه غيره؟
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
فنظر إبراهيم نظرة في النجوم متفكرًا فيما يعتذر به عن الخروج معهم إلى أعيادهم, فقال لهم: إني مريض. وهذا تعريض منه. فتركوه وراء ظهورهم.
(فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (92)
فمال مسرعًا إلى أصنام قومه فقال مستهزئًا بها: ألا تاكلون هذا الطعام الذي يقدمه لكم سدنتكم؟ ما لكم لا تنطقون ولا تجيبون مَن يسألكم؟
(فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
فأقبل على آلهتهم يضربها ويكسِّرها بيده اليمني; ليثبت لقومه خطأ عبادتهم لها.
(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
فأقبلوا إليه يَعْدُون مسرعين غاضبين.
(قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
فلقيهم إبراهيم بثبات قائلا كيف تعبدون أصنامًا تنحتونها أنتم, وتصنعونها بأيديكم, وتتركون عبادة ربكم الذي خلقكم, وخلق عملكم؟
(قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
(فلما قامت عليهم الحجة لجؤوا إلى القوة) وقالوا: ابنوا له بنيانًا واملؤوه حطبًا, ثم ألقوه فيه.
(فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ (98)
فأراد قوم إبراهيم به كيدًا لإهلاكه, فجعلناهم المقهورين المغلوبين، وردَّ الله كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردًا وسلامًا.
(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
وقال إبراهيم: إني مهاجر إلى ربي من بلد قومي إلى حيث أتمكن من عبادة ربي; فإنه سيدلني على الخير في ديني ودنياي. رب أعطني ولدًا صالحًا.
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)
فأجبنا له دعوته, وبشَّرناه بغلام حليم, أي: يكون حليمًا في كبره, وهو إسماعيل.
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فلما كَبِر إسماعيل ومشى مع أبيه قال له أبوه: إني أرى في المنام أني أذبحك, فما رأيك؟ (ورؤيا الأنبياء حق) فقال إسماعيل مُرْضيًا ربه, بارًّا بوالده, معينًا له على طاعة الله: أمض ما أمرك الله به مِن ذبحي, ستجدني -إن شاء الله- صابرًا طائعًا محتسبًا.
(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
فلما استسلما لأمر الله وانقادا له, وألقى إبراهيم ابنه على جبينه -وهو جانب الجبهة- على الأرض؛ ليذبحه.
(وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
ونادينا إبراهيم في تلك الحالة العصيبة: أن يا إبراهيم, قد فعلتَ ما أُمرت به وصَدَّقْتَ رؤياك, إنا كما جزيناك على تصديقك نجزي الذين أحسنوا مثلك, فنخلِّصهم من الشدائد في الدنيا والآخرة.
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)
إن الأمر بذبح ابنك هو الابتلاء الشاق الذي أبان عن صدق إيمانك.
(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
واستنقذنا إسماعيل, فجعلنا بديلا عنه كبشًا عظيمًا.
(وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108)
وأبقينا لإبراهيم ثناءً حسنًا في الأمم بعده.
(سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)
تحيةٌ لإبراهيم من عند الله, ودعاءٌ له بالسلامة من كل آفة.
(كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
كما جزينا إبراهيم على طاعته لنا وامتثاله أمرنا, نجزي المحسنين من عبادنا.
(إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
إنه من عبادنا المؤمنين الذين أعطَوا العبودية حقها.
(وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
وبشَّرنا إبراهيم بولده إسحاق نبيًّا من الصالحين; جزاء له على صبره ورضاه بأمر ربه, وطاعته له.
(وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
وأنـزلنا عليهما البركة. ومِن ذريتهما من هو مطيع لربه, محسن لنفسه, ومَن هو ظالم لها ظلمًا بيِّنًا بكفره ومعصيته.


صاحب فكرة 04-02-2017 02:33 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء التاسع والسبعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 114 الى الآية 148 من سورة الصافات
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
ولقد مننَّا على موسى وهارون بالنبوة والرسالة, ونجيناهما وقومهما من الغرق, وما كانوا فيه من عبودية ومَذلَّة.
(وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)
ونصرناهم, فكانت لهم العزة والنصرة والغلبة على فرعون وآله.
(وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ (119)
وآتيناهما التوراة البينة, وهديناهما الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه, وهو الإسلام دين الله الذي ابتعث به أنبياءه, وأبقينا لهما ثناءً حسنًا وذكرًا جميلا فيمن بعدهما.
(سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
تحيةٌ لموسى وهارون من عند الله, وثناءٌ ودعاءٌ لهما بالسلامة من كل آفة, كما جزيناهما الجزاء الحسن نجزي المحسنين من عبادنا المخلصين لنا بالصدق والإيمان والعمل. إنهما من عبادنا الراسخين في الإيمان.
(وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ (126)
وإن عبدنا إلياس لمن الذين أكرمناهم بالنبوة والرسالة, إذ قال لقومه من بني إسرائيل: اتقوا الله وحده وخافوه, ولا تشركوا معه غيره, كيف تعبدون صنمًا, وتتركون عبادة الله أحسن الخالقين, وهو ربكم الذي خلقكم, وخلق آباءكم الماضين قبلكم؟
(فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
فكذب قوم إلياس نبيهم, فليجمعنهم الله يوم القيامة للحساب والعقاب, إلا عباد الله الذين أخلصوا دينهم لله, فإنهم ناجون من عذابه.
(وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
وجعلنا لإلياس ثناءً جميلا في الأمم بعده. تحية من الله, وثناءٌ على إلياس. وكما جزينا إلياس الجزاء الحسن على طاعته, نجزي المحسنين من عبادنا المؤمنين. إنه من عباد الله المؤمنين المخلصين له العاملين بأوامره.
(وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
وإن عبدنا لوطًا اصطفيناه, فجعلناه من المرسلين, إذ نجيناه وأهله أجمعين من العذاب, إلا عجوزًا هَرِمة, هي زوجته, هلكت مع الذين هلكوا من قومها لكفرها.
(ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ (136)
ثم أهلكنا الباقين المكذبين من قومه.
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138)
وإنكم -يا أهل "مكة"- لتمرون فى أسفاركم على منازل قوم لوط وآثارهم وقت الصباح, وتمرون عليها ليلا. أفلا تعقلون, فتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم؟
(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
وإن عبدنا يونس اصطفيناه وجعلناه من المرسلين, إذ هرب من بلده غاضبًا على قومه, وركب سفينة مملوءة ركابًا وأمتعة.
(فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
وأحاطت بها الأمواج العظيمة, فاقترع ركاب السفينة لتخفيف الحمولة خوف الغرق, فكان يونس من المغلوبين.
(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
فأُلقي في البحر, فابتلعه الحوت, ويونس عليه السلام آتٍ بما يُلام عليه.
(فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت, وتسبيحه, وهو في بطن الحوت بقوله: (لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين) , لمكث في بطن الحوت, وصار له قبرًا إلى يوم القيامة.
(فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
فطرحناه من بطن الحوت, وألقيناه في أرض خالية عارية من الشجر والبناء, وهو ضعيف البدن.
(وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
وأنبتنا عليه شجرة من القَرْع تظلُّه, وينتفع بها.
(وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
وأرسلناه إلى مائة ألف من قومه بل يزيدون, فصدَّقوا وعملوا بما جاء به, فمتعناهم بحياتهم إلى وقت بلوغ آجالهم.


صاحب فكرة 05-02-2017 09:40 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 149 الى الآية 182 من سورة الصافات
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
فاسأل -أيها الرسول- قومك: كيف جعلوا لله البنات اللاتي يكرهونهنَّ, ولأنفسهم البنين الذين يريدونهم؟
(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)
واسألهم أخَلَقْنا الملائكة إناثًا, وهم حاضرون؟
(أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
وإنَّ مِن كذبهم قولهم: ولَد الله, وإنهم لكاذبون; لأنهم يقولون ما لا يعلمون.
(أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
لأي شيء يختار الله البنات دون البنين؟
(مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
بئس الحكم ما تحكمونه -أيها القوم- أن يكون لله البنات ولكم البنون, وأنتم لا ترضون البنات لأنفسكم.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155)
أفلا تذكرون أنه لا يجوز ولا ينبغي أن يكون له ولد؟ تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
(أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
بل ألكم حجة بيِّنة على قولكم وافترائكم؟
(فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
إن كانت لكم حجة في كتاب من عند الله فأتوا بها, إن كنتم صادقين في قولكم؟
(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
وجعل المشركون بين الله والملائكة قرابة ونسبًا, ولقد علمت الملائكة أن المشركين محضرون للعذاب يوم القيامة.
(سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
تنـزَّه الله عن كل ما لا يليق به ممَّا يصفه به الكافرون.
(إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
لكن عباد الله المخلصين له في عبادته لا يصفونه إلا بما يليق بجلاله سبحانه.
(فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161) مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
فإنكم -أيها المشركون بالله- وما تعبدون من دون الله من آلهة, ما أنتم بمضلِّين أحدًا إلا مَن قدَّر الله عز وجل عليه أن يَصْلَى الجحيم؛ لكفره وظلمه.
(وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
قالت الملائكة: وما منا أحدٌ إلا له مقام في السماء معلوم, وإنا لنحن الواقفون صفوفًا في عبادة الله وطاعته, وإنا لنحن المنـزِّهون الله عن كل ما لا يليق به.
(وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ (168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
وإن كفار "مكة" ليقولون قبل بعثتك -أيها الرسول-: لو جاءنا من الكتب والأنبياء ما جاء الأولين قبلنا, لكنا عباد الله الصادقين في الإيمان, المخلَصين في العبادة.
(فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
فلما جاءهم ذكر الأولين, وعلم الآخرين, وأكمل الكتب, وأفضل الرسل, وهو محمد صلى الله عليه وسلم كفروا به, فسوف يعلمون ما لهم من العذاب في الآخرة.
(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
ولقد سبقت كلمتنا -التي لا مردَّ لها- لعبادنا المرسلين, أن لهم النصرة على أعدائهم بالحجة والقوة, وأن جندنا المجاهدين في سبيلنا لهم الغالبون لأعدائهم في كل مقام باعتبار العاقبة والمآل.
(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
فأعرض -أيها الرسول- عَمَّن عاند, ولم يقبل الحق حتى تنقضي المدة التي أمهلهم فيها, ويأتي أمر الله بعذابهم, وأنظرهم وارتقب ماذا يحل بهم من العذاب بمخالفتك؟ فسوف يرون ما يحل بهم من عذاب الله.
(أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
أفبنـزول عذابنا بهم يستعجلونك أيها الرسول؟ فإذا نـزل عذابنا بهم, فبئس الصباح صباحهم.
(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
وأعرض عنهم حتى يأذن الله بعذابهم, وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العذاب والنكال.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
تنـزَّه الله وتعالى رب العزة عما يصفه هؤلاء المفترون عليه.
(وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
وتحية الله الدائمة وثناؤه وأمانه لجميع المرسلين.
(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
والحمد لله رب العالمين في الأولى والآخرة, فهو المستحق لذلك وحده لا شريك له.
انتهينا بحمد الله من سورة الصافات ولقاؤنا القادم بمشيئة الله مع سورة ص

صاحب فكرة 06-02-2017 10:02 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الحادي والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 20 من سورة ص
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
(ص ) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
يقسم الله سبحانه بالقرآن المشتمل على تذكير الناس بما هم عنه غافلون. ولكن الكافرين متكبرون على الحق مخالفون له.
(كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
كثيرًا من الأمم أهلكناها قبل هؤلاء المشركين , فاستغاثوا حين جاءهم العذاب ونادوا بالتوبة, وليس الوقت وقت قَبول توبة, ولا وقت فرار وخلاص مما أصابهم.
(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
وعجِب هؤلاء الكفار مِن بعث الله إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إلى الله ويخوَّفهم عذابه, وقالوا: إنه ليس رسولا بل هو كاذب في قوله, ساحر لقومه , كيف يصيِّر الآلهة الكثيرة إلهًا واحدًا؟ إنَّ هذا الذي جاء به ودعا إليه لَشيء عجيب.
(وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ (7)
وانطلق رؤساء القوم وكبراؤهم يحرِّضون قومهم على الاستمرار على الشرك والصبر على تعدد الآلهة, ويقولون إن ما جاء به هذا الرسول شيء مدبَّر يقصد منه الرئاسة والسيادة, ما سمعنا بما يدعو إليه في دين آبائنا من قريش , ولا في النصرانية , ما هذا إلا كذب وافتراء.
(أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
أخُص محمد بنـزول القرآن عليه من دوننا؟ بل هم في ريب من وحيي إليك -أيها الرسول- وإرسالي لك , بل قالوا ذلك؛ لأنهم لم يذوقوا عذاب الله , فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما قالوا.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
أم هم يملكون خزائن فضل ربك العزيز في سلطانه, الوهاب ما يشاء من رزقه وفضله لمن يشاء من خلقه؟
(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأسْبَابِ (10)
أم لهؤلاء المشركين مُلْك السموات والأرض وما بينهما , فيُعْطوا ويَمْنعوا؟ فليأخذوا بالأسباب الموصلة لهم إلى السماء, حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع.
(جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأحْزَابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ أُولَئِكَ الأحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
هؤلاء الجند المكذِّبون جند مهزومون , كما هُزم غيرهم من الأحزاب قبلهم , كذَّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون صاحب القوة العظيمة, وثمود وقوم لوط وأصحاب الأشجار والبساتين وهم قوم شعيب. أولئك الأمم الذين تحزَّبوا على الكفر والتكذيب واجتمعوا عليه. إنْ كلٌّ مِن هؤلاء إلا كذَّب الرسل, فاستحقوا عذاب الله, وحلَّ بهم عقابه.
(وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
وما ينتظر هؤلاء المشركون لحلول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم, إلا نفخة واحدة ما لها من رجوع.
(وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
وقالوا: ربنا عجِّل لنا نصيبنا من العذاب في الدينا قبل يوم القيامة, وكان هذا استهزاءً منهم.
(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
اصبر -أيها الرسول- على ما يقولونه مما تكره , واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته, إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله. (وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ).
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره , وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح , وتطيع تبعًا له.
(وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
وقوَّينا له ملكه بالهيبة والقوة والنصر, وآتيناه النبوة, والفصل في الكلام والحكم.


صاحب فكرة 07-02-2017 01:05 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثاني والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 21 الى الآية 40 من سورة ص
(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
وهل جاءك -أيها الرسول- خبر المتخاصِمَين اللذَين تسوَّرا على داود في مكان عبادته, فارتاع من دخولهما عليه؟ قالوا له: لا تَخَفْ , فنحن خصمان ظلم أحدنا الآخر , فاقض بيننا بالعدل , ولا تَجُرْ علينا في الحكم, وأرشِدنا إلى سواء السبيل.
(إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج, وليس عندي إلا نعجة واحدة, فطمع فيها , وقال: أعطنيها, وغلبني بحجته.
(قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
قال داود: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه, وإن كثيرًا من الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض , ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه مِن نفسه إلا المؤمنين الصالحين, فلا يبغي بعضهم على بعض , وهم قليل. وأيقن داود أننا فتنَّاه بهذه الخصومة, فاستغفر ربه, وسجد تقربًا لله , ورجع إليه وتاب.
(فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
فغفرنا له ذلك , وجعلناه من المقرَّبين عندنا, وأعددنا له حسن المصير في الآخرة.
(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملَّكناك فيها, فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف , ولا تتبع الهوى في الأحكام , فيُضلك ذلك عن دين الله وشرعه, إن الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب. وفي هذا توصية لولاة الأمر أن يحكموا بالحق المنـزل من الله , تبارك وتعالى, ولا يعدلوا عنه , فيضلوا عن سبيله.
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما عبثًا ولهوًا , ذلك ظنُّ الذين كفروا , فويل لهم من النار يوم القيامة؛ لظنهم الباطل, وكفرهم بالله.
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض, أم نجعل أهل التقوى المؤمنين كأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غير لائقة بحكمة الله وحُكْمه, فلا يستوون عند الله , بل يثيب الله المؤمنين الأتقياء , ويعاقب المفسدين الأشقاء.
(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (29)
هذا الموحى به إليك -أيها الرسول- كتاب أنـزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا في آياته, ويعملوا بهداياته ودلالاته, وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
ووهبنا لداود ابنه سليمان, فأنعمنا به عليه, وأقررنا به عينه, نِعْم العبد سليمان, إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه.
(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
اذكر حين عُرِضت عليه عصرًا الخيول الأصيلة السريعة , تقف على ثلاث قوائم وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها, فما زالت تُعرض عليه حتى غابت الشمس.
(فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ (33)
فقال: إنني آثرت حب المال عن ذكر ربي حتى غابت الشمس عن عينيه, رُدُّوا عليَّ الخيل التي عُرضت من قبل , فشرع يمسح سوقها وأعناقها.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد, وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه, وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, ولم يقل: إن شاء الله , فطاف عليهن جميعًا , فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد, ثم رجع سيمان إلى ربه وتاب , قال: رب اغفر لي ذنبي, وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي , إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له, وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.
(وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعماله: فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار , وآخرون, وهم مردة الشياطين, موثوقون في الأغلال. هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان, فأعط مَن شئت وامنع مَن شئت, لا حساب عليك.
(وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
وإن لسليمان عندنا في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع.


صاحب فكرة 08-02-2017 12:52 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثالث والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 41 الى الآية 64 من سورة ص
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
واذكر -أيها الرسول- عبدنا أيوب , حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة , وألم في جسدي ومالي وأهلي.
(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
فقلنا له: اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد , فاشرب منه, واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى.
(وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (43)
فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد, وزدناه مثلهم بنين وحفدة, كل ذلك رحمة منَّا به وإكرامًا له على صبره , وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر.
(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
وقلنا له: خذ بيدك حُزمة شماريخ , فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك , فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء , نِعم العبد هو , إنه رجَّاع إلى طاعة الله.
(وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ (45)
واذكر -أيها الرسول- عبادنا وأنبياءنا: إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فإنهم أصحاب قوة في طاعة الله, وبصيرة في دينه.
(إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ (47)
إنا خصصناهم بخاصة عظيمة, حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم , فعملوا لها بطاعتنا, ودعوا الناس إليها, وذكَّروهم بها. وإنهم عندنا لمن الذين اخترناهم لطاعتنا, واصطفيناهم لرسالتنا.
(وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأخْيَارِ (48)
واذكر -أيها الرسول- عبادنا: إسماعيل, واليسع , وذا الكفل , بأحسن الذكر; إن كلا منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق, واختار لهم أكمل الأحوال والصفات.
(هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
هذا القرآن ذِكْر وشرف لك -أيها الرسول- ولقومك. وإن لأهل تقوى الله وطاعته لَحسنَ مصير عندنا في جنات إقامة , مفتَّحة لهم أبوابها, متكئين فيها على الأرائك المزيَّنات, يطلبون ما يشتهون من أنواع الفواكه الكثيرة والشراب , من كل ما تشتهيه نفوسهم, وتلذه أعينهم.
(وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن.
(هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
هذا النعيم هو ما توعدون به- أيها المتقون- يوم القيامة, إنه لَرزقنا لكم , ليس له فناء ولا انقطاع.
(هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
ه
ذا الذي سبق وصفه للمتقين. وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي , فلهم شر مرجع ومصير, وهو النار يُعذَّبون فيها, تغمرهم من جميع جوانبهم, فبئس الفراش فراشهم.
(هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
هذا العذاب ماء شديد الحرارة, وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه, ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.
(هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ (59)
وعند توارد الطاغين على النار يَشْتم بعضهم بعضًا, ويقول بعضهم لبعض: هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم, فيجيبون: لا مرحبًا بهم , ولا اتسعت منازلهم في النار, إنهم مقاسون حرَّ النار كما قاسيناها.
(قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
قال فوج الأتباع للطاغين: بل أنتم لا مرحبًا بكم؛ لأنكم قدَّمتم لنا سكنى النار لإضلالكم لنا في الدنيا, فبئس دار الاستقرار جهنم.
(قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
قال فوج الأتباع: ربنا مَن أضلَّنا في الدنيا عن الهدى فضاعِف عذابه في النار.
(وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ (63)
وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟ هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ, أو أنهم معنا في النار, لكن لم تقع عليهم الأبصار؟
(إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع لا مرية فيه.


صاحب فكرة 09-02-2017 10:22 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الرابع والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 65 الى الآية 88 من سورة ص
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)
قل -أيها الرسول- لقومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يحل بكم; بسبب كفركم به, ليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده, فهو المتفردُ بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله, القهَّارُ الذي قهر كل شيء وغلبه.
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
مالك السموات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه, الغفار لذنوب مَن تاب وأناب إلى مرضاته.
(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
قل -أيها الرسول- لقومك: إن هذا القرآن خبر عظيم النفع. أنتم عنه غافلون منصرفون, لا تعملون به.
(مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإ الأعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
ليس لي علم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم, لولا تعليم الله إياي , وإيحاؤه إليَّ.
(إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
ما يوحي الله إليَّ مِن عِلْم ما لا علم لي به إلا لأني نذير لكم من عذابه , مبيِّن لكم شرعه.
(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
اذكر لهم -أيها الرسول-: حين قال ربك للملائكة: إني خالق بشرًا من طين. فإذا سوَّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح , فدبت فيه الحياة, فاسجدوا له سجود تحية وإكرام, لا سجود عبادة وتعظيم؛ فالعبادة لا تكون إلا لله وحده. وقد حرَّم الله في شريعة الإسلام السجود للتحية.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
فسجد الملائكة كلهم أجمعون طاعة وامتثالا غير إبليس; فإنه لم يسجد أنَفَةً وتكبرًا , وكان من الكافرين في علم الله تعالى.
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
قال الله لإبليس: ما الذي منعك من السجود لمن أكرمتُه فخلقتُه بيديَّ؟ أستكبرت على آدم , أم كنت من المتكبرين على ربك؟ وفي الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى, على الوجه اللائق به سبحانه.
(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
قال إبليس معارضًا لربه: لم أسجد له؛ لأنني أفضل منه, حيث خلقتني من نارٍ , وخلقته من طين. (والنار خير من الطين).
(قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
قال الله له: فاخرج من الجنة فإنك مرجوم بالقول , مدحور ملعون, وإن عليك طردي وإبعادي إلى يوم القيامة.
(قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
قال إبليس: ربِّ فأخِّر أجلي , ولا تهلكني إلى حين تَبعث الخلق من قبورهم.
(قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
قال الله له: فإنك من المؤخَّرين إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم النفخة الأولى عندما تموت الخلائق.
(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
قال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين, إلا مَن أخلصتَه منهم لعبادتك , وعصمتَه من إضلالي, فلم تجعل لي عليهم سبيلا.
(قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
قال الله: فالحقُّ مني , ولا أقول إلا الحق, لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.
(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين من قومك: لا أطلب منكم أجرًا أو جزاءً على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدَّعي أمرًا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إليَّ , ولا أتكلف تخرُّصًا وافتراءً.
(إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس , يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم.
(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
ولتعلمن- أيها المشركون- خبر هذا القرآن وصدقه , حين يَغْلب الإسلام , ويدخل الناس فيه أفواجًا, وكذلك حين يقع عليكم العذاب, وتنقطع عنكم الأسباب.

انتهينا بحمد الله من سورة ص ونبدأ بمشيئة الله اللقاء القادم مع سورة الزمر



هداية الله 09-02-2017 03:59 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
جزاك الله خيرا وجعل ما تقدم في ميزان حسناتك

صاحب فكرة 11-02-2017 09:49 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هداية الله (المشاركة 3493797)
جزاك الله خيرا وجعل ما تقدم في ميزان حسناتك

وإياكم أختي الكريمة

صاحب فكرة 11-02-2017 10:16 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الخامس والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 15 من سورة الزمر
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
تنـزيل القرآن إنما هو من الله العزيز في قدرته وانتقامه, الحكيم في تدبيره وأحكامه.
(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
إنا أنـزلنا إليك -أيها الرسول- القرآن يأمر بالحق والعدل, فاعبد الله وحده, وأخلص له جميع دينك.
(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
ألا لله وحده الطاعة التامة السالمة من الشرك, والذين أشركوا مع الله غيره واتخذوا من دونه أولياء, قالوا: ما نعبد تلك الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله, وتقربنا عنده منـزلة, فكفروا بذلك؛ لأن العبادة والشفاعة لله وحده, إن الله يفصل بين المؤمنين المخلصين والمشركين مع الله غيره يوم القيامة فيما يختلفون فيه من عبادتهم, فيجازي كلا بما يستحق. إن الله لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم من هو مفترٍ على الله, كَفَّار بآياته وحججه.
(لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
لو أراد الله أن يتخذ ولدًا لاختار من مخلوقاته ما يشاء, تنـزَّه الله وتقدَّس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, القهَّار الذي قهر خلقه بقدرته, فكل شيء له متذلل خاضع.
( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
خلق الله السموات والأرض وما فيهما بالحق, يجيء بالليل ويذهب بالنهار, ويجيء بالنهار ويذهب بالليل, وذلَّل الشمس والقمر بانتظام لمنافع العباد, كل منهما يجري في مداره إلى حين قيام الساعة. ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال, وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز على خلقه, الغفار لذنوب عباده التائبين.
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
خلقكم ربكم- أيها الناس- من آدم, وخلق منه زوجه, وخلق لكم من الأنعام ثمانية أنواع ذكر‌ًا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز، يخلقكم في بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن, والرحم, والمَشِيمَة, ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء, ربكم المتفرد بالملك المتوحد بالألوهية المستحق للعبادة وحده, فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره مِن خلقه؟
(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
إن تكفروا- أيها الناس- بربكم ولم تؤمنوا به, ولم تتبعوا رسله, فإنه غنيٌّ عنكم, ليس بحاجة إليكم, وأنتم الفقراء إليه, ولا يرضى لعباده الكفر, ولا يأمرهم به, وإنما يرضى لهم شكر نعمه عليهم. ولا تحمل نفس إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم مصيركم, فيخبركم بعملكم, ويحاسبكم عليه. إنه عليم بأسرار النفوس وما تخفي الصدور.
(وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
وإذا أصاب الإنسانَ بلاءٌ وشدة ومرض تَذكَّر ربه, فاستغاث به ودعاه, ثم إذا أجابه وكشف عنه ضرَّه, ومنحه نِعَمه, نسي دعاءه لربه عند حاجته إليه, وأشرك معه غيره؛ ليُضل غيره عن الإيمان بالله وطاعته, قل له -أيها الرسول- متوعدًا: تمتع بكفرك قليلا حتى موتك وانتهاء أجلك, إنك من أهل النار المخلَّدين فيها.
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ (9)
أهذا الكافر المتمتع بكفره خير, أم من هو عابد لربه طائع له, يقضي ساعات الليل في القيام والسجود لله, يخاف عذاب الآخرة, ويأمُل رحمة ربه؟ قل -أيها الرسول-: هل يستوي الذين يعلمون ربهم ودينهم الحق والذين لا يعلمون شيئًا من ذلك؟ لا يستوون. إنما يتذكر ويعرف الفرق أصحاب العقول السليمة.
(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
قل -أيها النبي- لعبادي المؤمنين بالله ورسوله: اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته. للذين أحسنوا في هذه الدينا بعبادة ربهم وطاعته حسنة في الآخرة, وهي الجنة, وحسنة في الدنيا من صحة ورزق ونصر وغير ذلك. وأرض الله واسعة, فهاجِروا فيها إلى حيث تعبدون ربكم, وتتمكنون من إقامة دينكم. إنما يُعطَى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حدّ ولا عدّ ولا مقدار، وهذا تعظيم لجزاء الصابرين وثوابهم.
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
قل -أيها الرسول- للناس: إن الله أمرني ومن تبعني بإخلاص العبادة له وحده دون سواه, وأمرني بأن أكون أول من أسلم من أمتي, فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ مِن كل ما دونه من الآلهة.
(قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
قل -أيها الرسول- للناس: إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته والإخلاص في طاعته عذاب يوم القيامة, ذلك اليوم الذي يعظم هوله.
(قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
قل -أيها الرسول-: إني أعبد الله وحده لا شريك له مخلصًا له عبادتي وطاعتي, فاعبدوا أنتم- أيها المشركون- ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته, فلا يضرني ذلك شيئًا. وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله, وأشرك معه غيره. قل -أيها الرسول-: إن الخاسرين- حقًا- هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان. ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البيِّن الواضح.


صاحب فكرة 12-02-2017 10:47 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السادس والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 16 الى الآية 30 من سورة الزمر
(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
أولئك الخاسرون لهم يوم القيامة في جهنم مِن فوقهم قطع عذاب من النار كهيئة الظُّلل المبنية, ومن تحتهم كذلك. ذلك العذاب الموصوف يخوِّف الله به عباده; ليحْذَروه. يا عباد فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب معاصيَّ.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ (18)
والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غير الله, وتابوا إلى الله بعبادته وإخلاص الدين له, لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والتوفيق من الله, وفي الآخرة رضوان الله والنعيم الدائم في الجنة. فبشِّر -أيها النبي- عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده. وأحسن الكلام وأرشده كلام الله ثم كلام رسوله. أولئك هم الذين وفقهم الله للرشاد والسداد, وهداهم لأحسن الأخلاق والأعمال, وأولئك هم أصحاب العقول السليمة.
(أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
أفمن وجبت عليه كلمة العذاب؛ باستمراره على غيِّه وعناده, فإنه لا حيلة لك -أيها الرسول- في هدايته, أفتقدر أن تنقذ مَن في النار؟ لست بقادر على ذلك.
(لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
لكن الذين اتقوا ربهم- بطاعته وإخلاص عبادته- لهم في الجنة غرف مبنية بعضها فوق بعض, تجري مِن تحت أشجارها الأنهار, وعدها الله عباده المتقين وعدًا متحققًا, لا يخلف الله الميعاد.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (21)
ألم تر -أيها الرسول- أن الله أنـزل من السحاب مطرًا فأدخله في الأرض, وجعله عيونًا نابعة ومياهًا جارية, ثم يُخْرج بهذا الماء زرعًا مختلفًا ألوانه وأنواعه, ثم ييبس بعد خضرته ونضارته, فتراه مصفرًا لونه, ثم يجعله حطامًا متكسِّرًا متفتتًا؟ إن في فِعْل الله ذلك لَذكرى وموعظة لأصحاب العقول السليمة.
(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (22)
أفمن وسَّع الله صدره, فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به, فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه, كمن ليس كذلك؟ لا يستوون. فويل وهلاك للذين قَسَتْ قلوبهم, وأعرضت عن ذكر الله, أولئك في ضلال بيِّن عن الحق.
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
الله تعالى هو الذي نـزل أحسن الحديث, وهو القرآن العظيم, متشابهًا في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه, تثنى فيه القصص والأحكام, والحجج والبينات, تقشعر من سماعه, وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؛ تأثًرا بما فيه مِن ترهيب ووعيد, ثم تلين جلودهم وقلوبهم; استبشارًا بما فيه من وعد وترغيب, ذلك التأثر بالقرآن هداية من الله لعباده. والله يهدي بالقرآن من يشاء مِن عباده. ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن؛ لكفره وعناده, فما له مِن هاد يهديه ويوفقه.
(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
أفمن يُلْقى في النار مغلولا- فلا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه؛ لكفره وضلاله- خير أم من ينعم في الجنة؛ لأن الله هداه؟ وقيل يومئذ للظالمين: ذوقوا وبال ما كنتم في الدنيا تكسبون من معاصي الله.
(كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
كذَّب الذين مِن قبل قومك -أيها الرسول- رسلهم, فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه, فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب والهوان في الدنيا, وأعد لهم عذابًا أشد وأشق في الآخرة، لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حلَّ بهم؛ بسب كفرهم وتكذيبهم لاتَّعظوا.
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
ولقد ضربنا لهؤلاء المشركين بالله في هذا القرآن من كل مثل من أمثال القرون الخالية تخويفًا وتحذيرًا; ليتذكروا فينـزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله. وجعلنا هذا القرآن عربيًا واضح الألفاظ سهل المعاني, لا لَبْس فيه ولا انحراف; لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)
ضرب الله مثلا عبدًا مملوكًا لشركاء متنازعين, فهو حيران في إرضائهم, وعبدًا خالصًا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه, هل يستويان مثلا؟ لا يستويان, كذلك المشرك هو في حَيْرة وشك, والمؤمن في راحة واطمئنان. فالثناء الكامل التام لله وحده, بل المشركون لا يعلمون الحق فيتبعونه.
(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
إنك -أيها الرسول- ميت وإنهم ميتون, ثم إنكم جميعًا- أيها الناس- يوم القيامة عند ربكم تتنازعون, فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف.


صاحب فكرة 13-02-2017 12:00 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السابع والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 32 الى الآية 45 من سورة الزمر
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب: بأن نسب إليه ما لا يليق به كالشريك والولد, أو قال: أوحي إليَّ, ولم يوحَ إليه شيء, ولا أحد أظلم ممن كذَّب بالحق الذي نـزل على محمد صلى الله عليه وسلم. أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله, ولم يصدق محمدًا صلى الله عليه وسلم ولم يعمل بما جاء به؟ بَلَى.
(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدَّق به إيمانًا وعملا أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, رضي الله عنهم, فمَن بعدهم إلى يوم الدين.
(لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
لهم ما يشاؤون عند ربهم من أصناف اللذات المشتهيات؛ ذلك جزاء مَن أطاع ربه حق الطاعة, وعبده حق العبادة.
(لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
ليكفِّر الله عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال؛ بسبب ما كان منهم مِن توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها, ويثيبهم الله على طاعتهم في الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون, وهو الجنة.
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
أليس الله بكاف عبده محمدًا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه, ويدفع عنه مَن أراده بسوء, ويخوِّفونك -أيها الرسول- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك. ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق, فما له مِن هاد يهديه إليه.
(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
ومن يوفقه الله للإيمان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له مِن مضل عن الحق الذي هو عليه. أليس الله بعزيز في انتقامه مِن كفرة خلقه, وممن عصاه؟
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
ولئن سألت -أيها الرسول- هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: مَن خلق هذه السموات والأرض؟ ليقولُنَّ: خلقهنَّ الله, فهم يُقِرُّون بالخالق. قل لهم: هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله أن تُبْعِدَ عني أذى قدَّره الله عليَّ, أو تزيلَ مكروهًا لَحِق بي؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعَا يسَّره الله لي, أو تحبس رحمة الله عني؟ إنهم سيقولون: لا تستطيع ذلك. قل لهم: حسبي الله وكافِيَّ, عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم, فالذي بيده وحده الكفاية هو حسبي, وسيكفيني كل ما أهمني.
(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
قل -أيها الرسول- لقومك المعاندين: اعملوا على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم, حيث عبدتم مَن لا يستحق العبادة, وليس له من الأمر شيء, إني عامل على ما أُمرت به من التوجه لله وحده في أقوالي وأفعالي, فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه في الحياة الدنيا, ويحل عليه في الآخرة عذاب دائم؟ لا يحول عنه ولا يزول.
(إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
إنا أنـزلنا عليك -أيها الرسول- القرآن بالحق هداية للعالمين, إلى طريق الرشاد, فمن اهتدى بنوره, وعمل بما فيه, واستقام على منهجه, فنفعُ ذلك يعود على نفسه, ومَن ضلَّ بعد ما تبين له الهدى, فإنما يعود ضرره على نفسه, ولن يضرَّ الله شيئا, وما أنت -أيها الرسول- عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم, وتحاسبهم عليها, وتجبرهم على ما تشاء, ما عليك إلا البلاغ.
(اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها, وهذه الوفاة الكبرى, وفاة الموت بانقضاء الأجل, ويقبض التي لم تمت في منامها, وهي الموتة الصغرى, فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت, وهي نفس مَن مات, ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها, وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها, إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم, وحبسه نفس الميت لَدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ (43)
أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء, تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل -أيها الرسول- لهم: أتتخذونها شفعاء كما تزعمون, ولو كانت الآلهة لا تملك شيئا, ولا تعقل عبادتكم لها؟
(قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: لله الشفاعة جميعًا, له ملك السموات والأرض وما فيهما, فالأمر كله لله وحده, ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه, فهو الذي يملك السموات والأرض ويتصرف فيهما, فالواجب أن تُطلب الشفاعة ممن يملكها, وأن تُخلص له العبادة, ولا تُطلب من هذه الآلهة التي لا تضر ولا تنفع, ثم إليه تُرجَعون بعد مماتكم للحساب والجزاء.
(وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
وإذا ذُكِر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات, وإذا ذُكِر الذين مِن دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؛ لكون الشرك موافقًا لأهوائهم.


صاحب فكرة 15-02-2017 11:11 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثامن والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 46 الى الآية 60 من سورة الزمر
(قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
قل: اللهم يا خالق السموات والأرض ومبدعهما على غير مثال سبق, عالم السر والعلانية, أنت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك والإيمان بك وبرسولك, اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم. وكان هذا مِن دعائه صلى الله عليه وسلم، وهو تعليم للعباد بالالتجاء إلى الله تعالى, ودعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
ولو أن لهؤلاء المشركين بالله ما في الأرض جميعا مِن مال وذخائر, ومثله معه مضاعفًا, لَبذلوه يوم القيامة؛ ليفتدوا به من سوء العذاب, ولو بذلوا وافتدوا به ما قُبِل منهم, ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئًا, وظهر لهم يومئذٍ من أمر الله وعذابه ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا أنه نازل بهم.
(وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء سيئاتهم التي اقترفوها, حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق به, وارتكبوا المعاصي في حياتهم, وأحاط بهم من كل جانب عذاب أليم؛ عقابًا لهم على استهزائهم بالإنذار بالعذاب الذي كان الرسول يَعِدُهم به, ولا يأبهون له.
(فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49)
فإذا أصاب الإنسان شدة وضُرٌّ, طلب من ربه أن يُفرِّج عنه, فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرًا, ولفضله منكرًا, وقال: إن الذي أوتيتُه إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق, بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؛ لينظر مَن يشكره ممن يكفره, ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم- لا يعلمون؛ فلذلك يعدُّون الفتنة منحة.
(قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
قد قال مقالتهم هذه مَن قبلهم من الأمم الخالية المكذبة، فما أغنى عنهم حين جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد.
(فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال, فعوجلوا بالخزي في الحياة الدنيا, والذين ظلموا أنفسهم من قومك -أيها الرسول-، وقالوا هذه المقالة, سيصيبهم أيضًا وبال سيئات ما كسبوا, كما أصاب الذين من قبلهم, وما هم بفائتين الله ولا سابقيه.
(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
أولم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه, فإن الله لبالغ حكمته يوسِّع الرزق لمن يشاء مِن عباده, صالحًا كان أو طالحًا, ويضيِّقه على مَن يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسيع والتضييق في الرزق لَدلالات واضحات لقوم يُصدِّقون أمر الله ويعملون به.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي, وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْئسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.
(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54)
وارجعوا إلى ربكم- أيها الناس- بالطاعة والتوبة, واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه, ثم لا ينصركم أحد من دون الله.
(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55)
واتبعوا أحسن ما أُنـزل إليكم من ربكم, وهو القرآن العظيم, وكله حسن, فامتثلوا أوامره, واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة, وأنتم لا تعلمون به.
(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيَّعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به, وقصَّرت في طاعته وحقه, وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.
(أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك والمعاصي.
(أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى الحياة الدنيا، فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم , والعمل بما أمَرَتْهم به الرسل.
(بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
ما القول كما تقول, قد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق, فكذَّبت بها, واستكبرت عن قَبولها واتباعها, وكنت من الكافرين بالله ورسله.
(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين وصفوا ربهم بما لا يليق به, ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة. أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله, فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى.


صاحب فكرة 16-02-2017 11:00 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء التاسع والثمانون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 61 الى الآية 75 من سورة الزمر

(وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم, وهي الظَّفَر بالجنة, لا يمسهم من عذاب جهنم شيء, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.
(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
الله تعالى هو خالق الأشياء كلها, وربها ومليكها والمتصرف فيها, وهو على كل شيء حفيظ يدَبِّر جميع شؤون خلقه.
(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
لله مفاتيح خزائن السموات والأرض, يعطي منها خَلْقَه كيف يشاء. والذين جحدوا بآيات القرآن وما فيها من الدلائل الواضحة, أولئك هم الخاسرون في الدنيا بخِذْلانهم عن الإيمان, وفي الآخرة بخلودهم في النار.
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
قل -أيها الرسول- لمشركي قومك: أفغير الله أيها الجاهلون بالله تأمرونِّي أن أعبد, ولا تصلح العبادة لشيء سواه؟
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
ولقد أوحي إليك -أيها الرسول- وإلى من قبلك من الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلنَّ عملك, ولتكوننَّ من الهالكين الخاسرين دينك وآخرتك؛ لأنه لا يُقبل مع الشرك عمل صالح.
(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
بل الله فاعبد -أيها النبي- مخلصًا له العبادة وحده لا شريك له, وكن من الشاكرين لله نعمه.
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
وما عظَّم هؤلاء المشركون اللهَ حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر, فسوَّوا المخلوق مع عجزه بالخالق العظيم, الذي من عظيم قدرته أن جميع الأرض في قبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, تنـزه وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون، وفي الآية دليل على إثبات القبضة, واليمين, والطيِّ, لله كما يليق بجلاله وعظمته, من غير تكييف ولا تشبيه.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
ونُفِخ في "القرن" فمات كلُّ مَن في السموات والأرض, إلا مَن شاء الله عدم موته, ثم نفخ المَلَك فيه نفخة ثانية مؤذنًا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم, فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم؟
(وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)
وأضاءت الأرض يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء, ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد, وجيء بالنبيين والشهود على الأمم؛ ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما أجابتهم به أممهم, كما تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتشهد بتبليغ الرسل السابقين لأممهم إذا أنكرت هذا التبليغ, فتقوم الحجة على الأمم, وقضى ربُّ العالمين بين العباد بالعدل التام, وهم لا يُظلمون شيئًا بنقص ثواب أو زيادة عقاب.
(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
ووفَّى الله كلَّ نفس جزاء عملها من خير وشر, وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية.
(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات, حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكَّلون بها أبوابها السبعة, وزجروهم قائلين: كيف تعصون الله وتجحدون أنه الإله الحق وحده؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم آيات ربكم, ويحذِّرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم: بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق, وحذَّرونا هذا اليوم, ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.
(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
قيل للجاحدين أن الله هو الإله الحق إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها أبدًا, فقَبُح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل بشرعه.
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته إلى الجنة جماعات, حتى إذا جاؤوها وشُفع لهم بدخولها، فتحت أبوابها, فترحِّب بهم الملائكة الموكَّلون بالجنة, ويُحَيُّونهم بالبِشر والسرور; لطهارتهم من آثار المعاصي قائلين لهم: سلام عليكم من كل آفة, طابت أحوالكم, فادخلوا الجنة خالدين فيها.
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدَقنا وعده الذي وعدَنا إياه على ألسنة رسله, وأورثَنا أرض الجنة نَنْزِل منها في أيِّ مكان شئنا, فنِعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.
(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
وترى-أيها النبي- الملائكة محيطين بعرش الرحمن, ينـزهون ربهم عن كل ما لا يليق به, وقضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق بالحق والعدل, فأسكن أهل الإيمان الجنة, وأهل الكفر النار, وقيل: الحمد لله رب العالمين على ما قضى به بين أهل الجنة وأهل النار, حَمْدَ فضل وإحسان, وحَمْدَ عدل وحكمة.



صاحب فكرة 16-02-2017 11:03 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
انتهينا بحمد الله من سورة الزمر ولقاؤنا القادم بمشيئة الله مع سورة غافر

صاحب فكرة 18-02-2017 10:46 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء التسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 15 من سورة غافر

( حم (1)
سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
(تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
تنـزيل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله- عزوجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق, العليم بكل شيء.
(غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على مَن تجرَّأَ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضُّل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق.
(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)
ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله, ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا أنه الإله الحق المستحق للعبادة وحده, فلا يغررك -أيها الرسول- ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب, ونعيم الدنيا وزهرتها.
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
كذَّبت قبل هؤلاء الكفار قومُ نوح ومَن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود, حيث عزموا على إيذائهم وتجمَّعوا عليهم بالتعذيب أو القتل, وهمَّت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقتلوه, وخاصموا بالباطل؛ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقَبْتُهم, فكيف كان عقابي إياهم عبرة للخلق, وعظة لمن يأتي بعدهم؟
(وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها, حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومَن حول العرش ممن يحف به منهم, ينـزِّهون الله عن كل نقص, ويحمَدونه بما هو أهل له, ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمًا, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام, وجَنِّبْهم عذاب النار وأهوالها.
(رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
ربنا وأدخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومَن صلح بالإيمان والعمل الصالح من آبائهم وأزواجهم وأولادهم. إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه.
(وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصْرِف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظَّفَر العظيم الذي لا فوز مثله.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
إن الذين جحدوا أن الله هو الإله الحق وصرفوا العبادة لغيره عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يَمْقُتون أنفسهم أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لَمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط الله وعذابه.
(قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
قال الكافرون: ربنا أمتَّنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نُطَفًا قبل نفخ الروح, وحين انقضى أجلُنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم وُلِدْنا, ويوم بُعِثنا من قبورنا, فنحن الآن نُقِرُّ بأخطائنا السابقة، فهل لنا من طريق نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؛ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.
(ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دُعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يُجْعل لله شريك تُصَدِّقوا به وتتبعوه. فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويرحم مَن يشاء ويعذب مَن يشاء, لا إله إلا هو الذي له علو الذات والقَدْر والقهر, وله الكبرياء والعظمة.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَنْ يُنِيبُ (13)
هو الذي يُظْهِر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها, ويُنَزِّل لكم من السماء مطرًا تُرزَقون به, وما يتذكر بهذه الآيات إلا مَن يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة.
(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء, وخالفوا المشركين في مسلكهم, ولو أغضبهم ذلك, فلا تبالوا بهم.
(رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15)
إن الله هو العليُّ الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعًا باين به مخلوقاته, وارتفع به قَدْره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؛ لتخوِّف الرسل عباد الله, وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.


صاحب فكرة 19-02-2017 10:07 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الحادي والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 16 الى الآية 27 من سورة غافر
(يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا مِن أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهَّار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.
(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته. إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؛ فإنه قريب.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
وحذِّر -أيها الرسول- الناس من يوم القيامة القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب العباد مِن مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غمًّا وحزنًا. ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب له.
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.
(وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يُعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك. إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
أولم يَسِرْ هؤلاء المكذبون برسالتك -أيها الرسول- في الأرض، فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشًا, وأبقى في الأرض آثارًا, فلم تنفعهم شدة قواهم وعِظَم أجسامهم, فأخذهم الله بعقوبته؛ بسبب كفرهم واكتسابهم الآثام, وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه, فيدفعه عنهم.
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
ذلك العذاب الذي حلَّ بالمكذبين السابقين, كان بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا بهم, وكذَّبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه سبحانه قوي لا يغلبه أحد, شديد العقاب لمن كفر به وعصاه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أُرسل به, وحجة واضحة بيِّنة على صدقه في دعوته, وبطلان ما كان عليه مَن أُرسل إليهم.
(إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)
إلى فرعون ملك "مصر", وهامان وزيره, وقارون صاحب الأموال والكنوز, فأنكروا رسالته واستكبروا, وقالوا عنه: إنه ساحر كذاب, فكيف يزعم أنه أُرسِل للناس رسولا؟
(فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (25)
فلما جاء موسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة مِن عندنا, لم يكتفوا بمعارضتها وإنكارها, بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه, واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترقاق. وما تدبير أهل الكفر إلا في ذَهاب وهلاك.
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ (26)
وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى, وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا, فيمنعه منا, إني أخاف أن يُبَدِّل دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يُظْهِر في أرض "مصر" الفساد.
(وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.


صاحب فكرة 20-02-2017 10:37 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثاني والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 28 الى الآية 40 من سورة غافر
(وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون, يكتم إيمانه منكرًا على قومه: كيف تستحلون قَتْلَ رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله, وقد جاءكم بالبراهين القاطعة مِن ربكم على صِدْق ما يقول؟ فإن يك موسى كاذبًا فإنَّ وبالَ كذبه عائد عليه وحده, وإن يك صادقًا لحقكم بعض الذي يتوعَّدكم به, إن الله لا يوفق للحق مَن هو متجاوز للحد, بترك الحق والإقبال على الباطل, كذَّاب بنسبته ما أسرف فيه إلى الله.
(يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في أرض "مصر " على رعيتكم من بني إسرائيل وغيرهم, فمَن يدفع عنا عذاب الله إن حلَّ بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبًا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحًا وصوابًا, وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأحْزَابِ (30)
وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون وملئه واعظًا ومحذرًا: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزَّبوا على أنبيائهم.
(مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
مثلَ عادة قوم نوح وعاد وثمود ومَن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب ذلك. وما الله سبحانه يريد ظلمًا للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه. تعالى الله عن الظلم والنقص علوًا كبيرًا.
(وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم القيامة، يوم ينادي فيه بعض الناس بعضًا; من هول الموقف ذلك اليوم.
(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم. ومَن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب.
(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
ولقد أرسل الله إليكم النبيَّ الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مما جاءكم به في حياته, حتى إذا مات ازداد شككم وشرككم, وقلتم: إن الله لن يرسل من بعده رسولا ، مثل ذلك الضلال يُضِلُّ الله كل متجاوز للحق, شاكٍّ في وحدانية الله تعالى, فلا يوفقه إلى الهدى والرشاد.
(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
الذين يخاصمون في آيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة, كَبُر ذلك الجدال مقتًا عند الله وعند الذين آمنوا, كما خَتَم بالضلال وحَجَبَ عن الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ (37)
وقال فرعون مكذِّبًا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان ابْنِ لي بنًاء عظيمًا; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها, فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبًا في دعواه أن لنا ربًا, وأنه فوق السموات, وهكذا زُيَّن لفرعون عمله السيِّئ فرآه حسنًا, وصُدَّ عن سبيل الحق؛ بسبب الباطل الذي زُيِّن له, وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق, وموسى مبطل إلا في خسار وبوار, لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
وقال الذي آمن معيدًا نصيحته لقومه: يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب.
(يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعَّم الناس فيها قليلا ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا تَرْكَنوا إليها, وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها, فينبغي لكم أن تؤثروها, وتعملوا لها العمل الصالح الذي يُسعِدكم فيها.
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى, فلا يُجْزى في الآخرة إلا عقابًا يساوي معصيته, ومَن أطاع الله وعمل صالحًا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ذكرًا كان أو أنثى, وهو مؤمن بالله موحد له, فأولئك يدخلون الجنة, يرزقهم الله فيها من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب.


صاحب فكرة 21-02-2017 01:56 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثالث والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 41 الى الآية 54 من سورة غافر
(وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
ويا قوم كيف أدعوكم إلى الإيمان بالله واتباع رسوله موسى, وهي دعوة تنتهي بكم إلى الجنة والبعد عن أهوال النار, وأنتم تدعونني إلى عمل يؤدي إلى عذاب الله وعقوبته في النار؟
(تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
تدعونني لأكفر بالله, وأشرك به ما ليس لي به علم أنه يستحق العبادة من دونه- وهذا من أكبر الذنوب وأقبحها- وأنا أدعوكم إلى الطريق الموصل إلى الله العزيز في انتقامه, الغفار لمن تاب إليه بعد معصيته.
(لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
حقًا أن ما تدعونني إلى الاعتقاد به لا يستحق الدعوة إليه, ولا يُلجأ إليه في الدنيا ولا في الآخرة لعجزه ونقصه, واعلموا أن مصير الخلائق كلها إلى الله سبحانه, وهو يجازي كل عامل بعمله, وأن الذين تعدَّوا حدوده بالمعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار.
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
فلما نصحهم ولم يطيعوه قال لهم: فستذكرون أني نصحت لكم وذكَّرتكم, وسوف تندمون حيث لا ينفع الندم, وألجأ إلى الله, وأعتصم به, وأتوكل عليه. إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد, وما يستحقونه من جزاء, لا يخفى عليه شيء منها.
(فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المؤمن الموفَّق عقوبات مكر فرعون وآله, وحلَّ بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم.
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
لقد أصابهم الغرق أولا وهلكوا, ثم يُعذَّبون في قبورهم حيث النار, يُعرضون عليها صباحًا ومساء إلى وقت الحساب, ويوم تقوم الساعة يقال: أدخلوا آل فرعون النار؛ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء. وهذه الآية أصل في إثبات عذاب القبر.
(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
وإذ يتخاصم أهل النار, ويعاتب بعضهم بعضًا, فيحتجُّ الأتباع المقلدون على رؤسائهم المستكبرين الذين أضلُّوهم, وزيَّنوا لهم طريق الشقاء, قائلين لهم: هل أنتم مغنون عنا نصيبًا من النار بتحملكم قسطًا من عذابنا؟
(قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
قال الرؤساء المستكبرون مبيِّنين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئًا من عذاب النار, وكلُّنا فيها, لا خلاصَ لنا منها, إن الله قد قسم بيننا العذاب بقَدْر ما يستحق كلٌّ منا بقضائه العادل.
(وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يُخَفِّفْ عنا يومًا واحدًا من العذاب؛ كي تحصل لنا بعض الراحة.
(قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ (50)
قال خزنة جهنم لهم توبيخًا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء, أولم تأتكم رسلكم بالحجج الواضحة من الله فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى. فتبرأ خزنة جهنم منهم وقالوا: نحن لا ندعو لكم, ولا نشفع فيكم, فادعوا أنتم, ولكن هذا الدعاء لا يغني شيئًا؛ لأنكم كافرون. وما دعاء الكافرين إلا في ضياع لا يُقبل, ولا يُستجاب.
(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ (51)
إنَّا لننصر رسلنا ومَن تبعهم من المؤمنين, ونؤيدهم على مَن آذاهم في حياتهم الدنيا, ويوم القيامة, يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذَّبت رسلها, فتشهد بأن الرسل قد بلَّغوا رسالات ربهم, وأن الأمم كذَّبتهم.
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
يوم الحساب لا ينتفع الكافرون الذين تعدَّوا حدود الله بما يقدِّمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله, ولهم الطرد من رحمة الله, ولهم الدار السيئة في الآخرة, وهي النار.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53) هُدًى وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ (54)
ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من التوراة والمعجزات, وجعلنا بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفًا عن سلف, هادية إلى سبيل الرشاد, وموعظة لأصحاب العقول السليمة.


صاحب فكرة 22-02-2017 12:56 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الرابع والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 55 الى الآية 69 من سورة غافر
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإبْكَارِ (55)
فاصبر -أيها الرسول- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعْدُنا حق لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودُمْ على تنـزيه ربك عمَّا لا يليق به, في آخر النهار وأوله.
(إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
إن الذين يدفعون الحق بالباطل، ويردُّون الحجج الصحيحة بالشُّبَه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله، ليس في صدور هؤلاء إلا تكبر عن الحق؛ حسدًا منهم على الفضل الذي آتاه الله نبيه، وكرامة النبوة التي أكرمه بها، وهو أمر ليسوا بمدركيه ولا نائليه, فاعتصم بالله من شرهم؛ إنه هو السميع لأقوالهم, البصير بأفعالهم، وسيجازيهم عليها.
(لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57)
لَخَلْق الله السموات والأرض أكبر من خَلْق الناس وإعادتهم بعد موتهم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هيِّن على الله.
(وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)
وما يستوي الأعمى والبصير, وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يُقِرُّون بأن الله هو الإله الحق لا شريك له، ويستجيبون لرسله ويعملون بشرعه, والجاحدون الذين ينكرون أن الله هو الإله الحق، ويكذبون رسله ولا يعملون بشرعه. قليلا ما تتذكرون -أيها الناس- حجج الله, فتعتبرون, وتتعظون بها.
(إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (59)
إن الساعة لآتية لا شك فيها, فأيقنوا بمجيئها, كما أخبرتْ بذلك الرسل, ولكن أكثر الناس لا يُصَدِّقون بمجيئها, ولا يعملون لها.
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
وقال ربكم- أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصُّوني بالعبادة أستجب لكم, إن الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية, سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (61)
الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؛ لتسكنوا فيه, وتحققوا راحتكم, والنهار مضيئًا؛ لتُصَرِّفوا فيه أمور معاشكم. إن الله لذو فضل عظيم على الناس, ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة.
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)
الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم خالق الأشياء كلها, لا إله يستحق العبادة غيره, فكيف تعدلون عن الإيمان به, وتعبدون غيره من الأوثان, بعد أن تبينت لكم دلائله؟
(كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
كما كذَّبتم بالحق -يا كفار قريش- وأعرضتم عنه إلى الباطل، يُصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون.
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
الله الذي جعل لكم الأرض؛ لتستقروا فيها, ويسَّر لكم الإقامة عليها, وجعل السماء سقفًا للأرض, وبثَّ فيها من العلامات الهادية, وخلقكم في أكمل هيئة وأحسن تقويم, وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم والمشارب, ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم, فتكاثر خيره وفضله وبركته, وتنـزَّه عمَّا لا يليق به, وهو ربُّ الخلائق أجمعين.
(هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)
هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم. فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
قل -أيها الرسول- لمشركي قومك: إني نُهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله, لمَّا جاءني الآيات الواضحات من عند ربي, وأمرني أن أخضع وأنقاد بالطاعة التامة له, سبحانه رب العالمين.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)
هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب, ثم أوجدكم من المنيِّ بقدرته, وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ الأحمر, ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام, إلى أن تولدوا أطفالا صغارًا, ثم تقوى بِنْيَتُكم إلى أن تصيروا شيوخًا, ومنكم من يموت قبل ذلك, ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدَّرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم, ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك, وتتدبرون آياته, فتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له.
(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة, فإذا قضى أمرًا فإنما يقول له: "كن", فيكون, لا رادَّ لقضائه.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)
ألا تعجب -أيها الرسول- من هؤلاء المكذِّبين بآيات الله يخاصمون فيها, وهي واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته, كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أيِّ شيء يذهبون بعد البيان التام؟


صاحب فكرة 23-02-2017 10:44 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الخامس والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 70 الى الآية 85 من سورة غافر
(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
هؤلاء المشركون الذين كذَّبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنـزلها الله على رسله لهداية الناس, فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم حين تُجعل الأغلال في أعناقهم, والسلاسل في أرجلهم, وتسحبهم زبانية العذاب في الماء الحار الذي اشتدَّ غليانه وحرُّه, ثم في نار جهنم يوقد بهم.
(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
ثم قيل لهم توبيخًا, وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم؛ لينقذوكم من هذا البلاء الذي حلَّ بكم إن استطاعوا, قال المكذبون: غابوا عن عيوننا, فلم ينفعونا بشيء, ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم, وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئًا, كما أضل الله هؤلاء الذين ضلَّ عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله, يضل الله الكافرين به.
(ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة, حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام, وبما أنتم عليه من الأشَر والبَطَر والبغي على عباد الله.
(ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها, فبئست جهنم نـزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
فاصبر أيها الرسول, وامض في طريق الدعوة, إن وعد الله حق, وسيُنْجِز لك ما وعدك, فإما نرينَّك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب, أو نتوفينَّك قبل أن يحلَّ ذلك بهم, فإلينا مصيرهم يوم القيامة, وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
ولقد أرسلنا مِن قبلك -أيها الرسول- رسلا كثيرين إلى قومهم يدعونهم, ويصبرون على أذاهم: منهم مَن قصصنا عليك خبرهم, ومنهم مَن لم نقصص عليك, وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم. وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية من الآيات الحسية أو العقلية إلا بإذن الله ومشيئته, فإذا جاء أمر الله بعذاب المكذبين قُضِي بالعدل بين الرسل ومكذبيهم, وخسر هنالك المبطلون؛ لافترائهم على الله الكذب, وعبادتهم غيره.
(اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام؛ لتنتفعوا بها: من منافع الركوب والأكل وغيرها من أنواع المنافع, ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجةً في صدوركم من الوصول إلى الأقطار البعيدة, وعلى هذه الأنعام تُحْمَلون في البرية, وعلى الفلك في البحر تُحْمَلون كذلك.
(وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
ويريكم الله تعالى دلائله الكثيرة الواضحة الدالة على قدرته وتدبيره في خلقه, فأي آية من آياته تنكرونها, ولا تعترفون بها؟
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
أفلم يَسِرْ هؤلاء المكذبون في الأرض ويتفكروا في مصارع الأمم المكذبة من قبلهم, كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عددًا وعدة وآثارًا في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حلَّ بهم بأس الله.
(فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلُها بالدلائل الواضحات, فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل, وحلَّ بهم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلَهم على سبيل السخرية والاستهزاء. وفي الآية دليل على أن كل علم يناقض الإسلام, أو يقدح فيه, أو يشكك في صحته, فإنه مذموم ممقوت, ومعتقده ليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
(فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
فلما رأوا عذابنا أقرُّوا حين لا ينفع الإقرار, وقالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله.
(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا; وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه, لا إيمان اختيار ورغبة, سنة الله وطريقته التي سنَّها في الأمم كلها أن لا ينفعها الإيمان إذا رأوا العذاب, وهلك عند مجيء بأس الله الكافرون بربهم, الجاحدون توحيده وطاعته.
انتهينا بحمد الله من سورة غافر ولقاؤنا القادم بمشيئة الله تعالى مع سورة فصلت


صاحب فكرة 25-02-2017 10:32 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السادس والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 14 من سورة فصلت
(حم (1)
سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
(تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)
هذا القرآن الكريم تنـزيل من الرحمن الرحيم, نـزَّله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
كتاب بُيِّنت آياته تمام البيان، وَوُضِّحت معانيه وأحكامه, قرآنًا عربيًا ميسَّرًا فهمه لقوم يعلمون اللسان العربي.
(بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4)
بشيرًا بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه, ونذيرًا بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به, فأعرض عنه أكثر الناس, فهم لا يسمعون له سماع قَبول وإجابة.
(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
وقال هؤلاء المعرضون الكافرون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه, وفي آذاننا صمم فلا نسمع, ومن بيننا وبينك- يا محمد- ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك, فاعمل على وَفْق دينك, كما أننا عاملون على وَفْق ديننا.
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
قل لهم -أيها الرسول-: إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إليَّ أنما إلهكم الذي يستحق العبادة، إله واحد لا شريك له, فاسلكوا الطريق الموصل إليه, واطلبوا مغفرته. وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله أوثانًا لا تنفع ولا تضر, والذين لم يطهروا أنفسهم بتوحيد ربهم, والإخلاص له, ولم يصلُّوا ولم يزكَّوا, فلا إخلاص منهم للخالق ولا نفع فيهم للخلق, وهم لا يؤمنون بالبعث, ولا بالجنة والنار, ولا ينفقون في طاعة الله.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
إن الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه وعملوا الأعمال الصالحة مخلصين لله فيها, لهم ثواب عظيم غير مقطوع ولا ممنوع.
(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين موبخًا لهم ومتعجبًا من فعلهم: أإنكم لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين اثنين, وتجعلون له نظراء وشركاء تعبدونهم معه؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم.
(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
وجعل سبحانه في الأرض جبالا ثوابت من فوقها, وبارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها, وقدَّر فيها أرزاق أهلها من الغذاء, وما يصلحهم من المعاش في تمام أربعة أيام: يومان خلق فيهما الأرض, ويومان جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها, سواء للسائلين أي: لمن أراد السؤال عن ذلك؛ ليعلمه.
(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
ثم استوى سبحانه وتعالى, أي قصد إلى السماء وكانت دخانًا من قبلُ, فقال للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين. قالتا: أتينا مذعنين لك, ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.
(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
فقضى الله خلق السموات السبع وتسويتهن في يومين, فتم بذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام, لحكمة يعلمها الله, مع قدرته سبحانه على خلقهما في لحظة واحدة, وأوحى في كل سماء ما أراده وما أمر به فيها, وزيَّنا السماء الدنيا بالنجوم المضيئة, وحفظًا لها من الشياطين الذين يسترقون السمع, ذلك الخلق البديع تقدير العزيز في ملكه, العليم الذي أحاط علمه بكل شيء.
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعدما بُيَّن لهم من أوصاف القرآن الحميدة, ومن صفات الله العظيم, فقل لهم: قد أنذرتكم عذابًا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله.
(إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
حين جاءت الرسل عادًا وثمود, يتبع بعضهم بعضًا متوالين, يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له, قالوا لرسلهم: لو شاء ربنا أن نوحده ولا نعبد من دونه شيئًا غيره, لأنـزل إلينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا إليه, ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا, فإنا بما أرسلكم الله به إلينا من الإيمان بالله وحده جاحدون.


صاحب فكرة 28-02-2017 08:56 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء السابع والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 15 الى الآية 28 من سورة فصلت
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)
فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا في الأرض على العباد بغير حق, وقالوا في غرور: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون.
(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16)
فأرسلنا عليهم ريحًا شديدة البرودة عالية الصوت في أيام مشؤومات عليهم؛ لنذيقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا, ولَعذاب الآخرة أشد ذلا وهوانًا, وهم لا يُنْصَرون بمنع العذاب عنهم.
(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
وأما ثمود قوم صالح فقد بينَّا لهم سبيل الحق وطريق الرشد, فاختاروا العمى على الهدى, فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله.
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
ونجَّينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادًا وثمود, وكان هؤلاء الناجون يخافون الله ويتقونه.
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
ويوم يُحشر أعداء الله إلى نار جهنم, تَرُدُّ زبانية العذاب أولَهم على آخرهم, حتى إذا ما جاؤوا النار, وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام.
(وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
وقال هؤلاء الذين يُحْشرون إلى النار من أعداء الله لجلودهم معاتبين: لِمَ شهدتم علينا؟ فأجابتهم جلودهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء, وهو الذي خلقكم أول مرة ولم تكونوا شيئًا, وإليه مصيركم بعد الموت للحساب والجزاء.
(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
وما كنتم تَسْتَخْفون عند ارتكابكم المعاصي؛ خوفًا من أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم يوم القيامة, ولكن ظننتم بارتكابكم المعاصي أن الله لا يعلم كثيرًا من أعمالكم التي تعصون الله بها. وذلكم ظنكم السيِّئ الذي ظننتموه بربكم أهلككم, فأوردكم النار, فأصبحتم اليوم من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
فإن يصبروا على العذاب فالنار مأواهم, وإن يسألوا الرجوع إلى الدنيا؛ ليستأنفوا العمل الصالح لا يُجابوا إلى ذلك, ولا تُقبل لهم أعذار.
(وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
وهيأنا لهؤلاء الظالمين الجاحدين قرناء فاسدين من شياطين الإنس والجن, فزينوا لهم قبائح أعمالهم في الدنيا, ودعَوهم إلى لذاتها وشهواتها المحرمة, وزَيَّنوا لهم ما خَلْفهم من أمور الآخرة, فأنسوهم ذِكرها, ودعَوهم إلى التكذيب بالمعاد, وبذلك استحقوا دخول النار في جملة أمم سابقة من كفرة الجن والإنس, إنهم كانوا خاسرين أعمالهم في الدنيا وأنفسهم وأهليهم يوم القيامة.
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
وقال الكافرون بعضهم لبعض متواصين فيما بينهم: لا تسمعوا لهذا القرآن, ولا تطيعوه، ولا تنقادوا لأوامره, وارفعوا أصواتكم بالصياح والصفير والتخليط على محمد إذا قرأ القرآن؛ لعلكم تغلبونه, فيترك القراءة, وننتصر عليه.
(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)
فلنذيقن الذين قالوا هذا القول عذابًا شديدًا في الدنيا والآخرة, ولنجزينهم أسوأ ما كانوا يعملون من السيئات.
(ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)
هذا الجزاء الذي يُجزى به هؤلاء الذين كفروا جزاء أعداء الله النار, لهم فيها دار الخلود الدائم؛ جزاء بما كانوا بحججنا وأدلتنا يجحدون في الدنيا. والآية دالة على عظم جريمة من صرف الناس عن القرآن العظيم, وصدهم عن تدبره وهدايته بأيِّ وسيلة كانت.


صاحب فكرة 01-03-2017 02:44 PM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثامن والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 29 الى الآية 42 من سورة فصلت


(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ (29)
وقال الذين كفروا بالله ورسوله, وهم في النار: ربنا أرنا اللذَين أضلانا من خلقك من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا؛ ليكونا في الدرك الأسفل من النار.
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
إن الذين قالوا ربنا الله تعالى وحده لا شريك له, ثم استقاموا على شريعته, تتنـزل عليهم الملائكة عند الموت قائلين لهم: لا تخافوا من الموت وما بعده, ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم من أمور الدنيا, وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون بها.
(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
وتقول لهم الملائكة: نحن أنصاركم في الحياة الدنيا، نسددكم ونحفظكم بأمر الله, وكذلك نكون معكم في الآخرة, ولكم في الجنة كل ما تشتهيه أنفسكم مما تختارونه, وتَقَرُّ به أعينكم, ومهما طلبتم من شيء وجدتموه بين أيديكم ضيافة وإنعامًا لكم مِن غفور لذنوبكم, رحيم بكم.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وعبادته وحده وعمل صالحًا وقال: إنني من المسلمين المنقادين لأمر الله وشرعه. وفي الآية حث على الدعوة إلى الله سبحانه, وبيان فضل العلماء الداعين إليه على بصيرة, وَفْق ما جاء عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله, واستقاموا على شرعه, وأحسنوا إلى خلقه, وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره, وأساؤوا إلى خلقه. ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك, وقابل إساءته لك بالإحسان إليه, فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك. وما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره, وأجبروها على ما يحبه الله, وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
وإما يلقينَّ الشيطان في نفسك وسوسة من حديث النفس لحملك على مجازاة المسيء بالإساءة, فاستجر بالله واعتصم به, إن الله هو السميع لاستعاذتك به, العليم بأمور خلقه جميعها.
(وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
ومِن حجج الله على خلقه, ودلائله على وحدانيته وكمال قدرته اختلاف الليل والنهار, وتعاقبهما, واختلاف الشمس والقمر وتعاقبهما, كل ذلك تحت تسخيره وقهره. لا تسجدوا للشمس ولا للقمر- فإنهما مدَبَّران مخلوقان- واسجدوا لله الذي خلقهن, إن كنتم حقًّا منقادين لأمره سامعين مطيعين له، تعبدونه وحده لا شريك له.
(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)
فإن استكبر هؤلاء المشركون عن السجود لله, فإن الملائكة الذين عند ربك لا يستكبرون عن ذلك, بل يسبحون له, وينـزِّهونه عن كل نقص بالليل والنهار, وهم لا يَفْتُرون عن ذلك, ولا يملون.
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
ومن علامات وحدانية الله وقدرته: أنك ترى الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا أنـزلنا عليها المطر دبَّت فيها الحياة, وتحركت بالنبات, وانتفخت وعلت, إن الذي أحيا هذه الأرض بعد همودها, قادر على إحياء الخلق بعد موتهم, إنه على كل شيء قدير, فكما لا تعجز قدرته عن إحياء الأرض بعد موتها, فكذلك لا تعجز عن إحياء الموتى.
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
إن الذين يميلون عن الحق, فيكفرون بالقرآن ويحرفونه, لا يَخْفَون علينا, بل نحن مُطَّلعون عليهم. أفهذا الملحد في آيات الله الذي يُلقى في النار خير, أم الذي يأتي يوم القيامة آمنًا من عذاب الله, مستحقًا لثوابه; لإيمانه به وتصديقه بآياته؟ اعملوا- أيها الملحدون- ما شئتم, فإن الله تعالى بأعمالكم بصير, لا يخفى عليه شيء منها, وسيجازيكم على ذلك. وفي هذا وعيد وتهديد لهم.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
إن الذين جحدوا بهذا القرآن وكذَّبوا به حين جاءهم هالكون ومعذَّبون, وإن هذا القرآن لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه وحفظه له من كل تغيير أو تبديل, لا يأتيه الباطل من أي ناحية من نواحيه ولا يبطله شيء, فهو محفوظ من أن يُنقص منه, أو يزاد فيه, تنـزيل من حكيم بتدبير أمور عباده, محمود على ما له من صفات الكمال.


صاحب فكرة 04-03-2017 11:35 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء التاسع والتسعون بعد المائة الثالثة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 43 الى الآية 54 من سورة فصلت
(مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
ما يقول لك هؤلاء المشركون -أيها الرسول- إلا ما قد قاله مَن قبلهم مِنَ الأمم لرسلهم, فاصبر على ما ينالك في سبيل الدعوة إلى الله. إن ربك لذو مغفرة لذنوب التائبين, وذو عقاب لمن أصرَّ على كفره وتكذيبه.
(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
ولو جعلنا هذا القرآن الذي أنـزلناه عليك -أيها الرسول- أعجميًا, لقال المشركون: هلا بُيِّنتْ آياته, فنفقهه ونعلمه, أأعجمي هذا القرآن, ولسان الذي أنـزل عليه عربي؟ هذا لا يكون. قل لهم -أيها الرسول-: هذا القرآن للذين آمنوا بالله ورسوله هدى من الضلالة, وشفاء لما في الصدور من الشكوك والأمراض, والذين لا يؤمنون بالقرآن في آذانهم صمم من سماعه وتدبره, وهو على قلوبهم عَمًى, فلا يهتدون به, أولئك المشركون كمن يُنادى, وهو في مكان بعيد لا يسمع داعيًا, ولا يجيب مناديًا.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)
ولقد آتينا موسى التوراة كما آتيناك -أيها الرسول- القرآن فاختلف فيها قومه: فمنهم مَن آمن, ومنهم مَن كذَّب. ولولا كلمة سبقت من ربك بتأجيل العذاب عن قومك لفُصِل بينهم بإهلاك الكافرين في الحال, وإن المشركين لفي شك من القرآن شديد الريبة.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
من عمل صالحًا فأطاع الله ورسوله فلنفسه ثواب عمله, ومن أساء فعصى الله ورسوله فعلى نفسه وزر عمله. وما ربك بظلام للعبيد, بنقص حسنة أو زيادة سيِّئة.
(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
إلى الله تعالى وحده لا شريك له يُرْجَع علم الساعة, فإنه لا يعلم أحد متى قيامها غيره, وما تخرج من ثمرات من أوعيتها, وما تحمل مِن أنثى ولا تضع حَمْلها إلا بعلم من الله, لا يخفى عليه شيء من ذلك. ويوم ينادي الله تعالى المشركين يوم القيامة توبيخًا لهم وإظهارًا لكذبهم: أين شركائي الذين كنتم تشركونهم في عبادتي؟ قالوا: أعلمناك الآن ما منا من أحد يشهد اليوم أن معك شريكًا.
(وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
وذهب عن هؤلاء المشركين شركاؤهم الذين كانوا يعبدونهم من دون الله, فلم ينفعوهم, وأيقنوا أن لا ملجأ لهم من عذاب الله, ولا محيد عنه.
(لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
لا يملُّ الإنسان من دعاء ربه طالبًا الخير الدنيوي, وإن أصابه فقر وشدة فهو يؤوس من رحمة الله, قنوط بسوء الظن بربه.
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
ولئن أذقنا الإنسان نعمة منا من بعد شدة وبلاء لم يشكر الله تعالى, بل يطغى ويقول: أتاني هذا؛ لأني مستحق له, وما أعتقد أن الساعة آتية, وذلك إنكار منه للبعث, وعلى تقدير إتيان الساعة وأني سأرجع إلى ربي, فإن لي عنده الجنة, فلنخبرن الذين كفروا يوم القيامة بما عملوا من سيئات, ولنذيقنهم من العذاب الشديد.
(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
وإذا أنعمنا على الإنسان بصحة أو رزق أو غيرهما أعرض وترفَّع عن الانقياد إلى الحق، فإن أصابه ضر فهو ذو دعاء كثير بأن يكشف الله ضرَّه, فهو يعرف ربه في الشدة, ولا يعرفه في الرخاء.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)
قل -أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين: أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله ثم جحدتم وكذَّبتم به, لا أحد أضل منكم؛ لأنكم في خلاف بعيد عن الحق بكفركم بالقرآن وتكذيبكم به.
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
سَنُري هؤلاء المكذبين آياتنا من الفتوحات وظهور الإسلام على الأقاليم وسائر الأديان، وفي أقطار السموات والأرض, وما يحدثه الله فيهما من الحوادث العظيمة, وفي أنفسهم وما اشتملت عليه من بديع آيات الله وعجائب صنعه, حتى يتبين لهم من تلك الآيات بيان لا يقبل الشك أن القرآن الكريم هو الحق الموحَى به من رب العالمين. أولم يكفهم دليلا على أن القرآن حق, ومَن جاء به صادق, شهادة الله تعالى؟ فإنه قد شهد له بالتصديق, وهو على كل شيء شهيد, ولا شيء أكبر شهادة من شهادته سبحانه وتعالى.
(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
ألا إن هؤلاء الكافرين في شك عظيم من البعث بعد الممات. ألا إن الله- جلَّ وعلا- بكل شيء محيط علمًا وقدرة وعزةً, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
انتهينا بحمد الله من سورة فصلت واللقاء القادم مع سورة الشورى بمشيئة الله تعالى

صاحب فكرة 05-03-2017 10:50 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الأربعمائة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 1 الى الآية 16 من سورة الشورى
(حم (1) عسق (2)
سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
(كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
كما أنـزل الله إليك -أيها النبي- هذا القرآن أنـزل الكتب والصحف على الأنبياء من قبلك , وهو العزيز في انتقامه , الحكيم في أقواله وأفعاله.
(لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
لله وحده ما في السموات وما في الأرض , وهو العليُّ بذاته وقدره وقهره , العظيم الذي له العظمة والكبرياء.
(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
تكاد السموات يتشقَّقْنَ , كل واحدة فوق التي تليها؛ من عظمة الرحمن وجلاله تبارك وتعالى, والملائكة يسبحون بحمد ربهم, وينـزهونه عما لا يليق به , ويسألون ربهم المغفرة لذنوب مَن في الأرض مِن أهل الإيمان به. ألا إن الله هو الغفور لذنوب مؤمني عباده, الرحيم بهم.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
والذين اتخذوا غير الله آلهة مِن دونه يتولَّونها, ويعبدونها , الله تعالى يحفظ عليهم أفعالهم؛ ليجازيهم بها يوم القيامة , وما أنت -أيها الرسول- بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم, إنما أنت منذر, فعليك البلاغ وعلينا الحساب.
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك أوحَيْنا إليك قرآنا عربيًّا؛ لتنذر أهل "مكة" ومَن حولها مِن سائر الناس , وتنذر عذاب يوم الجمع , وهو يوم القيامة, لا شك في مجيئه. الناس فيه فريقان: فريق في الجنة, وهم الذين آمنوا بالله واتبعوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم فريق في النار المستعرة, وهم الذين كفروا بالله, وخالفوا ما جاءهم به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8)
ولو شاء الله أن يجمع خَلْقَه على الهدى ويجعلهم على ملة واحدة مهتدية لفعل, ولكنه أراد أن يُدخل في رحمته مَن يشاء مِن خواص خلقه. والظالمون أنفسهم بالشرك ما لهم من وليٍّ يتولى أمورهم يوم القيامة , ولا نصير ينصرهم من عقاب الله تعالى.
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
بل اتخذ هؤلاء المشركون أولياء من دون الله يتولونهم, فالله وحده هو الوليُّ يتولاه عَبْدُه بالعبادة والطاعة , ويتولَّى عباده المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور وإعانتهم في جميع أمورهم, وهو يحيي الموتى عند البعث , وهو على كل شيء قدير, لا يعجزه شيء.
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
وما اختلفتم فيه- أيها الناس- من شيء من أمور دينكم, فالحكم فيه مردُّه إلى الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ذلكم الله ربي وربكم , عليه وحده توكلت في أموري , وإليه أرجع في جميع شؤوني.
(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والأرض ومبدعهما بقدرته ومشيئته وحكمته, جعل لكم من أنفسكم أزواجًا؛ لتسكنوا إليها, وجعل لكم من الأنعام أزواجًا ذكورًا وإناثًا, يكثركم بسببه بالتوالد, ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته, لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله؛ لأن أسماءه كلَّها حسنى, وصفاتِه صفات كمال وعظمة, وأفعالَه تعالى أوجد بها المخلوقات العظيمة من غير مشارك , وهو السميع البصير, لا يخفى عليه مِن أعمال خلقه وأقوالهم شيء, وسيجازيهم على ذلك.
(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
له سبحانه وتعالى ملك السموات والأرض , وبيده مفاتيح الرحمة والأرزاق , يوسِّع رزقه على مَن يشاء مِن عباده ويضيِّقه على مَن يشاء, إنه تبارك وتعالى بكل شيء عليم, لا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
شرع الله لكم- أيها الناس- من الدِّين الذي أوحيناه إليك -أيها الرسول , وهو الإسلام- ما وصَّى به نوحًا أن يعمله ويبلغه, وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى (هؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل على المشهور) أن أقيموا الدين بالتوحيد وطاعة الله وعبادته دون مَن سواه , ولا تختلفوا في الدين الذي أمرتكم به, عَظُمَ على المشركين ما تدعوهم إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له, الله يصطفي للتوحيد مَن يشاء مِن خلقه , ويوفِّق للعمل بطاعته مَن يرجع إليه.
(وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
وما تفرَّق المشركون بالله في أديانهم فصاروا شيعًا وأحزابًا إلا مِن بعدما جاءهم العلم وقامت الحجة عليهم, وما حملهم على ذلك إلا البغي والعناد, ولولا كلمة سبقت من ربك -أيها الرسول- بتأخير العذاب عنهم إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة, لقضي بينهم بتعجيل عذاب الكافرين منهم. وإن الذين أورثوا التوراة والإنجيل من بعد هؤلاء المختلفين في الحق لفي شك من الدين والإيمان موقعٍ في الريبة والاختلاف المذموم.
(فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
فإلى ذلك الدين القيِّم الذي شرعه الله للأنبياء ووصَّاهم به, فادع -أيها الرسول- عباد الله, واستقم كما أمرك الله , ولا تتبع أهواء الذين شكُّوا في الحق وانحرفوا عن الدين, وقل: صدَّقت بجميع الكتب المنـزلة من السماء على الأنبياء, وأمرني ربي أن أعدل بينكم في الحكم, الله ربنا وربكم , لنا ثواب أعمالنا الصالحة, ولكم جزاء أعمالكم السيئة, لا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم بعدما تبين الحق, الله يجمع بيننا وبينكم يوم القيامة, فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه, وإليه المرجع والمآب, فيجازي كلا بما يستحق.
(وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
والذين يجادلون في دين الله الذي أرسلتُ به محمدًا صلى الله عليه وسلم مِن بعد ما استجاب الناس له وأسلموا, حجتهم ومجادلتهم باطلة ذاهبة عند ربهم, وعليهم من الله غضب في الدنيا, ولهم في الآخرة عذاب شديد, وهو النار.


صاحب فكرة 06-03-2017 11:42 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الأول بعد المائة الرابعة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 17 الى الآية 28 من سورة الشورى


(اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
الله الذي أنـزل القرآن وسائر الكتب المنـزلة بالصدق, وأنـزل الميزان وهو العدل؛ ليحكم بين الناس بالإنصاف. وأي شيء يدريك ويُعْلمك لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب؟
(يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)
يستعجل بمجيء الساعة الذين لا يؤمنون بها؛ تهكمًا واستهزاءً , والذين آمنوا بها خائفون من قيامها, ويعلمون أنها الحق الذي لا شك فيه. ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة لفي ضلال بعيد عن الحق.
(اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
الله لطيف بعباده , يوسِّع الرزق على مَن يشاء, ويضيِّقه على مَن يشاء وَفْق حكمته سبحانه, وهو القوي الذي له القوة كلها, العزيز في انتقامه من أهل معاصيه.
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
من كان يريد بعمله ثواب الآخرة فأدى حقوق الله وأنفق في الدعوة إلى الدين , نـزد له في عمله الحسن , فنضاعف له ثواب الحسنة إلى عشر أمثالها إلى ما شاء الله من الزيادة, ومن كان يريد بعمله الدنيا وحدها , نؤته منها ما قسمناه له, وليس له في الآخرة شيء من الثواب.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
بل ألهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم, ابتدعوا لهم من الدين والشرك ما لم يأذن به الله؟ ولولا قضاء الله وقدره بإمهالهم, وأن لا يعجل لهم العذاب في الدنيا, لقضي بينهم بتعجيل العذاب لهم. وإن الكافرين بالله لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.
(تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
ترى -أيها الرسول- الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمال خبيثة , والعذاب نازل بهم , وهم ذائقوه لا محالة . والذين آمنوا بالله وأطاعوه في بساتين الجنات وقصورها ونعيم الآخرة , لهم ما تشتهيه أنفسهم عند ربهم, ذلك الذي أعطاه الله لهم من الفضل والكرامة هو الفضل الذي لا يوصف , ولا تهتدي إليه العقول.
(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
ذلك الذي أخبرتكم به- أيها الناس- من النعيم والكرامة في الآخرة هو البشرى التي يبشر الله بها عباده الذين آمنوا به في الدنيا وأطاعوه. قل -أيها الرسول- للذين يشكون في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضًا من أموالكم, إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم, وتَصِلوا الرحم التي بيني وبينكم. ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا. إن الله غفور لذنوب عباده, شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
بل أيقول هؤلاء المشركون: اختلق محمد الكذب على الله, فجاء بالذي يتلوه علينا اختلاقًا من عند نفسه؟ فإن يشأ الله يطبع على قلبك -أيها الرسول- لو فعلت ذلك. ويُذْهِبُ الله الباطل فيمحقه , ويحق الحق بكلماته التي لا تتبدل ولا تتغيَّر , وبوعده الصادق الذي لا يتخلف. إن الله عليم بما في قلوب العباد, لا يخفى عليه شيء منه.
(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
والله سبحانه وتعالى هو الذي يقبل التوبة عن عباده إذا رجعوا إلى توحيد الله وطاعته , ويعفو عن السيئات , ويعلم ما تصنعون من خير وشر , لا يخفى عليه شيء من ذلك , وهو مجازيكم به.
(وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
ويستجيب الذين آمنوا بالله ورسوله لربهم لِمَا دعاهم إليه وينقادون له , ويزيدهم من فضله توفيقًا ومضاعفة في الأجر والثواب. والكافرون بالله ورسوله لهم يوم القيامة عذاب شديد موجع مؤلم.
(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
ولو بسط الله الرزق لعباده فوسَّعه عليهم , لبغوا في الأرض أشَرًا وبطرًا , ولطغى بعضهم على بعض , ولكن الله ينـزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم. إنه بعباده خبير بما يصلحهم, بصير بتدبيرهم وتصريف أحوالهم.
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
والله وحده هو الذي ينـزل المطر من السماء , فيغيثهم به من بعد ما يئسوا من نـزوله , وينشر رحمته في خلقه, فيعمهم بالغيث , وهو الوليُّ الذي يتولى عباده بإحسانه وفضله, الحميد في ولايته وتدبيره.


صاحب فكرة 07-03-2017 10:25 AM

رد: قراءة يومية في التفسير الم
 
اللقاء الثاني بعد المائة الرابعة من قراءتنا لكتاب التفسير الميسر
من الآية 29 الى الآية 42 من سورة الشورى
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
ومن آياته الدالة على عظمته وقدرته وسلطانه, خَلْقُ السموات والأرض على غير مثال سابق , وما نشر فيهما من أصناف الدواب , وهو على جَمْع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة إذا يشاء قدير, لا يتعذر عليه شيء.
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
وما أصابكم- أيها الناس- من مصيبة في دينكم ودنياكم فبما كسبتم من الذنوب والآثام , ويعفو لكم ربكم عن كثير من السيئات , فلا يؤاخذكم بها.
(وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (31)
وما أنتم- أيها الناس- بمعجزين قدرة الله عليكم , ولا فائتيه, وما لكم من دون الله مِن وليٍّ يتولى أموركم , فيوصل لكم المنافع , ولا نصير يدفع عنكم المضارَّ.
(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة كالجبال تجري في البحر. إن يشأ الله الذي أجرى هذه السفن في البحر يُسكن الريح, فتَبْقَ السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري , إن في جَرْي هذه السفن ووقوفها في البحر بقدرة الله لَعظات وحججًا بيِّنة على قدرة الله لكل صبار على طاعة الله, شكور لنعمه وأفضاله.
(أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
أو يهلكِ السفن بالغرق بسبب ذنوب أهلها , ويعفُ عن كثير من الذنوب فلا يعاقب عليها.
(وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
ويَعْلَم الذين يجادلون بالباطل في آياتنا الدالة على توحيدنا, ما لهم من محيد ولا ملجأ من عقاب الله, إذا عاقبهم على ذنوبهم وكفرهم به.
(فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
فما أوتيتم- أيها الناس- من شيء من المال أو البنين وغير ذلك فهو متاع لكم في الحياة الدنيا, سُرعان ما يزول , وما عند الله تعالى من نعيم الجنة المقيم خير وأبقى للذين آمنوا بالله ورسله, وعلى ربهم يتوكلون.
(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه , وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي , وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة , ويصفحون عن عقوبة المسيء؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه , وهذا من محاسن الأخلاق.
(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
والذين استجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده وطاعته, وأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها, وإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه , ومما أعطيناهم من الأموال يتصدقون في سبيل الله, ويؤدون ما فرض الله عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة وغير ذلك من وجوه الإنفاق.
(وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
والذين إذا أصابهم الظلم هم ينتصرون ممن بغى عليهم مِن غير أن يعتدوا, وإن صبروا ففي عاقبة صبرهم خير كثير.
(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة, فمن عفا عن المسيء, وترك عقابه, وأصلح الودَّ بينه وبين المعفو عنه ابتغاء وجه الله , فأَجْرُ عفوه ذلك على الله. إن الله لا يحب الظالمين الذين يبدؤون بالعدوان على الناس , ويسيئون إليهم.
(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه له فأولئك ما عليهم من مؤاخذة.
(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
إنما المؤاخذة على الذين يتعدَّون على الناس ظلمًا وعدوانًا, ويتجاوزون الحدَّ الذي أباحه لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه , فيفسدون في الأرض بغير الحق, أولئك لهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع.



الساعة الآن 01:32 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لموقع و منتدى عالم الأسرة و المجتمع 2010©